الدنمارك وفرنسا وهولندا ضمن العديد من الدول الأوروبية التي لحقت بالصين وأبلغت مؤخرا عن زيادة في حالات الالتهاب الرئوي لدى الأطفال والمرتبطة ببكتيريا تسمى الميكوبلازما الرئوية، كما تم الإبلاغ عن ارتفاع حاد في الحالات في إحدى مقاطعات ولاية أوهايو الأميركية، بحسب شبكة "سي أن أن".

ووفقا لموقع "يورو نيوز"، فإن الميكوبلازما الرئوية هي بكتيريا يمكن أن تسبب التهابات الجهاز التنفسي الخفيفة إلى الالتهاب الرئوي الحاد.

وأوضح الموقع أن هذه البكتيريا تعتبر سببا شائعا للالتهاب الرئوي لدى الأطفال في سن المدرسة، ووفقا لمنظمة الصحة العامة الفرنسية، يمكن أن تمثل 30 إلى 50 في المائة من حالات الالتهاب الرئوي لدى الأطفال.

وأوضحت "سي أن أن" أن الأعراض شبيهة بالأنفلونزا، لكن عادة ما يصاحبها سعال شديد بالإضافة إلى الحمى والتعب والصداع، وغالباً ما يكون طفح جلدي على الجذع أو الظهر أو الذراعين.

ونقلت الشبكة عن الدكتور بادي كريش، وهو أحد الباحثين وأخصائي الأمراض المعدية لدى الأطفال في جامعة فاندربيلت، قوله: "نتوقع أن تكون هناك بعض المواسم أسوأ من غيرها بالنسبة لعدوى الميكوبلازما، ويبدو بالتأكيد أن هذا العام في جميع أنحاء الولايات المتحدة وأوروبا قد يكون أسوأ من الأعوام الأخرى".

وأوضحت الشبكة أنه، في الأسبوع الماضي، أفاد خبراء أوروبيون يقومون بمراقبة الميكوبلازما في 45 موقعا في 24 دولة، أن حالات الإصابة، التي انخفضت إلى أقل من 1% خلال الوباء، بدأت في الارتفاع مرة أخرى في بداية العام. وبحلول هذا الصيف والخريف، كان هناك متوسط زيادة بأكثر من أربعة أضعاف، مع زيادات أكبر في آسيا وأوروبا، وفقا لتقرير نشر في مجلة "لانسيت ميكروب".

ووفقا للمراكز الأميركية لمكافحة الأمراض والوقاية منها، فإن مقاومة نوع المضادات الحيوية المستخدمة لعلاج هذه العدوى قد تلعب دورا في زيادة الحالات في الصين، بحسب "سي أن أن"

وقال الدكتور بيتر هوتز، الذي يشارك في إدارة مركز تطوير اللقاحات بمستشفى تكساس للأطفال، للشبكة: "يمكنك رؤية أوبئة دورية كل بضع سنوات، خاصة لدى الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 5 إلى 12 عامًا، أي الأطفال في سن المدرسة".

ووفقا لـ"يورو نيوز"، بدأ الباحثان مايك بيتون وباتريك ماير سوتور النظر في مراقبة بكتيريا الميكوبلازما الرئوية في عام 2020، ووجدوا أنه مثل التهابات الجهاز التنفسي الأخرى، بدأت الحالات في الاختفاء بسبب قيود كوفيد-19. لكن مع عودة ظهور أنواع العدوى الشائعة الأخرى مثل الأنفلونزا والفيروس المخلوي التنفسي، ظلت الميكوبلازما غائبة، لكن العلماء كانوا يعلمون  أنه في مرحلة ما ستعود من جديد.

ما هي عدوى الميكوبلازما؟

الميكوبلازما هي نوع من أنواع الالتهاب الرئوي الذي يؤدي إلى امتلاء الرئتين بالسوائل أو القيح، وله أسباب عديدة، بما في ذلك الفيروسات والبكتيريا والمواد الكيميائية، بحسب "سي أن أن".

