هناء عبيد: ناغوغي الأثيوبي في فلسطين
تاريخ النشر: 12th, July 2023 GMT
هناء عبيد ناغوغي الصّغير، رواية للأديب الفلسطيني الدكتور حسن حميد، صدرت عام ٢٠٢١ عن وزارة الثقافة الفلسطينية، حازت على جائزة نجيب محفوظ الأدبية للرواية الصادرة من مصر. عنوان الرواية يثير الانتباه والفضول، فناغوغي اسم غير مألوف في بلادنا العربيّة وغير متداول، ويثير لدينا الكثير من الفضول والتساؤلات، فهل مثلًا الرواية تتحدث عن طفل أو صبي صغير، وماذا تعني مفردة ناغوغي وإلى أي البلاد تعود؟! عنوان الرواية بلا أدنى شك يشير إلى دقة في الاختيار ، فالعنوان هو أحد عتبات النص المهمة التي يجب انتقاؤها بحرص شديد؛ فهي مفتاحية النص التي تجر القارئ إلى المضي قدما في متابعة النص للتعرف على مدى تطابق هذا العنوان مع ما تبادر لذهنه، ومدى تطابقه مع تفسيره الدلالي للمعنى، ولهذا فإن الرواية بحاجة ماسة إلى عناوين دلالية رمزية جاذبة للقارئ، خاصة في ظل هذا الكم الكبير من الروايات الصادرة في الآونة الأخيرة، مع التأكيد على أن اسم الدكتور حسن حميد وحده كفيل لأن ندرك بأننا أمام عمل أدبي عميق الفكر، ثري المفردات، بديع اللغة، متقن السرد.
الرواية تتحدث عن رجل زنجي يدعى ناغوغي وهو من أثيوبيا، صور له الاحتلال أنه سيعيش بكرامة في أرض الميعاد، فجاء إلى فلسطين؛ جنة الأرض والسماء، فكيف لا يأتيها البشر من كل الأفواج، إنها البساتين التي تضم كل ورود الكون وعطره، إنها الجمال الذي يجعلها وجهة لكل الزوار، ولهذا جاء إليها ناغوغي الصغير، جاء إليها لكي يعيش أوقاته في الجنة.لكنه تفاجأ وعاش الصدمة حين وطأت أقدامه ترابها الطاهر، فقد تبين له أنه تمّ خداعه في المهام الموكلة إليه، جاء إلى فلسطين تلبية لما أسموه بالعودة التاريخية الموعودة، وجاء لجني المال وتحقيق الوعود الّتي صورت له أنه سيعيش حياة رغيدة في جنة الله على الأرض، لكنه تفاجأ بالحياة المغايرة للوعود التي أعطوها له، إذ وجد نفسه ذليلًا مضطهدًا يقوم بأعمال شاقة، فكان يعمل في الأرض وينام في اصطبلات البغال، لدرجة أنه كره نفسه للمذلة التي لاقاها فقد عومل مثل قطيع البقر، كان يحفر ويشقى من أجل طعام زهيد، حتى اسمه لم يناديه به أحد مع أنه يعني الضوء واللمعان والبهجة والحضور في أثيوبيا.
