خلال الأسبوع الأخير من شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، والأسبوع الأول من ديسمبر/كانون الأول الحالي، أعلنت كتائب القسام عبر قناتها على تلغرام استخدام منظومة رجوم الصاروخية لقصف نحو 10 مناطق محددة في الداخل المحتل، معظمها كانت قواعد عسكرية في مناطق في غلاف غزة، مثل قاعدة "رعيم" العسكرية، وموقع "العين الثالثة"، و"نيريم"، و"أميتاي"، و"كيسوفيم"، وغيرها.

بالتزامن مع ذلك، استُخدمت رجوم أيضا في قصف تحشيدات لجيش الاحتلال في مناطق مثل شرق دير البلح وشمال غرب مدينة غزة. في الواقع، كانت هذه هي المنظومة نفسها التي استخدمتها المقاومة للتمهيد لعملية "طوفان الأقصى" وتغطية عبور مقاتليها إلى الأراضي المحتلة، ويعطينا ذلك انطباعين أساسيين، الأول أن المقاومة قادرة على تنويع استخدام مدفعيتها جيدا في المهام المختلفة، والثاني أنها تمتلك عددا كبيرا من قطع هذه المنظومة يكفي لضرب مناطق تقع حول كامل حدود غزة وليس شمالا فقط.

ما هي "رجوم"؟

لا تعلن كتائب القسام الكثير من البيانات الخاصة بـ"رجوم"، كل ما نعرفه أنها منظومة مدفعية صاروخية قصيرة المدى عيار 114 ملم، ويشير عيار القذيفة عادة إلى قُطر القذيفة نفسها، وكذلك هو مقياس للقُطر الداخلي لأنبوب قطعة المدفعية التي تطلق القذيفة، ويخبرنا هذا القُطر أن كتلة الرأس الحربي الذي تحمله القذيفة يتراوح بين 2-3 كيلوغرامات، تزيد أو تنقص قليلا.

من الشكل الخارجي، يبدو لنا أن منظومة رجوم هي راجمة صواريخ متعددة، وهو نوع من المدفعية الصاروخية غير الموجَّه، تستهدف بالأساس تجهيز أرض المعركة عبر توفير الدعم الناري المباشر للقوات البرية، كما يمكن استخدامها لتدمير مصادر إطلاق النيران بأنواعها واستهداف أماكن تمركز الأعداء عموما.

تتكون المنظومة من ثلاثة صفوف، كلٌّ منها منفصل عن الآخر، ويمتلك كلٌّ منها خمسة أنابيب، وهي بذلك تشبه في تركيبها منظومة صينية شهيرة مع تعديلات رفعت معدل الإطلاق وقُطر القذيفة. نقصد هنا قاذفة الصواريخ المتعددة من "النوع 63" ذات الـ12 أنبوبا وبقُطر 107 ملم، التي أنتجتها الصين (1) في أوائل الستينيات وصُدِّرت وصُنِّعت عالميا فيما بعد، وهي الأشهر على الإطلاق في هذا النطاق، والأقرب في التصميم إلى رجوم.

هذا الطراز لم يعد يخدم مع وحدات المشاة النشطة للقوات الصينية، لكنه ما زال في خدمة تشكيلات متخصصة تُبيِّن لنا أهمية هذه القطعة التقنية، وهي وحدات المشاة الجبلية ووحدات القوات الخاصة، ذلك لأن المنظومات الصاروخية من هذا النوع خفيفة سهلة التنقل، وسهل التحكم بها واستخدامها من قِبَل فرق صغيرة جدا من الجنود، وتصلح في المعارك على نطاقات قصيرة، وخاصة مع وجود تضاريس غير ممهدة، وذلك أيضا هو ما يميز رجوم بالنسبة لوضع غزة.

