زهرة خدرج (اعتبرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر في ورقة العمل التي أعدّتها بشأن جرائم الحرب، وقدمتها عام 1997 للجنة التحضيرية لإنشاء محكمة جنائية دولية، أن “تعمُّد التسبب في أضرار بالغة، واسعة الانتشار وطويلة الأمد في البيئة الطبيعية” يُعد جريمة حرب). قذائف بأشكال وأحجام ومكونات شتّى، تُطلق من أسلحة قاذفة، ثقيلة أو خفيفة أو طائرات، غالباً ما تكون مسيرَّة يُتحكم فيها عن بُعد، تُقذف نحو السماء أو منها لتسقط على الأرض، فوق الهدف المنشود بدقة متناهية، لا تفرق بين بشر أو شجر أو حجر أو حيوان، أو حتى أحد عناصر البيئة أو جميعها؛ تفتك؛ تشوّه؛ تلوث؛ تدمر؛ وتقضي على الكثير وتترك ما تبّقى ليعاني.
نشأت الصناعات العسكرية الإسرائيلية باكراً في أوساط التنظيمات السرية اليهودية المسلحة التي كانت تستعد للسيطرة على فلسطين، وركزت على إنتاج الذخائر والأسلحة الخفيفة لتلبية حاجاتهم. أقيم أول مصنع للسلاح في عام 1933 في معهد المياه في “غفعتايم” قرب تل أبيب، وبعد قيام دولة “إسرائيل” تطورت هذه الصناعة مع تدفق المستوطنين اليهود من دول متقدمة صناعياً وبخاصة ألمانيا، وتدفق الكفاءات المتعلمة من دول الاتحاد السوفيتي السابق، كما تلّقت هذه الصناعة دفعات متتالية من الدعم والاستثمارات الأميركية. أحد المصنّعين الكبار للأسلحة، هي السلطة الإسرائيلية لتطوير
الأسلحة والتقنية العسكرية “رافائيل”، وهي مؤسسة حكومية وقسم سابق من وزارة الدفاع الإسرائيلية، تعمل على إنتاج وتطوير تقنيات قتالية للجيش الإسرائيلي كما تصدّرها للخارج، وتتسم مشاريعها دوماً بالسرية. أُنشئت رفائيل عام 1948 تحت مسمى “سَرية العلوم”، ثم غُيِّر اسمها في عام 1952 إلى “إدارة الأبحاث والتصميم”، وفي عام 1958 تغيرت لتحمل اسم “رفائيل”، وهي واحدة من أكبر شركات الأسلحة الإسرائيلية. تصنيع
السلاح والتسابق في بيعه وتجارته نَعم إنها تجارة رابحة، إذ تدّر تجارة السلاح على دولة الاحتلال مليارات الدولارات سنوياً، وتضعها في مصاف الدول القوية الكبرى. توجد في “إسرائيل” أكثر من ألف شركة معنية بصناعة وإنتاج السلاح أو تصميمه وتطويره والاتجار به، أربع منها حجزت لها مكانًا بين المئة الكبار في تصنيع الأسلحة في العالم (بحسب مجلة ديفينس نيوز الأميركية المتخصصة)، وهي شركات إلبيت وترتيبها 29، والصناعات الجوية وترتيبها 32، ورفائيل وترتيبها 45، وتاعس وترتيبها 99. شركات تصنيع الأسلحة “الإسرائيلية” باتت تُبرم المزيد من صفقات الأسلحة كل يوم، فقد ذكر موقع “زمان يسرايئل” “الإسرائيلي”، أن ثلاث شركات تحتكر 2% من إجمالي صفقات تصدير السلاح في العالم، وهناك تقدم سريع لمكانة “إسرائيل” في نادي مصدِّري السلاح من مراتب العشرية الثانية إلى الأولى، وانتقل سريعًا إلى نادي الخمسة الكبار بحسب معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام. ولا يتقدم على” إسرائيل” في حجم صادرات الأسلحة سوى دول عظمى مثل الولايات المتحدة وروسيا، فيما تتنافس بشدة مع فرنسا وبريطانيا وألمانيا. التجار والوكلاء الإسرائيليون من أبرع العاملين في تجارة السلاح عالمياً، وأكثرهم خبرة؛ فمعظمهم من خريجي الجيش والدوائر الأمنية، يكتسبون معارف وخبرات في أثناء خدمتهم الرسمية، ويطَّلعون على أسرار حربية، ويحضرون دورات كثيرة مع ضباط ومسؤولين من