المقاومة الإسلامية والعلاقة مع إيران وحلفائها
تاريخ النشر: 6th, December 2023 GMT
علاقة المقاومة مع إيران وحلفائها، ملفٌّ دائم الطرح، سواء كان ذلك عقب انتصار لها، أو أثناء معركة من معاركها، أو عقب أي تحالف سياسي أو عسكري بين الطرفَين، وطرحه بشكل علمي منصف، أمرٌ ممدوح لا إشكال فيه، لكنْ هناك أطرافٌ لا تطرحه من هذا الباب، بل من باب التشويش على المقاومة ليس إلا، سواء كان التشويش سياسيًا، أم متلبسًا بلَبُوس الدين والفتوى، أو العقيدة والحفاظ عليها.
وما نتناوله هنا هو الجانب الديني، حيث إنه يُطرح بشكل فيه اعتساف من كثير ممن يتناولونه، ولسنا هنا نتحدّث عمن يلوم على المقاومة صيغَ الثناء أو المدح لإيران وحلفائها عند الشكر على مواقفهم تجاه المقاومة، فهذا سياق أو حديث مقبول، ولا إشكال فيه، فأصحابه ينطلقون من باب حرصهم على المقاومة وسمعتها.
تجد القرآن الكريم تارة يذكر الكافرين بقوله: (الذين كفروا)، فقط دون أي وصف لسلوكهم؛ لأنّه يتحدث عن موقفهم العقدي، بينما في سياقات أخرى عند حديثه عن سلوكهم يقول: (الذين كفروا وظلموا)، ومرة أخرى يقول: (الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله)
لكن حديثنا عمّن يشوّشون على مجرد التحالف، وعلى قَبول المقاومة؛ أي يدِ عونٍ تمتدّ من هذا الحلف؛ بدعوى الخلاف المذهبي بين المقاومة وإيران وحلفائها، رافعين في ذلك فتاوى تصل بهم إلى التكفير، وأنهم فئة تنال من الصحابة، فكيف تقبل مقاومة إسلامية أن تمدّ يدها للتحالف أو قبول المساهمة ممن يحمل فكرًا كهذا؟
لست هنا بصدد مناقشة صحة أو عدم صحة ما ينسبونه من أفكار دينية لإيران وحلفائها، فهذا سياق آخر، لا يتّسع المقال له، لكننا سنفترض صحة ما ذهبوا إليه، ونبني النقاش على افتراض صحته، فهل فعلًا في المجال السياسي والعسكري، يرفض الإسلام التعاون أو التحالف مع فئة تحمل هذا الفكر؟
الحقيقة أنّ هذا الطرح يُبنى على مغالطة، أو جهل بطبيعة التحالفات السياسية، وموقف الشريعة منها، فالتحالفات لا تُبنى على أساس عقدي، ولا على اتفاق في الاعتقاد أو التشريع، بل تبنى دومًا على تحقيق المصلحة، ومنع الضرر، والمتأمل في القرآن الكريم، سيجد القرآن عند حديثه عن مآل مخالفيه في الاعتقاد، بأنه مآل أخرويّ واحد، لكن عند الحديث عن التعامل معهم، يجري تصنيفهم من حيث العداء والعدوان، ويختلف سياقه وكلامه في التصنيف.
فتجد القرآن الكريم تارة يذكر الكافرين بقوله: (الذين كفروا)، فقط دون أي وصف لسلوكهم؛ لأنّه يتحدث عن موقفهم العقدي، بينما في سياقات أخرى عند حديثه عن سلوكهم، ترى الحديث في القرآن يرِد بهذه الأوصاف: تارة يقول: (الذين كفروا وظلموا) النساء: 168، ومرة أخرى يقول: (الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله) النساء: 167، وثالثة يقول: (الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله وشاقوا الرسول من بعد ما تبين لهم الهدى) محمد: 32.
فهذه الأوصاف المختلفة لو كان المقصود منها بيان حكمهم العقدي، لكفى القرآن حديثه عنهم بالذين كفروا، لكن إضافة أوصاف سلوكية لهم، هي مقصودة من القرآن الكريم الذي لا ترد فيه لفظة زائدة على لفظة إلا لحكمة وغاية، فمقصود منها بيان درجات ومستوى الشخصيات، حتى يتم التعامل معها وَفق هذا الوصف، فالأخف ظلمًا تختلف معاملته عن الظلوم.
