محلل أمريكي: إيران تحد مباشر لواشنطن وهجمات البحر الأحمر وضعتها في مأزق كبير
تاريخ النشر: 6th, December 2023 GMT
يبدو أن الهجمات المدعومة من إيران على السفن في البحر الأحمر، قد وضعت القيادة الأمريكية المركزية في الشرق الأوسط في مأزق، إلى حد كبير.
واضطرت إلى استخدام منصة "إكس" لتوضيح ماهية الهجمات التي وقعت على ثلاث سفن تجارية مختلفة مرتبطة بـ 14 دولة كانت تُبحر في المياه الدولية جنوب البحر الأحمر، ( دون تحديد هوية مالك السفينة، أو الطاقم العامل بها، أو الجهة التي يتم الشحن إليها).
وأوضحت منشورات الإدارة الأمريكية أن المدمّرة "يو إس إس كارني" من فئة "آرلي بيرك" قد استجابت لنداءات الاستغاثة التي أطلقتها السفن وأسدت إليها يد العَون.
و رصدت المدمرة كارني هجومًا صاروخيًا مضادًا للسفن شُنّ من منطقة الحوثيين في اليمن واستهدف السفينة التجارية "يونيتي إكسبلورر".
وبعد أقل من ثلاث ساعات، أسقطت المدمرة "كارني" طائرة بدون طيار أُطلقت باتجاهها من اليمن، وبعد 35 دقيقة أخرى أبلغت سفينة "يونيتي إكسبلورر" عن قصفها بصاروخ. وفي إطار مساندة السفينة التجارية، أسقطت "كارني" طائرة بدون طيار أخرى.
اقرأ أيضاً
تزامنا مع حرب غزة.. شعبية بايدن تقترب من أدنى مستوياتها خلال رئاسته
لم تمضِ ثلاث ساعات على هذا الهجوم حتى أصيبت سفينة تجارية أخرى - تحمل الإسم "رقم 9" - بصاروخ، وبعد مرور ساعة، أرسلت السفينة "صوفي 2" نداء استغاثة بعد إصابتها. وفي معرض التعامل مع كل هذا، أسقطت مدمرة "كارني" طائرة بدون طيار أخرى.
وجاء كل ذلك في أعقاب هجوم شُنّ في المنطقة نفسها الشهر الماضي، عندما تم الاستيلاء على سفينة بعد أن هبطت مروحية يمنية على متنها وخرج منها جنود مسلحون. وتم في الواقع إيقاف الهجوم على سفينة أخرى عندما احتمى الطاقم في غرفة آمنة، وأُلقي القبض على المهاجمين الذين يُفترض أنهم قراصنة صوماليون.
إيران.. تحدي واشنطن المباشر
وحسب "سايمون هندرسون" مدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن، ومتخصص شؤون الطاقة والدول العربية المحافظة في الخليج الفارسي.. فإن التفسير البسيط للأحداث هو أن نظام الحوثيين في اليمن يهاجم السفن التي ترتبط بشكل ما بالإسرائيليين -حتى لو كانت مُلكيتها جزئية- احتجاجًا على العمليات التي تقوم بها إسرائيل في غزة في محاولة لضمان إطلاق سراح الرهائن الذين احتجزتهم حركة "حماس" في 7 تشرين الأول/أكتوبر الماضي.
وأصبح من الواضح أن التي تتحكم في أعمال الحوثيين، وحزب الله في لبنان والهجمات على القوات الأمريكية في سوريا والعراق أيضًا هي إيران، بصرف النظر عن الضغط الذي تمارسه أعمال الحوثيين على إسرائيل، فإن إيران تعدّ تحديا مباشرا للولايات المتحدة.
و قال هندرسون: يشكّل الحوثيون مجموعة عرقية تعيش في شمال اليمن، وهم من أتباع أحد المذاهب الشيعية، ووصلوا إلى السلطة بسبب الانقسامات في الحكومات السابقة في العاصمة صنعاء، وهم لا يسيطرون على البلاد بأكملها بل المناطق الأكثر اكتظاظاً بالسكان.
اقرأ أيضاً
واشنطن تفرض قيودا على دخول مستوطنين لأراضيها بسبب ممارساتهم بالضفة الغربية
وقد فشلت الجهود التي بذلتها كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة لهزيمتهم، مما أدى إلى إحراج هاتين الدولتين الأكثر ثراءً وجيشيهما المجهزين جيداً.
وتابع: تساعد واشنطن في التوسط في اتفاق سلام، ولكنه يصطدم بالتفاصيل، ويعقّد الحوثيون الأمور إما بتشجيع من إيران أو دون تشجيعها.
وبالنسبة لواشنطن، تعدّ هذه المهمة مثيرة للغضب، إذ تمكنت مجموعة من رجال القبائل المسلحين بالبنادق، والمزودين ببعض الصواريخ التي قدمتها إيران، من التغلب على قوة الجيش الأمريكي وتعريض طريق عبور بحري رئيسي للخطر.
ويقع باب المندب مباشرة إلى الجهة الجنوبية من عرض البحر الذي وقعت فيه الهجمات الأخيرة، وهو الممر الذي يبلغ عرضه 29 كيلومترًا بين شبه الجزيرة العربية وأفريقيا ويمر عبره الكثير من سفن الشحن الدولية، من بينها تلك التي تنقل كميات كبيرة من النفط والغاز الطبيعي.