دول أخرى، يوظفونها بعد ذلك في تجارة السلاح حول العالم، ويغذّون بها الفئات المتصارعة، ولا يتورعون عن مدّ كلٍ من طرفي الصراع بالأسلحة، كما حدث في جنوب السودان وغيرها. يتنوع السلاح الإسرائيلي إلى حد كبير؛ فيشمل كل ما يطلبه السوق تقريباً، من صناعات أنظمة الدفاع الجوي والرادار والحرب الإلكترونية، وأدوات ووسائل الاستطلاع والإلكترونيات الجوية، والذخيرة والقاذفات، وأنظمة الاتصالات السلكية وغير السلكية، وأنظمة “إلكتروضوئية”، وأنظمة الرصد والمعلومات والتقنيات السيبرانية، وخدمات مختلفة، وطائرات الدرون، والأنظمة البحرية، وحتى الأقمار الصناعية ومنتجات الفضاء العسكرية، وتشمل صناعات السلاح “الإسرائيلي” البنادق الرشاشة والخفيفة، ومركبات نقل عسكري، وناقلات جند مدرعة، ومدرعات ثقيلة، وأسلحة مدفعية وذخيرة، وصواريخ وقذائف مضادة للدروع، وصواريخ جو- جو، وجو – أرض، وأرض – جو، وصواريخ مضادة للصواريخ، وطائرات مأهولة مقاتلة وخفيفة، ومروحيات وطائرات مسيرة، وأقمار تجسس وغيرها. طوّرت رفائيل أول مركبة إطلاق فضائية “إسرائيلية” تحمل اسم “شافيت 2″، وأُطلقت في تموز 1964، كما تصمم وتطور وتصّنع مجموعة واسعة من أنظمة الدفاع العالية التقنية في المجالات الجوية والبرية والبحرية والفضائية، وتتعاون أيضًا مع العديد من الشركات الأميركية والأوروبية في مجالات السلاح وأدوات الحروب. وطورّت رفائيل وبمساعدة الولايات المتحدة، عدداً من أنظمة حِزم الليزر القادرة على تدمير أهداف ثابتة أو متحركة على الأرض والجو والبحر، ومن أهمها نظام لتدمير الطائرات دون طيار بحزم الليزر، ونظام لتدمير الأهداف البحرية والأهداف الأرضية أيضاً، يُحمل الرادار الخاص بإطلاق أشعة الليزر على عربات خاصة أو سفن ترصد وتتبّع الهدف، ثم تُطلق حزم من الأشعة تُحدث فجوة في الجسم المعدني في أحد أشد الأماكن حساسية، أو إحراق الهدف بأكمله. مختبر غزة التجريبي للأسلحة الإسرائيلية موظف في إحدى كبرى الشركات المصنّعة للأسلحة في “إسرائيل” ذكر لصحيفة The Marker أن صناعة الأسلحة المحلية ستتضرر إذا استمرت “إسرائيل” لمدة 20 عامًا من دون عملية عسكرية كبيرة، على سبيل المثال لا الحصر، وبحسب تحقيق صحفي نُشر في موقع “الرسالة نت”، فقد “راحَ ضحية مجازر الاحتلال في حربه على غزة عام 2012 عائلات بأكملها “الدلو وحجازي وأبو زور وأبو كميل”، كانت أجسادهم مصابة بإصابات بالغة؛ منها المحروق والمشوّه، ومنها الممزقة الأطراف، وأخرى لم يكن فيها خدوش، بل وجدها الأطباء قد تفجرّت أحشاؤها الداخلية بسبب القنابل الارتجاجية. كثير من الشواهد تشير إلى أن “إسرائيل” جعلت من المدنيين العزَّل مختبراً لأسلحتها الحديثة التي تريد بها قمع المقاومة والترويج لأسلحتها للعصابات في الخارج”. دلائل أخرى أيضاً تؤكد أن “إسرائيل” استخدمت في حربها على غزة في حرب أيار 2021 أسلحة محرمة دولياً، وحوّلت القطاع إلى ما يشبه “حقل تجارب” لاختبار أسلحتها الجديدة، للوقوف على مدى فعاليتها وقدرتها على التدمير ودقة إصابتها للهدف. بعد الهجوم الإسرائيلي على غزة، في عام 2021، حطّمت دولة الاحتلال الرقم القياسي لمبيعات الأسلحة، فقد جمعت حوالي 11.3 مليار دولار، فبعد أقل من أسبوعين من الهجوم، أبرمت شركة “صناعات الفضاء” – أكبر شركة صناعات طيران في “إسرائيل”- صفقة طائرات دون طيار بقيمة 