خلال الأسبوع الأخير من شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، والأسبوع الأول من ديسمبر/كانون الأول الحالي، أعلنت كتائب القسام عبر قناتها على تلغرام استخدام منظومة رجوم الصاروخية لقصف نحو 10 مناطق محددة في الداخل المحتل، معظمها كانت قواعد عسكرية في مناطق في غلاف غزة، مثل قاعدة "رعيم" العسكرية، وموقع "العين الثالثة"، و"نيريم"، و"أميتاي"، و"كيسوفيم"، وغيرها.

بالتزامن مع ذلك، استُخدمت رجوم أيضا في قصف تحشيدات لجيش الاحتلال في مناطق مثل شرق دير البلح وشمال غرب مدينة غزة. في الواقع، كانت هذه هي المنظومة نفسها التي استخدمتها المقاومة للتمهيد لعملية "طوفان الأقصى" وتغطية عبور مقاتليها إلى الأراضي المحتلة، ويعطينا ذلك انطباعين أساسيين، الأول أن المقاومة قادرة على تنويع استخدام مدفعيتها جيدا في المهام المختلفة، والثاني أنها تمتلك عددا كبيرا من قطع هذه المنظومة يكفي لضرب مناطق تقع حول كامل حدود غزة وليس شمالا فقط.

ما هي "رجوم"؟

لا تعلن كتائب القسام الكثير من البيانات الخاصة بـ"رجوم"، كل ما نعرفه أنها منظومة مدفعية صاروخية قصيرة المدى عيار 114 ملم، ويشير عيار القذيفة عادة إلى قُطر القذيفة نفسها، وكذلك هو مقياس للقُطر الداخلي لأنبوب قطعة المدفعية التي تطلق القذيفة، ويخبرنا هذا القُطر أن كتلة الرأس الحربي الذي تحمله القذيفة يتراوح بين 2-3 كيلوغرامات، تزيد أو تنقص قليلا.

من الشكل الخارجي، يبدو لنا أن منظومة رجوم هي راجمة صواريخ متعددة، وهو نوع من المدفعية الصاروخية غير الموجَّه، تستهدف بالأساس تجهيز أرض المعركة عبر توفير الدعم الناري المباشر للقوات البرية، كما يمكن استخدامها لتدمير مصادر إطلاق النيران بأنواعها واستهداف أماكن تمركز الأعداء عموما.

تتكون المنظومة من ثلاثة صفوف، كلٌّ منها منفصل عن الآخر، ويمتلك كلٌّ منها خمسة أنابيب، وهي بذلك تشبه في تركيبها منظومة صينية شهيرة مع تعديلات رفعت معدل الإطلاق وقُطر القذيفة. نقصد هنا قاذفة الصواريخ المتعددة من "النوع 63" ذات الـ12 أنبوبا وبقُطر 107 ملم، التي أنتجتها الصين (1) في أوائل الستينيات وصُدِّرت وصُنِّعت عالميا فيما بعد، وهي الأشهر على الإطلاق في هذا النطاق، والأقرب في التصميم إلى رجوم.

هذا الطراز لم يعد يخدم مع وحدات المشاة النشطة للقوات الصينية، لكنه ما زال في خدمة تشكيلات متخصصة تُبيِّن لنا أهمية هذه القطعة التقنية، وهي وحدات المشاة الجبلية ووحدات القوات الخاصة، ذلك لأن المنظومات الصاروخية من هذا النوع خفيفة سهلة التنقل، وسهل التحكم بها واستخدامها من قِبَل فرق صغيرة جدا من الجنود، وتصلح في المعارك على نطاقات قصيرة، وخاصة مع وجود تضاريس غير ممهدة، وذلك أيضا هو ما يميز رجوم بالنسبة لوضع غزة.

قاذفة الصواريخ المتعددة من "النوع 63" ذات الـ12 أنبوبا وبقُطر 107 ملم، التي أنتجتها الصين. (مواقع التواصل)

فمن خلال نظرة متفحصة إلى المواقع التي استهدفتها، نجد أنها تصل بنيرانها إلى نطاقات متعددة بحد يصل إلى نحو 8 أو 9 كيلومترات، ومع سهولة تنقلها فإنه يمكن موضعة فرق متخصصة في إطلاق المدفعية في منطقة محددة ثم إطلاق دفعة من الصواريخ، ومن ثم التموضع في منطقة أخرى وهكذا. تطلق رجوم الصواريخ بمعدل بطيء نسبيا كما يتضح من فيديو القسام (صاروخ كل ثانيتين إلى أربع ثوانٍ)، لكن مع وجود عدد كبير من القطع فإن وابل الصواريخ يكون كثيفا.

