محامون لـ «العرب»: تأكيد على أهمية العمل الخليجي المشترك
تاريخ النشر: 6th, December 2023 GMT
د. ثاني بن علي: تواصل وتفاهم بين قادة مجلس التعاون
أحمد بن محمد: حرص على تعزيز التكامل المشترك
عبد الله المطوع: فلسطين حاضرة في جميع خطابات صاحب السمو
محمد الهاجري: قمة الدوحة تعزز العمل الخليجي الـمشترك
أشاد محامون بأهمية التعاون الخليجي فيما يصب في صالح الشعوب الخليجية، إضافة إلى توحيد الموقف الخليجي تجاه مختلف القضايا، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، منوهين إلى أن ما جاء في كلمة حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، يمثل تأكيداً على أهمية العمل الخليجي المشترك في مختلف المجالات.
ونوهوا عبر «العرب» بأن القمة الخليجية التي استضافتها الدوحة تميزت بالتفاهم والحرص على ما فيه صالح دول الخليج، وأن التنسيق والتشاور المستمر بين دول الخليج من الأمور الهامة في هذه المرحلة، مع المتغيرات التي تمر بها المنطقة والعالم.
وأشاروا إلى أن دولة قطر لها دور بارز في الوساطة بالأزمة التي يمر بها الشعب الفلسطيني في الوقت الحالي، وما يعانيه قطاع غزة من مجازر بحق سكانه، مشيدين بموقف دولة قطر الثابت من القضية الفلسطينية، ودعمها المستمر لحقوق الشعب الفلسطيني.
وأكد الدكتور الشيخ ثاني بن علي بن سعود آل ثاني – نائب رئيس جمعية المحامين القطرية، أن دول الخليج الست تمثل واحدة من أكثر المجالس تأثيراً في العالم، بما تملكه من مقومات وتأثير على الصعيد العالمي، وأن ما تأتي به القمة الخليجية دوماً من قرارات يعد محط أنظار العالم، فضلا عما يسهم فيه تواصل وتفاهم القادة الخليجيين من تنمية وتعزيز للعمل الخليجي الـمشترك بـما يحقق مصالح دوله الست وتطلعات شعوبها، ويعزز مكانة المجلس إقليميا ودوليا.
وأشاد د. ثاني بن علي بما جاء في كلمة حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى من تأكيد على أهمية التشاور والتنسيق المستمر بين دول الخليج، والتنسيق للتعامل مع كافة المتغيرات عالمياً، ودعم مكتسبات المجلس في شتى الـمجالات الاقتصادية، والأمنية، والاجتماعية، وغيرها.
ونوه بأن الخطاب جاء مؤكداً على موقف دولة قطر من الـمأساة والكارثة الإنسانية غير الـمسبوقة الناجمة عن العدوان الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني، مشيراً إلى أن هذا الموقف الثابت للسياسة القطرية دائماً ما كان محط فخر لكل القطريين، نظراً لما يكنونه من مشاعر الاخوة الصادقة لإخوانهم في فلسطين.
ولفت إلى أن جهود دولة قطر في الوساطة خلال الأزمة كان لها أثر كبير، بالتعاون مع الأشقاء والشركاء في جمهورية مصر العربية والولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما أكد عليه صاحب السمو في خطابه، وأعرب د. ثاني بن علي عن أمله بأن تستمر معالم هذه الشراكة بما يصب في صالح الشعب الفلسطيني الشقيق.
موضوعية في الـمناقشات
وقال الشيخ أحمد بن محمد آل ثاني المحامي إن القمة الخليجية التي استضافتها الدوحة جاءت في وقت تحرص خلاله الدول الخليجية على تعزيز التكامل المشترك في مختلف المجالات القانونية والاقتصادية والتجارية.
