قام الملك محمد السادس، بزيارة رسمية إلى دولة الإمارات  العربية المتحدة، بعد أكثر من عام على تقلد الشيخ محمد بِن زايِد آل نَهْيَان، رئاسة الدولة. كان ضروريا بحسب مراقبين، أن تتم هذه الزيارة لتوطيد علاقات هي ممتدة تاريخيا تعود لسنة 1972 على عهدي الراحلين الحسن الثاني والشيخ زايد، كان ساعتها المغرب من أوائل الدول التي دعَمت قيام اتحاد دولة الإمارات، ومنذ ذلك الحين تشهد العلاقات تطورا متصاعدا في جميع المجالات.

لكن هذه العلاقات ستعرف أيضا برودا جافا كان آخرها سنة 2017، حيث عانت فتورا لافتا، وقد وصل مستوى تدهورها قمته عام 2020، حيث قلل المغرب ساعتها من تمثيله الدبلوماسي، بعد أن ارتبطت الأزمة ساعتها بين البلدين بالعديد من الملفات الإقليمية مثل الملف الليبي والأزمة الخليجية وحرب اليمن، لكن سرعان ما تحسنت هذه العلاقات من جديد بين البلدين، وتجلى ذلك في الزيارات الرسمية والشراكات الاقتصادية، كان آخرها توجه الملك محمد السادس إلى البلد الخليجي.

وقع الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الإمارات واالعاهل المغربي “إعلاناً نحو شراكة مبتكرة وراسخة” بهدف تطوير مختلف مجالات التعاون الاقتصادية والتجارية والاستثمارية والانتقال بها إلى آفاق نوعية أرحب تلبي تطلعات البلدين وشعبيهما إلى التنمية والنماء، وذلك في إطار زيارة دولة يقوم بها ملك المغرب إلى الإمارات. كما تبادل الجانبان ـ خلال مراسم جرت في قصر الوطن في أبوظبي عدداً من مذكرات التفاهم.

تحديد دلالات ورهانات هذه الزيارة الملكية للإمارات، يأتي في ثلاثة سياقات أساسية وفقا  لرأي محمد شقير، المحلل السياسي،  أولها وهو أن هذه الزيارة تأتي كأول زيارة يستقبل فيها العاهل المغربي من طرف سمو الشيخ محمد آل ثاني كرئيس للاتحاد الإماراتي مما سيضفي على الزيارة بعدا قويا في توطيد العلاقات الشخصية والثنائية بين حكام وشعوب البلدين، والسياق الثاني يأتي في إطار احتدام حرب غزة بين الجيش الإسرائيلي وقوات حماس، مما ستكون بلاشك محور المحادثات بين العاهلين لتقريب الرؤى فيما يتعلق بهذه الأزمة، خاصة وأن البلدين يعتبران من الحلفاء الاستراتيجيين للولايات المتحدة في المنطقة العربية وكذا من الدول العربية المطبعة مع إسرائيل، والتي لها علاقات خاصة مع السلطة الفلسطينية، والسياق الثالث حسب شقير اقتصادي يرتبط بتنظيم المغرب لكأس العالم في سنة2030 مع ما يتطلب ذلك من مشاريع استثمارية ستحرص الإمارات بلاشك على المساهمة فيها، بالإضافة إلى مشاريع تنموية خاصة ميناء الداخلة الذي يعتبر من بين اهتمامات الاستراتيجية الاستثمارية الإماراتية في المساهمة في انجاز الموانىء في مختلف دول العالم. علما بأن الاستثمارات الإماراتية تعتبر أول الاستثمارات الأجنبية بالمغرب.

ادريس القصوري، أستاذ التعليم العالي، قال إن العلاقات الإمارتية المغربية، هي علاقات متينة وتاريخية، لأن المغرب كان له دور أساسي في مرحلة تأسيس دولة الإمارات، علاوة على أن هذه الأخيرة باتت دولة قوية على المستوى الدبلوماسي والسياسة الخارجية، وفاعلة أيضا على المستوى الاقتصادي عالميا، فيما يتعلق بتصديرها للنفط، كما هي فاعلة في الخليج العربي، والشرق الأوسط وإفريقيا، والمنطقة المغاربية، واستطاعت أن تخرج من دولة صغيرة إلى دولة الأدوار الكبرى، وهي تشاطر المغرب في مواقفه على مستوى دول التعاون الخليجي، في إطار استمرار العلاقات الأخوية والتاريخية معه.

