غزة 2023 تربك العالم، كل العالم.. غزة تضع العالم بين موقف إنساني حقيقي وصادق وفعال، وموقف تجاري تقليدي مبني على حسابات قصيرة وغبية. الأغبياء وخاصة من حكام الأقطار العربية ما زالوا يعتبرون فلسطين وقضيتها ومنها غزة الآن وهنا؛ ورقة سياسية يمكن استعمالها في الداخل بعقل انتخابي فيظهرون مع شحنات المساعدات في مطار أو مع جريح في مشفى ويقولون تضامنّا أخويا، وتتولى أجهزة إعلام يديرها المرتزقة الاشتغال على مشهدية دعائية بالدم الفلسطيني لربح شيء في القُطر مثل انتخابات موسمية، أما الموقف الصادق فيبني على غزة حديث المستقبل ويرى تحولات استراتيجية مربكة في قوتها وفي استدعائها لمجهول كبير مثير، ولكنه يحتفظ بغموضه؛ ماذا بعد غزة إذا لم نتعامل معها كمشهد مفيد انتخابيا أي كمشهد عابر ومحدود؟
الموقفان: ماض وحاضر
الموقف التجاري أو السياسي الانتخابي هو موقف من الماضي، بينما الموقف الإنساني هو موقف من المستقبل وبينهما برزخ لا يبغيان.
هؤلاء (أنظمة حاكمة ونخبا فكرية وسياسية) لم يفهموا ما حدث في غزة في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، ولا أراهم يفهمون كيف ينتقل العربي المسلم الفلسطيني من الدفاع العاجز إلى الهجوم القاهر ويغير المعادلات فيجعل قوة قاهرة تحتار في الدفاع عن نفسها وتنكشف مثل دجاجة فقدت ريشها في عاصفة. هؤلاء منغلقون على صورة المهزوم الشقي (التي شحنها العدو في أرواحهم)، لذلك لم ينفتح فكرهم على صورة القادر المنتصر، أما إذا انكشف لهم أن هذه القدرة المنتصرة تستند إلى عقيدة دينية فإن كل مقاييس التحليل عندهم تنهار ويجدون أنفسهم أقرب إلى العدو يشفقون عليه، فيكتبون عن حماس الإرهابية ولا يرون إرهاب العدو. فغياب هذا العدو القاهر يفقدهم قدرتهم على التحليل ويفتح عليهم طوفان المراجعات العسيرة، وهو شقاء لا قِبل لهم.
الحاضر الذاهب إلى المستقبل موقف قلة من النخب وجمهور واسع من أهل الفطرة السليمة مما لم يجد غضاضة في التكبير ذات معارك التحرير من الاحتلال المباشر في كل قُطر، ولم يجد أبدا فصلا بين أن يكون المرء مسلما وأن يكون طالب حرية، بل يجد أن دينه وتعبده يتجليان في حريته فيطلبها بالاعتماد على ربه ونبيه ويكبر ولا يشعر بالحرج أو بالنقص أمام الغرب الجميل الملحد الناكر لكن دين.
لقد قدمت غزة برهانا عظيما على أن مرجعيات الغرب كاذبة ومنحطة ومنافقة للإنسان، ولذلك فإن من يقف مع غزة الآن ينظر بعين الإنسان الحر إلى الفكر الغربي وإلى قوانينه الزائفة وإلى حياته الكاذبة كحام للحريات الإنسانية. لم يعد مستوى التعليم هنا مهمّا، فأهل الفطرة حتى الأميون منهم فهموا بفضل غزة اللعبة. لقد كان الغرب كذبة كبيرة فضحتها غزة (وقد فُضحت قبل ذلك في العراق ولكن غزة أكملت الصورة الناقصة)، وقد تحرر الناس وسيذهبون إلى مستقبلهم دون مرجعية غربية، وخاصة سيذهبون إلى المستقبل ضد هذا الغرب السفيه. لقد حررت غزة العالم وسيكون لحربها أثر لا يُمحى بل يُبنى عليه حتى قيامة عالم ليس فيه أثر النفاق الغربي، ولا نستغرب (بل سننتظر) أن يبدأ هذه العالم الجديد من شعوب الغرب نفسه، وقد فهمت الخديعة التي عاشت بها دهرا طويلا.