وأشار إلى ان قمة الدوحة تميزت بالتفاهم والـحرص على الـموضوعية في الـمناقشات، والحكمة في صياغة القرارات الصائبة التي أسفرت عنها، والتي ستسهم في تحقيق الخير والازدهار للشعوب الخليجية وخدمة قضايا الأمة العربية والإسلامية.
وأكد الشيخ أحمد بن محمد أن الدول الخليجية عملت خلال الفترة الماضية على استكمال منظومة التشريعات الاقتصادية الموحدة التي تساعد على تقريب وتوحيد البيئة القانونية في دول المجلس
وأوضح أن العمل الخليجي المخلص والدؤوب حقق المزيد من التكامل في المنظومة التشريعية بما فيها المحاماة والتحكيم بين دول المجلس، مشيدا بالجهود الخليجية الملموسة والمتواصلة لتحقيق المزيد من التعاون والتنسيق والترابط والاستفادة من تجارب الدول الخليجية بعضها بعضا في المجالات القانونية والقضائية، مشيرا إلى حرص بعض الدول العربية على الاستفادة من التجارب القطرية في المجالات القانونية والقضائية وخاصة التجربة القطرية في التحول الرقمي في المحاكم.
دعم مكتسبات المجلس
اشاد المحامي عبد الله المطوع بكلمة صاحب السمو في افتتاح أعمال الدورة الرابعة والأربعين للمجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية والذي دعا خلالها إلى ضرورة التنسيق الخليجي المشترك للتعامل مع الاحداث الدولية وتجنب تبعاتها ودعم مكتسبات مجلس التعاون في شتى الـمجالات الاقتصادية، والأمنية، والاجتماعية، وغيرها.
وأكد المطوع أن الحرب والانتهاكات الإسرائيلية وتدمير قطاع غزة كانت لا تزال حاضرة في جميع خطابات صاحب السمو خلال الفترة الاخيرة، حيث استنكر سموه التخاذل الدولي تجاه القضية الفلسطينية.
وقال إن دولة قطر ستبقي دائما خير معين لنشاط مجلس التعاون وصولا الى تحقيق أهدافه في توطيد روابط التعاون المشترك، مؤكدا ان الدول الخليجية تحرص على تعزيز التكامل القانوني والقضائي والعدلي بين دول المجلس من خلال التعاون بين مؤسسات العدالة لضمان سيادة القانون واحترام حقوق الافراد.
وأكد أن القمة الخليجية التي عقدت في الدوحة هدفت إلى تحقيق الوحدة الخليجية في ظل التحديات العالمية التي تحيط بالأمة العربية، مشيرا إلى ان التعاون القانوني وخاصة في مجالات التحكيم والتوفيق يؤدي بدوره إلى زيادة فتح أبواب التعاون الاقتصادي الخليجية والتي ستصب في مصلحة الاقتصاد الخليجي ليكون قادرا على التعامل مع المتغيرات في المنطقة والعالم وإقامة شبكة مصالح تدعم تطلعات الشعوب في الوحدة الاقتصادية.
توحيد الصف الخليجي
وأكد الخبير القانوني والمحامي محمد ماجد الهاجري أن القمة الخليجية الـ 44 التي استقبلتها الدوحة هدفت إلى توحيد الصف الخليجي امام القضايا العالمية وخاصة أنها جاءت في وقت صعب يمر على جميع الشعوب العربية بسبب العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وقتل الآلاف من المدنيين والاطفال.
واشاد الهاجري بخطاب صاحب السمو امام القمة الخليجية والتأكيد خلالها على الانتهاكات الاسرائيلية لكافة الـمعايير والقيم الدينية والأخلاقية والإنسانية من خلال ما ترتكبه قوات الاحتلال من جرائم ضد الإنسانية.
وأكد ان قمة الدوحة حرصت على تنمية وتعزيز العمل الخليجي الـمشترك بـما يحقق مصالح دول الخليج وتطلعات الشعوب، كما عززت القمة مكانة مجلس التعاون إقليميا ودوليا، واتاحت فرصا أكبر للنمو والازدهار، وتساهم في ترسيخ الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم.
