هل رَعَتْ الدول العربية الإرهاب؟
تاريخ النشر: 6th, December 2023 GMT
يُعد الوصف الرئيس لحركات المقاومة في فلسطين وخاصة حركة حماس هو وصف الإرهاب، والاستناد إلى هذا الوصف المذموم عالميا غالبا ما يرجع إلى قيام إحدى الحركات بعمليات مسلحة، ما يعني استبعاد سلوك الدول العدواني من هذا التوصيف.
ربما لا يستخدم كاتب السطور هذا الوصف لأنه يُكيَّف بحسب إرادة الأنظمة السياسية أو القوى الدولية، وكذلك لأنه وصف لصيق بالمسلمين أكثر من غيرهم، فأغلب زعماء قوائم الإرهاب مسلمون وبالطبع ينتمون إلى حركات تنسب نفسها إلى الدين الإسلامي، بينما قد يُصنَّف أشخاص أو حركات يرتكبون أفعالا مماثلة بأنهم مجرمون فقط لا إرهابيون، ما يؤكد مسألة التحيّز السياسي في هذا الوصف المروِّع عند إطلاقه على شخص أو حركة.
الإرهاب المنسوب إلى الفلسطينيين نشأ من مقاومتهم المسلحة ضد الاحتلال الصهيوني، وهو نضال مَرَّ بمراحل متعددة، فبعد قرار التقسيم رقم 181 لعام 1947 انخرط الفلسطينيون في الكفاح المسلح، وكان مطلبهم الرئيس تسليح المقاومين الفلسطينيين، لكن هذا التسليح مر بوتيرة بطيئة وبقدر لا يفي بالغرض، ورغم هذا حقق النضال الشعبي مكاسب على الأرض، إلى أن دخلت الجيوش العربية إلى أرض المعركة عام 1948، وهي جيوش غير مستعدة للقتال ولا تفي أعدادها بمواجهة 100 ألف صهيوني وقتها.
وصف لصيق بالمسلمين أكثر من غيرهم، فأغلب زعماء قوائم الإرهاب مسلمون وبالطبع ينتمون إلى حركات تنسب نفسها إلى الدين الإسلامي، بينما قد يُصنَّف أشخاص أو حركات يرتكبون أفعالا مماثلة بأنهم مجرمون فقط لا إرهابيون، ما يؤكد مسألة التحيُّز السياسي في هذا الوصف المروِّع عند إطلاقه على شخص أو حركة
آية عدم جاهزية الجيوش العربية، ما رواه الفريق الراحل سعد الدين الشاذلي في شهادته على العصر على شاشة الجزيرة، إذ ذكر أنهم لم يمسكوا بالقنابل طوال فترة تدريبهم في الكلية الحربية ودرسوها دراسة نظرية فقط، ولم يكن تدريبهم مكافئا للعصابات الصهيونية التي شاركت قوات منها في الحرب العالمية الثانية، فضلا عن شرائهم أسلحة من السوق السوداء لها طبيعة تختلف عن طبيعة الأسلحة التي درسوها وتعلموا عليها، وانخرط ضباط يوليو 1952 في وصفها بالأسلحة الفاسدة، وهو الوصف الذي عدَّه الشاذلي (المشارك في حرب 1948) مبالَغا فيه لأسباب بيَّنها في شهادته.
بعد هزيمة الجيوش العربية، دخلت دُوَلُها في اتفاقيات هدنة مع الاحتلال وتُرك الفلسطينيون في العراء، وخسروا مساحة تجاوز نصف المساحة التي حددها قرار التقسيم عام 1947، وأصبحت الإدارة في الضفة الغربية وغزة للأردن ومصر على الترتيب، وفي عام 1955 بدأ فصل جديد من فصول مقاومة الفلسطينيين في غزة برعاية مصرية، لكن قابَلَ هذه الرعاية قمع لحرياتهم كذلك، وانتهت الإدارة المصرية للقطاع باحتلاله وشبه جزيرة سيناء عام 1967، ثم تحررت غزة بعد 38 عاما في 2005 نتيجة مقاومة شرسة للاحتلال الصهيوني، ليبدأ الفلسطينيون المرحلة الثالثة من نضالهم بعد مرحلتيْ عام 1947 وعام 1967، وهي المرحلة التي أوصلتهم في 18 عاما فقط إلى "طوفان الأقصى".