إحدى مزايا هذا النوع من القاذفات الصاروخية المتعددة هو تنوع آليات الاستخدام، إذ يمكن استخدامه بشكل مباشر على الأرض، حيث تمتلك عجلتين تجري عليهما (كما في حالة رجوم)، أو تركيبه على عربة مدرعة أو حتى عربة نقل مجهزة نسبيا. ولذلك فإنه ما زال مستخدما في العديد من الدول، مثل إيران (2) التي تستخدم نسخة مشابهة للنسخة الصينية تتكون من 12 أنبوبا وبعيار 107 ملم تحت اسم "فجر-1″، ومصر (3) التي طورت الطراز "RL812/TL" الذي يُحمَّل على عربة، ودول أخرى مثل تركيا وألبانيا وفيتنام وكمبوديا.

إلى أي مدى تفيد المقاومة؟

بالطبع يمتلك الاحتلال الإسرائيلي راجمات صاروخية أدق وأقوى، خذ مثلا راجمة صواريخ "إم 270" (4) التي عاد الاحتلال لاستخدامها مرة أخرى لأول مرة منذ 2006، وتُمثِّل نظاما متنقلا يصل مداه إلى 500 كيلومتر، أو أنظمة أخرى مثل "لار-160" من عيار 160 ملم، ويبلغ مداه الأدنى 12 كم، ومداه الأقصى 45 كم، مع 13 أنبوب إطلاق صاروخي، أو نظام "بالس" مع عيارات متنوعة تتراوح من 122-370 ملم ومدى إطلاق واسع، وغيرها من الأنظمة (5) (6).

لكن التفوق التقني لا يعني بالضرورة التفوق العسكري، لأنه في الحروب غير المتكافئة، تلك التي تتواجه خلالها أنظمة عسكرية مختلفة القوة من حيث العتاد، فإن الطرف الأضعف تقنيا يلجأ إلى تكتيكات تُعظِّم من شأن أدواته وتقلل في الوقت نفسه من شأن أدوات العدو، فتصبح القوى متوازنة في سياق معارك بعينها.

 

 

على سبيل المثال، فإن الحرب في المدينة تضطر جنود الاحتلال إلى النزول من مدرعاتهم وتفتيش المنازل، ما يفتح الباب للمقاومة، التي هي أعلم بشعاب مدينتها، بضربهم بقوة، سواء عبر الاشتباك المباشر أو قنصهم أو استهدافهم عبر العبوات الناسفة، وهو ما لاحظناه أكثر من مرة خلال الأيام الأولى في شهر ديسمبر/كانون الأول.

في تلك النقطة تظهر قوات المدفعية القسامية، التي بِتنا نعرف أنها تنقسم إلى جزأين أساسيين، هما قوات مدافع الهاون، والقوات التي تعمل على منظومة رجوم الصاروخية، وكلاهما يعمل بشكل ممتاز بوصفه سلاح مدفعية في حالة النطاقات قصيرة المدى التي لا يمكن للمدفعية المعتادة أن تصل إليها، ويعني ذلك أنه يصلح بشكل رئيسي في حالة الاجتياح البري حيث تكون المسافات بين المهاجم (الاحتلال) والمدافع (المقاومة) قصيرة، أو في حالة غلاف غزة، التي يُمثِّل تكثيف النيران عليها ضغطا كبيرا، إلى جانب الرشقات الصاروخية التي تطلقها المقاومة على بقية مناطق دولة الاحتلال.

صغر الوزن وإمكانية التحرك السريع (وهي من خصائص رجوم) هي نقطة قوة مهمة بالنسبة للمقاومة، لأن العدو لا يعرف تضاريس غزة جيدا، وبالتالي تأتيه النيران مفاجئة ومن مناطق متنوعة، وفي الحروب غير النظامية من هذا النوع، التي تحدث بين مقاومة أقل في العتاد من جيش نظامي بفارق كبير، فإن إستراتيجيات الكر والفر تعادل القوى في المعركة.