وهو ما نراه في قوانين العقوبات الإلهية والوضعية، فهناك الصغائر، وهناك الكبائر، وهناك الجريمة وهناك الجنحة، رغم أنها في باب العقوبة، لكن التوصيف يختلف، كي تختلف المعاملة.
وهو ما طبّقه النبي- صلى الله عليه وسلم- في تعامله مع كفار قريش، فلم يعاملهم كلهم معاملة واحدة، رغم اتفاقهم جميعًا على حكم عقدي واحد، فمنهم من قبل التحاور معه كسُهيل بن عمرو في صلح الحديبية، ومنهم من رفض لقاءه أيضًا في السياق نفسه؛ لأنه ليس رجل حوار، ومنهم من حاربه، ومنهم من قال عنه: لو كان حيًا وطلب منه أسرى غزوة بدر لأعطاهم له، رغم أنه مات على نفس اعتقاد من حاربوه؛ لأنه كان صاحب منّة عليه، وهو المطعم بن عدي.
لذا أجاز الإسلام للمسلم الزواج بغير المسلمة الكتابية، رغم أن في دينها ما يخالف صحيح دين المسلم، سواء من حيث اعتقادها في الله- سبحانه وتعالى-، أو في النبي الذي يؤمن به المسلم، فهي لا تؤمن به، بل تعتبره كاذبًا- حاشاه-، أو ليس نبيًا، أو مدعيًا للنبوة، ومع ذلك لأن الأمر يتعلق بشأن اجتماعي، الأصل فيه: أن تكون المرأة عفيفة، بعد أن تكون كتابية، استثنى الإسلام هذا الحكم، وأحكامًا أخرى في السياق نفسه.
هذا التأسيس القرآني والنبوي مهم في التعامل مع هذه القضية ومثيلاتها؛ لأن الخلط فيها، أو تجاوزها يوقع أصحابها في خطأ أو مزلق، ربما يفوّت مصالح على الناس، أو يصيبهم بضيق أو ضرر، أما من يتعمّدون التخليط لأهداف أخرى فهذا سياق آخر.
وبناءً على ذلك فالتحالفات السياسية والعسكرية، تبنى بالأساس على الأقرب، والأصلح، ومن تأتي من ورائه المصلحة، أو ما يدفع به الضرر، وهو ما طبّقه النبي- صلى الله عليه وسلم- نفسه، فقبل تحرك مشركين من قريش قاموا بفك الحصار الذي ضُرب عليه وعلى أصحابه، في شِعْب أبي طالب، ولم يبحث عن اعتقادهم، أو الاتفاق في الاعتقاد؛ لأن الأمر يتعلق بالظلم والعدل، والحق والباطل، وللحديث عن الاعتقاد شأن وسياق آخر.
وكذلك ما حدث منه من تكفينه عبد الله بن أبي بن سلول، وقد كان رأس النفاق، وقد كان الرأس المدبر لحادث الإفك على زوجه الطاهرة، فقد كانت تحركاته، كلُّها ضررٌ بالدولة، وضررٌ بسمعة وعِرض النبي- صلى الله عليه وسلم-، وعند وفاة ابن سلول قام النبي- صلى الله عليه وسلم- بتكفينه بقميصه، وذلك ردًا لجميل قام به ابن سلول.
فعن جابر بن عبدالله – رضي الله عنهما- قال: "لما كان يوم بدر أُتي بأسارى، وأُتي بالعباس ولم يكن عليه ثوب، فنظر النبي- صلى الله عليه وسلم- قميصًا، فوجدوا قميص عبد الله بن أبي يُقْدَر عليه، فكساه النبي- صلى الله عليه وسلم- إياه، فلذلك نزع النبي- صلى الله عليه وسلم- قميصه الذي ألبسه".