وأضاف الهاجري أن الصف الخليجي دائما ما تجمعه قوانين وأنظمة موحدة بين الدول الخليجية في مختلف المجالات، وذلك لتحقيق أحد الأهداف الهامة التي ينص عليها النظام الأساسي لمجلس التعاون والمتمثل في وضع أنظمة متماثلة في مختلف الميادين.
وأشار إلى حرص دول مجلس التعاون على تسريع إجراءات إنفاذ قرارات المجلس الأعلى، وإجراءات التصديق على الأنظمة والقوانين والاتفاقيات التي يعتمدها المجلس كل اجتماع لضمان إنفاذها في مواعيدها، وذلك لتحقيق اقصى استفادة للمواطن الخليجي.
المصدر: العرب القطرية
كلمات دلالية: قطر التعاون الخليجي القضية الفلسطينية القمة الخليجية الشعب الفلسطینی القمة الخلیجیة الدول الخلیجیة العمل الخلیجی مجلس التعاون ثانی بن علی صاحب السمو دول الخلیج فی مختلف دولة قطر آل ثانی بین دول إلى أن
إقرأ أيضاً:
غيرترود بِيل.. الجاسوسة التي سلّمت العرب للإنجليز
فرض العثمانيون منذ القرن الـ16هيمنتهم العسكرية والسياسية على منطقة نفوذ واسعة تمتدُّ من حدود المغرب إلى حدود إيران ومن وسط أوروبا حتى بحر قزوين وشمال البحر الأسود، وفرضوا حصارًا على فيينا مرتين، بيد أن القرنين الـ18 والـ19 شهدا تراجعًا تدريجيًا من هذه المناطق الحدودية البحرية.
وسرعان ما زادت الهيمنة الروسية على مناطق شبه جزيرة القرم وحتى القوقاز، وفي البلقان واجه العثمانيون التطلعات القومية المتنامية وعدوانًا منسّقا من جانب النمسا وحليفاتها، وفي شمال أفريقيا كان يتعيّن على العثمانيين التعامل مع سياسات التوسع وفرض الهيمنة العسكرية التي كان يفرضها الفرنسيون في الجزائر عام 1830، وفي تونس عام 1881م، والإيطاليون في ليبيا عام 1911.
أما مصر فقد فرض الوالي محمد علي باشا شروطه على الباب العالي حين مُنح -هو وأولاده من بعده- مصر ولاية مستقلة يتعاقبون عليها، وأصبحت بالفعل دولة مستقلة عن العثمانيين، ولكن إفلاس مصر على يد الخديوي إسماعيل باشا حفيد محمد علي أدى في نهاية المطاف إلى احتلال البلاد على يد البريطانيين عام 1882.
ورغم الواقع السياسي المتشرذم الذي كان يُواجه الدولة العثمانية في أقطارها العربية، لم يتوقف طمع الأوروبيين في تفتيت وتدمير تركة ما كانوا يصفونه بـ"الرجل المريض".
إعلانولقد ظلت أعينهم تتطلع إلى الخليج العربي وبلاد الشام والعراق وحتى الأناضول ذاته، لا سيما البريطانيين الذين حرصوا على تأمين مصالحهم الحيوية في شبه القارة الهندية التي كانوا يحتلّونها منذ عقود، ويعتبرونها "دُرّة التاج البريطاني"، وأهم أعمدة اقتصاد الإمبراطورية "التي لا تغيب عنها الشمس".
غيرترود بيل وسنوات الخبرة بالشرقولأجل فهم "الشرق الأوسط" وهو مصطلح اخترعه رجال السياسة والمخابرات البريطانية منذ أواخر القرن الـ19، كان من الطبيعي أن يعتمدوا على جواسيس خبراء، أو خبراء في هيئة جواسيس ليتمكّنوا في فرض مزيد من هيمنتهم السياسية والعسكرية على البلاد التي يتطلعون إليها، وكان من جملة هؤلاء المؤرخة وعالمة الآثار غيرترود بيل.