200 مليون دولار مع دولة في آسيا. وفي مقال للكاتبة كيرين آساف نُشر في موقع 972+ ورد فيه: “كان هجوم إسرائيل على قطاع غزة عام 2014 نقطة تحول بالنسبة لصناعة تصدير الأسلحة الإسرائيلية، في أعقاب القصف الذي استمر 51 يوماً، إذ بِيعت أسلحة إسرائيلية جديدة اُختبرت في المعركة وطُورّت واُختبرت عملياً لأول مرة”. شركة رفائيل لها حصة في “مختبر غزة” الإجرامي، فقد جرّبت 4 صواريخ على الأقل في السنوات الأخيرة، مثل صاروخ رفائيل سبايك الموجه، والذي تسبّب في استشهاد أعداد كبيرة من الضحايا المدنيين الفلسطينيين في حروب عامي 2014 و2021. الكثير من شركات الأسلحة لها مصلحة واضحة في الحفاظ على غزة ميدانًا مثمرًا وغير محدود لأي تكنولوجيا عسكرية ترغب “إسرائيل” في تطويرها أو اختبارها، وتوفر القدرة على تصنيف أسلحة معينة على أنها “مجربة” في المعركة، وما بين عامي 2020 و2021 سجلت مبيعات رفائيل ارتفاعاً مقداره 400 مليون دولار. “إسرائيل” جرّبت أسلحة جديدة من صناعتها، وصورّت أثرها بالصوت والصورة من أجل استخدامها في عمليات التسويق لدى دول تُعد “إسرائيل” بالنسبة لها مصدر السلاح الرئيس. مثال آخر skunk water ” “ماء الظربان” وهو تلك الرائحة المنبعثة من حيوان الظربان المعروف برائحته المقززة، وهو مادة أنتجتها الشركة الإسرائيلية Odorte ، وتستخدمه “إسرائيل” في القدس الشرقية ومناطق الضفة في التصدي للتظاهرات. وهذا السلاح ينشر رائحة تعشّش في البيوت والجدران والثياب، وتسبب السعال والاستفراغ، والهدف منه ردع الراغبين في التجمع والتظاهر. البيئة الفلسطينية ضحية الأسلحة الإسرائيلية خلّفت الهجمات العسكرية ضد الفلسطينيين في قطاع غزة منذ حصارها حتى الآن آثاراً مروعة على الناس وبيئتهم، وترك العدد الهائل من القنابل والصواريخ التي أطلقتها “إسرائيل” في غاراتها تركيزات عالية من المعادن السامة في التربة. ووفقاً لمجموعة أبحاث الأسلحة الجديدة، تشتمل الشظايا المعدنية التي خلّفتها الأسلحة “الإسرائيلية” على “التنجستون” والزئبق و”الموليبدنوم” و”الكادميوم” و”الكوبالت”، وكلها عناصر سامة يُعتقد أنها تسبّب الأورام السرطانية والعقم والعيوب الخلقية الخطرة. أضرار بيئية كبيرة تنتج عن استخدام الأسلحة من تلوث الهواء والماء والتربة، وتضر بصحة الإنسان على المدى الطويل، ففي غزة رُصدت نسب مرتفعة من المعادن الثقيلة لدى الأمهات والمواليد الجدد الذين كانوا عرضة لهجمات عسكرية، وظهرت عيوب خلقية ارتبطت بالفسفور الأبيض ومقذوفات تحتوي على عناصر سامة ومسرطنة. تقارير ودراسات علمية تؤكد أن الاستثمارات والمنشآت والتدريبات العسكرية تؤثر على الطبيعة بقدر تأثير الحروب، بحيث يستمر تأثير الأسلحة والمواد الكيميائية المستخدمة في الطبيعة، رغم مرور عشرات السنوات على الحرب، وتستهلك المعدات العسكرية كميات كبيرة من الطاقة تؤدي إلى انبعاث كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون، كما أن القواعد والمنشآت العسكرية تُستهدف في الاشتباكات، ما يزيد من التهديد للحياة الطبيعية. ودون اتخاذ إجراءات حازمة، ستستمر مخلفات الحرب السامة لتشكل تهديدات طويلة الأمد للمجتمعات البشرية والنظم البيئية. منذ بدء الحصار، عانت غزة جراء تنفيذ عمليات عسكرية إسرائيلية عدة كان لها عواقب وخيمة على السكان والبيئة. وفقًا لتقرير شبكة المنظمات