متحف إدلب.. إرث حضاري عريق ناج من الحرب السورية
تاريخ النشر: 12th, July 2023 GMT
شمال سوريا – لطالما ارتبط اسم إدلب شمال غربي سوريا بالحرب والمعارك والحصار، وسادت لدى العامة صورة قاتمة عنها، في الوقت الذي غاب فيه الضوء عن الحضارات التي احتضنتها المحافظة السورية منذ آلاف السنين، كان أبرزها مملكة إيبلا التاريخية التي نشأت قرب مدينة سراقب.
ويحافظ متحف مدينة إدلب على مخطوطات لتلك الحضارة، كتبت على رقم طينية أطلق عليها المتحف اسم الأرشيف الملكي، إضافة إلى نصب بازلتية وأوان فخارية وجرار، ولوحات فسيفسائية، والعديد من الدمى الطينية.
والمتحف الذي افتتح في عام 1989 -بمناسبة عقد الندوة الدولية لتاريخ آثار إدلب وإيبلا- أغلق أبوابه للمرة الأولى عام 2013، جراء احتدام الصراع العسكري المسلح بين قوات النظام السوري وفصائل المعارضة المسلحة، حيث تعرض خلال سنوات للقصف والتخريب والنهب، قبل أن تعيد المعارضة افتتاحه مجدداً أمام الزوار في عام 2018.
وتضطلع اليوم جهة محلية مدنية تحت اسم مركز آثار إدلب، بالإشراف على المتحف والعناية بمحتوياته، فضلاً عن تجهيز قاعتين من قاعاته لاستقبال الزوار والمهتمين بالآثار والتاريخ، وتضم هذه الجهة علماء آثار وأكاديميين مختصين.
ويؤكد القائمون في مركز آثار إدلب على أهمية استقلال الآثار والأوابد التاريخية شمال غربي سوريا وإدلب عن التوجهات السياسية والعسكرية، وضرورة تحييدها عن أي صراع أو مواجهة بين الأطراف المتناحرة في البلاد.
تاريخ المنطقةويقع متحف إدلب في المدخل الشرقي للمدينة حيث تقدر مساحته بنحو 5 آلاف متر مربع، ويتألف من طابقين رئيسين، يضم كل طابق العديد من الصالات والأجنحة التي تعرض فيها الآثار والأوابد التاريخية، بدءا من عصور ما قبل التاريخ إلى حضارات ممالك ما قبل الميلاد، وصولا إلى الآثار الكلاسيكية الرومانية والبيزنطية، وأخيرا التحف الأثرية الإسلامية.
ويصف مدير متحف إدلب والباحث في الآثار أيمن نابو، الرقم المسمارية الخاصة بالأرشيف الملكي لحضارة إيبلا بأنها من أهم محتويات المتحف، وأرخت تاريخ المنطقة لمدة 5 آلاف سنة قبل الميلاد، حيث تم اكتشافها عام 1964 على يد البعثة الأثرية الإيطالية برئاسة عالم الآثار باولو ماتييه.
ويقول نابو- في حديث للجزيرة نت- إن المتحف يضم العديد من القطع الأثرية المختلفة التي يعود تاريخها إلى 12 ألف سنة قبل الميلاد، وحتى الفترة الإسلامية المتأخرة العثمانية والمملوكية والأيوبية.
ويشير نابو إلى وجود العديد من التماثيل والمنحوتات البازلتية، والأواني الفخارية والحجرية والمسكوكات، إضافة إلى لوحات الرسومات الفسيفسائية التي تجسد مشاهد الصيد والجنة، وأخرى جنائزية تحمل كتابات يونانية ولاتينية.
خلال المعارك التي دارت في السنوات السابقة بالمنطقة تعرض متحف إدلب، وفق نابو، للقصف المباشر مرتين: الأولى عام 2015 ما تسبب بأضرار كبيرة في المستودعات وتضرر البنية التحتية، والثانية عام 2017 عندما اخترق صاروخ حربي القسم الشمالي الغربي من المتحف، وضاع الكثير من الورقيات والأرشيف.
وفي عام 2020 أصيب المتحف بأضرار غير مباشرة، لدى قصف منطقة سوق الهال الملاصقة له من الجهة الشرقية، جراء الانفجار الارتدادي الذي حصل.
ومع كارثة زلزال فبراير/شباط الماضي التي هزت تركيا وسوريا، تصدعت جدران المتحف وأصيبت بالتشققات مع استمرار الهزات الارتدادية التي رافقت الزلزال المدمر، مما دفع القائمين عليه إلى إجراء بعض الترميمات لتقوية المتحف وترميم الأجزاء المتصدعة منه.
غياب الدعم والسياحورغم المكانة التي يضطلع بها المتحف، فإن ظروف الحرب في سوريا تمنع قدوم السياح لزيارته في الوقت الراهن، في حين يقتصر الأمر حاليا على الزوار المحليين من طلاب المدارس وآخرين من طلبة الجامعات من اختصاص التاريخ.
كما يزور المتحف بين الحين والآخر صحفيون أجانب لإنجاز التقارير الصحفية عنه، وتسليط الضوء على مقتنياته التي نجت من الحرب السورية.