تنقل ناغوغي من عمل إلى آخر إلى أن قُبل في الجيش بعد اختبارات كثيرة. تعلم الدين اليهودي ودعى الناس إلى حب إسرائيل وكراهية الفلسطينيين والعرب، رغم ذلك لم يحب إسرائيل، فقد عاش في الكيبوتز لمدة ١٢ عامًا، كما أنه بعد انتسابه للجيش اكتشف أن منتسبي الجيش لا يتعلمون شيئًا فلسفيًّا سوى القتل الذي يجملونه ويربطونه بالمعتقد الديني، أيضًا تم تعذيبه بالسجن لأنه زنجي أسود، بعد أن طلبوا منه أن يعمل فيه، ولعله عاش تأنيب الضمير لما اقترفه بالسجن من تعذيب للفلسطينيين ولكل من قام بعمل فدائي، منهم على سبيل المثال؛ جاره في السجن مصطفى عباس الذي كان يحبه واعتقد أنه من أثيوبيا، لكنه صدم حينما علم أنه من السودان وأنه قام بعملية فدائية، فكرهه وعذبه. تعرف ناغوغي على عدة سيدات في فلسطين، كانت إحداهن ريفا البولونية التي انتقل أبوها -مهندس الطيران العسكري- من وارسو إلى إسرائيل، فيما بعد قُتل أبوها وبقيت مع أمها، وشعرت بالندم كما اعتبرت نفسها قاتلة لأنها عملت وتعاونت مع الأمن لتخبر عن الآخرين، وحينما استفاقت من صدمتها ندرت نفسها لأبشع شخص فكان ناغوغي الذي التقته في أحد الليالي بقرب شاحنة القمامة التي كان يعمل بها، لكنها فيما بعد اعتذرت له عن ندرها. نشأت علاقة عاطفية بينهما وبدأ يحدثها عن حياته في أثيوبيا. أيضا من السيدات الّتي تعرف عليهن العجوز سابينا التي تأجر بيتا منها وارتبط معها في علاقة عاطفية فيما بعد، ثم تعرف على الراقصة دونا التي طُلب منه حراستها فعمل خادمًا عندها، أحبها وأحبته لكنه هرب منها حتى لا تقتله كما فعلت فيمن أحبتهم من قبله. بعد هربه توجه إلى بلدة سمخ واستأجر بيتًا عند سيدة تدعى شهلا التي أحبته بعكس ابنتها نورا التي كرهته في البداية ثم ما لبثت أن عشقته فيما بعد، وهي من شجعه على كتابة مذكراته بالعبرية. لم تبتعد ثيمة الرواية عن الواقع، حتى في بعض أحداثها الخيالية، فالعنصرية التي تعرض لها ناغوغي والوحشية التي عومل بها بسبب لون بشرته السمراء، تتجلى بوضوح في معاملة الاحتلال للفلسطيني وهو في عقر داره، فالفلاشون رغم أنهم يهود إلا أنهم عوملوا بوحشية فهم سود وعبيد للشقر، لدرجة أنهم صدقوا بأنهم حيوانات كما أطلق عليهم الاحتلال، وقد كانوا يعملون بمكاسر الرمل والأعمال التي لا يرضى بها أحد، فأصابتهم أمراض الصدر. أما الصدمة التي واجهها اليهودي الأثيوبي في الوعود الكاذبة والمعاملة الفذة فقد سمعناها من لسان بعض جنود الاحتلال الذين فروا من فلسطين حين تمثلت الحقيقة أمام أعينهم. لعل الرواية خرجت عن خط الواقعية في قصة الحب التي نشأت بين ناغوغي والفلسطينية نورا، وإن أسلمنا بأن لا عنصرية في الحب، فإننا قد نستهجن قيام علاقة غير شرعية بين أي رجل وأية امرأة فلسطينية، فالأديان والعادات والتقاليد لا تتقبل مثل هذه العلاقات العاطفية في فلسطين التي يغلب عليها طابع التدين والتحفظ. المكان في الرواية براعة الروائي حسن حميد في الوصف تجعلنا نمر عبر كل مدينة وقعت فيها أحداث الرواية وكأننا في المكان، ولا يوجد لدي علم إن زار الروائي هذه المدن ليتحدث عنها بهذا الوصف المتقن أم أنه من وحي خياله الخصب، وخاصة حين وصف مدن فلسطين بالتحديد، فالأديب حسن حميد يعيش في سوريا بعيدًا عن حضن الوطن بسبب غطرسة الاحتلال، ولعل ذلك الشوق إلى أرض الجذور فجر براكين تلك اللغة الثرية لتجعلنا نعيش في جنة الفردوس من خلال كل شبر من فلسطين، ففي