قاذفة الصواريخ المتعددة من "النوع 63" ذات الـ12 أنبوبا وبقُطر 107 ملم، التي أنتجتها الصين. (مواقع التواصل)

فمن خلال نظرة متفحصة إلى المواقع التي استهدفتها، نجد أنها تصل بنيرانها إلى نطاقات متعددة بحد يصل إلى نحو 8 أو 9 كيلومترات، ومع سهولة تنقلها فإنه يمكن موضعة فرق متخصصة في إطلاق المدفعية في منطقة محددة ثم إطلاق دفعة من الصواريخ، ومن ثم التموضع في منطقة أخرى وهكذا. تطلق رجوم الصواريخ بمعدل بطيء نسبيا كما يتضح من فيديو القسام (صاروخ كل ثانيتين إلى أربع ثوانٍ)، لكن مع وجود عدد كبير من القطع فإن وابل الصواريخ يكون كثيفا.

إحدى مزايا هذا النوع من القاذفات الصاروخية المتعددة هو تنوع آليات الاستخدام، إذ يمكن استخدامه بشكل مباشر على الأرض، حيث تمتلك عجلتين تجري عليهما (كما في حالة رجوم)، أو تركيبه على عربة مدرعة أو حتى عربة نقل مجهزة نسبيا. ولذلك فإنه ما زال مستخدما في العديد من الدول، مثل إيران (2) التي تستخدم نسخة مشابهة للنسخة الصينية تتكون من 12 أنبوبا وبعيار 107 ملم تحت اسم "فجر-1″، ومصر (3) التي طورت الطراز "RL812/TL" الذي يُحمَّل على عربة، ودول أخرى مثل تركيا وألبانيا وفيتنام وكمبوديا.

إلى أي مدى تفيد المقاومة؟

بالطبع يمتلك الاحتلال الإسرائيلي راجمات صاروخية أدق وأقوى، خذ مثلا راجمة صواريخ "إم 270" (4) التي عاد الاحتلال لاستخدامها مرة أخرى لأول مرة منذ 2006، وتُمثِّل نظاما متنقلا يصل مداه إلى 500 كيلومتر، أو أنظمة أخرى مثل "لار-160" من عيار 160 ملم، ويبلغ مداه الأدنى 12 كم، ومداه الأقصى 45 كم، مع 13 أنبوب إطلاق صاروخي، أو نظام "بالس" مع عيارات متنوعة تتراوح من 122-370 ملم ومدى إطلاق واسع، وغيرها من الأنظمة (5) (6).

لكن التفوق التقني لا يعني بالضرورة التفوق العسكري، لأنه في الحروب غير المتكافئة، تلك التي تتواجه خلالها أنظمة عسكرية مختلفة القوة من حيث العتاد، فإن الطرف الأضعف تقنيا يلجأ إلى تكتيكات تُعظِّم من شأن أدواته وتقلل في الوقت نفسه من شأن أدوات العدو، فتصبح القوى متوازنة في سياق معارك بعينها.

 

 

على سبيل المثال، فإن الحرب في المدينة تضطر جنود الاحتلال إلى النزول من مدرعاتهم وتفتيش المنازل، ما يفتح الباب للمقاومة، التي هي أعلم بشعاب مدينتها، بضربهم بقوة، سواء عبر الاشتباك المباشر أو قنصهم أو استهدافهم عبر العبوات الناسفة، وهو ما لاحظناه أكثر من مرة خلال الأيام الأولى في شهر ديسمبر/كانون الأول.

في تلك النقطة تظهر قوات المدفعية القسامية، التي بِتنا نعرف أنها تنقسم إلى جزأين أساسيين، هما قوات مدافع الهاون، والقوات التي تعمل على منظومة رجوم الصاروخية، وكلاهما يعمل بشكل ممتاز بوصفه سلاح مدفعية في حالة النطاقات قصيرة المدى التي لا يمكن للمدفعية المعتادة أن تصل إليها، ويعني ذلك أنه يصلح بشكل رئيسي في حالة الاجتياح البري حيث تكون المسافات بين المهاجم (الاحتلال) والمدافع (المقاومة) قصيرة، أو في حالة غلاف غزة، التي يُمثِّل تكثيف النيران عليها ضغطا كبيرا، إلى جانب الرشقات الصاروخية التي تطلقها المقاومة على بقية مناطق دولة الاحتلال.