هذه هي المراحل العامة للنضال الفلسطيني الموصوف صهيونيا وغربيا بالإرهاب، وهذا غير مستغرب من أطراف الخصومة، لكن المثير للانتباه وَصْفُ عربٍ للمقاومين الفلسطينيين بالإرهاب، أو الترويجُ لأفعال المقاومة بأنها أفعال إرهابية، أو حتى مجرد قبول بعضهم هذا التوصيف، في حين أن تاريخ المنطقة لا يخلو من ممارسة أو رعاية ما يُسمى اليوم بـ"الإرهاب"، وأغلب هذه الأعمال ما تزال محل احتفاء إعلامي ورسمي.
البداية مع مصر التي قاوم أبناؤها الاستعمار البريطاني وامتدت العمليات إلى المحسوبين عليه، مثل بطرس غالي (قاضي دنشواي)، وأمين عثمان، وكانت هذه العمليات من تنظيمات سرية، لكن بعد حركة الضباط عام 1952 عمد النظام السياسي الرسمي بنفسه إلى ممارسة أعمال مسلحة ضد الإنجليز في كل مكان مع التركيز على منطقة قناة السويس، وكانت مصر تتحرك وفقا لمقولة "المقاوم يشد أزر المفاوِض"، كما يقول السيد محمد فايق، أحد المشاركين في تلك العمليات وإدارتها، وفق ما روى في مذكراته.
قبيل جلاء الإنجليز عن مصر، شكَّل النظام السياسي عام 1955 الكتيبة 141 فدائيين في غزة بقيادة مصطفى حافظ، وهي الكتيبة التي تشكلت من فدائيين فلسطينيين أزعجوا قائد العصابات بن غوريون إلى درجة أنه تمنى أن يستيقظ ويجد غزة قد ابتلعها البحر، وقد أوقع الفلسطينيون قرابة 1400 قتيل صهيوني في خلال عدة أسابيع فقط، وهو رقم مهول بالنسبة إلى هذا الكيان الآن، فما بالنا بوَقْع هذا الرقم حينها والكيان لا يزال في بداية نشأته!
كذلك أنشأت مصر مكتبا للمسلحين الأفارقة الذين يناضلون ضد الاستعمار في بلدانهم، وكان ضابط المخابرات وقتها السيد محمد فايق أحد أوائل العاملين في هذا الملف، وقد روى في مذكراته دور مصر في التدريبات العسكرية التي سمحت بها على أرضها لهؤلاء "المتمردين"، وتدشينها لمحطات راديو باللهجات المحلية لأبناء هذه الدول والمناطق بغرض تثوريها ضد الاستعمار، لكن يبقى المهم أنها دعمت هؤلاء عسكريا، بل أرسلت طيارين مصريين سابقين بغرض مساعدة نيجيريا في صراع داخلي بعد هزيمة 1967، وشاركوا بأنفسهم في القتال الجوي، ومع اتساع القتال شارك طيارون مصريون ما يزالون في الخدمة في القتال.
أيضا دعمت مصر الثورة الجزائرية بشتى الوسائل السياسية والعسكرية، وكانت هذه التحركات المصرية ضد الإنجليز والفرنسيين والصهاينة سببا في العدوان الثلاثي على مصر، الذي أضاع سيناء لعدة أشهر وتسبب في دمار كبير، ورغم ذلك لم يقل أحد لماذا تُقاوم مصر، أو لماذا تدعم دولة أخرى، أو لماذا تجعل أرضها منطلقا لـ"العمليات الإرهابية" ضد الاحتلال الأجنبي.