فصل أفرده للقدس التي أهدى إليها عمله الروائي والذي عنونه “في القدس”، يرسم لنا جنة الأرض والسماء من خلال مفرداته المميزة، فنمشي معه في كل خطوة ونعانق معه كل غصن شجرة زيتون امتدت جذورها لتعانق جذور أجدادنا. في إجازة الثلاثة أيام ينتقل ناغوغي إلى القدس ويتوه فيها، فهو لا يعرف فيها أحدًا ولا يعرف شوارعها، ولا أمكنتها ولا دروبها ولا ناسها، لهذا استعان بالنادل صبوحة ليكون دليله، وقد حدثنا عنه ناغوغي، فهو يهودي من سوريا يعيش في حارة اليهود في منطقة الشاغور، جاء إلى القدس مكرها، وقد أحبته سعيدة الفلسطينية. ثم يجوب ناغوغي الناصرة ويصفها لنا؛ فنجوب معه في شوارعها، ولعل وصفه لها نابع من خيال الأديب حسن حميد الذي أعْتَقِد أنه لم يزرها في يوم ما، لكن قريحته جادت بما كان يصوره له ذهنه أو حلمه بها. كذلك نعيش مع ناغوغي في قريته التي نشأ فيها، فيصف لنا الأماكن ويتحدث عن الحلفا والقصب والأعشاب الطويلة وغيرها مميا تمتاز به قريته(مامينا )في أثيوبياشخصيات الرواية ناغوغي وهو الشخصية الرئيسية في الرواية؛ الزنجي اليهودي الذي ينتقل إلى فلسطين ليعيش في جنة الأرض، عرفناه تمامًا فيزيائيا من خلال وصف الروائي الدقيق، فهو الرجل الأسود الطويل القوي البنية، كما تعرفنا عليه سيكيولوجيًّا من خلال حواراته الداخلية التي وضحت صراعاته وأحزانه وأفراحه وعاطفته. وقد تنقلت شخصيته من حالة إلى أخرى فمن الطفل البريء، إلى المراهق، إلى الرجل المتوحش‘ إلى العاشق، إلى الرجل صاحب الضمير، فحينما تعرف ناغوغي على الفلسطينيين عن قرب، ووجد مدى ثقافتهم وعلمهم، أعاد النظر في مواقفه لدرجة أنه أصبح يجد السعادة في مهنته حين أصبح زبالًا، فهي في نظره مهنة أبعدته عن وحشية السجون والجيش المحتل. ريفا البولونية
اليهودية التي عاشت الندم لأنها تعاملت مع مخابرات الاحتلال مما أدى إلى إزهاق العديد من الأرواح، وقد كانت شخصية تصاعدية فمن إنسانة عديمة الأخلاق تتحول إلى إنسانة يلذعها ضميرها لتحاول تغيير مسارها الأخلاقي. والدة ناغوني التي عرفناها من سرد ناغوغي وقد كان لها أثرها الكبير في صنع أخلاقه وبناء شخصيته، واتخاذ قراراته. نورا الشخصية التي لم نتعرف عليها كثيرًا، وهي التي حثته على كتابة سيرته الذاتية. وهناك شخصيات لعبت أدوارًا ثانوية لكن كان لها دورها المهم في سير الأحداث، ولم يكن هناك شخصيات إضافية لا حاجة للنص بها.
لغة الرواية وتقنية السرد
اعتمد الروائي على تقنية المذكرات في السرد، ظهر لنا ذلك بوضوح في بداية الرواية، وقد تنوع التنقل بين الأحداث ما بين تقنية الاسترجاع والحاضر والاستباق. جاء السرد بضمير المتكلم ليعطي قربًا أكبر من الشخصية، لغة السرد جاءت بالعربية الفصحى، وقد كانت ثرية بالمفردات والمحسنات البديعية، رافق السرد بعض المقاطع الشعرية. الرواية إضافة نوعية إلى رفوف المكتبة العربية عامة، والأدب الفلسطيني خاصة.
المصدر: رأي اليوم
كلمات دلالية: من خلال
إقرأ أيضاً:
رحل محمد حسن وهبه، وما الذي تبقى من زيت القناديل؟
صديق عبد الهادي
(1)
للشاعر الألماني "برشت" او "بريخت" كما ينطقه آخرون، قصيدة بليغة، محتواً ونصاً، وخاصة عند الإطلاع على تلك النسخة من ترجمتها البديعة التي بذلها صديقنا ومربينا العزيز دكتور محمد سليمان. ولتلك الدرجة التي يحار فيها المرء في أي لغةٍ أصلٍ كتبها "برشت"؟! وقد جاءت القصيدة تحت عنوان "أسئلةُ عاملٍ قارئ".