صغر الوزن وإمكانية التحرك السريع (وهي من خصائص رجوم) هي نقطة قوة مهمة بالنسبة للمقاومة، لأن العدو لا يعرف تضاريس غزة جيدا، وبالتالي تأتيه النيران مفاجئة ومن مناطق متنوعة، وفي الحروب غير النظامية من هذا النوع، التي تحدث بين مقاومة أقل في العتاد من جيش نظامي بفارق كبير، فإن إستراتيجيات الكر والفر تعادل القوى في المعركة.

تساقط الأهداف الإسرائيلية

أضف إلى ذلك نقطة مهمة في هذا السياق، وهي أن الانتصار الحاسم ليس هدفا في هذه المعارك، بل إطالة أمد المعركة حتى يتأثر القرار السياسي في تل أبيب والولايات المتحدة والعواصم الأخرى المؤثرة، وخاصة مع إدخال عناصر أخرى للمعركة مثل قضية الأسرى.

دولة الاحتلال تحاول إعادة صياغة أهدافها  داخل غزة لتتناسب مع ما واجهته من صعوبات خلال الاجتياح البري. (الأناضول)

في ورقة بحثية واسعة الشهرة نُشرت (7) في مجلة "ورلد بوليتكس" سنة 1975 بعنوان "لماذا تخسر الأمم الكبرى الحروب الصغيرة"، يرى أندرو ماك، الأستاذ المساعد في كلية الدراسات الدولية بجامعة سيمون فريزر الكندية، أن هناك سلاحا آخر في الحروب غير المتكافئة من هذا النوع هو "العزم"، الذي يتمثل في المصلحة النسبية للقوى المتقاتلة، وهو ما يفسر النجاح أو الفشل في الصراعات غير المتكافئة، والخلاصة أن الجانب الذي يتمتع بأكبر قدر من العزم يفوز، بغض النظر عن الفارق في موارد القوة المادية.

يشير ماك إلى أن هناك مفارقة كبرى في هذا السياق، فإذا اتسعت الفجوة في القوة النسبية بين الفريقين (المقاومة والاحتلال في هذه الحالة)، فإنه كلما كانت الجهات أقوى كانت بالتبعية أقل تصميما وعزما، وبالتالي أكثر ضعفا من الناحية السياسية، وعلى العكس فإن الجهات الضعيفة تقنيا وعدديا عادة ما تكون أكثر تصميما وعزما، لأن المعركة بالنسبة لها تكون كل شيء. وبالتالي فإن الجيوش الكبرى قد تخسر حروبا صغيرة لأن الوضع السياسي المتأزم سيُجبرها على الانسحاب دون تحقيق النصر العسكري الحاسم.

ويمكن لهذا النموذج أن يتحقق في الحرب الدائرة الحالية على غزة، فلو تأملنا الأهداف الإسرائيلية المعلنة مسبقا، وهي إبادة حماس وتخليص الأسرى والسيطرة على غزة، لوجدنا أنها لم تتحقق بعد جميعا، بل إن الاحتلال يحاول حاليا إعادة صياغة أهدافه داخل غزة لتتناسب مع ما واجهه من صعوبات خلال الاجتياح البري.

أضف إلى ذلك أن الداخل الإسرائيلي يبدو مضطربا سياسيا أكثر من أي وقت مضى، ومع المظاهرات التي تنطلق في كل أنحاء العالم تنديدا بعدوان غير مسبوق على الأبرياء، وبدايات اضطراب في الرابط السياسي الذي بدأ قويا بين الغرب وإسرائيل، فإن الأمور بالفعل تميل إلى صالح المقاومة، التي لا تمتلك من العتاد إلا أسلحة صغيرة نسبيا، لكن مع عزم لا يلين.