لا يقف الأمر عند حدود مصر، فالجزائر ساهمت أيضا في حركات التحرر الأفريقية بعد تخلصها من الاستعمار الفرنسي، ودورها وقتها هو الذي أعطاها الثقل الكبير في أفريقيا الآن لأنها حافظت على مكتسبات تلك الفترة، كذلك احتضنت لبنان وتونس ياسر عرفات ورفاقه في فترات صراعهم المسلح ضد الاحتلال، ما أدى إلى اجتياح لبنان مطلع ثمانينيات القرن الماضي، كذلك احتضنت سوريا حركات المقاومة على أرضها لسنوات طويلة، وأنقذت الأردن خالد مشعل من الموت، وتدخلت من أجل الإفراج عن الشيخ أحمد ياسين، وتنقل قادة حماس في دول الخليج لسنوات دون مساس بهم.
فضلا عن كل ذلك، لا يمكن إغفال المرحلة التي سميَّت بـ"الجهاد الأفغاني"، وأرسل الخليج وقتها دعما ماليا سخيا، وسمح العرب لشبابهم بالانخراط في القتال، وللجمعيات الخيرية بالعمل هناك، وبالطبع تنكَّرت الأنظمة السياسية فيما بعد لهذا الدور عبر تجاهله وعدم الاحتفاء به، لأن تنظيم القاعدة خرج من رحم هذه التجربة فيما بعد، والأهم أن أمريكا سخطت على "مناضلي الحرية" وحولتهم إلى "إرهابيين محتملين"، ثم وضعتهم على رأس قائمة الإرهاب عندما هاجموا مصالحها في عدة دول وداخل أمريكا.
إذا حاولنا استقصاء الأدوار العربية في مواجهة الاحتلال الخارجي، فسنجد كتبا وُضِعت لإبراز هذا الدور في كل دولة، ولا يجرؤ أحد على وصف تلك المساعدات بالإرهاب أو حتى دعمه، كما لا يصف أحد ما فعله عرفات في بداياته بالإرهاب. لكن الإشكال هنا متعلق بتغير الظروف الدولية، والتبعية الكاملة للأنظمة العربية في ملف دولة الاحتلال خاصة، والخلفية الفكرية لحركات المقاومة الآن، وهذا الثالوث أوجد تغيرا جذريا في مسألة المقاومة لدى الأنظمة، لكنه لم يُحدِث نفس الأثر على مستوى الشعوب، ويكفي مجرد النظر إلى الأجيال الشابة التي نشأت في ظل تعتيم وتشويه كاملين لملابسات القضية، لكنهم يترقبون فيديوهات المقاومة.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه المقاومة الإرهاب الاحتلال الاحتلال الإرهاب المقاومة العالم العربي مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة صحافة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة هذا الوصف
إقرأ أيضاً:
من أوكرانيا إلى فلسطين: العدالة الغائبة تحت عباءة السياسة العربية
محمد عبدالمؤمن الشامي
في المحاضرة الرمضانية الـ 12 للسيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي، أشار إلى حقيقة صارخة لا يمكن إنكارها: الفرق الشاسع بين الدعم الغربي لأوكرانيا في مواجهة روسيا، وبين تعامل الدول العربية مع القضية الفلسطينية. هذه المقارنة تفتح الباب على مصراعيه أمام تساؤلات جوهرية حول طبيعة المواقف السياسية، ومعايير “الإنسانية” التي تُستخدم بمكيالين في القضايا الدولية.
أُورُوبا وأوكرانيا: دعم غير محدود
منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا، سارعت الدول الأُورُوبية، مدعومةً من الولايات المتحدة، إلى تقديم كُـلّ أشكال الدعم لكييف، سواء عبر المساعدات العسكرية، الاقتصادية، أَو حتى التغطية السياسية والإعلامية الواسعة. لا تكاد تخلو أي قمة أُورُوبية من قرارات بزيادة الدعم لأوكرانيا، سواء عبر شحنات الأسلحة المتطورة أَو المساعدات المالية الضخمة التي تُقدَّم بلا شروط.
