منظومة رجوم القسامية.. كيف دمرت قواعد إسرائيل وقتلت جنودها؟
تاريخ النشر: 6th, December 2023 GMT
خلال الأسبوع الأخير من شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، والأسبوع الأول من ديسمبر/كانون الأول الحالي، أعلنت كتائب القسام عبر قناتها على تلغرام استخدام منظومة رجوم الصاروخية لقصف نحو 10 مناطق محددة في الداخل المحتل، معظمها كانت قواعد عسكرية في مناطق في غلاف غزة، مثل قاعدة "رعيم" العسكرية، وموقع "العين الثالثة"، و"نيريم"، و"أميتاي"، و"كيسوفيم"، وغيرها.
بالتزامن مع ذلك، استُخدمت رجوم أيضا في قصف تحشيدات لجيش الاحتلال في مناطق مثل شرق دير البلح وشمال غرب مدينة غزة. في الواقع، كانت هذه هي المنظومة نفسها التي استخدمتها المقاومة للتمهيد لعملية "طوفان الأقصى" وتغطية عبور مقاتليها إلى الأراضي المحتلة، ويعطينا ذلك انطباعين أساسيين، الأول أن المقاومة قادرة على تنويع استخدام مدفعيتها جيدا في المهام المختلفة، والثاني أنها تمتلك عددا كبيرا من قطع هذه المنظومة يكفي لضرب مناطق تقع حول كامل حدود غزة وليس شمالا فقط.
لا تعلن كتائب القسام الكثير من البيانات الخاصة بـ"رجوم"، كل ما نعرفه أنها منظومة مدفعية صاروخية قصيرة المدى عيار 114 ملم، ويشير عيار القذيفة عادة إلى قُطر القذيفة نفسها، وكذلك هو مقياس للقُطر الداخلي لأنبوب قطعة المدفعية التي تطلق القذيفة، ويخبرنا هذا القُطر أن كتلة الرأس الحربي الذي تحمله القذيفة يتراوح بين 2-3 كيلوغرامات، تزيد أو تنقص قليلا.
من الشكل الخارجي، يبدو لنا أن منظومة رجوم هي راجمة صواريخ متعددة، وهو نوع من المدفعية الصاروخية غير الموجَّه، تستهدف بالأساس تجهيز أرض المعركة عبر توفير الدعم الناري المباشر للقوات البرية، كما يمكن استخدامها لتدمير مصادر إطلاق النيران بأنواعها واستهداف أماكن تمركز الأعداء عموما.
تتكون المنظومة من ثلاثة صفوف، كلٌّ منها منفصل عن الآخر، ويمتلك كلٌّ منها خمسة أنابيب، وهي بذلك تشبه في تركيبها منظومة صينية شهيرة مع تعديلات رفعت معدل الإطلاق وقُطر القذيفة. نقصد هنا قاذفة الصواريخ المتعددة من "النوع 63" ذات الـ12 أنبوبا وبقُطر 107 ملم، التي أنتجتها الصين (1) في أوائل الستينيات وصُدِّرت وصُنِّعت عالميا فيما بعد، وهي الأشهر على الإطلاق في هذا النطاق، والأقرب في التصميم إلى رجوم.
هذا الطراز لم يعد يخدم مع وحدات المشاة النشطة للقوات الصينية، لكنه ما زال في خدمة تشكيلات متخصصة تُبيِّن لنا أهمية هذه القطعة التقنية، وهي وحدات المشاة الجبلية ووحدات القوات الخاصة، ذلك لأن المنظومات الصاروخية من هذا النوع خفيفة سهلة التنقل، وسهل التحكم بها واستخدامها من قِبَل فرق صغيرة جدا من الجنود، وتصلح في المعارك على نطاقات قصيرة، وخاصة مع وجود تضاريس غير ممهدة، وذلك أيضا هو ما يميز رجوم بالنسبة لوضع غزة.
فمن خلال نظرة متفحصة إلى المواقع التي استهدفتها، نجد أنها تصل بنيرانها إلى نطاقات متعددة بحد يصل إلى نحو 8 أو 9 كيلومترات، ومع سهولة تنقلها فإنه يمكن موضعة فرق متخصصة في إطلاق المدفعية في منطقة محددة ثم إطلاق دفعة من الصواريخ، ومن ثم التموضع في منطقة أخرى وهكذا. تطلق رجوم الصواريخ بمعدل بطيء نسبيا كما يتضح من فيديو القسام (صاروخ كل ثانيتين إلى أربع ثوانٍ)، لكن مع وجود عدد كبير من القطع فإن وابل الصواريخ يكون كثيفا.