______________________________________________________

مصادر

1- Chinese multiple launch rocket systems 1950-1970s 2- المتعدد طراز (RL812/TL) 3- FADJR-1 4- IDF: Multiple rocket launcher used to target Hamas in Gaza for first time since 2006 5- LAR-160 multiple launch rocket system 6- PULS™ Precise and Universal Launching System 7- Andrew Mack – Why Big Nations Lose Small Wars: The Politics of Asymmetric Conflict -World Politics Vol. 27, No. 2 (Jan., 1975), pp. 175-200 (26 pages)

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: هذا النوع فی حالة

إقرأ أيضاً:

بأس “الحوانين” يواصل كسر “السيف” الصهيوني.. ملاحم انتصار أجــدّ في غزة

يمانيون../
رغمَ شراسةِ العدوانِ الصهيوني واستمرارِ الإبادةِ لليوم الـ 568 من الطوفان، استطاع أبطالُ الجِهادِ والمقاومة، أن يسطِّروا ملاحمَ بطوليةً غيرَ مسبوقةٍ، مؤكّـدين أن إرادتَهم لا يمكن كسرُها مهما كانت التحديات.

وفي الوقت الذي كانت آلةُ الحرب الصهيونية تستعرُ فوقَ سماء غزة وتحاولُ بائسةً أن تفرِضَ معادلاتِها بالحديد والنار، كانت المقاومةُ الفلسطينية، وفي طليعتها كتائبُ القسام؛ تكتُبُ ملحمةً جديدةً من الصمود والإبداع القتالي.

في هذا التقرير، نسلِّطُ الضوءَ على أبرز إنجازات المقاومة في قِطاع غزة؛ عسكريًّا وسياسيًّا ونفسيًّا، خلال الساعات الـ 48 الماضية، مستعرضين ملامحَ هذه الملحمة الخالدة.

صاعقةُ الغول وبأسُ الرجال:

من بيت حانون إلى حي الشجاعية، ومن أنفاق الغموض إلى ساحات الاشتباك المكشوفة، خطّت سواعدُ المجاهدين أروعَ صور الفداء والمواجهة المباشرة، موقعةً في صفوف العدوّ صرعى وجرحى بالعشرات، ومثبتة أن غزة -برغم الجراح والحصار- ما زالت تصنَعُ التاريخَ المقاوِمَ بقلبٍ من نارٍ وعقلٍ من نور.

في مشهدٍ بطولي يعكسُ خِبرةً ميدانيةً متراكمةً، نفَّذَ مجاهدو القسام عمليةً نوعيةً شرق بلدة بيت حانون ضمن كمين “كسر السيف”، حَيثُ جرى قنصُ عددٍ من جنود وضباط العدوّ ببندقية “الغول” القسامية، وهي بندقيةٌ فلسطينية الصُّنع ذات دقة نارية عالية.

وقد أسفرت العملية عن سقوط عدة إصابات مباشرة بين صفوف الاحتلال؛ ما أَدَّى إلى إعادة تموضع قواتِ العدوّ قرب الحدود نتيجةَ فشلهم الذريع في تثبيت وجودهم هناك.

في الأثناء، لم تكن الشجاعية حَيًّا سكنيًّا هادئًا بل تحوَّلت إلى كمينٍ جهنمي للعدو، حَيثُ تمكّن مجاهدو القسام من استهداف قوة صهيونية خَاصَّة تحصَّنت داخلَ منزل بعدة قذائفَ من طراز “آر بي جي” و”الياسين 105″، ثم انقضُّوا عليهم بالأسلحة الرشاشة، موقعين قتلى وجرحى، من بينهم عناصرُ من وحدات النخبة الصهيونية.

تأخَّرت عمليةُ إخلاء المصابين لساعتين وشهدت خمسَ اشتباكات عنيفة، في مشهدٍ يؤكّـد أن غزة صارت مقبرةً لطموحات الاحتلال.

