ندرك جيدا أن البساط قد سحب من تحت أقدام مصر منذ توقيعها كامب ديفيد، لقد تم إبعادها عن محيطها العربي وإلهائها في شؤونها الداخلية، لإيمان الغرب القاطع بأنه لا حرب في المنطقة بدون مصر، فتداعت الأنظمة العربية إلى البيت الأبيض تعلن أنها مع السلام العادل في الشرق الأوسط وحل معضلته الرئيسية فلسطين وشعبها المُهجر في الشتات والمقيم في الداخل تحت سلطات الاحتلال الغاشم.
وكنتيجة حتمية لقرار القيادة المصرية (السادات) بإنهاء حالة العداء مع العدو على اعتبار أن مصر كانت الخاسر الأوحد لخوضها 3 حروب، فإن غالبية الأنظمة العربية اليوم قامت بالتطبيع الكامل على بياض، والثمن بقاءها في الحكم.
كنا نتمنى على مصر والتي تملك قدرات بشرية علمية وبرؤوس أموال عربية أن تدخل مجال (توطين) الصناعات الهندسية العسكرية منها والمدنية، مصر الرسمية التي تخلت كليا عن الشعب الفلسطيني الذي يقع على حدودها ويُعاني مرارة الاحتلال، الإعلان عن تدشين فرقاطة بأيادي مصرية من طراز MEKO-A200 وراجمات صواريخ ودبابات وناقلات جند وغيرها، بالتأكيد يتم صناعتها لأجل الدفاع عن النفس بمعنى عن تراب مصر، فالحرب الإجرامية على غزة لم تحرك القيادة المصرية بالدفاع عنها، بل اكتفت كغيرها بعبارات الشجب والاستنكار ومحاولة التهدئة، بمعنى آخر مصر لم تعد أماً للعرب أو الشقيقة الكبرى لهم كما كانت، بل أصبحت تتصرف كأي دولة بالإقليم وتتعامل مع كيان العدو وفق الأعراف الدولية سفارات، وتبادل سلع وخدمات وبالأخص النفط والغاز.
لم يعد يخفى على أحد سعى أمريكا ومعها الغرب الاستعماري إلى القضاء على الفلسطينيين من خلال تسفيرهم إلى مختلف بقاع العالم والاستيلاء على فلسطين كاملة كمرحلة أولى، أما (من النيل إلى الفرات) فذاك يكون في مرحلة مقبلة، وإلى ذاك الحين فإن أيا من الصناعات الحربية لن تستخدم ضد العدو الذي أصبح قادته (مجرميه) يستقبلون في عواصمنا بالأحضان وتفرش لهم البسط الحمر وتنكس لهم الأعلام، فهم أبناء عمومة لنا ونطلب منهم الصفح والعفو على ما ارتكبناه في حقهم.
وعليه نقول للقيادة المصرية: سيأتي اليوم الذي تحطون فيه مدمراتكم وآلياتكم وكل أسلحتكم في معارض التحف أو في المسابقات الدولية لتأخذوا عليها جائزة نوبل للسلام (الاستسلام)، فالدولة التي لا تتحكم في معبر شقته بدماء أبنائها وقوت شعبها وأممت الشركة المنفذة له بجرأة وجسارة زعيمها العروبي الآبي، الذي لا يزال يمثل نبض الأمة رغم غيابه (تغييبه قسرا) عن الساحة لأكثر من خمسة عقود، لا فائدة من هذه الصناعات، قريبا سوف يتم بيعها في سوق الخردة العالمي لتستفيد منها أمم تقدس حرية وكرامة الوطن والمواطن، والحال هذه نتمنى على القيادة المصرية استثمار الأموال في الصناعات التي تدر ربحا على المواطن المصري وخفض نسب البطالة وعدم رهن مصر للبنك الدولي، فالقوة العسكرية تحتاج قيادة تمتلك مؤهلات خاصة وإرادة صلبة وإيمان بقضية العرب الأولى وقدرة على اتخاذ القرار، وهي ما تفتقده السلطات القائمة والمتعاقبة منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد.
لقد فقدت مصر زعامتها على أمتها، بسبب تخليها عن القيام بالأدوار المنوطة بها، واكتفت بأن تكون شاهدة على تصفية القضية الفلسطينية، وترهل الجسد العربي الذي لم يعد يقو على البقاء.
ويبقى الأمل في القوى الحية التي تقدم التضحيات الجسام وتقاتل العدو بل العالم أجمع المنتهك لحقوق الإنسان وسلب الحريات.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
المصدر: عين ليبيا
إقرأ أيضاً:
الموالاة والمعاداة.. بُوصلة الأُمَّــة المفقودة
منصور البكالي
في خِضَمِّ العواصف الجيوسياسية التي تعصف بالأمة، يبرز مبدأ “الموالاة والمعاداة” كحجر الزاوية يُختبر به إيمان المسلم، وتُقاس عليه ولاءات الأمم، بل إن الموالاة والمعاداة، لم يعد أمام الأحداث والمواقف الجارية مبدأ تنظيريًّا فقهيًّا مُجَـرّدًا،.
كما يزعم أتباع المذاهب الضيقة والعقائد الباطلة، والأفكار والثقافات المغلوطة والمضللة، بل هو خط فاصل بين الحق والباطل، والبوصلة المفقودة في زمن الخيانة، ومبدأ يُختبر به إيمان الأفراد والجماعات والشعوب والحكومات والجيوش، فكيف تحوّل هذا المبدأ القرآني إلى أدَاة فرزٍ في معركة الوجود التي تشهدها أمتنا اليوم؟
يُعرِّف القرآن الكريم الموالاة بأنها الولاء التام لله ورسوله والمؤمنين، ويجعل العداء منهجًا لكل من يعادي دين الله، وعباده المؤمنين، فيقول الله تعالى محذرًا وبقوة من أي تهاون في سورة الممتحنة: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أولياء”.
هنا، يصبح الموقف من قضايا الأُمَّــة – كفلسطين واليمن – مرآةً تكشف حقيقة الولاءات، واختبار عملي، له تبعاته وتداعياته هنا في الدنيا وفي الآخرة أَيْـضًا.
وما تشهده فلسطين اليوم أقسى امتحانٍ لضمير الأُمَّــة، ومبدأ فرز حشر أمريكا و(إسرائيل) والمنافقين من أوليائهم في زاوية ضيقة، عرتهم أمام الشعوب وكل أحرار العالم.
فيما تحول الموقف اليمني، إلى نموذجٍ عمليٍّ لترجمةِ المبدأ القرآني، تجاه القضية الفلسطينية التي حولها إلى فعلٍ عسكريٍّ وسياسيٍّ وإعلامي مُؤثِّر، رغم الحصار، والعدوان، ومحاولات تحريك أتباع وأذيال اليهود في الداخل لفتح جبهات المواجهة، وإعلان الوقوف المخزي في خندق (إسرائيل) وأمريكا دون أدنى خجل.
أمام هذا المبدأ العظيم، لم تكن تحذيراتُ القرآن مُجَـرّدَ وعيدٍ أُخروي، بل هي سننٌ تاريخيةٌ تُترجَمُ على أرض الواقع، الذل الدنيوي؛ إذ تعيشُه دول التطبيع والخيانة المعلنة، كما لم تسلم الأُمَّــة من العاقبة الأخروية: فالقرآن يُصرّح بأن “مَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ”، في إشارة إلى المصير المشترك مع المُعتدين.