إنه لمن الصعب الإقتطاف منها، لأن الإقتطاف يهدمها مبناً ومعناً، أو يكاد! ولكن، لابد مما ليس منه بد. إذ يقول/
"منْ بنى طيبة ذات الأبواب السبع
الكتب لا تحوي غير أسماء الملوك
هل حمل الملوك كتل الصخر يا ترى؟!
وبابل التي حُطِمتْ مرات عديدات
منْ أعاد بناءها كل هذه المرات؟!
وفي أي المنازل كان يسكن عمال ليما
الذهبية المشرقة؟!
وفي المساء - حين إكتمل سور الصين العظيم –
أين ذهب البناؤون؟!
روما الجبارة مليئة بأقواس النصر
منْ شيَّدها؟
وعلى منْ إنتصر القياصرة؟!
وهل كانت بيزنطة الجميلة تحوي قصوراً
لكل ساكنيها؟!".
كلما أطلَّتْ هذه القصيدة أمامي ساءلتُ نفسي، ألا تنطبق تلك التساؤلات، الثرة والغارقة في الجدل، على النشاطات الإنسانية والنضالية في حقول الحياة الأخرى؟، وبالطبع، دائماً في البال أولئك "الفعلة" "المجهولين" "تحت الأرض"، الذين كلما تحطمت "بابلنا"، أو كادت، أعادوها لنا في كامل عافيتها وبهائها!
كان الراحل محمد حسن وهبه، وعن جدارة، أحد أولئك الــــــــ"تحت الأرض"، ولشطرٍ كبيرٍ من حياته.
(2)
تعرفت على رفيقنا الراحل في تقاطعات "العمل العام"، بعد عودة الحياة الديمقرطية إثر إنتفاضة مارس/أبريل في العام 1985. فمن الوهلة الأولى لا يعطيك الإنطباع بحبه للعمل العام وحسب وإنما، وفي يسر، بأنه إنسانٌ صُمم لذلك. رجلٌ سهل وودودٌ وذو تجربة صلدة، تتقمصه روحٌ آسرة ومتأصلة لا فكاك للمرء من إيحائها، بأنك تعرفه ومنذ زمن طويل. كان يتوسل المزحة ودونما تكلف في تجاوز المواقف المربكة، وكم هي غاصةٌ بها الحياة ومسروفةٌ بها غضون العمل العام ومطارفه!
عملت في صحبته وصحبة صديقنا المناضل الراحل محمد بابكر. والأثنان كانا يمثلان مورداً ثراً في التصدي لقضايا العمل العام، وخاصةً النقابي. طاقات مدهشه يحفها تواضع جم، أكثر إدهاشٍ هو الآخر. تعرفت على الراحل محمد بابكر في قسم المديرية بسجن كوبر إبان نظام المخلوع نميري ولفترة امتدت لأكثر من عام. وهو الذي قدمني للراحل "محمد حسن وهبه"، ومنذها كانت صداقة ثلاثتنا.
جرتْ انتخابات النقابات الفرعية منها والعامة في العام 1988، وفازت "قوى الإنتفاضة"، التي كانت تضم كل الإتجاهات، ما عدا الإسلاميين الذين كانوا يمثلون او بالأحرى يطلق عليهم "سدنة مايو". فازت "قوى الإنتفاضة" بما مجموعه 48 من عدد 52 نقابة عامة لاجل تكوين الإتحاد العام للموظفين في السودان.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن ما تمّ بعد إنتفاضة مارس/ ابريل 1985 في شأن إستعادة النقابات وفرض شرعيتها من خلال الإنتخاب الحر والديمقراطي هو ما لم تنجح في فعله قوى الثورة عقب ثورة ديسمبر 2018 مما كان له الأثر الكبير في كشف ضعف الثورة وفي وتأكيد غفلتها. فلقد ظلت كل القوانين كما هي وكأن ثورة لم تكن!
كان "محمد حسن وهبه" أحد الذين كانوا من وراء إنجاز قيام الإتحاد العام للموظفين، والذي تمً على إثره إنتخاب الراحل محمد بابكر وبشكل ديمقراطي أميناً عاماً له. كان "محمد حسن وهبه" مسؤولنا الأول عن إدارة تلك الحملة وقيادة ذلك العمل. كان أحد المعنيين بإعادة "بناء بابل"، وقد فعل ذلك على أكمل وجه. والآن جاء يوم شكره المستحق.