ومما سبق تبين أن القوة العسكرية الأمريكية أضعف مما يعتقده دافعو الضرائب؛ خاصة أنه تم نشر ما لا يقل عن مجموعتين من حاملات الطائرات الضاربة في المنطقة، إحداهما في شرق البحر الأبيض المتوسط، والأخرى في الخليج العربي.
ومن التطورات الدبلوماسية المثيرة للاهتمام أن واشنطن لا تقدم الدعم الكامل لاستراتيجية إسرائيل الحالية بسبب القلق بشأن التكاليف الإنسانية الناجمة عن تجدد القتال بعد انهيار وقف إطلاق النار في الأسبوع الماضي.، فتوقع إسرائيل بأن الأمر سيستغرق شهورا لهزيمة "حماس" يؤدي إلى ارتعاد أوصال المسؤولين الأمريكيين.
اقرأ أيضاً
واشنطن بوست: قضاء إسرائيل على حماس لا يزال هدفا بعيد المنال
المصدر | الخليج الجديدالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: إيران واشنطن البحر الأحمر الحوثيون حزب الله الإدارة الأمريكية
إقرأ أيضاً:
اليمن وكسر الردع الأمريكي: البحر الأحمر نموذجًا لفشل الهيمنة
عبدالوهاب حفكوف
من بين أكثر جبهات الصراع حساسيةً في الراهن الإقليمي، تبرز جبهةُ البحر الأحمر؛ بوصفها مرآةً حادةً لتعرِّي العقيدة العسكرية الأمريكية أمام خصم غير تقليدي. فاليمنيون، دونَ مظلة جوية، ولا منظومات دفاع متقدمة، ولا حماية نووية، نجحوا في إعادة صياغة مفهوم الردع، بل وفي تحطيم رمزيته في وعي القوة الأمريكية نفسها.
منذ اللحظة الأولى لتدخُّلِها في البحر الأحمر بذريعةِ حماية الملاحة، اعتقدت واشنطن أن بضعَ ضربات محسوبة ستُعيدُ التوازن وتفرض الهيبة. لكن الوقائع أثبتت عكسَ ذلك تمامًا. وقعت في فخٍّ مُحكم بُنِيَ بعناية تكتيكية فائقة، حَيثُ تقابلت العقيدة اليمنية القائمة على “رفع الكلفة بأقل الإمْكَانيات” مع منظومة أمريكية مأخوذة بالسرعة والضجيج.
كل عملية هجومية نفذها اليمنيون كانت تهدم جدارًا نظريًّا:
• فإسقاطُ مسيّرة أمريكية متقدمة لا يُضعِفُ الأدَاة فقط، بل ينسِفُ الثقةَ في أدوات الردع نفسها.
• وضرب سفينة تجارية لا يعطِّلُ الممرَّ فحسب، بل يربك مركز القرار في وزارة الدفاع الأمريكية.
• والأسوأ: أن الدفاعاتِ الأمريكية الذكية استُنزفت حتى أصبحت أضعف من الهجوم ذاته.
وفي العمق، تحولت معادلةُ الكلفة إلى كابوس استراتيجي: صاروخ بسيط لا تتجاوز تكلفته بضعة آلاف، يُقابل بمنظومة اعتراض بملايين الدولارات.
لكن الأمر لا يتوقف عند اليمن. كُـلّ ضربة يمنية ضد المصالح الأمريكية كانت تُترجَمُ إلى نقطة تفاوضية لصالح إيران؛ ليس لأَنَّ اليمنيين في سلطة صنعاء يتحَرّكون بأمر من أحد -فهم أسيادٌ تتضاءلُ أمامهم السيادة الزيتية العربية-؛ بل لأَنَّهم جزء من منظومة ردع إقليمية واسعة، نجحت في تقاسم الأدوار وتوزيع الجبهات، دون إعلان أَو ضجيج.
ومن هنا، بدأ التحول الأمريكي الحقيقي. الإدراك المتأخر أن التصعيد ضد اليمن كشف حجم الكارثة فجعل البيت الأبيض يُعيدُ الحسابات من جديد. فما كان يُخطط له كعملية تأديب محدودة، تحول إلى أزمة استراتيجية دفعت واشنطن للتراجع خطوة، والبحث عن مسار تفاوضي مع طهران.
في المحصلة، الحوثي لم يعد مُجَـرّدَ طرف محلي يحمي سواحله. لقد أثبت، من خلال أداء منضبط وحسابات دقيقة، أنه قادرٌ على تعديل هندسة القوة في الإقليم، وفرض نفسه كطرف لا يمكن تجاهله في أي معادلة تهدئة وَخُصُوصًا في المعادلة الفلسطينية.
هكذا، تحولت جبهة البحر الأحمر إلى مختبرٍ علني لفشل الردع الأمريكي، وصعود منطق جديد في إدارة الصراع.
أُولئك الذين ظنوا بأن العدوانَ الأمريكي سيقضي على اليمنِ في ظل حكم أنصار الله وحلفائهم، سيخيبُ أملُهم وَسيتعين عليهم الاستعدادُ للتعامل مع قوة إقليمية خرجت مرفوعة الرأس بعد منازلة أقوى دولة في العالم!
* كاتب وصحفي سوداني.. بتصرُّف يسير