ويشتكي المعنيون في شأن آثار إدلب من غياب الدعم، ويعتقدون أنه مرتبط بقرار سياسي، ويطالبون بدعم أكبر لهذه القطع الأثرية التي تشكل جزءا كبيرا من هوية الإنسان، لا سيما في التقارير الموجهة إلى منظمة اليونيسكو.
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
كنوز أثرية في أبهى صورها.. المتحف المصري الكبير يعيد الحياة إلى تاريخ الفراعنة
على بعد بضع مئات الأمتار من أهرامات الجيزة، يقف المتحف المصري الكبير متأهبا لافتتاحه الرسمي في 3 يوليو المقبل.
ويمتد المتحف على 500 ألف متر مربع وهو أكبر متحف في العالم متخصص في الحضارة المصرية، وتوازي مساحته ضعفي مساحة متحف اللوفر في باريس وضعفين ونصف الضعف مساحة المتحف البريطاني، كما تطل أقسام مختلفة من المتحف على منظر بانورامي للأهرامات، ليذكر الزائرين بالمكان الذي نشأت فيه هذه الحضارة الأشهر عالميا.
ويستقبل الزائر التصميم الفريد للمتحف من الخارج والمسلة التي تقف شامخة أمامه، ليدخل الزائر ليقف أمام تمثال مهيب لرمسيس الثاني يبلغ ارتفاعه 11 مترا، وضع في ساحة كبيرة تضم "الدرج العظيم" الذي يضم 6 طبقات.
ويضم هذا "الدرج العظيم" تماثيل لفراعنة وآلهة بالإضافة إلى توابيت أثرية ويروي سيناريو العرض المتحفي الخاص 3 موضوعات رئيسية عن الحضارة المصرية القديمة وهي الملكية والمجتمع والمعتقدات. قبل الوصول إلى واجهة كبيرة توفر إطلالة خلابة على الأهرامات.
ويضم المتحف 12 صالة عرض للجمهور، تضم 24 ألف قطعة مرتبة ترتيبا زمنيا من عصور ما قبل التاريخ إلى العصر اليوناني الروماني، وتتناول تاريخ هذه الحضارة.
ومن أبرز الآثار التي يضمها المتحف بين جنباته كنوز الملكة حتب حرس، والدة خوفو، باني الهرم الأكبر، ومنها كرسيها المنحوت بدقة والذي كان محفوظا داخل صالة ذات إضاءة خافتة في المتحف المصري القديم في القاهرة المشيد عام 1902.
ويحتوي المتحف على قطعة أخرى مميزة هي مركب شمسي مصنوع من خشب الأرز، يبلغ طوله 44 مترا وطمر بجوار الهرم الأكبر قرابة العام 2500 قبل الميلاد. ولم يكشف عنه بعد.
وسيوفر قارب ثان لا يزال قيد الترميم، تجربة غامرة فريدة من نوعها، إذ سيتمكن الزوار من مراقبة عمال الحفظ وهم يعملون على مدى السنوات الثلاث المقبلة.
ولكن تظل كنوز الملك توت عنخ آمون ومن ضمنها قناعه الذهبي الشهير هي المجموعة الأهم والأشهر التي ستعرض في هذا المتحف، وهي تحوي نحو 5400 قطعة، من بينها قطع تعرض لأول مرة، وقد تقرر تأجيل افتتاح قاعة توت عنخ أمون حتى الافتتاح الرسمي للمتحف في 3 يوليو المقبل.
ولا يتوقف الأمر عند مجرد عرض الآثار بل سيقدم المتحف من خلال التقنيات المتطورة مثل الواقع الافتراضي والمعارض التفاعلية، قصصا جديدة لبث الحياة في تاريخ الفراعنة لتعريف الأجيال الشابة به بشكل أكبر.
وقد تم وضع حجر الأساس لمشروع المتحف المصري الكبير، عام 2002، وبدأ البناء في مايو 2005، إذ تم تمهيد الموقع وتجهيزه، وفي عام 2006، أنشئ أكبر مركز لترميم الآثار بالشرق الأوسط، خصص لترميم وحفظ وصيانة وتأهيل القطع الأثرية المقرر عرضها بقاعات المتحف، والذي تم افتتاحه عام 2010، وبعد سنوات، صدر قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 2795 لسنة 2016 بإنشاء وتنظيم هيئة المتحف المصري الكبير، قبل أن يصدر القانون رقم 9 لسنة 2020 بإعادة تنظيم هيئة المتحف كهيئة عامة اقتصادية تتبع الوزير المختص بشئون الآثار.
وفي عام 2021 انتهى بناء مبنى المتحف، الذي تم افتتاح بعض قاعاته للتشغيل التجريبي قبل الافتتاح الرسمي، إذ يستقبل المتحف حاليا 4 آلاف زائر بحد أقصى.
وتبلغ أسعار تذاكر المتحف المصري الكبير للزائر المصري حاليا 200 جنيه، وللشباب والأطفال والطلاب وكبار السن 100 جنيه.. أما بالنسبة للزائر الأجنبي، فتبلغ أسعار تذاكر الكبار 1000 جنيه، والأطفال والطلاب 500 جنيه.