وأوضحت أنه عادة ما تظهر الأعراض على الأشخاص المصابين في غضون 4 إلى 6 أيام بعد الإصابة. وتشمل أعراض العدوى، التهاب الحلق، الصداع، سيلان الأنف، قلة الشهية، السعال (جاف في معظمه)، صعوبة التنفس، العطس، الحمى، مع صفير قد يحدث أحيانا أثناء التنفس.

ووفقا للشبكة، فإنه غالبًا ما يتم علاج الالتهاب الرئوي بالمضادات الحيوية مثل أموكسيسيلين دون إجراء اختبار أولي لمعرفة السبب، لكن هذه المضادات الحيوية التي تعالج معظم أنواع الالتهاب الرئوي لا تعمل في علاج عدوى الميكوبلازما.

وبالنسبة لهؤلاء، يحتاج الأطباء إلى وصف نوع مختلف من المضادات الحيوية، عادة أزيثروميسين أو زي باك، بحسب الشبكة.

أين تنتشر الميكوبلازما؟

من خلال التنسيق المشترك للمراقبة الدولية للعدوى، وجد الأطباء أنه في الأشهر الستة الماضية ارتفعت عدد حالات الإصابة بالميكوبلازما الرئوي، بحسب "يورو نيوز".

وبتحليل بيانات المراقبة من 24 دولة بين أبريل وسبتمبر 2023، وجدوا أن حالات الإصابة كانت أعلى في أوروبا وآسيا، وفقا للموقع.

وأضافوا في مقال نُشر في مجلة "لانسيت"، نوفمبر الماضي، أن "الاكتشافات الأكثر شيوعا" في أوروبا كانت في الدنمارك والسويد وسويسرا وويلز.

لكن الموقع أوضح أن العديد من الدول الأوروبية أبلغت مؤخرًا عن ارتفاع في الحالات.

وقال مسؤولو الصحة في الدنمارك إن هناك زيادة في حالات الإصابة بالميكوبلازما الرئوية منذ الصيف، مع "حالات أكثر بكثير من المعتاد".

وفي فرنسا، تم الإبلاغ عن "زيادات غير عادية" في التهابات الجهاز التنفسي بالميكوبلازما الرئوية منذ بداية الخريف وعدد أكبر من الحالات مقارنة بالعامين 2019 و2022 "ما يعكس حالة وبائية".

وأبلغت هولندا أيضًا عن زيادة في حالات الالتهاب الرئوي، حيث أخبر معهد الصحة العامة "يورونيوز" أن هناك على وجه الخصوص ارتفاعًا في حالات الالتهاب الرئوي بين الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 5 إلى 14 عامًا.

لماذا ترتفع حالات الميكوبلازما الآن؟

من غير المعروف سبب ارتفاع هذه الحالات في الوقت الحالي، لكن بعض مسؤولي الصحة يقولون إن ذلك قد يعزى إلى رفع قيود فيروس كورونا، وفقا ليورونيوز.

وتقول بعض النظريات إن سبب استغراق هذه البكتيريا وقتًا طويلاً حتى عادت إلى الظهور بعد الوباء هو أن لديها فترة حضانة أطول وأنها بطيئة النمو، بحسب الموقع.

ووفقا لموقع، رغم أن حجم الحالات التي تشهدها البلدان أمر "مثير للقلق"، إلا أنه ليس مفاجئًا.

ويقول مسؤولو الصحة الدنماركيون إن أوبئة المفطورة الرئوية حدثت تاريخياً كل أربع سنوات تقريباً، وكان آخر وباء من عام 2015 إلى عام 2018.

وأضافوا أنه كان هناك عدد كبير من الحالات قبل ظهور جائحة كوفيد-19 مباشرة، لكنها وصلت إلى "مستوى منخفض بشكل غير عادي" وسط القيود.

وبشكل عام، يرى الأطباء أن هذا المرض لا يشكل مصدر قلق في الوقت الحالي لأن الميكوبلازما عادة ما تكون مرضًا يصيب الأطفال أو أطفال المدارس، لكن عادة لا يتم إدخالهم إلى المستشفى.

