السودان والأمم بين الانسحاب والتصعيد
تاريخ النشر: 6th, December 2023 GMT
أخيراً صوّت مجلس الأمن الدولي لإنهاء مهمة بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم الانتقال الديمقراطي في السودان المعروفة بـ»UNITAMS»، تلك البعثة التي جاءت بطلب من الحكومة الانتقالية برئاسة رئيس الوزراء السابق الدكتور عبد الله حمدوك وتكونت 2020 لتقديم الدعم والمساعدة في عملية التحول الديمقراطي. وجاء إنهاء مهام البعثة الأممية على خلفية القرار رقم (2715) الذي أنهى بموجبه عمليات البعثة الأممية في البلد المنكوب بتصويت أربع عشرة دولة وامتناع روسيا، والغريب تصريح مندوبة المملكة المتحدة وهي، إحدى الدول الدائمة العضوية بعدم ترحيبها بالقرار في الوقت الراهن! وقد تكرر طلب الحكومة السودانية العسكرية، وهو ما أشار إليه بيان مجلس الأمن الدولي، الذي تقرر فيه إنهاء مهمة البعثة الأممية.
ولكن ماذا يعني إنهاء البعثة في هذه الظروف، التي يشهدها السودان من حرب شبه أهلية على مدى ثمانية أشهر منذ منتصف أبريل الماضي؟ وهل يعد هذه الإجراء تحولاً في سير إجراءات عمل بعثات المنظمة الدولية تجاه البلدان التي تعاني من ظروف استثنائية؟ إن حفظ السلم والأمن الدوليين، في سياق المبادئ المؤسسة للمنظمة الدولية ومجلس أمنها، على ما يوجه لها من انتقاد بهيمنة الدول على قراراتها، إلا أن انضمام دول العالم ومن بينها السودان يلزمها قانوناً الالتزام بمقرراتها مهما تعارضت مع توجهات الأنظمة التي تدعي السيادة الوطنية، خاصة غير المنتخبة، أو غير الشرعية كالحكومات الانقلابية. والمعضلة الأخرى حسب وجهة نظر المنتقدين، أن الأمم المتحدة التي يجب أن تعمل كمؤسسة تعنى بالتعامل مع التهديدات الأمنية الخطيرة، إذ تخول المادة 51 استخدام القوة لا بد أن يتم من خلال مجلس الأمن، إلا أن مجلس الأمن الذي تعكس عضويته التحالف المنتصر في الحرب العالمية الثانية، صمم ليصبح مؤسسة ضعيفة، فحق الفيتو المستخدم من جانب الأعضاء الدائمين يضمن لهم أن المجلس لن يعمل بشكل يتعارض ومصالحهم الوطنية.
دائماً ما كانت الضغوط الدولية وليس الحاجة المحلية الملحة ما يسوغ وجود البعثات الأممية على الأراضي السودانية
واجهت البعثة الأممية (اليونيتامس) في السودان سيلاً من الانتقادات، ورئيسها السابق فولكر بيرتس ممثل الأمين العام الخاص بالتدخل الغليظ في الشأن الداخلي السوداني، فقد كانت محل صراع عنيف بين المكونات السودانية السياسية، وقد طالته الاتهامات بتجاوز مهامه، بل طالب رئيس المجلس السيادي الفريق عبد الفتاح البرهان من الأمم المتحدة باعتباره شخصا غير مرغوب فيه. وبينما كان موقف القوى السياسية المناوئة للعسكر ومن خلفهم تحالف الإسلاميين ترى فيها ضامنا دولياً للفترة الديمقراطية، واستمر هذا الموقف إلى ما بعد اندلاع الحرب. ولم تكن إنجازاتها قياساً على ما أعلن من بنودها التي كانت ستعمل على تفنيدها، بما يشمل دعم الانتقال والمساعدة في حماية وضع الدستور، وبناء السلام والتنسيق في عمليات الإغاثة وغيرها من مهام سياسية واجتماعية مجدولة في تفويضها، بما فيها الاعتبارات الجندرية. وبما أنها بعثة تتصل مهامها بالقضايا السياسية، كان لابد أن تتأثر بالمناخ السياسي الذي أعقب سقوط حكومة البشير 2019، ومن ثم انهيار الدولة السودانية بفعل الحرب لاحقا. ولم تفلح عملياً من تحقيق أيٍ من مهامها بفعل الاضطراب السياسي السائد، أو صعوبة المهام التفويضية نفسها؛ وحافظت على التجديد الإجرائي لتمديد مهامها لمرتين إلى أن أنهيت مهامها كلية. هذا التنازع بين طرفي الأزمة حول البعثة ودورها، عقّد مهمتها وقذف بها في أتون الصراع السياسي الداخلي، وأصبحت جزءا منه وكان حضورها الكثيف في الشأن السوداني الضلع الثالث في الأزمة السودانية، ممثلاً في شخص ممثلها.