تساقط الأهداف الإسرائيلية

أضف إلى ذلك نقطة مهمة في هذا السياق، وهي أن الانتصار الحاسم ليس هدفا في هذه المعارك، بل إطالة أمد المعركة حتى يتأثر القرار السياسي في تل أبيب والولايات المتحدة والعواصم الأخرى المؤثرة، وخاصة مع إدخال عناصر أخرى للمعركة مثل قضية الأسرى.

دولة الاحتلال تحاول إعادة صياغة أهدافها  داخل غزة لتتناسب مع ما واجهته من صعوبات خلال الاجتياح البري. (الأناضول)

في ورقة بحثية واسعة الشهرة نُشرت (7) في مجلة "ورلد بوليتكس" سنة 1975 بعنوان "لماذا تخسر الأمم الكبرى الحروب الصغيرة"، يرى أندرو ماك، الأستاذ المساعد في كلية الدراسات الدولية بجامعة سيمون فريزر الكندية، أن هناك سلاحا آخر في الحروب غير المتكافئة من هذا النوع هو "العزم"، الذي يتمثل في المصلحة النسبية للقوى المتقاتلة، وهو ما يفسر النجاح أو الفشل في الصراعات غير المتكافئة، والخلاصة أن الجانب الذي يتمتع بأكبر قدر من العزم يفوز، بغض النظر عن الفارق في موارد القوة المادية.

يشير ماك إلى أن هناك مفارقة كبرى في هذا السياق، فإذا اتسعت الفجوة في القوة النسبية بين الفريقين (المقاومة والاحتلال في هذه الحالة)، فإنه كلما كانت الجهات أقوى كانت بالتبعية أقل تصميما وعزما، وبالتالي أكثر ضعفا من الناحية السياسية، وعلى العكس فإن الجهات الضعيفة تقنيا وعدديا عادة ما تكون أكثر تصميما وعزما، لأن المعركة بالنسبة لها تكون كل شيء. وبالتالي فإن الجيوش الكبرى قد تخسر حروبا صغيرة لأن الوضع السياسي المتأزم سيُجبرها على الانسحاب دون تحقيق النصر العسكري الحاسم.

ويمكن لهذا النموذج أن يتحقق في الحرب الدائرة الحالية على غزة، فلو تأملنا الأهداف الإسرائيلية المعلنة مسبقا، وهي إبادة حماس وتخليص الأسرى والسيطرة على غزة، لوجدنا أنها لم تتحقق بعد جميعا، بل إن الاحتلال يحاول حاليا إعادة صياغة أهدافه داخل غزة لتتناسب مع ما واجهه من صعوبات خلال الاجتياح البري.

أضف إلى ذلك أن الداخل الإسرائيلي يبدو مضطربا سياسيا أكثر من أي وقت مضى، ومع المظاهرات التي تنطلق في كل أنحاء العالم تنديدا بعدوان غير مسبوق على الأبرياء، وبدايات اضطراب في الرابط السياسي الذي بدأ قويا بين الغرب وإسرائيل، فإن الأمور بالفعل تميل إلى صالح المقاومة، التي لا تمتلك من العتاد إلا أسلحة صغيرة نسبيا، لكن مع عزم لا يلين.

______________________________________________________

مصادر

1- Chinese multiple launch rocket systems 1950-1970s 2- المتعدد طراز (RL812/TL) 3- FADJR-1 4- IDF: Multiple rocket launcher used to target Hamas in Gaza for first time since 2006 5- LAR-160 multiple launch rocket system 6- PULS™ Precise and Universal Launching System 7- Andrew Mack – Why Big Nations Lose Small Wars: The Politics of Asymmetric Conflict -World Politics Vol. 27, No. 2 (Jan., 1975), pp. 175-200 (26 pages)

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: هذا النوع فی حالة

إقرأ أيضاً:

لماذا اشتعل جدل النصر والهزيمة بعد وقف إطلاق النار في غزة؟

ما إن أُعلن عن اتفاقية وقف إطلاق النار في الحرب التي يشنها جيش الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، بعد عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر 2023، حتى اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بجدل النصر والهزيمة، ذلك الجدل الذي يكشف عن آراء ومواقف الذين يؤيدون معركة الطوفان ويرونها حدثا تاريخيا مفصليا له ما بعده، وبين من يعارضونها ويصفونها بالخطأ الكارثي الذي أقدمت عليه حركة حماس وفصائل المقاومة في غزة.