المصدر: الحرة

كلمات دلالية: حالات الالتهاب الرئوی المیکوبلازما الرئویة حالات الإصابة لدى الأطفال الحالات فی فی حالات سی أن أن

إقرأ أيضاً:

هل تستفيد أمريكا والصين من كارثة تصاعد العداء الأنجلو-ألماني؟

ترجمة - نهى مصطفى -

في كتابه صعود العداء الأنجلو-ألماني، 1860-1914، أوضح المؤرخ البريطاني بول كينيدي كيف انتهى الأمر بشعبين صديقين إلى دوّامة من العداء المتبادل الذي أدى إلى الحرب العالمية الأولى.

وكانت القوى الرئيسية التي قادت المنافسة بين ألمانيا وبريطانيا: الضرورات الاقتصادية والجغرافيا والأيديولوجية.

وأدى الصعود الاقتصادي السريع لألمانيا إلى تغيير ميزان القوى ومكّن برلين من توسيع نطاقها الاستراتيجي في مناطق كانت لبريطانيا فيها مصالح استراتيجية عميقة وراسخة.

وكانت القوتان تنظران إلى بعضهما البعض باعتبارهما على طرفي النقيض أيديولوجيا، وتبالغان إلى حد كبير في تجسيد خلافاتهما. فقد صوّر الألمان البريطانيين على أنهم مستغِلون ينتهكون أموال العالم، وصوّر البريطانيون الألمان باعتبارهم مجرمين مستبدين عازمين على التوسع والقمع.

وبدا أن البلدين يقتربان من الصدام، ويتجهان مباشرة نحو الحرب. لكن لم تكن الضغوط الرئيسية سالفة الذكر، على الرغم من أهميتها، هي التي أشعلت شرارة الحرب العالمية الأولى. فقد اندلعت الحرب بفضل القرارات الطارئة التي اتخذها الأفراد والافتقار العميق إلى الخيال على كلا الجانبين.

وربما لم تكن الحرب لتقع لولا أن قادة ألمانيا، بعد المستشار أوتو فون بسمارك، لم يكونوا على هذا القدر من الجرأة فيما يتصل بتغيير توازن القوى البحرية. واحتفلت ألمانيا بهيمنتها على أوروبا وأصرت على حقوقها كقوة عظمى، رافضة المخاوف بشأن قواعد ومعايير السلوك الدولي. وقد أثار هذا الموقف قلق دول أخرى، وليس بريطانيا فقط.

وكان من الصعب على ألمانيا أن تدعي، كما فعلت، أنها تريد إنشاء نظام عالمي جديد أكثر عدلًا وشمولًا، في حين أنها تهدد جيرانها وتتحالف مع الإمبراطورية النمساوية المجرية المتدهورة، التي عملت جاهدة على إنكار التطلعات الوطنية للشعوب الموجودة على حدودها.

وكانت هناك رؤية قاصرة مماثلة سادت على الجانب الآخر. في عام 1913، استنتج ونستون تشرشل، قائد البحرية البريطانية، أن مكانة بريطانيا العالمية البارزة «غالبا ما تبدو أقل منطقية للآخرين وليس كما نراها نحن».

وكانت وجهات النظر البريطانية تجاه الآخرين تميل إلى الافتقار إلى هذا الوعي الذاتي. ووجّه المسؤولون والمعلقون انتقادات لاذعة لألمانيا، وهاجموا بشكل خاص الممارسات التجارية الألمانية غير العادلة. ونظرت لندن إلى برلين بحذر، وفسّرت كل تصرفاتها على أنها دليل على النوايا العدوانية، وفشلت في فهم مخاوف ألمانيا على أمنها في قارة كانت محاطة بأعداء محتملين. وبطبيعة الحال، أدى العداء البريطاني إلى تعميق المخاوف وإذكاء الطموحات الألمانية.