وهي سليلة عائلة أرستقراطية بريطانية، درست التاريخ في جامعة أكسفورد، وكانت شأنها شأن ضابط المخابرات البريطاني الأشهر لورنس العرب حيث كانا متخصصيْنِ في تاريخ الشرق وآثاره، ولهذا السبب ولّت وجهها شطر الشرق باحثة في آثاره فزارت إيران وتعلمت اللغة الفارسية حتى ترجمت 30 قصيدة من ديوان حافظ الشيرازي.
أحبت غيرترود بيل أن تستكشف المنطقة العربية، فزارت القدس عام 1899، ثم قامت في العام التالي برحلة إلى الأردن وكانت تعيش مع البدو وتتزيّا بزيّهم، وعقدت صداقات مع شيوخ جبل الدروز، واتجهت إلى دمشق وعبرت بادية الشام ثم تدمر إلى لبنان قبل أن تعود إلى بلدها.
وفي عام 1902 عادت إلى الشرق من جديد لاستكمال دراسة اللغة العربية، وزارت الشام في عام 1905، وبعد عودتها ألفت كتابها "سورية، الصحراء والأرض الزراعية" الصادر عام 1908، ثم قررت العودة من جديد في العام التالي لاستكمال زيارة حلب ودمشق وكربلاء وبابل وبغداد والموصل.
وفي عام 1913 قامت برحلة من دمشق عبر صحراء النفوذ إلى حائل ورجعت من خلال طريق بغداد وتدمر، واللافت أنها كانت حريصة على رسم الأماكن التي كانت تمرّ بها في خرائط مفصّلة بينت الكثير من المعلومات عن القبائل وعوائدها وأماكن المياه.
إعلانومن خلال هذه السيرة الذاتية المقتضبة يتضح لنا أن غيرترود أفنت حتى ذلك التاريخ 15 عاما من حياتها في دراسة الجغرافيا والبشر في المنطقة العربية وإيران.
غيرترود بيل تقف خارج خيمتها في بابل 1909 (من كتاب في أثر الملوك والغزاة) غيرترود بيل والسطو على أراضي العربوقد تعلمت الفارسية والعربية، ووثّقت علاقتها بشيوخ القبائل وعرفت منهم كل شبر من مضاربهم، وعندما انطلقت الحرب العالمية الأولى عام 1914 كانت غيرترود في إنجلترا، فكتبت بعد اشتعال الحرب بشهر واحد تقريرا شديد الأهمية ورفعته إلى إدارة العمليات العسكرية البريطانية التي رفعته بدورها إلى وكيل وزارة الخارجية.
وقد شرحت غيرترود في تقريرها – الذي نشر في بحث للكاتب محمود حسن صالح بالمجلة التاريخية المصرية/ القاهرة سنة 1971- الحالة السياسية في شبه الجزيرة العربية والشام مما كان له أكبر الأثر على المسؤولين الذين كانوا يخططون السياسة البريطانية وقتئذ.
لم يكن التقرير مجرد عرض للشخصيات والجماعات والاتجاهات السياسية في الأقطار العربية من الدولة العثمانية لا سيما في العراق وبلاد الشام والجزيرة العربية وفلسطين فقط، بل كان أيضا تحليلا معمّقًا توقّع ردود الفعل في هذه المنطقة في حالة دخول الدولة العثمانية الحرب ضد بريطانيا، حيث أوضحت المواقف السياسية لحكّام الكويت شيخ المحمّرة في الأحواز ونجد وغيرهم.