غير الحكومية البيئية الفلسطينية بعد حرب عام 2014، شمل الأثر البيئي، من عدة نواحي، التأثير على جودة الهواء نتيجة استهداف المباني، وتدمير مَرافق معالجة المياه، وإلحاق الضرر بتربة الأراضي الزراعية التي خلّفتها “إما عقيمة تمامًا أو تنتج غلة أقل بكثير من ذي قبل”. وتطرق التقرير إلى حال المزارعين الذين قد يواجهون “الآثار البيئية المتأخرة للحرب”، والجدير بالذكر أن التقرير أظهر أن “إسرائيل” متهمة بـ “استخدام العديد من الأسلحة التي قد تكون غير قانونية”، باستخدام قذائف المدفعية أو القذائف الصاروخية، والفسفور الأبيض، والمتفجرات المعدنية الخاملة الكثيفة، واليورانيوم المستنفد، وتتسبب هذه القنابل في تلوث الهواء بمادة كيميائية أو حتى مشعة. وفي حديث خاص مع المهندس بهاء الأغا مدير عام التربة والمياه في وزارة الزراعة في غزة، قال “تستخدم” إسرائيل” قطاع غزة ساحة لاختبار أسلحتها الجديدة، خصوصًا ما يتصل بالطائرات المسيرة دون طيار والأسلحة الأخرى، وتتأثر بيئة قطاع غزة بتلوث مباشر بأنواعه المختلفة، على سبيل المثال، رُصدَ تلوث في الأراضي والأماكن المقصوفة بالمعادن الثقيلة، وتلوث الهواء بغازات الانفجارات والقصف، والتلوث الضوضائي الذي تحدثه باستمرار الطائرات المسيرة دون طيار “الزنانة”، وينتج عن قصف المباني والمنشآت أيضًا كميات ضخمة من الركام. والملوثات إما قصيرة أو بعيدة المدى، فالتلوث الضوضائي مثلاً قصير المدى، بينما معظم الملوثات الأخرى بعيدة المدى، ويرافق العدوان الإسرائيلي عدوان بيئي بتجريف مساحات واسعة من الأراضي واقتلاع الأشجار.
المصدر: رأي اليوم
كلمات دلالية:
قطاع غزة
على غزة
فی عام
إقرأ أيضاً:
” عندما يكون الفن القوة التي تتحكم في التعايش السلمي ونبذ الاعراف البالية “فصلية “
بقلم : سمير السعد ..
” فصلية “الاغنية التي اثارت جدلا واسعا في احترام المرأة اوائل السبعينات
الذائقة في الاستماع واصالة الماضي بعبقها الجميل وحين كان الفن في صراع لايصال الصوت النقي واللحن الذي يرتقي بأي صوت من اجيال العظماء والسلسة طويلة لجادة الفن العربي برمته حيث كانت الكلمة هي القوة التي تسكن القلب والاذن وتؤثر في استلاب روحك لتكن انت مؤديها دون ان يشغلك شاغل او هاجس هكذا انطلق عبادي العماري كما يحلو للبعض تسميته انذاك.حيث تُعَدّ أغنية “فصلية” للفنان عبادي العبادي من أشهر الأغاني في عقد السبعينات، وهي من كلمات الشاعر جودت التميمي. تميّزت هذه الأغنية ليس فقط بجمال لحنها وكلماتها، بل بإثارتها لجدل مجتمعي هام حول احترام المرأة وحقوقها، الأمر الذي ساهم في تغيير بعض المواقف تجاه النساء ورفع الوعي بقيم احترامهن.وكان المستهل فيها :
جابوها دفع للدار
لا ديرم ولا حنة ولا ملكة
ولا دف النعر بالسلف
لا هلهولة لا صفكة
سألت الناس عن قصة هابنية
عجب جارو عليها لغير حنية
رديت بقلب مكسور
من كالولي فصلية
جاءت الأغنية في وقت كان المجتمع بحاجة إلى هذا الصوت الفني الذي يدعو لاحترام المرأة بشكل أوسع، حيث أُحدثت ضجة في الرأي العام واستدعت مراجعة سلوكيات وقيم اجتماعية من شأنها أن ترفع من مكانة المرأة في المجتمع. وهذا الدور الذي قامت به أغنية “فصلية” يجسد بوضوح كيف يمكن للفن أن يكون رسالة سامية إذا تم توظيفه بشكل صحيح، إذ أن الفن ليس مجرد وسيلة ترفيه، بل هو أداة لنشر القيم وتعزيزها.