واليوم، استهدفت كتائبُ القسام دبابة “ميركفا4” بقذيفة “الياسين 105” شرقي “حي التفاح” بمدينة غزة، كما تمكّن مجاهدو القسام من تفجير عبوة مضادة للأفراد في عددٍ من جنود الاحتلال وأوقعوهم بين قتيل وجريح في الموقع ذاته.

https://www.masirahtv.net/static/uploads/files/%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B3%D8%A7%D9%85_%D8%B9%D9%85%D9%84%D9%8A%D8%A9_%D8%A7%D9%86%D9%82%D8%A7%D8%B0_%D8%A3%D8%B3%D9%8A%D8%B1_%D8%B5%D9%87%D9%8A%D9%88%D9%86%D9%8A_%D9%84%D8%AF%D9%8A%D9%87%D8%A7_%D8%A8%D8%B9%D8%AF_%D9%82%D8%B5%D9%81%D9%87.mp4
صفعة الأسرى.. المقاومة تُفشِلُ أهداف الحرب

وفي تطورٍ دراماتيكي، أعلنت كتائبُ القسام عن عمليةِ إنقاذ أسرى صهاينة من أحد مواقع المقاومة في غزة بعد أن قصفه الاحتلال؛ ما ضاعف من ارتباكِ القيادةِ العسكرية الصهيونية، وأكّـد فشلَ أهدافها للحرب.

وفي مقطع مصوَّر نشرت القسامُ بعضَ المشاهد مرجِئةً “التفاصيل لاحقًا”، لما أسمته: “عملية إنقاذ أسرى إسرائيليين من نفقٍ قصفه جيشُ الاحتلال قبلَ عدة أيام”.

عقبَ ذلكَ، أكّـد الوزير وعضو “الكابينت” الصهيوني “زئيف إلكين”، أن حكومتَه “مستعدةٌ لوقف القتال فورًا مقابلَ إطلاق سراح الأسرى، بشرط أن يكونَ بالإمْكَان استئنافُ القتال لاحقًا أَو التوصل إلى اتّفاق تتنحَّى فيه حماس من الحكم ويتم نزعُ سلاحها، لكن حماس غيرُ مستعدة لذلك”.

في الأثناء، أكّـد جنرالان صهيونيان متقاعدان، اليوم الأحد، أن جيشَ الاحتلال ليسَ قادرًا على تنفيذ سياسَة حكومة مجرم الحرب نتنياهو في قطاع غزة، وأن رئيسَ أركانه “إيال زامير”، نصب لنفسه مصيدةً عندما أعلن في بداية ولايته في المنصب أنه سيهزِمُ حماس ويقيمُ حُكمًا عسكريًّا، ويقود إلى استبدال حكم حماس.

وبينما حكومة الاحتلال تزعُمُ أن الضغطَ العسكري سيعيد جنودَها الأسرى، بدا واضحًا أنها تريد التخلُّصَ منهم، والمقاومة هي مَن تحافظ على حياتهم، وتدير الميدان بثقةٍ كبيرة، وتُجهِضُ روايةَ العدوّ أمام أهالي الأسرى الذين خرجوا في مظاهراتٍ غاضبةٍ تطالب بصفقةٍ شاملة لإعادتهم، محمِّلين نتنياهو مسؤوليةَ قتل أبنائهم بالتعنّت والمقامرة السياسية.

الارتباكُ الداخلي الصهيوني: صِراعٌ وخديعة..

لم تقتصرْ خسائرُ الاحتلال على الميدان فحسب، بل انتقلت عدواها إلى داخل الكيان، مطالبات شعبيّة واسعة بإسقاط نتنياهو.

إلى جانبِ ذلك برز الغضبُ بين الضباط الصهاينة الكبار الذين دعوا صراحةً إلى: إما “تدمير غزة أَو الانسحاب منها فورًا”، واتّهامات متبادلة بين الجيش والسياسيين بأنهم يخدعون الجمهورَ بقصص انتصاراتٍ وهمية.