وفوق ذلك بيّنت غيرترود رأيها بخصوص السوريين وخاصة في الجزء الجنوبي من بلاد الشام "فلسطين" وأنهم يمكن أن يميلوا إلى البريطانيين بسبب الكراهية الكبيرة التي يكنّونها للفرنسيين، ولا يخفى على الإدارة البريطانية الأهمية الإستراتيجية لفلسطين بالنسبة لمصر، وبالنسبة للعراق فإنها تعدّ إقليما شديد الأهمية لبريطانيا لقربها من الهند، وخطورة دخول الألمان إلى هذا القطر.
ونظرا لقرب العراق من حقول نفط عبادان في إيران التي كانت تستولي عليها بلادها حينئذ، فإنه إن اشتعلت الحرب بين العثمانيين والبريطانيين فإن هذه الحقول ستكون تحت تهديد مباشر من القوات التركية التي ستنطلق من البصرة على حد وصفها.
إعلانوتوضح في تقريرها أهم الشخصيات العراقية النافذة وقتذاك مثل السيد طالب النقيب وهو أحد الشخصيات الوطنية الفاعلة، ومدى كراهيته للبريطانيين.
وأكد المسؤولون البريطانيون أهمية تقرير غيرترود بيل وأنه يطابق تقارير الجواسيس البريطانيين الموزّعين في الشرق الأوسط، وبسبب خبرتها الكبيرة هذه، وعلاقاتها الممتازة مع القبائل والشخصيات العربية الفاعلة، أرسل المكتب البريطاني في القاهرة عام 1915 رسالة عاجلة لاستدعاء غيرترود للاستفادة من خبرتها.
ولم تضيع غيرترود هذه الفرصة التي كانت تتحين إليها لتكون جزءًا من صنع السياسة البريطانية في الشرق الأوسط، ولتسهيل مهمة بلادها في احتلال الأقطار العربية بأسرع وأنجع الوسائل، التقت في القاهرة بكبار الضباط مثل هوغارث ولورانس، وكان عملها في البداية يقتصر على تزويد سجلات المخابرات البريطانية بالمعلومات عن القبائل العربية وشيوخها وأعدادها، وهو عمل كانت مؤهلة له لا ينافسها فيه أحد.
الشريف حسين اشترط على بريطانيا إقامة مملكة عربية تمتد من سوريا شمالا وحتى الجزيرة العربية (مواقع التواصل)حينذاك حرص البريطانيون على استمالة العرب ناحيتهم، وتفخيخ العلاقات العربية العثمانية من الداخل ليسهل سقوط العثمانيين، وتواصلت بالفعل مع العديد من زعماء القبائل والمناطق في جنوب وشرق وغرب الجزيرة العربية، وكان أهم ما يستهدفه البريطانيون هو إقناع الشريف حسين في مكة والحجاز لجذبه ناحيتهم.
وقد اشترط الشريف حسين على الإدارة البريطانية شروطًا أهمها إقامة خلافة أو مملكة عربية تمتد من سوريا شمالا وحتى الجزيرة العربية، وهذا ما يتجلى في رسائله التي تُعرف اليوم بمراسلات "الحسين- ماكماهون"، وأمام الضغوط التي كانت تقوم بها فرنسا من الجانب الآخر بإرادة استيلائها على كامل بلاد سوريا من البحر المتوسط إلى نهر دجلة، رأت الإدارة البريطانية في لندن والقاهرة أن تستعين برأي خبيرتها الجاسوسة وعالمة التاريخ غيرترود بيل.
إعلانأعدّت بِيل تقريرًا مفصّلا عرضت فيها وجهة نظر الشريف حسين ووجهة نظر الفرنسيين، كان مما جاء فيه: "إنه قد أُديرت المفاوضات مع الشريف بمهارة، وطالما أنه في استطاعتنا اجتذابه والإبقاء على صلته بنا فلا خوف من قيام حركة دينية كبرى، فإنه الشخص الوحيد الذي يستطيعُ إثارة حرب دينية مقدّسة.. ومن الحكمة أن نمدّ للفرنسيين حبل الأمل" بوعدهم بتسليمهم سوريا.