الانتخابيون الجهلة
الذين استقبلوا جريحين من غزة والتقطوا مليون صورة معهم؛ نقول لهم ما قالت غزة: أنتم لم تفهموا غزة ولن تفهموها وغزة تجاوزتكم وستقوض الأرض من تحتكم ولو بعد حين، لأنكم أسرى تصور ميت عن النضال وعن الحرية.
عندما قلنا أعلاه إن غزة أربكت العالم وتربكه حتى يستقيم نظام جديد، فلأننا نرى الأثر المباشر لما يجري في المربع الغزاوي ولا نقف عنده، بل نمر إلى ما نرى في العالم من تغييرات يعبر عنها شباب معولم يملك وسائط التعبير الحديثة ويتشابك عبر العالم في اتجاه بناء حريات جديدة؛ ليست ما فرضت عليه الشركات واللوبيات المالية والإعلامية.
قد يبدو الأمر متسرعا حتى اللحظة (أو من الأماني) ولكن ما يتيسر لهذا الشباب لم يتيسر لشباب عارض حرب فيتنام وأمكن قمعه وتفتيت حماسه الإنساني. لقد تكلمت غزة زمن التواصل المفتوح فوصل صوتها إلى أطراف العالم وكشف المستور من أسباب الحروب، ولا نظن أن الأمر موجة عاطفية سريعة ستقف بنهاية الحرب (إن توقفت).
إننا نرى عالما يتغير وتقوده غزة بصبر وأناة ولكن بشجاعة (وتدفع الثمن من لحمها ودمها)، فتعيد للعالم احتمالات الحلم بالحرية وتعيد له صورة الإنسان "البطل" الحر لا البطل السينمائي الذي يكمل شجاعة مزيفة بالمؤثرات الضوئية. الغزاوي هو البطل الرومانسي الجديد لا رامبو الهوليودي المصنوع في استيديو مكيف.
هذه غزة، فمن لم يتلقط معناها وهي تحارب وتوقف عند "شوية" دعاية انتخابية سمجة فلا مكان له فيما بعد غزة وقد فاته قطار التاريخ ولن يدخل المستقبل مثله مثل دولة الكيان الصهيوني التي تقف الآن وبفعل غزة 2023 على حافة قبرها.. ولم يبق لها إلا أن ترفع كلفة حريتنا وهي التي لم تتعلم أبدا أن ثمن الحرية هو المستقبل. لا تكذبوا على غزة فغزة لا تكذب وتعرف الكذابين وتسميهم ولديها مشروع. غزة وحدها من تملك مشروعا للمستقل فمن سار خلفها عرف سواء السبيل.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة فلسطين فلسطين غزة المقاومة مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة صحافة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
شيوخ وعائلات غزة يؤيدون موقف مصر: «لا للتهجير.. نعم لوحدة الصف ضد المحتل»
اجتمع ممثلو العائلات والأسر الفلسطينية في قطاع غزة، أمس السبت؛ من أجل إعلان تأييد الموقف المصري وتصريحات الرئيس عبدالفتاح السيسي الرافضة للتهجير، بينما تجولت السيارات في الشوارع وهي تحمل الأعلام المصرية وصور الرئيس عبدالفتاح السيسي، وتعالت الهتافات المؤيدة لمصر وموقفها.
منسق شؤون العشائر في قطاع غزة: شكرا للأشقاء في مصروفي تصريحات خاصة لـ «الوطن»، قال الحاج وضاح الوحيدي أبو زاهر، منسق شؤون العشائر في قطاع غزة «لا يسعني إلا أن أتقدم بخالص الشكر للأشقاء في جمهورية مصر العربية وعلى رأسهم الرئيس عبدالفتاح السيسي لمواقفهم المشرفة والداعمة للقضية الفلسطينية، وهذا ليس جديد على إخواننا من الشعب المصري وهم منذ بداية نكبة 1948 ومن قبلها ووقوفهم بجانب قضيتنا مشهود له من الدعم في جميع النواحي سواء دعم سياسي أو اجتماعي ودعم في جميع القضايا ودعمونا، حيث اختلط الدم المصري بالفلسطيني وهذا ما نعتز به ونفتخر».
ووجه رسالة للعائلات والعشائر الفلسطينية قائلا: «يا أخوتي يا أبنائي يا أهلي، هذه الساعة تجبرنا على وحدة الكلمة لأن العالم لا ينظر للضعيف ويجب أن نتمسك وقوتنا في وحدتنا وإن القدس هي الأولى أن نحافظ عليها والتراب الفلسطيني تراب غالي»، مطالبا بالبعد عن التحزب والمصالح الضيقة والعمل لأجل مصلحة فلسطين.