حَـاليًّا الاحتجاجاتُ الصهيونية تعكسُ صراعاتٍ داخليةً عنيفة، غير أنها لا ترفُضُ العدوانَ على غزةَ؛ لأَنَّ القوةَ أصبحت جُزءًا أَسَاسيًّا من الهُوية الصهيونية، إلا أن الاحتجاجاتِ تتركَّزُ ضد نتنياهو وحكومته لا ضد الاحتلال وتاريخه الدموي.

ورغم أن مراكزَ أبحاث صهيونية تحاول بين الفينة والأُخرى، إنزالَ بيانات وتعاميم استطلاعات للرأي العام الداخلي، تشيرُ إلى تراجُعِ الصِّبغة الانتقامية من الفلسطينيين، إلا أن غيابَ مِلف الأسرى الصهاينة من الممكن أن يؤديَ إلى غيابِ أي احتجاج؛ ما يكشف تمسك المجتمع الصهيوني بالعنف كأدَاة للصراع.

وفي الوقت الذي يُقتَلُ فيه جنودٌ صهاينةٌ بلا أهداف واضحة، ينكشَّفُ زيفُ أساطير وادِّعاءات حكومة الكيان، “مترو حماس” و”الضغط العسكري”، وباتت صورةُ “الجيش الذي لا يُقهَر” تتبدَّدُ أمامَ صلابة وعنفوان رجال الجهاد والمقاومة.

الروايةُ الفلسطينية تنتصر.. بين الميدان والسياسة:

وعلى الجانبِ السياسي، غادر وفدُ قيادة حماس القاهرة، أمس السبت، بعدَ مشاوراتٍ مكثّـفةٍ مع المسؤولين المصريين، حاملًا رؤيةَ المقاومة لشروط وقف النار: “وقف العدوان.. صفقة تبادل أسرى مشرِّفة.. فتح المعابر وبَدء إعادة الإعمار”.

وهو ما يعكسُ قوةَ موقع المقاومة التفاوضي مقارنةً بوضع العدوّ المنهَك سياسيًّا وعسكريًّا وشعبيًّا؛ فما يجري في غزة اليوم، هو إعلانٌ صريحٌ بأن معادلاتِ الصراع قد تغيَّرت، ولم يعد كيانُ الاحتلال يفرِضُ شروطَه بالقوة، وغزة لم تعد تُستباح بلا ثمن.

ولأن المقاومة وعدت وأوفت؛ فَــإنَّ المعركةَ القادمةَ ستكونُ أشدَّ وأمضى، والكيانُ اليومَ أوهى من بيت العنكبوت، وصار كُـلُّ جندي صهيوني يعرِفُ أن خطواته فوقَ أرض غزة محفوفةٌ بالموت، وأنَّ خلفَ كُـلّ جدارٍ، وفي كُـلّ زقاقٍ، غولًا فلسطينيًّا قادمًا من رحم الأرض.

عبدالقوي السباعي| المسيرة

مقالات مشابهة

  • حماس: الاحتلال يُحاول يائسا كسر المقاومة الفلسطينية
  • عاجل - المقاومة الفلسطينية تستهدف جنود الاحتلال شرقي حي التفاح بمدينة غزة
  • المقاومة تستهدف جنود الاحتلال شرقي حي التفاح بمدينة غزة
  • بأس “الحوانين” يواصل كسر “السيف” الصهيوني.. ملاحم انتصار أجــدّ في غزة
  • الدويري: كمائن غزة ترجمة لتحذيرات الاحتلال من تصعيد ضد قواته
  • المقاومة تستهدف جنود الاحتلال وتتصدى بغارات مضادة شرق غزة
  • خبير عسكري: لهذه الأسباب تلزم إسرائيل جنودها بالبقاء بعد انتهاء خدمتهم
  • هل وافقت المقاومة على نزع سلاحها ؟ .. قيادي فيها يوضح
  • تعرف إلى أسباب قوة كمائن المقاومة في بيت حانون
  • حماس ترد على السلطة: تصريحاتكم صادمة وسلاح المقاومة خط أحمر