وبدا واضحا أن مؤيدي معركة الطوفان يجادلون بقوة أن غزة ومقاومتها وشعبها تمكنوا من تحقيق النصر بصمودهم وثباتهم، وتجذرهم في أرضهم وإفشال مخططات العدو، وعدم تمكينه من تحقيق أي هدف من أهداف الحرب المعلنة، في الوقت الذي هاجم فيه معارضو الطوفان بشدة وصف ما آلت إليه نتائج الحرب بالنصر، في ضوء الخسائر الفادحة التي حلت بغزة وأهلها، والدمار والخراب الذي أحدثته آلة التدمير العسكرية الإسرائيلية، وتجريف البنية التحتية في غزة، الذي أحال غزة إلى منطقة منكوبة لا تصلح معها حياة البشر.

ووفقا لمراقبين فإن ذلك الجدل الذي ملأ فضاء مواقع التواصل الاجتماعي، واستعرَ بشكل لافت بعد الإعلان عن وقف إطلاق النار، إنما يصدر عن رؤى ومواقف مسبقة حيال المقاومة الفلسطينية في غزة، فالذين يؤيدون مشروع المقاومة ويعدونه الخيار الصحيح لانتزاع الحقوق وإرغام العدو الصهيوني لم يترددوا في إطلاق توصيف الانتصار على نتائج المعركة، أما الذين يعارضون حركات المقاومة، ويخالفونها في أفكارها وتوجهاتها فقد وجدوا فيما آلت إليه الحرب بابا واسعا لمهاجمة المقاومة وتحميلها مسؤولية ما جرى ويجري.

في رسالته المعنونة بـ"هل انتصرت غزة في معركة طوفان الأقصى أم لا"؟ لفت الداعية والباحث الشرعي الفلسطيني، الدكتور محمد بن محمد الأسطل إلى أن الخلاف في توصيف نتائج المعركة أمر وارد وهو مما اعتاد عليه الفلسطينيون "بعد كل معركة أو جولة عسكرية أن نسمع خلافا حول سؤال خلاصته: هل انتصرنا أم لا؟ مع أن المقاومة في كل مرة كانت تخرج بإنجاز عدد من المطالب، وتحقيق عدد من الشروط والمكاسب، وإجبار العدو على التوقيع عليها والخضوع لها".

وتابع: "ولكن في هذه المرة جاءت معركة طوفان الأقصى وقد سحق العدوُّ فيها كل شيء سحقا حقيقيا، فإذا كان الكلام في كل معركة من باب المبالغة والتوسع في الوصف فهو اليوم من باب الواقع"، مضيفا "وهذا يعني أن السؤال له وجاهته الآن، ولكن لما كانت أطراف الجواب متشعبة، وكانت هذه القضية محل جدال ولغط رأيت أن أجمع أطراف القول في مقالة واحدة مطولة، وهي تخدم الحريص على الفهم..".


                             د. محمد بن محمد الأسطل داعية وباحث شرعي فلسطيني

وبعد تناوله بالبحث والمناقشة للموازين الحاكمة في الحكم والتقييم، والتساؤل إن كان سؤال الانتصار هو سؤال الوقت أم لا؟ وتعيين المرتكزات المعيارية لتحديد النصر والهزيمة خلص الباحث والأكاديمي الفلسطيني الأسطل، المقيم في غزة إلى القول "بعد الذي تقرر وتسطَّر أرى أن مجرد وضعية (الزوم) عن مشاهد الألم والخسارة يكشف أن ما جرى هو نصر عظيم لا هزيمة، بل أرى شخصيا وبحسب معطيات المشهد وموازين القوة، ومن غير مبالغة أو تأثر عاطفي عارض أن ما جرى كان معجزة عسكرية لا مجرد نصر عابر".

وأضاف: "وثمة معيار إضافي يسجل غير ما ذُكر يتمثل في عجز العدو الصهيوني على البقاء في الأرض التي يتمكن من السيطرة عليها؛ فهو يتمكن من سحق المنطقة التي يريد، ويدخل إليها بزخم ناري كثيف وقصف بركاني عنيف، ولكن بعد أن يتمكن منها ويصبح عرضة لاستنزاف المجاهدين يلجأ أخيرا إلى الانسحاب منها من غير أن يستفيد من الإنجازات التي حققها".