وقد تأول بعض العلماء ما قام به النبي- صلى الله عليه وسلم- مع ابن سلول على وجهين: أحدهما: أن يكون أراد به تألف ابنه وإكرامه، فقد كان مسلمًا بريئًا من النفاق. والوجه الآخر: أن عبد الله بن أبي كان قد كسا العباس بن عبد المطلب قميصًا، فأراد- صلى الله عليه وسلم- أن يكافئه على ذلك، لئلا يكون لمنافق عنده يد لم يجازِه عليها.
فالتحالفات السياسية والعسكرية تعتمد على اتحاد الهدف في المعركة القائمة، ولو كان هناك خلاف جذري في قضايا أو معارك أخرى، وقد وضع إمام كبير من أئمة المسلمين هذا المعيارَ الدقيق وفهمه من صلح الحديبية، وهو الإمام ابن القيم، حيث تحدّث عن بعض الأحكام التي تؤخذ منها، فقال:
(ومنها: أن المشركين، وأهل البدع والفجور، والبغاة، والظلمة، إذا طلبوا أمرًا يعظمون فيه حرمة من حرمات الله- تعالى-، أجيبوا إليه، وأعطوه، وأعينوا عليه، وإن منعوا غيره، فيعاونون على ما فيه تعظيم حرمات الله- تعالى-، لا على كفرهم وبغيهم، ويمنعون مما سوى ذلك، فكل من التمس المعاونة على محبوب لله- تعالى- مرضٍ له، أجيب إلى ذلك كائنًا من كان، ما لم يترتب على إعانته على ذلك المحبوب مبغوض لله أعظم منه، وهذا من أدقّ المواضع وأصعبها وأشقها على النفوس).
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssجميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة الجزيرة الاعلاميةالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: صلى الله علیه وسلم القرآن الکریم الذین کفروا حدیثه عن
إقرأ أيضاً:
8 مشاهد عجيبة رآها النبي فى رحلة الإسراء والمعراج
الإسراء والمعراج، بدأت ليلة الإسراء والمعراج من مغرب اليوم، الأربعاء حتى فجر الخميس، وهي الليلة التي جبر الله فيها خاطر سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم ويتساءل الكثيرون: “ماذا عن هذه الليلة وماذا رأى النبي فى رحلة الإسراء والمعراج؟”، ولهذا يقدم “صدى البلد” شرحاً مبسطاً عن رحلة الإسراء والمعراج وماذا رأى رسول الله فى هذه الرحلة.
الإسراء: هي رحلة عظيمة أكرم الله -تعالى- بها نبيّه محمد -صلى الله عليه وسلم- من المسجد الحرام في مكة المكرمة إلى المسجد الأقصى في القدس بفلسطين.
والمعراج: هو ما أعقب رحلة الإسراء من الصعود بالنبي محمد -صلى الله عليه وسلم- إلى طبقات السماوات العليا، والوصول إلى مستوى يسمع فيه صوت الأقلام، كما أخبر بذلك صلى الله عليه وسلم.
ماذا رأى الرسول في رحلة الإسراء والمعراج ؟1) جبريل على هيئته الحقيقية
رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- في رحلة المعراج المَلَكْ جبريل -عليه السلام- في صورته التي خلقه الله عليها، وهي خلقة عظيمة، وآية من آيات الله، فهو مخلوق عظيم له ستمائة جناح، كل جناح منها حجمه مدّ البصر، وقد رآه النبي مرتين على صورته الحقيقة، حيث رآه في الأفق الأعلى، وعند سدرة المنتهى، والمقصود هنا أن الذي رآه النبي -صلى الله عليه وسلم- هو جبريل عليه السلام، لكن ظَنَّ البعض أنه رأى ربه في رحلة المعراج، والصواب أنه لم يره، ودليل ذلك قول عائشة -رضي الله عنها- عندما سُئلَّت عن ذلك قالت: إنه لم ير ربه، وقرأت قول الله تعالى: (لا تُدرِكُهُ الأَبصارُ وَهُوَ يُدرِكُ الأَبصارَ)، يعني: لا نرى الله في الدنيا، أما في الآخرة فسوف يراه النبي -صلى الله عليه وسلم- والمؤمنون يوم الحساب، وفي الجنة، بإجماع أهل السنة والجماعة، بحيث يرونه رؤية ثابتة واضحة بيقين لا شبهة فيه، ووضوحها ويقينها كرؤية الشمس والقمر، وهذه الرؤية خاصة بأهل الإيمان، أما الكُفار فهم محجوبون عن رؤية الله -تعالى- بنص القرآن الكريم.