وأعرب كينيدي عن أسفه قائلا: «يبدو أن قليلين فقط امتلكوا البصيرة اللازمة للسعي إلى تحسين العلاقات الأنجلو-ألمانية».

واليوم، يبدو أن هذه الفطنة مفقودة إلى حد كبير في العلاقات بين الصين والولايات المتحدة. وكما هي الحال بالنسبة لألمانيا وبريطانيا قبل الحرب العالمية الأولى، يبدو أن الصين والولايات المتحدة عالقتان في دوامة، وهي دوامة قد تنتهي بكارثة لكل من البلدين والعالم ككل. وكما كان الوضع قبل قرن من الزمان، فإن المنافسة الاقتصادية، والمخاوف الجيوسياسية، وانعدام الثقة العميق، تزيد من احتمالات الصراع.

وكما هو الحال مع العداء بين ألمانيا وبريطانيا منذ أكثر من قرن من الزمان، فإن العداء بين الصين والولايات المتحدة له جذور عميقة، ويمكن إرجاعه إلى نهاية الحرب الباردة. وفي المراحل الأخيرة من ذلك الصراع الكبير، كانت بكين وواشنطن حليفتين من نوع ما، حيث كانت كلتاهما تخشى قوة الاتحاد السوفييتي أكثر مما تخشى كل منهما الآخرى. لكن انهيار الدولة السوفييتية، عدوهما المشترك، كان يعني على الفور أن صناع السياسات ركزوا أكثر على ما يفصل بين بكين وواشنطن أكثر من تركيزهم على ما يوحدهما.

وقد استنكرت الولايات المتحدة بشكل متزايد الحكومة الصينية القمعية. واستاءت الصين من الهيمنة العالمية المتطفلة التي تمارسها الولايات المتحدة.

هذا التصاعد في وجهات النظر لم يؤدِ إلى تراجع فوري في العلاقات الأمريكية-الصينية. في العقد ونصف العقد الذي أعقب نهاية الحرب الباردة، اعتقدت الإدارات الأمريكية المتعاقبة أنها ستكسب الكثير من تسهيل تحديث الصين ونموها الاقتصادي. وكما هو الحال مع البريطانيين، الذين تبنوا في البداية توحيد ألمانيا في عام 1870 والتوسع الاقتصادي الألماني بعد ذلك، كان الأمريكيون مدفوعين بالمصلحة الذاتية لتشجيع صعود بكين. وكانت الصين سوقًا هائلة للسلع ورؤوس الأموال الأمريكية، وعلاوة على ذلك، بدت الصين عازمة على ممارسة الأعمال التجارية على الطريقة الأمريكية، واستيراد عادات المستهلكين الأمريكيين وأفكارهم عن عمل الأسواق بالسهولة نفسها التي احتضنت بها الأساليب والعلامات التجارية الأمريكية.

على المستوى الجيوسياسي، كانت الصين أكثر حذرا تجاه الولايات المتحدة. كان انهيار الاتحاد السوفييتي بمثابة الصدمة لزعماء الصين، كما أوضح لهم النجاح العسكري الأمريكي في حرب الخليج عام 1991 أن الصين أصبحت تعيش في عالم أحادي القطب، حيث تستطيع الولايات المتحدة أن تنشر قوتها متى شاءت. وكما هو الحال مع ألمانيا وبريطانيا في ثمانينيات وتسعينيات القرن التاسع عشر، بدأت الصين والولايات المتحدة تنظران لبعضهما البعض بمزيد من العداء، بالرغم من توسع التبادلات الاقتصادية بينهما.

إن ما غيّر الديناميكية بين البلدين حقًا هو النجاح الاقتصادي الذي لا مثيل له الذي حققته الصين: في أواخر عام 1995، كان الناتج المحلي الإجمالي للصين حوالي عشرة في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة. وبحلول عام 2021، نما إلى حوالي 75% من الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة. وفي عام 1995، أنتجت الولايات المتحدة نحو 25% من الإنتاج الصناعي في العالم، وأنتجت الصين أقل من 5%. ولكن الآن تجاوزت الصين الولايات المتحدة. في العام الماضي، أنتجت الصين ما يقرب من 30% من الإنتاج الصناعي في العالم، وأنتجت الولايات المتحدة 17% فقط. هذه ليست الأرقام الوحيدة التي تعكس الأهمية الاقتصادية لدولة ما، ولكنها تعطي إحساسًا بثقل الدولة في العالم وتشير إلى القدرة الصناعية، بما في ذلك المعدات العسكرية.