من جانبه تساءل الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور تيسير عبد الله "هل انتصرت حماس أم بقيت؟ وهل يوجد فرق بين الانتصار والبقاء؟ وهل البقاء انتصار؟" مضيفا "هذا جزء من التساؤلات التي طفت على السطح بعد 15 شهرا من الإبادة، وبعد أن خرج مسلحو حماس في الساعات الأولى من إعلان تنفيذ الهدنة ليملأوا الشوارع، ويقدموا عروضا عسكرية احترافية ومنظمة في تسليم المختطفات..".

وتابع في منشور له عبر صفحته على الفيسبوك، اطلعت "عربي21" عليه: "صحيح أن الحركة عادت بقوة إلى الشارع، ولا تزال تسيطر على مفاصل الحياة المدنية كلها، لكن غزة دُمرت، ووصل الاحتلال إلى كل شبر فيها، وهجر سكانها، واستحيا نساءها، وقتل أطفالها وشيوخها، وأسكن في قلوب البقية اليأس والقنوط، وجعل بيوتهم غير صالحة للحياة..".



وخلص الكاتب والمحلل عبد الله، المقيم في غزة إلى القول "إذن المسألة ليست نصرا خالصا كما يريده مريدو الحركة وأنصارها، وليست هزيمة مطلقة لها، ولكنها نتيجة أخرى لم تحظ بالاهتمام والتوضيح، هذه النتيجة التي وصلت إليها الحركة في نهاية حرب الإبادة هي محافظتها على (البقاء)" لافتا إلى أن "المحافظة على البقاء ليست نصرا" إذ لم يكن لحركة حماس نصيب من مقاييس النصر المجردة حسب رؤية الكاتب وتعداده لها.

وفي ذات الإطار رأى الكاتب والباحث اللبناني، الدكتور وائل نجم أن "أهم مسألة في تقييم النصر والهزيمة تتعلق بحجم الأهداف التي تتحقق جراء أية حرب، فالمعروف أن العسكر في خدمة الأهداف السياسية، وبالتالي تحقيق الأهداف المرفوعة، وفرض الشروط يمثل نصرا، والفشل في ذلك يُعد هزيمة، خاصة إذا انطوى الفشل على مخاطر استراتيجية ووجودية بحق الذي يفتح الحرب ولم يحقق أهدافها".

وأضاف "وهذا ما حصل بالفعل في العدوان الإسرائيلي على غزة حيث فشلت قيادة الاحتلال في تحقيق أهدافها التي رفعتها باعتراف قادة الاحتلال أنفسهم، غير أن المقاومة الفلسطينية التي صمدت مع شعبها هذا الصمود الأسطوري وأفشلت أهداف الاحتلال دفعت ثمنا باهظا على مستوى الدمار الذي لحق بقطاع غزة، وعلى مستوى الخسائر البشرية، وأعتقد أن المقاومة حققت نصرا باهظ الثمن، ولكن ثمراته ستكون استراتيجية ووجودية على كيان الاحتلال".


                                                      د. وائل نجم كاتب وباحث لبناني

وردا على سؤال "عربي21" حول أسباب اشتعال جدل النصر والهزيمة بعد وقف إطلاق النار، وما هي دوافعه واتجاهاته، قال نجم "جزء من ذلك الجدل له علاقة بفهم معنى النصر والهزيمة، وارتباط ذلك بحجم الخسائر البشرية والمادية في الحرب بعيدا عن الأهداف السياسية والاستراتيجية، فهو ينطلق من رؤية قاصرة ومحدودة".

وتابع: "وجزء آخر من الجدل له علاقة بخلفيات سياسية ومصلحية، وأصحاب هذا التوجه يدركون الحقيقة جيدا، ولكنهم لا يريدون الاعتراف بها على قاعدة (نكاية بالطهارة)، ولذلك يستغلون الرؤية القاصرة من أجل تشويه الحقيقة تحقيقا لرغباتهم السياسية والخاصة، وربما يكون بعضهم مدفوعا من العدو، بمعرفة منه أو بغير معرفة".

وبدوره قال الباحث المغربي في الاجتماع السياسي، الدكتور كريم أزماني مطر "يمكننا وبشكل موضوعي الحديث عن معيار النصر أو الهزيمة بناء على تحقيق الأهداف المعلنة قبل الحرب لكل طرف على حدة، فالكيان الصهيوني أعلن أهدافه من شنه للحرب على غزة من البداية، ألا وهي: اجتثاث حماس من الجذور والقضاء عليها نهائيا، وتوفير الأمن الكامل والدائم داخل الأراضي المحتلة للمستوطنين، وتحرير الأسرى الصهاينة بشكل كامل دون شروط، ثم إعادة صياغة الخريطة الجيوسياسية والديموغرافية للمنطقة".