وراحت توضح أن من حق الشريف أن يمتد نفوذه خارج الصحراء العربية لأنها لا تكفي نفسها، وهي بحاجة دائما إلى الأراضي الزراعية التي تتواجد في المناطق الشمالية في الشام تحديدًا، وكما أوصت حكومتها بخداع الفرنسيين، أكدت في المقابل أن "العرب لا يستطيعون حكم أنفسهم بأنفسهم ولا يوجد أحد مقتنع بهذا أكثر منّي".
وأمام هذه الشخصية الماكرة التي تمثّل الجانب الأنثوي المقابل للورانس العرب، أخذت الإدارة البريطانية بمقترحاتها التي رأتها تنم عن خبرة وخداع كبير، بل وتغلغل مبالغ فيه للعرب، بحيث أصبحت غيرترود بيل جاسوسة محترفة لا في فهم العقل العربي في ذلك الوقت فقط، بل وفي توقع ردود الفعل أيضًا.
لم تتوقف مهام غيرترود عند إبداء الرأي وكتابة التحليلات السياسية والمخابراتية للإدارة العليا في لندن لاتخاذ ما يلزم، وإنما رأت أن مكتب المخابرات والسياسة البريطاني في القاهرة لا يعمل بكامل الأريحية، بل ويجد اعتراضًا على سياسته التي كانت تهدف إلى تثوير العرب ضد الأتراك من المكتب البريطاني في الهند الذي كان يخشى من عواقب الثورة العربية الكبرى، وتطلعاتهم القومية فيما بعد على المصالح البريطانية في المنطقة.
غيرترود بيل ولورانس (يمين) في أبريل/نيسان 1921 (شترستوك) سنواتها الأخيرة في العراقولهذا السبب سافرت غيرترود من القاهرة إلى الهند لتقريب وجهات النظر، وفي رجوعها في شهور عام 1916م زارت العراق والتقت بالمسؤول البريطاني الشهير برسي كوكس الذي كان يشرف على الخليج العربي في مكتب بريطانيا في الهند، الذي عقد معها صداقة استمرت حتى أخريات حياتها بعد ذلك بعقد، وفي أثناء وجودها في العراق حاولت استمالة أمير حائل ابن الرشيد الذي كان لا يزال على ولائه للدولة العثمانية والتحالف معها.
إعلانوحين فشلت غيرترود في استمالة أمير حائل ابن الرشيد كتبت إلى ذويها في تاريخ 15 يوليو/تموز 1916 رسالة غاضبة وصفته فيها بـ"الحمق الذي لا يتصوره عقل، وعبرت عن أملها في أن يثور عليه أهل شمّر ويُقيموا أميرا آخر مكانه"، ولهذا السبب صبت جام اهتمامها على العراق والتعرف عليه وعلى قبائله ونقاط قوته وضعفه مستعينة بذلك بضباط المخابرات والسياسة الإنجليز في مكتب البصرة مثل الكابتن إيدي وغيره.
وفي سبيل تأكدها ودراستها للأوضاع في العراق كانت تركب الخيول مع مرافقيها من الضباط البريطانيين تجوب القرى وتذهب لزيارة أعيانها وتتناول معهم الطعام، وفي المساء تستدعي إليها الأهالي للحصول منهم على المعلومات التي كانت تبحث عنها، وتعمل على التقرب منهم بكل الحيل وأساليب الخداع والترغيب بالمال والقهوة والسجائر والهدايا وغيرها.
كانت القوات البريطانية قد لاقت هزيمة ثقيلة في معركة كوت العمارة جنوب بغداد سنة 1916م أمام العثمانيين، واضطرت إلى تغيير إستراتيجيتها وأعادت الكرّة مرة أخرى تحت تخطيط وقيادة جديدة وهو الجنرال مود الذي استطاع إسقاط بغداد.