على الصعيد الجيوسياسي، بدأت نظرة الصين تجاه الولايات المتحدة تصبح قاتمة في عام 2003 مع غزو واحتلال العراق. وعارضت الصين الهجوم الذي قادته الولايات المتحدة، حتى لو لم تهتم بكين كثيرا بنظام الرئيس العراقي صدام حسين. والأكثر من القدرات العسكرية المدمرة للولايات المتحدة، فإن ما صدم القادة في بكين حقًا هو السهولة التي يمكن بها لواشنطن أن تتجاهل مسائل السيادة وعدم التدخل، وهي مفاهيم كانت من العناصر الأساسية للنظام الدولي ذاته الذي أقنع الأمريكيون الصين بالانضمام إليه. ويشعر صناع القرار الصينيون بالقلق من أنه إذا تمكنت الولايات المتحدة بسهولة من انتهاك المعايير نفسها التي توقعت من الآخرين أن يلتزموا بها، فلن يقيد سلوكها المستقبلي أي شيء.

تضاعفت الميزانية العسكرية للصين في الفترة من عام 2000 إلى عام 2005، ثم تضاعفت مرة أخرى بحلول عام 2009. وأطلقت بكين برامج لتحسين تدريب قواتها العسكرية، وتحسين كفاءتها، والاستثمار في التكنولوجيا الجديدة، أحدثت ثورة في قواتها البحرية والصاروخية. وفي وقت ما بين عامي 2015 و2020، تجاوز عدد السفن في البحرية الصينية عدد السفن في البحرية الأمريكية.

يرى البعض أن الصين كانت ستوسع قدراتها العسكرية بشكل كبير بغض النظر عما فعلته الولايات المتحدة قبل عقدين من الزمن. وهذا هو ما تفعله القوى الصاعدة الكبرى مع تزايد نفوذها الاقتصادي. قد يكون هذا صحيحًا، ولكن التوقيت المحدد لتوسع بكين كان مرتبطًا بشكل واضح بمخاوفها من أن القوة المهيمنة العالمية لديها الإرادة والقدرة على احتواء صعود الصين إذا اختارت ذلك.

وإذا كان هناك أي مثال على الغطرسة والخوف داخل القيادة نفسها، فقد قدمته ألمانيا في عهد القيصر فيلهلم الثاني. واعتقدت ألمانيا أنها في صعود لا مفر منه، وأن بريطانيا تمثل تهديدًا وجوديًا لصعودها. وكانت الصحف الألمانية مليئة بالافتراضات حول التقدم الاقتصادي والتكنولوجي والعسكري الذي حققته بلادها، وتنبأت بمستقبل تتفوق فيه ألمانيا على الجميع. وزعموا أن بريطانيا ليست قوة أوروبية حقيقية، وأصروا على أن ألمانيا أصبحت الآن أقوى قوة في القارة، وأنه ينبغي تركها حرة في إعادة ترتيب المنطقة بشكل عقلاني وفقًا لواقع قوتها.

وتظهر الصين اليوم العديد من علامات الغطرسة نفسها والخوف التي أظهرتها ألمانيا من قبل.

كان قادة الحزب الشيوعي الصيني يشعرون بفخر كبير بإدارة بلادهم خلال الأزمة المالية العالمية في عام 2008 وتداعياتها بمهارة أكبر من نظرائهم الغربيين.

ورأى العديد من المسؤولين الصينيين أن الركود العالمي في تلك الحقبة لم يكن مجرد كارثة صنعتها الولايات المتحدة فحسب، بل كان أيضًا رمزًا لانتقال الاقتصاد العالمي من القيادة الأمريكية إلى القيادة الصينية.