الفن “كوسيلة لتعزيز التعايش السلمي ومكافحة التطرف”
إلى جانب قضايا المرأة، يمكن أن يمتد تأثير الفن إلى تعزيز قيم التعايش السلمي ومحاربة الأفكار المتطرفة التي تؤدي إلى العنف. وبوصفه يدعو إلى السلم والاعتدال ونبذ العنف. ومن هنا، يمكن للفنانين والشعراء توجيه رسائل تعزز من هذه القيم، وإثارة الوعي حول مخاطر التطرف بأشكاله المختلفة.
إن تجربة أغنية “فصلية” في السبعينات تعد نموذجًا حيًا على قدرة الفن على التأثير في مسار المجتمع، فالأغاني والقصائد التي تُعنى بقضايا مجتمعية أساسية يمكنها أن تكون سببًا في تغيير نظرة المجتمع، وترسيخ قيم تتماشى مع تعاليم الدين الإسلامي الحنيف. الفن هنا ليس مجرد رسالة ترفيهية، بل دعوة إلى احترام الآخر، وتجنب التطرف، واحتضان قيم التسامح والاعتدال.
يتجلى دور الفن كصوت للضمير المجتمعي، ليكون رسالة
أمل وسلام، وليحمل في طياته قيمنا الأصيلة ويعزز الوعي بأهمية احترام المرأة ونبذ العنف والتطرف. الفن، حين يتم توجيهه بحكمة، يبقى وسيلة فعّالة لبناء مجتمع أكثر تماسكًا وسلامًا، قادرًا على التعايش بسلام مع اختلافاته، ورافضًا لكل أشكال العنف والتعصب.
في سياق تكريس الفن كأداة لتعزيز القيم الإيجابية في المجتمع، تأتي أعمال الفنانين والمبدعين كرسائل سلام ودعوات للتعايش، بما يتماشى مع روح العصر التي تدعو إلى الوسطية. إن الفن قادر على التأثير في العقول والقلوب، وهو وسيلة فعّالة لنشر الذائقة التي تسمو بالجمال والتسامح، لا سيما عندما تتبنى الأغاني والشعر والدراما مواضيع اجتماعية تمس القضايا التي يعاني منها المجتمع، كنبذ العنف والتطرف.
إن تأثيره لا يقتصر على التسلية أو التعبير عن المشاعر، بل يتعداه ليصبح موجهًا للمجتمع نحو تبني سلوكيات إيجابية، وحافزًا للتغيير. ففي السبعينات، كانت أغنية “فصلية” نموذجًا رائدًا لتحدي المفاهيم التقليدية السائدة حول المرأة والمطالبة بتعزيز مكانتها وحقوقها. ومع تكرار مثل هذه الرسائل في الأعمال الفنية، يُزرع في المجتمع وعي جديد وراسخ حول أهمية احترام الآخر، بغض النظر عن جنسه أو فكره أو خلفيته الثقافية.
يمكن النظر إليه على أنه مرآة للمجتمع، تعكس قضاياه وتطلعاته وتعبر عن همومه. فعندما يستخدم الفن في نقل القيم النبيلة ،والتجذر من أسس واعية وبذلك يكون وسيلة فعالة للارتقاء بالمجتمع. إن الأغاني التي تناولت قضايا المرأة في السبعينات، كأغنية “فصلية”، كانت خطوة جريئة وضعت النقاط على الحروف بشأن ضرورة احترام المرأة ومكانتها في المجتمع.
لقد حملت هذه الأغاني رسائل واضحة تدعو لإعادة النظر في المعايير الاجتماعية، وتأكيد أهمية المعاملة العادلة والمساواة. ومع مرور الوقت، بدأت هذه القيم تأخذ حيزها في وعي المجتمع، لتصبح جزءًا من ثقافته وتطلعاته نحو بناء مجتمع أكثر اعتدالاً وتسامحًا.
في النهاية، يمكن القول بأن الفن هو بوصلة أخلاقية تعبر عن ضمير المجتمع، وتشكل أحد أهم الوسائل لإيصال الرسائل الإنسانية السامية. فعندما يعبر الفنان عن قضايا مهمة مثل احترام المرأة، والتعايش السلمي، ونبذ العنف والتطرف، فإنه لا يقدم مجرد أغنية أو قصيدة، بل يبني جسرًا يصل بين الماضي والمستقبل، ويعزز قيمًا ستظل راسخة في نفوس الأجيال.
إذن “الفن” بهذا المعنى، هو رسالة سامية تستحق أن تُوظّف بالشكل الذي يعكس قيمنا الإسلامية السمحاء، ويعزز بناء مجتمع يزدهر بالتسامح والاعراف المجتمعية القادرة على خلق نواة تسمو بالفرد واحترام احقيته بالعيش الكريم .
سمير السعد