كل ذلك يتم تحت شعار “الدفاع عن السيادة والحق في مواجهة الاحتلال”، وهو الشعار الذي يُنتهك يوميًّا عندما يتعلق الأمر بفلسطين، حَيثُ يمارس الاحتلال الإسرائيلي أبشع الجرائم ضد الفلسطينيين دون أن يواجه أي ضغط حقيقي من الغرب، بل على العكس، يحظى بدعم سياسي وعسكري غير محدود.
العرب وفلسطين: عجز وتخاذل
في المقابل، تعيش فلسطين مأساة ممتدة منذ أكثر من 75 عامًا، ومع ذلك، لم تحظَ بدعم عربي يقترب حتى من مستوى ما قُدِّم لأوكرانيا خلال عامين فقط. الأنظمة العربية تكتفي ببيانات الشجب والإدانة، فيما تواصل بعضها خطوات التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، في تناقض صارخ مع كُـلّ الشعارات القومية والإسلامية.
لم تُستخدم الثروات العربية كما استُخدمت الأموال الغربية لدعم أوكرانيا، ولم تُقدَّم الأسلحة للمقاومة الفلسطينية كما تُقدَّم لكييف، ولم تُفرض عقوبات على “إسرائيل” كما فُرضت على روسيا، بل على العكس، أصبح التطبيع سياسة علنية لدى بعض العواصم، وتحول الصمت العربي إلى مشاركة غير مباشرة في استمرار الاحتلال الصهيوني وجرائمه.
المقاومة: الخيار الوحيد أمام هذه المعادلة الظالمة
في ظل هذا الواقع، يتجلى الحل الوحيد أمام الفلسطينيين، كما أكّـد السيد القائد عبد الملك الحوثي، في التمسك بخيار المقاومة، التي أثبتت وحدها أنها قادرة على فرض معادلات جديدة. فمن دون دعم رسمي، ومن دون مساعدات عسكرية أَو اقتصادية، استطاعت المقاومة أن تُحرج الاحتلال وتُغيّر قواعد الاشتباك، وتجعل الاحتلال يحسب ألف حساب قبل أي اعتداء.
وإن كانت أوكرانيا قد حصلت على دعم الغرب بلا حدود، فَــإنَّ الفلسطينيين لا خيار لهم سوى الاعتماد على إرادتهم الذاتية، واحتضان محور المقاومة كبديل عن الدعم العربي المفقود. لقد أثبتت الأحداث أن المقاومة وحدها هي القادرة على إحداث تغيير حقيقي في مسار القضية الفلسطينية، بينما لم يحقّق التفاوض والتطبيع سوى المزيد من التراجع والخسائر.
المواقف بالأفعال لا بالشعارات:
عندما تُقاس المواقف بالأفعال لا بالشعارات، تنكشف الحقائق الصادمة: فلسطين تُترك وحيدة، بينما تُغدق أُورُوبا الدعم على أوكرانيا بلا حساب. هذه هي المعادلة الظالمة التي كشفها السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي، حَيثُ يتجلى التخاذل العربي بأبشع صوره، ما بين متواطئ بصمته، ومتآمر بتطبيعه، وعاجز عن اتِّخاذ موقف يليق بحجم القضية.
إن ازدواجية المعايير لم تعد مُجَـرّد سياسة خفية، بل باتت نهجًا مُعلنًا، تُباع فيه المبادئ على طاولات المصالح، بينما يُترك الفلسطيني تحت القصف والحصار. وكما أكّـد السيد القائد عبد الملك الحوثي، فَــإنَّ المقاومة وحدها هي القادرة على إعادة التوازن لهذه المعادلة المختلة، مهما تعاظم التواطؤ، ومهما خفتت الأصوات الصادقة.