وعلى مرّ ما عرفه السودان من تدخل المنظمات الدولية والإنسانية في كوارثه الطبيعية من مجاعات وحروب تكاد لا تنتهي، كان تعامل الحكومات السودانية والعسكرية منها يتأرجح بين القبول والرفض المطلق بذريعة السيادة الوطنية. وشهد إثر تفجر الصراع في دارفور وجود أكبر قوة مشتركة لحفظ السلام في العالم، هي بعثة اليوناميد، ودائماً ما كانت الضغوط الدولية وليس الحاجة المحلية الملحة ما يسوغ وجود البعثات الأممية على الأراضي السودانية. وفي هذا الظرف الاستثنائي في حرب الخرطوم، يعد انتهاء وليس تعليق إحدى بعثاتها العاملة على حفظ السلام ودعم المسار الديمقراطي قد استقبله أحد طرفي الصراع كانتصار دبلوماسي طالما سعت إلى تنفيذه، والفريق الآخر من واقع تصريحات قادته قد يوسع هذا الإجراء من دائرة الحرب القائمة. مع تعثر المفاوضات بين طرفي الصراع وانهيار الوضع الداخلي، بسبب فظاعات الحرب وانتقالها إلى مستويات عسكرية معقدة، تبدو بحاجة إلى قوات حفظ سلام تصحبها قوة (الفصل السابع) وليس بعثة بمهام سياسية. في ظل حرب السودان وما أحدثته وتحدثه من تحول في موقع السودان الإقليمي والدولي لم يكن مؤملاً من أي بعثة أممية أن تفرض واقعاً مرغوباً فيه، بما يتجاوز قدراتها. فإذا فهم الساسة السودانيون بين من يعولون على البعد الخارجي في الحل، وأولئك الذين يتمسكون بالحل الداخلي على ما يخفون من أجندة، فإن الواقع الداخلي يستدعي حلاً ما لوقف نزيف الحرب بإرادة وطنية تجمع ما بعثرته الحرب من جهود وطنية. والشاهد أن دور البعثة الأممية له رمزيته في السياق الدولي للأزمة السودانية، وإن يكن الشأن السوداني يصعب تفسيره لعدد ما يحدث من تدخلات دولية وإقليمية وارتباطات تتقاطع أيديولوجيا وجيوبولتيكيا مع محاور عدة تعمل مجتمعة على تعميق الأزمة السودانية، التي زادت معاناة ضحاياها من غير اكتراث لأي من أطراف الصراع.