لقد أنفق القادة الصينيون، بما في ذلك أولئك الذين يعملون في قطاع الأعمال، قدرا كبيرا من الوقت وهم يشرحون للآخرين أن صعود الصين العنيد أصبح الاتجاه المحدد في الشؤون الدولية. وفي سياساتها الإقليمية، بدأت الصين تتصرف بشكل أكثر حزما مع جيرانها: سحقت حركات تقرير المصير في التبت وشينجيانج وقوّضت الحكم الذاتي في هونج كونج. وفي السنوات الأخيرة، أصرت على حقها في الاستيلاء على تايوان، بالقوة إذا لزم الأمر، وبدأت في تكثيف استعداداتها لمثل هذا الغزو.

وفي الوقت نفسه، تحاول الولايات المتحدة تطوير سياسة تجاه الصين تجمع بين الردع والتعاون المحدود، على غرار ما فعلته بريطانيا عندما طورت سياستها تجاه ألمانيا في أوائل القرن العشرين. وفقًا لاستراتيجية الأمن القومي التي أقرتها إدارة بايدن في أكتوبر 2022، إن جمهورية الصين الشعبية لديها النية، والقدرة على نحو متزايد، على إعادة تشكيل النظام الدولي لصالحها.

وعلى الرغم من معارضتها لإعادة التشكيل هذه، فقد شددت الإدارة على أنها «ستكون دائمًا على استعداد للعمل مع جمهورية الصين الشعبية حيثما تتوافق مصالحنا».

في العلاقة البريطانية-الألمانية، أدت ثلاثة شروط رئيسية إلى تحول العداء المتزايد إلى الحرب: الأول هو أن الألمان أصبحوا مقتنعين بشكل متزايد بأن بريطانيا لن تسمح لألمانيا بالصعود تحت أي ظرف من الظروف. والثاني هو أن الجانبين يخشيان إضعاف مواقفهما المستقبلية. ومن عجيب المفارقات أن هذا الرأي شجّع بعض القادة على الاعتقاد بأن عليهم خوض حرب عاجلًا وليس آجلًا. أما السبب الثالث فكان الافتقار شبه الكامل إلى التواصل الاستراتيجي. في عام 1905، اقترح ألفريد فون شليفن، رئيس هيئة الأركان العامة الألمانية، خطة معركة من شأنها أن تضمن نصرًا سريعًا في القارة، حيث كان على ألمانيا أن تحسب حسابًا لكل من فرنسا وروسيا. والأهم من ذلك، أن الخطة تضمنت غزو بلجيكا، وهو العمل الذي أعطى بريطانيا سببًا فوريًا للانضمام إلى الحرب ضد ألمانيا.

كل هذه الشروط متوفرة في العلاقات الأمريكية-الصينية: إن الرئيس الصيني شي جين بينج وقيادة الحزب الشيوعي الصيني مقتنعون بأن الهدف الرئيسي للولايات المتحدة هو منع صعود الصين مهما كانت الظروف. وعلى الصعيد الداخلي، يشعر القادة الصينيون بقلق بالغ إزاء تباطؤ اقتصاد بلادهم وإزاء ولاء شعبهم. وتشير جميع الأدلة الحالية إلى أن الصين تضع خططًا عسكرية لغزو تايوان يومًا ما، مما يؤدي إلى حرب بين الصين والولايات المتحدة تمامًا كما ساعدت خطة شليفن في إنتاج حرب بين ألمانيا وبريطانيا.

وتشير أوجه التشابه إلى مستقبل قاتم من المواجهة المتصاعدة. لكن يمكن تجنب الصراع إذا كانت الولايات المتحدة تريد منع الحرب، فيتعين عليها إقناع القادة الصينيين بأنها ليست عازمة على منع التنمية الاقتصادية في الصين في المستقبل. الصين بلد هائل، لديها صناعات تتساوى مع تلك الموجودة في الولايات المتحدة، ولكن مثل ألمانيا في عام 1900، فإن لديها أيضًا مناطق فقيرة ومتخلفة. ولا تستطيع الولايات المتحدة أن تكرر للصينيين ما فهم الألمان أن البريطانيين يقولونه لهم قبل قرن من الزمان: «إذا توقفتم عن النمو الاقتصادي فلن تكون هناك مشكلة».