(3)
لم يجمع بيننا العمل العام لوحده وإنما جمعت بيننا "البراري" بكل تفردها وزخم "قواها الإشتراكية" التليدة إن كان في ترشيحها لـ"فاطمة" أو في تكريمها لـ"سكينة عالم"، والذي كان وبعقودٍ طويلة قبل تجشم "هيلاري" و"كاميلا" لمصاعب المعاظلة مع عتاة الرأسمال!.
كنت أغشاه كثيراً، وليس لماماً، للتزود من معارفه الحياتية ومن فيض روحه السمح، ومن لطائفه كذلك. كنت أسكن "كوريا" ويقطن هو في "إمتداد ناصر". ذات مساء وجدت في معيته المناضل الراحل "يوسف حسين"، وكما هو معلوم فهو رجل صارم القسمات وللذي يراه لأول مرة لا شك أنه سيظن أن هذا الرجل بينه والإبتسام ما تصنعه القطيعة البائنة!. أنهما صديقان، ولكن للمرء أن يعجب كيف تسنى ذلك، فــ"وهبه" سيلٌ متدفق من "الحكاوي" و"المِلَح" والضحك المجلجل؟!
إن لوهبه قدرة فائقة على صناعة الأصدقاء، إن جاز القول.
وهبه حكاءٌ بإمتياز، لا يدانيه أحد. كان يبدع حين يحكي عن طُرَفِ زميله الراحل الأستاذ "أبو بكر أبو الريش" المحامي، الذي تميز هو الآخر بالحس الفكه والروح اللطيف، والطيب. كانت طرفته الأثيرة لوهبه، وهما طلاب في المدرسة الثانوية في مدينة بورتسودان، حين سأل أحد الأساتذة "ابوبكر" عن إسمه بالكامل فقال له :إسمي أبو بكر أبو الريش. فأردف الأستاذ: هل فعلاً اسم أبيك أبو الريش؟، فرد عليه أبو بكر: "بالمناسبة يا أستاذ أمي ذاتها إسمها أبو الريش!"، فإنفجر الطلاب بالضحك. حينما يحكي وهبة هذه الطرفة يحكيها وكأنها حدثت بالأمس، وحتى حينما يعيد "حكوتها" يعيدها بشكلٍ مختلف، في كل مرة، عن سابقتها. فتلك موهبة لا يتوفر عليها الكثيرون!
إن في مرافقة رواد العمل العام من أمثال وهبه، والذين يجمعون كل تلك المواهب، يصير العمل العام وبكل صعوباته وتعقيداته متعة، فضلاً عن كونه في معيتهم يمثل مدرسة حياتية نوعية ترقى إلى مستوى الرسالة المقدسة، التي يكون المرء على إستعدادٍ كاملٍ للتضحية بحياته من أجلها.
(4)
إن رفيقنا الراحل "محمد حسن وهبه" هو أحد الذين قدموا التضحيات الجسام بدون منٍ او سعيٍ مبغوضٍ للشهرة. عاش بسيطاً بين الناس وكريماً ذا "يدٍ خرقاء" حينما يطلب الناس بيته. إنه أحد أولئك الذين هم "زيت القناديل"، الذين تساكنوا، " تحت الأرض "، وتآلفوا مع الحرمان من طيب العيش والأهل، ولردحٍ طويلٍ من حيواتهم! إنه أحدُ منْ عناهم "برشت" أيضاً، حين قال/
"والعظمة تبرز من داخل أكواخٍ بالية
تتقدم في ثقة
تزحم كل الآماد
والشهرة تسأل حائرة - دون جواب –
عمنْ أقْدَمَ، أفْلَحَ، أنْجَزَ هاتيك الأمجاد!
فلتتقدم للضوء وجوهكم، لحظات
فلتتقدم هاتيك المغمورة مستورة
فلتتقدم كي تتقبل من أيدينا
كل الشكر
وكل الحب" (*)
فلك كل الشكر، رفيقنا "محمد حسن وهبه"، ولك كل الحب.
ولتخلد روحك في عليين.
___________________.
(*) من قصيدة "تقريظ العمل السري".
نقلا من صفحة الاستاذ صديق عبد الهادي على الفيس بوك