وأضاف متسائلا "فهل تحقق شيء من هذه الأهداف"، ليجيب بالقول "كلا، ولا يمكن لعاقل ومنصف أن يعتبر التدمير الشامل للبنى التحتية للمستشفيات وإبادة المدنيين من الأطفال والنساء وكبار السن انتصارا، وفي الوقت نفسه لم يتم تحرير ولا أسير واحد رغم تدمير قطاع غزة بيت بيت وزنقة زنقة كما يقال".

وأردف في حديثه لـ"عربي21": "في المقابل أعلنت المقاومة منذ البداية عن نيتها استخدام الأسرى لعقد صفقات تبادل لإفراغ السجون الصهيونية من أي أسير فلسطيني من أي فصل كان، كما عقدت عزمها على فضح الكيان الصهيوني أمام المجتمع الدولي وجعله وجها لوجه أمام الشرعية الدولية ومبادئ حقوق الإنسان، وإعادة القضية الفلسطينية على طاولة النقاش العالمي من جديد مع كثير من التعاطف والتأييد الشامل من كل شرائح الشعوب بما فيها الأوروبية والأمريكية".

ووفقا للباحث المغربي مطر فإن "هذه المقارنة على مستوى تحقيق الأهداف المعلنة قبل بدء الحرب تجعلنا نؤكد بعيدا عن العاطفة أو التحيز أن المقاومة حققت بعض أهدافها بنسب متفاوتة، واستطاعت أن ترغم الاحتلال على التفاوض وعقد صفقة التبادل رغما عنه" مشيرا إلى "تقييم هذه النتائج قد يختلف من زاوية لأخرى".


                             د. كريم أزماني مطر باحث مغربي في الاجتماع السياسي

وأوضح "فربما يقول قائل: ماذا استفاد الفلسطينيون من هذه الحرب خصوصا إذا ما استحضرنا عدد الشهداء، وحجم الخسائر المادية، وتكلفة إعادة الإعمار" ليجيب "وهذا الرأي في تقديري نابع من قلة الاطلاع على التجارب التاريخية السابقة في مقاومة الاحتلال، وخوض معارك التحرير، إذ أن تقديم مثل هذه الخسائر يكون بمثابة وقود يشحذ الهمم، ويعمق الإيمان بالقضية أكثر".

وأورد في ختام كلامه أمثلة تاريخية شاهدة على ذلك "كحرب أمريكا وفيتنام، وحرب بريطانيا والهند، والحرب العنصرية الأهلية في جنوب أفريقيا.. فهذه الأمثلة وغيرها تؤكد أن إرادة التحرير لا تكسر بالقوة العسكرية، وأن الكلمة الأخيرة دائما تكون للشعوب المقاومة، مهما كانت قلة إمكانياتها وضعف عتادها، وكل من يقول غير ذلك فهو يسبح ضد تيار التاريخ والجغرافيا، وموقفه هذا إما لمصلحة مع الاحتلال، أو لجبن متجذر في النفوس يدعو للدعة والعيش بأقل شروط الكرامة الإنسانية".

مقالات مشابهة

  • لماذا اشتعل جدل النصر والهزيمة بعد وقف إطلاق النار في غزة؟
  • انتصار غزة.. حين تتحول التضحيات إلى حرية
  • وزير الدفاع الأمريكي: سنجهز إسرائيل بالذخائر التي لم تُمنح لها سابقًا
  • وزير الدفاع الأمريكي: سنزود إسرائيل بكل الاسلحة التي تحتاجها
  • هل تنجح في اعتراض المسيّرات اليمنية.. إسرائيل تفعّل منظومة الطائرات المسيرة
  • خسارة “إسرائيل” في طوفان الأقصى لا تعوَّض مهما حاولت أمريكا
  • بعد تهديدات ترامب.. المكسيك تبدأ نشر جنودها على الحدود الأمريكية
  • سكان جباليا لا يجدون شيئا في بيوتهم التي دمرها الاحتلال
  • «ترامب» يستقبل «نتنياهو».. ماهي «إسرائيل الصغيرة» التي تحدّث عنها؟
  • خبير عسكري: إسرائيل تفرض واقعا تكتيكيا شمال الضفة لكن المقاومة مستمرة