غزة وسيناريوهات الدولة الكارتونية
تاريخ النشر: 6th, December 2023 GMT
بقلم: كمال فتاح حيدر ..
لا أمل لأي فرصة للسلام بالتفاوض مع تل أبيب. ولا يمكن تحقيق اي خطوة نحو استتباب الأمن والاستقرار ما لم تقتنع إسرائيل بان تلك الخطوة تصب في مصلحتها. فقادة الحكومة الاسرائيلية يعيشون حالة فنطازية وعبثية فريدة وغير مسبوقة من الغلو ونشوة الطغيان والعظمة. ويرون انفسهم فوق المخلوقات كلها، وفوق الشعوب والأمم، وفوق القوانين والتشريعات والأعراف والدساتير.
اما بخصوص السيناريوهات المطرحة لإقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح، ومنزوعة السيادة. والتي كان آخرها ما جاء على لسان السي سي، ودعواته لاقناع إسرائيل بالموافقة على إقامة هذه الدولة الكارتونية الهشة تحت إشراف مراقبين دوليين. فالفكرة ليست وليدة اليوم وانما تعود إلى عام 2001. عندما أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي آرييل شارون قبوله بدولة فلسطينية منزوعة السلاح. تضمن أمن إسرائيل. لكن محاولته باءت الفشل. .
ثم تجددت الفكرة عام 2009 عندما أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أنه لن يقبل بأي دولة فلسطينية دون ضمانات بنزع سلاحها، وأن يترافق ذلك مع قبول الفلسطينيين والعرب بالاعتراف باسرائيل دولة للشعب اليهودي، وأن يجري حل قضية اللاجئين خارج إسرائيل. لكن محاولاته ذهبت أدراج الرياح، وقبرت في مهدها، ولم تعد للظهور إلا في عام 2015 بمقترح ثالث تقدم به رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أكد فيه: أن الحل الممكن للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي، يتمثل بإقامة دولة فلسطينية، منزوعة السلاح، تعترف بإسرائيل كدولة يهودية. لكن مقترحاته لم تلق الترحيب. .
ثم تكرر المقترح للمرة الرابعة عام 2017 في ضوء رؤية دونالد ترامب وقتذاك، لكن رؤيته كانت عبارة عن سراب وأوهام. .
وبالتالي فان فكرة السي سي ليست وليدة اليوم، وانما جاء بها من تراكمات الماضي وإرهاصاته قبل عقدين من الزمان. .
لكن السؤال الأهم، هو ما علاقة السي سي بهذا الامر ؟. ومن ذا الذي منحه التفويض الرسمي للتحدث باسم الشعب الفلسطيني ؟. وما الحدود المقترحة لتلك الدولة في البر والبحر ؟. وهل يعني ذلك التنازل عن حقول النفط والغاز والسماح بتنفيذ قناة بن غوريون الملاحية ؟. ثم كيف يفكر السي سي بهذه الطريقة وهو يعلم ان تنفيذ مشروع القناة الملاحية البديلة سيقضي بالكامل على مستقبل قناة السويس ؟؟. . .
المصدر: شبكة انباء العراق
كلمات دلالية: احتجاجات الانتخابات البرلمانية الجيش الروسي الصدر الكرملين اوكرانيا ايران تشرين تشكيل الحكومة تظاهرات ايران رئيس الوزراء المكلف روسيا غضب الشارع مصطفى الكاظمي مظاهرات وقفات دولة فلسطینیة
إقرأ أيضاً:
بين فوضى السلاح وتيه العقل السياسي
يعيش السودان مرحلة من أكثر مراحله تعقيدًا في تاريخه الحديث، حيث تتداخل خيبات الماضي مع انسداد الأفق الحاضر، وتتضاعف معاناة الناس اليومية أمام عجز النخب السياسية عن تقديم بديل واقعي. السؤال اليوم لم يعد "من يحكم السودان؟" بل "كيف نخرجه من هذه العتمة المتواصلة؟".