الحضور الأممي سيكون قائماً في وضع السودان، فقد عين الأمين العام للأمم المتحدة الدبلوماسي الجزائري رمطان لعمامرة مبعوثاً شخصيا له في الشأن السوداني، والتطور المتوقع من جانب الأمم المتحدة باتساع دائرة التعامل مع الأزمة السودانية بتصعيد ملفاتها على بنود الفصل السابع بكل تداعياته التي تشمل التدخل المباشر واستخدام القوة، وما يستتبع ذلك من تحركات لجان التقصي في جرائم الحرب وغيرها من مواجهات لا سبيل لتجنبها إذا استمرت الحرب بوتيرتها المتصاعدة. ولم يزل مرتكبو جرائمها مطلقي السراح وتمثل هذه الخروقات انتهاكات قانونية فادحة، وعلى القيادات السودانية وأطرافها العسكرية والمدنية الاستعداد لفصل جديد من المواجهة مع المنظمات الدولية، ربما بشكل لا مثيل له وقد تكون مواجهة فعلية وليست شكلية أو دبلوماسية.
كاتب سوداني
نشر بصحيفة القدس العربي اللندنية
الأربعاء 06/12/2023م
nassyid@gmail.com
///////////////////
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: البعثة الأممیة الأمم المتحدة مجلس الأمن بعثة الأمم
إقرأ أيضاً:
منظمة العفو الدولية تتهم الإمارات وفرنسا بتزويد قوات الدعم السريع بالأسلحة في السودان
أعلنت منظمة العفو الدولية، يوم الخميس، أن المركبات المدرعة المصنعة في الإمارات والمزودة بتكنولوجيا عسكرية فرنسية، تُستخدم من قبل القوات شبه العسكرية السودانية في النزاع القائم مع الجيش السوداني، وهو ما يشكل انتهاكًا محتملاً لحظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة.
اعلانوأوضحت المنظمة الحقوقية في تقرير لها أنها رصدت ناقلات جنود مدرعة من طراز "نمر عجبان" - المصنعة من قبل مجموعة "إيدج" الإماراتية - في مناطق متعددة من السودان، بما في ذلك دارفور، حيث يستخدمها أفراد قوات الدعم السريع في عملياتهم العسكرية. كما أشارت المنظمة إلى أن هذه المركبات مزودة بنظام الدفاع الفرنسي "جاليكس"، الذي تصنعه شركات "لاكروا ديفنس" و"كي إن دي إس" الفرنسية.
وقالت منظمة العفو الدولية إنها تحققت من صور منشورة على وسائل التواصل الاجتماعي تظهر المركبات التي استولى عليها وتلك التي دمرها الجيش السوداني.
Relatedبالفيديو: الجيش السوداني يسيطر على شوارع بحري بعد معارك ضارية مع قوات الدعم السريعحمدوك يُعرب عن خشيته من اندلاع حرب أهلية في السودان ويُحذر: على أوروبا الاستعداد لاستقبال الملايينالسودان بين المطرقة والسندان: هل تُنهي العقوبات دوامة الدمار؟قوات الدعم السريع في السودان متهمة بالاعتداء الجنسي على ضحايا تتراوح أعمارهن بين 8 و75 سنةوقالت الأمينة العامة للمنظمة، أنياس كالامار: "تبين من بحثنا أن الأسلحة المصممة والمصنعة في فرنسا تُستخدم بشكل نشط في ساحة المعركة في السودان". وأضافت: أن "أي استخدام لنظام جاليكس من قبل قوات الدعم السريع في دارفور يعد خرقًا واضحًا لحظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة".
وكانت الأمم المتحدة قد فرضت حظراً على الأسلحة في دارفور منذ عام 2004 في أعقاب الاتهامات الموجهة إلى الميليشيات الحكومية بالقيام بتطهير عرقي ضد سكان الإقليم من غير العرب.
وفي رد على تحقيقات منظمة العفو الدولية، أفاد متحدث باسم الحكومة الإماراتية في بيان يوم الخميس، بأن "الإمارات العربية المتحدة تعرض لحملة تضليل منسقة تهدف إلى تقويض سياستنا الخارجية ودورنا الإقليمي وجهودنا الإنسانية". وأضاف المتحدث أن "الاتهامات الموجهة ضد دولة الإمارات من قبل ممثلي الجيش السوداني، والتي زعمت تورط الإمارات في النزاع السوداني، هي أمر مشين وغير مقبول".
