الجزيرة:
2025-10-27@18:02:45 GMT

متحف إدلب.. إرث حضاري عريق ناج من الحرب السورية

تاريخ النشر: 12th, July 2023 GMT

متحف إدلب.. إرث حضاري عريق ناج من الحرب السورية

شمال سوريا – لطالما ارتبط اسم إدلب شمال غربي سوريا بالحرب والمعارك والحصار، وسادت لدى العامة صورة قاتمة عنها، في الوقت الذي غاب فيه الضوء عن الحضارات التي احتضنتها المحافظة السورية منذ آلاف السنين، كان أبرزها مملكة إيبلا التاريخية التي نشأت قرب مدينة سراقب.

ويحافظ متحف مدينة إدلب على مخطوطات لتلك الحضارة، كتبت على رقم طينية أطلق عليها المتحف اسم الأرشيف الملكي، إضافة إلى نصب بازلتية وأوان فخارية وجرار، ولوحات فسيفسائية، والعديد من الدمى الطينية.

صحن فخاري ملون يعود للعصر الإسلامي (الجزيرة)

والمتحف الذي افتتح في عام 1989 -بمناسبة عقد الندوة الدولية لتاريخ آثار إدلب وإيبلا- أغلق أبوابه للمرة الأولى عام 2013، جراء احتدام الصراع العسكري المسلح بين قوات النظام السوري وفصائل المعارضة المسلحة، حيث تعرض خلال سنوات للقصف والتخريب والنهب، قبل أن تعيد المعارضة افتتاحه مجدداً أمام الزوار في عام 2018.

وتضطلع اليوم جهة محلية مدنية تحت اسم مركز آثار إدلب، بالإشراف على المتحف والعناية بمحتوياته، فضلاً عن تجهيز قاعتين من قاعاته لاستقبال الزوار والمهتمين بالآثار والتاريخ، وتضم هذه الجهة علماء آثار وأكاديميين مختصين.

رقم طينية بالكتابة المسمارية عائدة لحضارة مملكة إيبلا السورية (الجزيرة)

ويؤكد القائمون في مركز آثار إدلب على أهمية استقلال الآثار والأوابد التاريخية شمال غربي سوريا وإدلب عن التوجهات السياسية والعسكرية، وضرورة تحييدها عن أي صراع أو مواجهة بين الأطراف المتناحرة في البلاد.

تاريخ المنطقة

ويقع متحف إدلب في المدخل الشرقي للمدينة حيث تقدر مساحته بنحو 5 آلاف متر مربع، ويتألف من طابقين رئيسين، يضم كل طابق العديد من الصالات والأجنحة التي تعرض فيها الآثار والأوابد التاريخية، بدءا من عصور ما قبل التاريخ إلى حضارات ممالك ما قبل الميلاد، وصولا إلى الآثار الكلاسيكية الرومانية والبيزنطية، وأخيرا التحف الأثرية الإسلامية.

دمى طينية متنوعة من حضارات ما قبل الميلاد (الجزيرة)

ويصف مدير متحف إدلب والباحث في الآثار أيمن نابو، الرقم المسمارية الخاصة بالأرشيف الملكي لحضارة إيبلا بأنها من أهم محتويات المتحف، وأرخت تاريخ المنطقة لمدة 5 آلاف سنة قبل الميلاد، حيث تم اكتشافها عام 1964 على يد البعثة الأثرية الإيطالية برئاسة عالم الآثار باولو ماتييه.

ويقول نابو- في حديث للجزيرة نت- إن المتحف يضم العديد من القطع الأثرية المختلفة التي يعود تاريخها إلى 12 ألف سنة قبل الميلاد، وحتى الفترة الإسلامية المتأخرة العثمانية والمملوكية والأيوبية.

قطعة فسيفساء أرضية تعكس مشاهد وطقوس الصيد (الجزيرة)

ويشير نابو إلى وجود العديد من التماثيل والمنحوتات البازلتية، والأواني الفخارية والحجرية والمسكوكات، إضافة إلى لوحات الرسومات الفسيفسائية التي تجسد مشاهد الصيد والجنة، وأخرى جنائزية تحمل كتابات يونانية ولاتينية.

قطع فخارية من عصر إسلامي غير محدد (الجزيرة)  أضرار الحرب والزلازل

خلال المعارك التي دارت في السنوات السابقة بالمنطقة تعرض متحف إدلب، وفق نابو، للقصف المباشر مرتين: الأولى عام 2015 ما تسبب بأضرار كبيرة في المستودعات وتضرر البنية التحتية، والثانية عام 2017 عندما اخترق صاروخ حربي القسم الشمالي الغربي من المتحف، وضاع الكثير من الورقيات والأرشيف.

وفي عام 2020 أصيب المتحف بأضرار غير مباشرة، لدى قصف منطقة سوق الهال الملاصقة له من الجهة الشرقية، جراء الانفجار الارتدادي الذي حصل.