منذ انقلاب الفريق إبراهيم عبود في 1958، مرورًا بنميري والبشير، وحتى انقلاب البرهان في 2021، ظل الجيش يتدخل في السياسة تحت شعارات مختلفة، لكن النتيجة دائمًا واحدة: تعطيل المسار المدني، وتآكل مؤسسات الدولة. في كل مرة يُطرح الجيش كمنقذ، لكنه سرعان ما يصبح جزءًا من الأزمة، إن لم يكن جوهرها.
غير أن المشكلة لا تكمن في العسكر وحدهم؛ فالقوى المدنية بدورها أظهرت هشاشة واضحة، وانقسامات عميقة، وغياب مشروع وطني متماسك. بعد ثورة ديسمبر المجيدة، تضاءلت آمال الناس بسبب صراعات النخب، وتعطيل العدالة الانتقالية، والضعف التنفيذي الذي مهّد لانقلاب جديد.
وتزداد الصورة قتامة حين نضيف إلى المعادلة الدور الذي لعبه الإسلاميون منذ 1989، حيث بنوا نظامًا شموليًا قائمًا على التمكين وتفكيك مؤسسات الدولة. وحتى بعد سقوطهم، ظل تأثيرهم ممتدًا في شكل تحالفات خفية ومقاومة لأي تحوّل ديمقراطي، ما عمّق أزمة الانتقال
أما التفكير السائد داخل المؤسسة العسكرية، فقد تشكّل على مدار عقود في بيئة ترى نفسها وصية على الدولة، لا خادمة لها. العقل العسكري في السودان اعتاد النظر إلى المدنيين كمصدر للفوضى، وإلى نفسه كضامن وحيد للاستقرار، مما جعله يرفض التنازل عن السلطة الحقيقية حتى في ظل أنظمة انتقالية. هذا النمط من التفكير يعكس تراكماً تاريخيًا من التداخل بين النفوذ السياسي والمصالح الاقتصادية، وهو ما يفسّر إصرار الجيش على البقاء في المشهد وعدم قبوله الخضوع الكامل للسلطة المدنية.
ويبدو أن أحد أخطر مظاهر الأزمة هو تغلغل "الأنا السياسية" داخل العقل القيادي في السودان، حيث باتت المصالح الذاتية والأجندات الحزبية تتقدّم على المصلحة الوطنية. هذا النوع من التفكير تغذّيه ثقافة تقوم على الشخصنة والولاء الضيق، وتكريس الزعامة الفردية على حساب المؤسسات. كما أن ضعف التربية الديمقراطية، وانعدام آليات المحاسبة، وفشل النخب في بناء دولة قانون ومواطنة، كلها عوامل ساهمت في تعميق هذا النهج الأناني.
لكن، رغم هذا الواقع المعقد، فإن باب الأمل لم يُغلق. يمكن للعقلين العسكري والمدني أن يلتقيا في منتصف الطريق إذا توفرت الإرادة الحقيقية، وتقدم كل طرف بتنازلات شجاعة. المطلوب إعادة تعريف دور الجيش بوضوح، وجعل مهامه الأمنية تحت مظلة مدنية دستورية. كما أن القوى المدنية مطالبة ببناء كتلة سياسية موحدة ذات برامج واضحة وقيادات مؤهلة، قادرة على نيل ثقة الشارع أولًا ثم المؤسسة العسكرية ثانيًا. يجب تجاوز منطق المحاصصة، والانخراط في تسوية تضمن تفكيك النفوذ السياسي والاقتصادي للمؤسسة العسكرية تدريجيًا، ومن جهة أخرى، لا بد من إصلاح الحياة الحزبية، وتوسيع قاعدة المشاركة، وفتح حوار وطني واسع يشمل الجميع بلا إقصاء.
السودان لن يخرج من عتمته الحالية إلا إذا ارتفع الجميع فوق جراحهم وطموحاتهم الخاصة، وقدموا مصلحة الوطن على كل ما عداها. النور ممكن، لكنه لن يأتي إلا بالاعتراف، والتنازل، والتفكير خارج الصندوق.
بقلم: محمد الأمين حامد
rivernile20004@gmail.com