وبُعيد ذلك بقليل في 15 أبريل/نيسان 1917م دخلت غيرترود بغداد حيث بدأت على الفور في تكوين صداقات جديدة مع كثير من الشخصيات العربية الجديدة إلى جانب أصدقائها القدامى، وظل مكتب القاهرة البريطاني يزوّدها بالمعلومات عن أحوال الحجاز والشام التي تمس المصالح البريطانية، وكانت هي الأخرى تكتب إليهم عن أحوال العراق، فقد آمنت غيرترود بأن السياسة البريطانية سواء من خلال مكتب القاهرة أو الهند كلٌّ لا يتجزأ.
حين دخلت غيرترود بغداد بدأت على الفور في تكوين صداقات جديدة مع كثير من الشخصيات العربية (جامعة نيوكاسل)وحرصت غيرترود على زيارة كبار مراجع الشيعة في النجف وكربلاء والبصرة، كما التقت بكبار مُلاك الأراضي الزراعية وتقربت منهم، وأصبحت حديث الناس في العراق، حتى وُصفت بينهم بـ"الخاتون" أي المرأة السيدة الشريفة، وأشرفت حينذاك على مجلة "العرب" التي كانت إحدى أدوات بريطانيا لتسويق سمعتها وصورتها عند العراقيين.
إعلانولكن سياسة المعتمد البريطاني السير أرنولد ويلسن وطغيانه الشديد في تعامله مع العراقيين وامتهانهم جعلت جميع العراقيين من السنة والشيعة يتحدون ضد هذا الطغيان البريطاني، وبحلول أواخر عام 1919م اندلعت الثورة، في تزامن مع ثورة 1919 في مصر، وهنا انقسم الساسة وضباط المخابرات البريطانيون إلى قسمين.
الفريق الأول يتزعمه المعتمد البريطاني ويلسون الذي يرى أن الشدّة والردع واستخدام السلاح في وجه العراقيين والاحتلال البريطاني الواضح والمباشر للبلد هو أفضل ضمانة لاستمرار السيطرة والسطوة البريطانية على البلاد.
بينما الفريق الآخر كانت تتزعمه غيرترود بيل ولورانس العرب يقول بضرورة تعيين ملك هاشمي يحكم العراق ويعمل بجواره المعتمد البريطاني والقوات البريطانية لضمان السيطرة على البلاد دون سخط وثورة العراقيين.
غيرترود بيل (يسار تحمل نظارة) وكبار الشخصيات في حفل تتويج الملك فيصل (جامعة نيوكاسل)وأرسلت لحكومتها اقتراح تتويج فيصل بن الحسين الذي خلعه الفرنسيون عن حكم سوريا منذ عدة أشهر ليكون ملكًا على العراق، وقد أخذت الحكومة البريطانية في نهاية الأمر برأي غيرترود بل ولورانس بسبب الخسائر الكبيرة التي تعرضت لها مصالحها أثناء الثورة العراقية الأولى.
ومنذ عام 1920م صارت غيرترود بل السكرتيرة المهمة للسير بيرسي كوكس، وأحد العقول المدبرة للمشهد العراقي، بل أصبحت تدلي برأيها فيمن يتولى الحكومة العراقية ومن لا يجب أن يتولاها، وصار نشاطها أكثر من ذي قبل في صنع صداقات وتوثيق علاقات بريطانيا مع العراقيين بكل الوسائل الدبلوماسية والسياسية الناعمة.
ظلت بيل نشطة في السياسة البريطانية في العراق حتى تم تهميشها تدريجيا في السنوات الأخيرة من حياتها، وأصيبت ببعض الأمراض منها الاكتئاب والشعور بالانتقاص من قدرها، وتوفيت إثر جرعة دواء زائدة في يوليو/تموز 1926م عن عمر ناهز 57 عامًا، وشارك الملك فيصل الأول بن الحسين في تشييعها ودُفنت في مقبرة الإنجليز بالعاصمة بغداد، بعدما أسهمت طوال حياتها في تسليم بلدان العرب بكل حماسة إلى لندن!.
إعلان