إحدى مزايا هذا النوع من القاذفات الصاروخية المتعددة هو تنوع آليات الاستخدام، إذ يمكن استخدامه بشكل مباشر على الأرض، حيث تمتلك عجلتين تجري عليهما (كما في حالة رجوم)، أو تركيبه على عربة مدرعة أو حتى عربة نقل مجهزة نسبيا. ولذلك فإنه ما زال مستخدما في العديد من الدول، مثل إيران (2) التي تستخدم نسخة مشابهة للنسخة الصينية تتكون من 12 أنبوبا وبعيار 107 ملم تحت اسم "فجر-1″، ومصر (3) التي طورت الطراز "RL812/TL" الذي يُحمَّل على عربة، ودول أخرى مثل تركيا وألبانيا وفيتنام وكمبوديا.
إلى أي مدى تفيد المقاومة؟بالطبع يمتلك الاحتلال الإسرائيلي راجمات صاروخية أدق وأقوى، خذ مثلا راجمة صواريخ "إم 270" (4) التي عاد الاحتلال لاستخدامها مرة أخرى لأول مرة منذ 2006، وتُمثِّل نظاما متنقلا يصل مداه إلى 500 كيلومتر، أو أنظمة أخرى مثل "لار-160" من عيار 160 ملم، ويبلغ مداه الأدنى 12 كم، ومداه الأقصى 45 كم، مع 13 أنبوب إطلاق صاروخي، أو نظام "بالس" مع عيارات متنوعة تتراوح من 122-370 ملم ومدى إطلاق واسع، وغيرها من الأنظمة (5) (6).
لكن التفوق التقني لا يعني بالضرورة التفوق العسكري، لأنه في الحروب غير المتكافئة، تلك التي تتواجه خلالها أنظمة عسكرية مختلفة القوة من حيث العتاد، فإن الطرف الأضعف تقنيا يلجأ إلى تكتيكات تُعظِّم من شأن أدواته وتقلل في الوقت نفسه من شأن أدوات العدو، فتصبح القوى متوازنة في سياق معارك بعينها.
على سبيل المثال، فإن الحرب في المدينة تضطر جنود الاحتلال إلى النزول من مدرعاتهم وتفتيش المنازل، ما يفتح الباب للمقاومة، التي هي أعلم بشعاب مدينتها، بضربهم بقوة، سواء عبر الاشتباك المباشر أو قنصهم أو استهدافهم عبر العبوات الناسفة، وهو ما لاحظناه أكثر من مرة خلال الأيام الأولى في شهر ديسمبر/كانون الأول.
في تلك النقطة تظهر قوات المدفعية القسامية، التي بِتنا نعرف أنها تنقسم إلى جزأين أساسيين، هما قوات مدافع الهاون، والقوات التي تعمل على منظومة رجوم الصاروخية، وكلاهما يعمل بشكل ممتاز بوصفه سلاح مدفعية في حالة النطاقات قصيرة المدى التي لا يمكن للمدفعية المعتادة أن تصل إليها، ويعني ذلك أنه يصلح بشكل رئيسي في حالة الاجتياح البري حيث تكون المسافات بين المهاجم (الاحتلال) والمدافع (المقاومة) قصيرة، أو في حالة غلاف غزة، التي يُمثِّل تكثيف النيران عليها ضغطا كبيرا، إلى جانب الرشقات الصاروخية التي تطلقها المقاومة على بقية مناطق دولة الاحتلال.
صغر الوزن وإمكانية التحرك السريع (وهي من خصائص رجوم) هي نقطة قوة مهمة بالنسبة للمقاومة، لأن العدو لا يعرف تضاريس غزة جيدا، وبالتالي تأتيه النيران مفاجئة ومن مناطق متنوعة، وفي الحروب غير النظامية من هذا النوع، التي تحدث بين مقاومة أقل في العتاد من جيش نظامي بفارق كبير، فإن إستراتيجيات الكر والفر تعادل القوى في المعركة.
تساقط الأهداف الإسرائيليةأضف إلى ذلك نقطة مهمة في هذا السياق، وهي أن الانتصار الحاسم ليس هدفا في هذه المعارك، بل إطالة أمد المعركة حتى يتأثر القرار السياسي في تل أبيب والولايات المتحدة والعواصم الأخرى المؤثرة، وخاصة مع إدخال عناصر أخرى للمعركة مثل قضية الأسرى.