الموقف المصري مع القضية الفلسطينية قديم متجددمن جهته، أكد العميد الدكتور عبد الله عياش، نائب رئيس الهيئة المستقلة لشيوخ الترابين وأستاذ التاريخ المعاصر، أن شيوخ ووجهاء ورموز وطنية وجماهير الشعب الفلسطيني يشيدون بهذا الموقف المصري الرافض لمشاريع التهجير وإعادة التوطين، مضيفا: «نشكر الرئيس عبد الفتاح السيسي على موقفه الداعم للقضية الفلسطينية، إذ أن هذا الموقف ليس جديدا، بل هو امتداد لموقف مصري ثابت مع القضية الفلسطينية منذ عصور ما قبل الميلاد».
وطالب العشائر الفلسطينية في قطاع غزة باتخاذ مواقف أكثر إيجابية لوقف مخطط التهجير وتغير شكل المنطقة، مشددا على ضرورة تكاتف العشائر الفلسطينية وتجمعها من أجل مستقبل أفضل للقطاع.
نور أبوشباب الترابي: وقفتنا من أجل تأييد موقف السيسيوقالت الإعلامية الفلسطينية نور أبوشباب الترابين، إن هذه الفعالية تأتي دعما لموقف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وتأييدا للفكرة التي ترفض تهجير الفلسطينيين وتصفية القضية الفلسطينية، مشيرة إلى أن الحضور الكبير لممثلي العشائر الفلسطينية واللجنة المصرية، التي تعمل مباشرة على قضية المساعدات وتوزيعها لضمان وصولها لأكبر عدد من المنكوبين جراء حرب الإبادة التي شُنّت على قطاع غزة، يُرسل رسالة واضحة بأن التوافق والاندماج بين العشائر الفلسطينية بمختلف أطيافها، إلى جانب وجود اللجنة المصرية، يحمل رمزية كبيرة في المشهد السياسي الفلسطيني.
وأشادت الترابين بالتحصين الاجتماعي للعشائر الفلسطينية، مؤكدة أن هذه العشائر بممثليها تشكل أكبر حاضنة شعبية لفكرة رفض التهجير، إذ أنها قادرة على أن تكون صمام أمان اجتماعيا، وشبكة واسعة تضم عشرات بل مئات الآلاف من الفلسطينيين تحت موقف موحد محليا وإقليميا، دعما وتأييدا للموقف المصري الذي شكل بارقة أمل كبيرة بأن الواقع الإقليمي حول فلسطين والمحيط بالقضية الفلسطينية يدفع للتفاؤل.
وأضافت: «عندما تقول مصر هذه الكلمة، فهذا يعني أن عددا كبيرا من الدول العربية سيقول ذات الكلمة، وهو ما لاحظناه لاحقا في تصريحات شخصيات دبلوماسية كبيرة في بعض الدول التي تبنت نفس الموقف، وهذا الموقف، واجب التبني، ومن يحتاج إلى جهد أو وقت لإعلان رفض التهجير، عليه أن يراجع عقيدته العربية التي تقوم على مبدأ جوهري هو القضية الفلسطينية، وعلى قاعدة أن العربية لا يمكن أن تتخلى عن درة التاج، بيت المقدس، وعن جوهرها فلسطين».
المؤرخ علي أبوعودة: هذه الوقفة دعما لموقف مصر العظيموقال المؤرخ والمؤلف المختار علي أحمد أبوعودة أبوعلاء مدير عام التعليم بوزارة التربية والتعليم سابقا، إن الفلسطينيين يقفون هذا الموقف انتصارا لقضيتهم ودعما لموقف مصر العظيم برافض التهجير، مضيفا «ما دمت مصر حصن العروبة الحصين والمنيع موجودة فإن الله سبحانه وتعالى لن يمكن ترامب ولا غيره من تمرير مشاريع التهجير؛ لأن مصر هي التي تظهر في قواصم الأمور وهي التي كسرت الصلبيين وأخرجتهم وهي التي قضت على الخطر المغولي وخلصت العرب والشرق منهم وهي بطلة العبور حينما اجتاحت خط بارليف ولقنو الإسرائيليين درس لم يتلقنه لهم غيرهم ونحن أبناء هذه البلد فيها عشنا ولن نموت إلا هنا».