ومن ناحية أخرى، لا يجوز للصناعات الصينية أن تستمر في النمو دون قيود على حساب الجميع. إن أذكى خطوة يمكن أن تتخذها الصين بشأن التجارة هي الموافقة على تنظيم صادراتها بطريقة لا تجعل من المستحيل على الصناعات المحلية في البلدان الأخرى التنافس في مجالات مهمة مثل السيارات الكهربائية أو الألواح الشمسية وغيرها من المعدات اللازمة لإزالة الكربون. وإذا استمرت الصين في إغراق الأسواق الأخرى بنسخها الرخيصة من هذه المنتجات، فإن العديد من البلدان، بما في ذلك بعض البلدان التي لم تشعر بقلق مفرط إزاء نمو الصين، سوف تبدأ في وضع قيود على وصول السلع الصينية إلى أسواقها.

الحروب التجارية غير المقيدة ليست في مصلحة أحد. وتفرض بلدان العالم بشكل متزايد تعريفات جمركية أعلى على الواردات وتحد من التجارة وحركة رأس المال. ولكن إذا تحول هذا الاتجاه إلى طوفان من التعريفات الجمركية، فإن العالم سيواجه مشكلة على المستوى الاقتصادي، وكذلك السياسي. ومن عجيب المفارقات أن الصين والولايات المتحدة ربما تكونان من أكبر الخاسرين إذا فرضت سياسات الحماية سيطرتها في كل مكان.

إن كبح جماح المواجهة الاقتصادية وتخفيف نقاط التوتر الإقليمية المحتملة يشكل ضرورة أساسية لتجنب تكرار السيناريو البريطاني-الألماني، يمكن للقادة أن يتعلموا من الماضي بطرق إيجابية وسلبية، عما يجب عليهم فعله وما لا يجب عليهم فعله. لكن عليهم أن يتعلموا الدروس الكبرى أولا، وهو كيفية تجنب الحروب المروعة التي تحول إنجازات أجيال إلى ركام.

أود آرني ويستاد مؤرخ نرويجي متخصص في الحرب الباردة وتاريخ شرق آسيا المعاصر، وأستاذ للتاريخ والشؤون العالمية في جامعة ييل، وفي كلية جاكسون للشؤون العالمية.

الترجمة خاصة لـ«عمان» عن Foreign Affairs

مقالات مشابهة

  • علاقة مرض «باركنسون» بصحة الأمعاء.. تعرف على 10 أطعمة تقلل خطر المرض
  • الجزائر وروسيا والصين تدعو إلى الاستعجال بتأمين وصول المساعدات إلى قطاع غزة
  • سليم الصايغ يقرأ في محاضرة فياض: الهواجس الوجودية تصيب الطوائف كلها وهذا هو المطلوب
  • عملية عسكرية يمنية عراقية تصيب هدفاً استراتيجياً في شمال فلسطين المحتلة (فيديو)
  • بوتين يلتقي برئيسي تركيا والصين على هامش قمة منظمة شنغهاي
  • الفلبين والصين تجددان التزامهما بتهدئة التوترات في بحر الصين الجنوبي
  • هل تستفيد أمريكا والصين من كارثة تصاعد العداء الأنجلو-ألماني؟
  • تطور مفاجئ.. الكشف عن خطة أمريكية جديدة لضرب القدرات الحوثية والصين وكوريا الشمالية تدخلان على الخط!!
  • الفلبين والصين تتفقان على "تهدئة التوتر" حول بحر الصين الجنوبي
  • أبين.. تسجيل أكثر من 1300 حالة اسهال في مشفى واحد خلال يونيو الماضي بينها 300 إصابة بالكوليرا