رؤوس سهام ونصال حجرية وصوانية (الجزيرة)

ومع كارثة زلزال فبراير/شباط الماضي التي هزت تركيا وسوريا، تصدعت جدران المتحف وأصيبت بالتشققات مع استمرار الهزات الارتدادية التي رافقت الزلزال المدمر، مما دفع القائمين عليه إلى إجراء بعض الترميمات لتقوية المتحف وترميم الأجزاء المتصدعة منه.

غياب الدعم والسياح

ورغم المكانة التي يضطلع بها المتحف، فإن ظروف الحرب في سوريا تمنع قدوم السياح لزيارته في الوقت الراهن، في حين يقتصر الأمر حاليا على الزوار المحليين من طلاب المدارس وآخرين من طلبة الجامعات من اختصاص التاريخ.

كما يزور المتحف بين الحين والآخر صحفيون أجانب لإنجاز التقارير الصحفية عنه، وتسليط الضوء على مقتنياته التي نجت من الحرب السورية.

كؤوس وأوان وأباريق فخارية (الجزيرة)

ويشتكي المعنيون في شأن آثار إدلب من غياب الدعم، ويعتقدون أنه مرتبط بقرار سياسي، ويطالبون بدعم أكبر لهذه القطع الأثرية التي تشكل جزءا كبيرا من هوية الإنسان، لا سيما في التقارير الموجهة إلى منظمة اليونيسكو.

المصدر: الجزيرة

إقرأ أيضاً:

لقمة صمود.. مبادرة إنسانية تُطعم جوعى غزة وتخفف عنهم آثار الحرب

النصيرات – لم يكن نسيم الزيناتي الموظف الجامعي الهادئ في الكلية الجامعية للعلوم التطبيقية في غزة، يتخيّل أن مهاراته في الإدارة التكنولوجية والريادة ستتحوّل يومًا إلى سلاح لمواجهة الجوع والموت؛ فالرجل الذي حصد جوائز دولية في مجالات الابتكار والاستدامة، وتوّج مؤخرا بلقب "بطل الاستدامة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا"، وجد نفسه وسط حرب لا تعرف الرحمة، يقود مبادرات إنسانية بجهد شخصي لنجدة آلاف العائلات المنكوبة.

كان الزيناتي طوال سنوات ما قبل الحرب أحد الداعمين للشباب في مشاريع الريادة والتنمية، وساهم في تأسيس شبكة الشباب العربي للتنمية المستدامة، ناشرًا الوعي حول أهداف التنمية وربطها بالمبادرات المجتمعية، لكن حرب الإبادة الأخيرة غيّرت كل شيء.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2أبرز الصور في أسبوع.. معاناة غزة مستمرة رغم وقف الحربlist 2 of 2إسطنبول تستضيف القمة الإنسانية الدولية من أجل غزة في نوفمبر المقبلend of list

يقول الزيناتي للجزيرة نت "لم أتخيّل يومًا أن أكون أنا نفسي في قلب تجربة إنسانية بهذا الحجم، كنت أدعم مبادرات الشباب، فإذا بي أبدأ مبادرتي الخاصة حين رأيت الجوع يزحف على وجوه الناس والبيوت المهدمة تبتلع أحلامهم".

في الأيام الأولى للحرب، لم يكن أمامه سوى دافع داخلي صادق، وشعور بالعجز لا يحتمل، حيث بدأ بخطوات بسيطة، يجمع ما تيسّر من المواد الغذائية والمياه، ويُعد الطعام في بيته المتواضع للنازحين الذين احتموا به.

لم يكن هناك دعم مؤسسي ولا إطار تنظيمي، فقط إنسان يحمل في قلبه همّ الناس، ومع الوقت كبر الجهد الفردي واتّسع، وانضم إليه زملاء وأصدقاء حتى تحوّل العمل إلى مبادرة أكثر تنظيمًا حملت اسمًا دافئا وسط البرد والجوع "لقمة صمود".

"لقمة صمود"

في قلب المجاعة التي خنقت قطاع غزة ولا سيما شماله، كانت مبادرة "لقمة صمود" بمثابة شريان حياة لعائلاتٍ بلا مطابخ ولا وقود ولا طعام، اعتمدت على إعداد وجبات بسيطة -غالبها من الأرز والخضار- وتوزيعها على الأسر في الخيام والمناطق المدمّرة.

إعلان

يروي الزيناتي "كنا نعمل كخلية نحل، لا ننام إلا بعد أن نطعم المئات، لا أستطيع أن أحدد عدد المستفيدين بدقة، لكن في كل يوم كنا نصل إلى نحو مئتي أسرة أو أكثر حسب ما يتوفر من المساهمات".

يتابع "كنت أرى أن دوري لا يتوقف عند توزيع المساعدات، بل في نقل صوت الناس إلى العالم، وإظهار وجوههم المرهقة التي لم تعد تملك حتى حق البكاء؛ طريق الإغاثة في غزة محفوف بالمخاطر، فالحصار الإسرائيلي والدمار الواسع جعلا الوصول إلى المواد الأساسية معركة يومية، حيث كنا نواجه صعوبة هائلة في توفير الطحين (الدقيق) والعدس والوقود، وفي بعض الأيام كنا نطهو الطعام على الحطب، الحصار جعل كل شيء مستحيلاً من نقل المواد إلى تأمين المياه النظيفة".