في ورقة بحثية واسعة الشهرة نُشرت (7) في مجلة "ورلد بوليتكس" سنة 1975 بعنوان "لماذا تخسر الأمم الكبرى الحروب الصغيرة"، يرى أندرو ماك، الأستاذ المساعد في كلية الدراسات الدولية بجامعة سيمون فريزر الكندية، أن هناك سلاحا آخر في الحروب غير المتكافئة من هذا النوع هو "العزم"، الذي يتمثل في المصلحة النسبية للقوى المتقاتلة، وهو ما يفسر النجاح أو الفشل في الصراعات غير المتكافئة، والخلاصة أن الجانب الذي يتمتع بأكبر قدر من العزم يفوز، بغض النظر عن الفارق في موارد القوة المادية.
يشير ماك إلى أن هناك مفارقة كبرى في هذا السياق، فإذا اتسعت الفجوة في القوة النسبية بين الفريقين (المقاومة والاحتلال في هذه الحالة)، فإنه كلما كانت الجهات أقوى كانت بالتبعية أقل تصميما وعزما، وبالتالي أكثر ضعفا من الناحية السياسية، وعلى العكس فإن الجهات الضعيفة تقنيا وعدديا عادة ما تكون أكثر تصميما وعزما، لأن المعركة بالنسبة لها تكون كل شيء. وبالتالي فإن الجيوش الكبرى قد تخسر حروبا صغيرة لأن الوضع السياسي المتأزم سيُجبرها على الانسحاب دون تحقيق النصر العسكري الحاسم.
ويمكن لهذا النموذج أن يتحقق في الحرب الدائرة الحالية على غزة، فلو تأملنا الأهداف الإسرائيلية المعلنة مسبقا، وهي إبادة حماس وتخليص الأسرى والسيطرة على غزة، لوجدنا أنها لم تتحقق بعد جميعا، بل إن الاحتلال يحاول حاليا إعادة صياغة أهدافه داخل غزة لتتناسب مع ما واجهه من صعوبات خلال الاجتياح البري.
أضف إلى ذلك أن الداخل الإسرائيلي يبدو مضطربا سياسيا أكثر من أي وقت مضى، ومع المظاهرات التي تنطلق في كل أنحاء العالم تنديدا بعدوان غير مسبوق على الأبرياء، وبدايات اضطراب في الرابط السياسي الذي بدأ قويا بين الغرب وإسرائيل، فإن الأمور بالفعل تميل إلى صالح المقاومة، التي لا تمتلك من العتاد إلا أسلحة صغيرة نسبيا، لكن مع عزم لا يلين.
______________________________________________________
مصادر
1- Chinese multiple launch rocket systems 1950-1970s 2- المتعدد طراز (RL812/TL) 3- FADJR-1 4- IDF: Multiple rocket launcher used to target Hamas in Gaza for first time since 2006 5- LAR-160 multiple launch rocket system 6- PULS™ Precise and Universal Launching System 7- Andrew Mack – Why Big Nations Lose Small Wars: The Politics of Asymmetric Conflict -World Politics Vol. 27, No. 2 (Jan., 1975), pp. 175-200 (26 pages)المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: هذا النوع فی حالة
إقرأ أيضاً:
جهات سورية ولبنانية تستنكر زيارة وفد درزي إلى إسرائيل
أدانت العديد من الجهات السورية واللبنانية الزيارة التي قام بها وفد يضم نحو 60 رجل دين من الطائفة الدرزية السورية، إلى "إسرائيل"، مؤكدين أنها مرفوضة وتعمل على كأداة لزرع الانقسام داخل المجتمع السوري.
وأعرب أهالي وعائلات قرية حضر، في الجولان السوري المحتل، عن استنكارهم الشديد للزيارة التي يقوم بها بعض المشايخ إلى فلسطين المحتلة، تلبيةً لدعوة من بعض الجهات الموالية للاحتلال في الداخل الفلسطيني.
وقال بيان للأهالي إن "إسرائيل"، التي لم تكن يوما حريصة على حقوق الأقليات، تستغل هذه الزيارة الدينية كأداة لزرع الانقسام في الصف الوطني، وتسعى لاستخدام الطائفة الدرزية كخط دفاعي لتحقيق مصالحها التوسعية في الجنوب السوري.
وأضاف بيان الأهالي أنهم لم ولن ينسوا الجرائم والانتهاكات التي ترتكبها دولة الاحتلال بحق أهلنا في الجولان والضفة الغربية وقطاع غزة.
وأكد بيان أهالي بلدة حضر في الجولان السوري المحتل على أنّ هؤلاء المشايخ لا يمثلون إلا أنفسهم، مشددا على أن انتماء أهالي وعائلات قرية حضر الوحيد لطائفة الشعب السوري.