يُذكر أن الحكومة السودانية كانت قد اتهمت الإمارات في يونيو الماضي بتزويد قوات الدعم السريع بالأسلحة، وهو ما وصفه مراقبو الأمم المتحدة بـ"الاتهام ذا مصداقية". لكن الإمارات نفت بشكل مستمر تلك الاتهامات.
واندلعت الحرب الأهلية في السودان في أبريل/نيسان 2023 إثر تصاعد التوتر بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع إلى مواجهات عنيفة. ويُتهم كلا الطرفين بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان وجرائم حرب، خلال النزاع الذي أسفر عن مقتل أكثر من 20,000 شخص وجرح نحو 33,000، وتهجير 11.6 مليون شخص، منهم 8.3 مليون داخل السودان و3.1 مليون فروا إلى البلدان المجاورة.
المصادر الإضافية • أب
Go to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية الجيش السوداني يُسجِّل أول انشقاق لقيادي كبير في قوات "حفتر السودان" الدعم السريع الخارجية الإماراتية تستنكر استهداف مقر سفيرها في الخرطوم وتتهم الجيش السوداني بالتصعيد الكوليرا تنتشر في السودان وجنرالات الحرب يواصلون قتالهم دون هوادة قوات الدعم السريع - السودانمنظمة العفو الدوليةجمهورية السودانحرب أهليةالإمارات العربية المتحدةأفريقيااعلاناخترنا لك يعرض الآن Next مباشر. قصف إسرائيلي يستهدف مدرسة تؤوي نازحين شمال غزة واشتباكات من مسافة صفر بين حزب الله والجيش الإسرائيلي يعرض الآن Next روسيا تحقق تقدماً في دونيتسك: السيطرة على ريفنوبيل والخسائر الأوكرانية تتصاعد يعرض الآن Next غروسي من طهران: المواقع النووية يجب أن تكون محمية والرئيس الإيراني يؤكد "لن نسعى لامتلاك سلاح نووي" يعرض الآن Next "لم يكونوا عائلات كما كان يُعتقد".. تحليل الحمض النووي يعيد رسم صورة ضحايا بومبي يعرض الآن Next وصف عناصر حماس بـ"الحيوانات الشرسة".. ماذا نعرف عن ماركو روبيو وزير الخارجية الأمريكي الجديد؟ اعلانالاكثر قراءة روسيا تحذّر من اجتياح إسرائيلي لسوريا وتقول إن قواتها حاضرة مقابل مرتفعات الجولان "كان لا بد من كشف الحقيقة"... أمريكي متهم بتسريب خطط إسرائيلية لضرب إيران لا مجال لكسب مزيد من الوقت.. النيابة العامة الإسرائيلية ترفض تأجيل شهادة نتنياهو بقضايا الفساد مارس الجنس مع 400 من زوجات كبار الشخصيات أمام الكاميرا.. فضيحة مسؤول كيني يعتقد أنه مصاب بمرض الإيدز بين السماء والأرض: ألمانيان يحطمان الرقم القياسي في التزلج على الحبل المتحرك بارتفاع 2500 متر اعلانLoaderSearchابحث مفاتيح اليومكوب 29دونالد ترامبإسرائيلروسياالحرب في أوكرانيا محكمةضحاياأوكرانياالصراع الإسرائيلي الفلسطيني غزةمحاكمةقطاع غزةالموضوعاتأوروباالعالمالأعمالGreenNextالصحةالسفرالثقافةفيديوبرامجخدماتمباشرنشرة الأخبارالطقسآخر الأخبارتابعوناتطبيقاتتطبيقات التواصلWidgets & ServicesJob offers from AmplyAfricanewsعرض المزيدAbout EuronewsCommercial ServicesTerms and ConditionsCookie Policyسياسة الخصوصيةContactPress officeWork at Euronewsتعديل خيارات ملفات الارتباطتابعوناالنشرة الإخباريةCopyright © euronews 2024