يحكي الزيناتي أحد المواقف التي لا تغيب عن ذاكرته "قابلت سيدة انفجرت بالبكاء عندما أعطيناها ربطة خبز، قالت وهي تمسكها بيديها المرتجفتين: هذه لي؟ والله أغلى من الذهب، منذ أسبوعين لم تدخل فمي كسرة خبز"، كان ذلك المشهد كافيًا ليُدرك أن الخبز في زمن الحرب ليس طعامًا، بل كرامة محفوظة في كفّ إنسان آخر.

لم تكن التحديات لوجستية فقط، بل قاسية إلى حد الفقد الشخصي خلال الحرب، بعد أن استهدفت قوات الاحتلال منزل الزيناتي، وأصيب هو بجراح، واستُشهد ابنه، ومع ذلك واصل العمل كما لو أن الفقد لم يزده إلا إصرارًا.

كان يستمدّ قوته من مشاهد البسطاء الذين صمدوا رغم الجوع، ومن تفاعل الناس داخل غزة وخارجها الذين قدّموا ما يستطيعون، ولو كان قليلاً، معبرا عن ذلك بقوله "في كل ابتسامة شكر كنت أشعر أن جهدي لم يذهب سدى، وأن العالم ما زال فيه أناس يسمعون نداء غزة".

الشباب والأمل

يرى الزيناتي أن الشباب هم الوقود الحقيقي للعمل الإنساني في قطاع غزة، وأن طاقاتهم قادرة على تحويل الألم إلى فعل، ويقول "الشباب هم من يصنعون الفارق، لا ينتظرون أحدًا، بل يبتكرون الحلول رغم الحصار؛ دورهم في الأزمات لا يقل أهمية عن أي منظمة دولية"، وهو يدعوهم دائمًا إلى أن يبدؤوا بخطوات صغيرة، لأن العمل الإنساني لا يحتاج إلا إلى نية صادقة وجرأة في الفعل.

اليوم، وبعد عامين من الحرب، يواصل نسيم الزيناتي جهوده الإغاثية في المبادرات، ويسعى إلى بناء نماذج مستدامة تضمن التعافي الحقيقي لا المؤقت، كما يطمح إلى إطلاق مشاريع تركز على تمكين الشباب اقتصاديا، ودعم التعليم في مناطق النزوح، وتوفير مساحات عمل آمنة للطلبة الجامعيين، لأنه يؤمن أن الاكتفاء الذاتي هو الطريق الوحيد لبقاء غزة واقفة على قدميها.

يوجّه الزيناتي رسالة إلى العالم، تبدو كصرخة صادقة من قلب الركام "كفوا عن النظر إلى غزة كخبر أو رقم في نشرة المساء. هنا يعيش بشر لهم أسماء وأحلام وأطفال ينتظرون الحليب والماء. نحن بحاجة إلى دعم عاجل ومفتوح، ورفع الحصار فورًا، لأن العالم إذا صمت اليوم، سيُذكر غدًا كشريكٍ في الجريمة".

ويختم حديثه بكلماتٍ تشبه وصية الميدان "تجربتي علمتني أن كل جهد إنساني مهما كان صغيرا يمكن أن يُحدث فرقا. لا شيء أعظم من إنقاذ حياة أو حفظ كرامة إنسان. نحن في غزة لا نملك ترف اليأس، بل نعيش على الأمل، ونؤمن أن الخبز الذي نمنحه للآخرين هو الذي يُبقينا أحياء".

إعلان

مقالات مشابهة

  • آثار باليستي إيران في إسرائيل شاخصة بعد 4 أشهر على الحرب
  • لقمة صمود.. مبادرة إنسانية تُطعم جوعى غزة وتخفف عنهم آثار الحرب
  • مدير متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية: افتتاح المتحف الكبير "حدث القرن" حضاريًا وثقافيًا
  • يوم تاريخي.. زاهي حواس يعلق على افتتاح المتحف المصري الكبير
  • زاهي حواس: هذه الأسباب أكسبت المتحف المصري الكبير شهرة عالمية
  • مسافرون للسياحة : المتحف المصري الكبير شعاع حضاري جديد من أرض مصر إلى العالم
  • مسافرون للسياحة: المتحف المصري الكبير شعاع حضاري جديد من أرض مصر للعالم
  • الجزيرة ترصد آثار القصف الصاروخي الروسي على العاصمة الأوكرانية
  • تدريب ميداني لطلاب آثار جامعة الأقصر داخل وادي الملوك ومقابر الأشراف
  • الجزيرة ترصد آثار الغارة الإسرائيلية على بلدة عربصاليم جنوب لبنان