2) البُراق
رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- البُراق، وهو دابة بيضاء طويلة أكبر من الحمار وأصغر من البغل، وهي الدابة التي ركبها النبي -صلى الله عليه وسلم- للانتقال من مكة المكرمة إلى بيت المقدس في رحلة الإسراء والمعراج.
3) الأنبياء
ثبت في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أثناء صعوده إلى السماء برفقة جبريل -عليه السلام- رأى في كل سماء نبيًّا أو أكثر من الأنبياء، وسلَّمَّ عليهم، على النحو الآتي: السماء الأولى: آدم عليه السلام. السماء الثانية: عيسى ويحيى عليهما السلام. السماء الثالثة: يوسف عليه السلام. السماء الرابعة: إدريس عليه السلام. السماء الخامسة: هارون عليه السلام. السماء السادسة: موسى عليه السلام. السماء السابعة: إبراهيم عليه السلام، ومما ثبت واتفق عليه العلماء أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلّى في رحلة الإسراء والمعراج بالأنبياء إمامًا، لكنهم اختلفوا متى تم ذلك، فمنهم من قال أنه أمَّهم عند مَقْدِمه إلى المسجد الأقصى، ومنهم من قال أنه أمَّهم وهو يعرج إلى السماء، واختار ابن كثير أنه قد أمَّهم بعد أن نزل من العروج إلى بيت المقدس.
4) مالك صاحب النار
جاء في الأحاديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى في رحلة الإسراء والمعراج المَلَك خازن النار؛ وهو مالك عليه السلام، حتى إن مالك هو الذي بدأ النبي -صلى الله عليه وسلم- بالسلام.
5) البيت المعمور
البيت المعمور: وهو بيت يصلّي فيه كل يوم سبعون ألف ملك، لا يعودوا إليه أبدًا، وقد ثبت في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أثناء صعوده إلى السماء برفقة جبريل -عليه السلام- رأى البيت المعمور، حيث قال: (فَرُفِعَ لي البَيْتُ المَعْمُورُ، فَسَأَلْتُ جِبْرِيلَ، فَقالَ: هذا البَيْتُ المَعْمُورُ).
6) سدرة المنتهى
رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- في رحلة المعراج الجنة ونعيمها، ورأى سدرة المنتهى، ودليل ذلك قوله: (ورُفِعَتْ لي سِدْرَةُ المُنْتَهَى).
7) نهر الكوثر
رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- في رحلة المعراج نهر الكوثر الذي خصّه الله به وأكرمه به، ودليل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (بيْنَما أنا أسِيرُ في الجَنَّةِ، إذا أنا بنَهَرٍ، حافَتاهُ قِبابُ الدُّرِّ المُجَوَّفِ، قُلتُ: ما هذا يا جِبْرِيلُ؟ قالَ: هذا الكَوْثَرُ).
8) النار
اطلع النبي -صلى الله عليه وسلم- في رحلة المعراج على بعض أحوال الذين يعذّبون في نار جهنم، ورأى أصناف متعددة منهم: الصنف الأول: الذين يخوضون في أعراض المسلمين، ويقعون في الغيبة، ودليل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (لما عُرِجَ بي مررتُ بقومٍ لهم أظفارٌ من نُحاسٍ يخْمِشون وجوهَهم وصدورَهم، فقلتُ: من هؤلاء يا جبريلُ؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحومِ الناسِ). الصنف الثاني: الذين يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم، ودليل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (مرَرْتُ ليلةَ أُسرِيَ بي على قومٍ تُقرَضُ شِفاهُهم بمَقاريضَ مِن نارٍ، قال: قلتُ: مَن هؤلاءِ؟ قالوا: خُطَباءُ أمَّتِكَ). الصنف الثالث: الذين يأكلون الربا، ودليل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (رَأَيتُ لَيلةَ أُسريَ بي رَجُلًا يَسبَحُ في نَهرٍ ويُلقَمُ الحِجارةَ، فسَأَلتُ: ما هذا؟ فقِيلَ لي: آكِلُ الرِّبا).