من جهته، قال شيخ "عقل طائفة المسلمين الموحدين الدروز في سوريا"، يوسف جربوع، إن زيارة الوفد الدرزي إلى "إسرائيل" كانت "زيارة دينية" بحتة.
وأضاف جربوع، أن "أطرافا في السويداء لم تكن راضية عن الزيارة، وأنهم حذروا من استغلالها لأهداف سياسية قد تضر بمصالح الطائفة وسوريا"، بحسب ما أفاد لقناة "سكاي نيوز".
وتابع: "لقد طلبنا من الوفد الدرزي التمهل لعدم وجود علاقات مع إسرائيل".
من جانب آخر، اعتبر أن التصريحات الأخيرة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تهدف إلى إظهار أبناء الطائفة الدرزية بمظهر "المطبعين مع إسرائيل"، مؤكدا أن هذه الاتهامات غير صحيحة وأن أبناء الطائفة الدرزية متمسكون بهويتهم السورية.
وأضاف جربوع أن هناك أطرافا تحاول "إضعاف الطائفة الدرزية من خلال محاولات لفصلها عن محيطها العربي والإسلامي لأهداف سياسية"، مشددا على أن هذه المحاولات "لا تؤثر في وحدة الطائفة وتمسكها بمبادئها".
وتابع: "نحن قادرون على حماية أنفسنا بأنفسنا، ولا يوجد خطر محدق يهدد الطائفة الدرزية يتطلب منا طلب الحماية من أي جهة".
بدورها، حذرت مشيخة العقل الدرزية في لبنان من المشاركة في زيارة للأماكن الدينية المقدسة داخل الأراضي المحتلة، قائلة إنه "بعد إعلامنا بالدعوة الموجّهة إلى مشايخ حضر وإقليم البلّان لزيارة الأماكن المقدسة في الأراضي المحتلة، فإن مشيخة العقل في لبنان تحذّر مجددا الأخوة اللبنانيين، وعلى الأخص رجال الدين المعروفيين الكرام، من مخاطر الانجراف العاطفي وتبعات المشاركة في هذه المناسبة وغيرها، لما يترتب على ذلك من مسؤولية قانونية على كل من يدخل الأراضي المحتلة".
وأشار البيان أن "مشيخة العقل أكدوا على المحاسبة الدينية، ورفع الغطاء بالكامل عن كل مخالف لتلك التوجهات. آملين التفهم والتجاوب بمسؤولية والتزام".
ويأتي هذا بعدما أشاد رئيس الطائفة الدرزية في "إسرائيل" موفق طريف بخطط وفد ديني درزي من سوريا لزيارة "إسرائيل" لأول مرة منذ 5 عقود رغم تصاعد التوتر عبر الحدود وشن الاحتلال غارات جوية على دمشق.
وقال طريف إن "الزيارة، التي سيقوم بها نحو 100 من شيوخ الدروز السوريين الجمعة، ستكون الأولى لإسرائيل منذ نحو 50 عاما حين جاءت مجموعة منهم مباشرة بعد حرب عام 1973".
دخل عشرات رجال الدين من الطائفة الدرزية في سوريا، الجمعة، دولة الاحتلال الإسرائيلي، قادمين من محافظة القنيطرة جنوبي الأراضي السورية، في زيارة غير مسبوقة تتزامن مع تعهدات الاحتلال الإسرائيلي بحماية الدروز السوريين.
ووصل الوفد في ثلاث حافلات رافقتها مركبات عسكرية إسرائيلية إلى بلدة مجدل شمس في الجولان السوري المحتل، وتوجه شمالا للقاء الزعيم الروحي لطائفة الموحدين الدروز في دولة الاحتلال، موفق طريف.
ثم توجه الوفد لزيارة مقام النبي شعيب في بلدة جولس بالقرب من طبريا.
وفي مجدل شمس، استقبل الزوار نحو مائة درزي ورحبوا بهم عبر ترديد الأغاني التراثية والتصفيق فيما لوح عدد من الشباب بالرايات الدرزية باللون الأخضر والأحمر والأصفر والأزرق والأبيض.
وارتدى بعض الرجال الزي الأسود التقليدي واعتمروا عمامة بيضاء تشبه الطربوش وتتميز بغطائها الأحمر.
وقالت هيئة البث العبرية، الجمعة، إن وفدا يضم نحو 100 شخصية من الطائفة الدرزية بسوريا، بدأ زيارة إلى "إسرائيل" هي الأولى منذ 52 عاما.