اليوم باتت الإمارات وفقا للقصوري، تشتغل بأفق استراتيجي طويل المدى، وتستشرف آفاق أفول ما بعد النفط، لأنه لن يظل هو المورد الوحيد، وستصاب بصدمات أزمة قوية ربما لن تخرج منها، وهي الآن تنوع من استثماراتها خارجيا، لأن السوق الداخلي على مستوى الخليج ضعيف جدا، وكل دولة منه مكتفية بذاتها، ودول النفط تنوع من مواردها واستثماراتها، فهي راهنت في فترة معينة على الاستثمارات في الدول الأوربية، إلا أن هذه الأخيرة باتت تعيش أزمات كبيرة ولم تعد ضامنة للاستقرار ولا للاستثمارات فيها، واستثمارات دول الخليج، ستذهب أدراج الرياح بفعل الأزمات التي يعيشها الاتحاد الأوربي والكثير من الدول الغربية، كما أنها لن تعتمد على علاقات دول أمريكا وأمريكا اللاتينية نظرا باختلاف المرجعيات، كما أن التطرف بات يغزو التدبير السياسي، في هذه الدول، وبالتالي لم بعد هناك من منطق واضح سواء ليبرالي أو اشتراكي، وتبعا لذلك نجد أن دول الخليج تنوع من مواردها الاقتصادية عبر شراكات وتحالفات جديدة، لتحديد تموقعها الجديد في مستقبل العالم ما بعد النفظ، ما سيبقى لها هو دول مثل المغرب في إطار تعزيز علاقاتها مع الدول العربية المغاربية في إطار انفتاح شامل نحو إفريقيا.

وأوضح الباحث السياسي، في حديثه لـ”اليوم 24″، أن الأفق الآن بات مرسوما بالنسبة للإمارات ودول الخليج للتوجه نحو المغرب، بحكم أنه بات بلدا مستقرا وآمنا وهو بوابة الاستثمارات الغربية التي تتنافس عليه، وأصبح كذلك، بوابة نحو إفريقيا، وهو جالب للاستثمارات على مختلف الأصعدة وفي مجالات متعددة فلاحية وصناعية وخدماتية والطاقة، لما له من شفافية ومساطر مفتوحة على المستوى الاقتصادي، وهذا أمر محفز بالنسبة للإمارات العربية المتحدة، لتعزيز علاقتها مع المملكة، لأن استثماراتها الحالية آمنة به، على العكس من رهانها على الظفر باستثمارات آمنة بأوربا أو أمريكا وأمريكا اللاتينية، وحتى رهانها على روسيا بات رهانا غير ذي جدوى، لأن هذه الأخيرة عندها ما يكفي من المصادر الطاقية، فهي لا يمكن أن تكون مجالا للاستثمار الخليجي.
كما أن المغرب بحاجة إلى جلب استثمارات جديدة، لأن حاجاته تزيد سنة بعد سنة، فيما يتعلق بالنفط، وهناك حاجة متبادلة بين المغرب والإمارات..

وفق منظور المحلل السياسي إدريس القصوري، فهناك تموقعات الجديدة باتت تنسج خيوطها في ظل الصراعات الحالية، وبالتالي أصبح البلدان يلعبان أدوارا سياسية جديدة، في إفريقيا وشمالها، وحتى في الدول الغربية، ومن ثم لا بد من تنسيق الأدوار بين البلدين، في إطار الوثوقية والاستمرار وبالتالي المغرب يوطد من علاقاته مع الدول التي تدعمه في قضاياه.

لكن التحول بالنسبة للمحلل القصوري، هو أن  الدول التي كانت المعبر والمدخل الأساسي لبواخر النفط الخليجي لم تعد مناطقها آمنة، كما يقع في ممر قناة السويس بفعل ما يحدث فيه بسبب أحداث غزة، أو ما يقع في ممر هرمز نتيحة مخاطر نشوب حرب مع إيران بالمنطقة، بالإضافة إلى ما يقع في اليمن وهجوم الحوثيين على السفن الإسرائيلية بعد طوفان الأقصى، ومن ثم فإن دول الخليج تريد البحث عن ممرات آمنة، وهي باتت مطالبة بالبحث عن مسارات جديدة لترويج نفطها، حيث أصبح ممر المغرب نحو إفريقيا عبر جبل طارق الممر الآمن والبديل، كما يمكن أن يكون المغرب يؤكد القصوري، محطة للنفط الخليجي، وإعادة توزيعه تجاه أوربا والغرب، وهنا يمكن أن يلعب المغرب دور الوسيط، ويمكن أن يستثمر موقعه عبر جبل طارق، لأنه يتوفر على علاقات جيدة مع بريطانيا، وإسبانيا، ومن الراجح أن تعود علاقته جيدة مع فرنسا، ومن ثم سيكون المغرب أحسن وسيط ومستفيد في هذه العملية، خصوصا بعد توقف أنبوب الغاز الجزائري، وبالتالي فهو مطالب أيضا بالبحث عن بدائل جديدة في ميدان النفط، سواء على مستوى الاستغلال الذاتي، أو تيسير وصوله عبر ممرات آمنة، لأن المغرب بتجهيزاته موانئه وبنيته التحتية، لن تجد الإمارات وفقا لكل هذه المعطيات ممرات آمنة مثل ما هو موجود به.

بالإضافة إلى رغبة المغرب في الرفع من مستوى علاقاته التجارية مع الإمارات، رغم حجم استثماراتها، الأولى عربيا، لكنها تبقى في حاجة إلى تطوير ورفع من قيمتها، وبالتالي المغرب يطمح إلى تقوية هذا النوع من العلاقات الاقتصادية أيضاً، لتنويع شركائه، وهذه ميزة القرارات السياسية المغربية يشدد القصوري.

 

كلمات دلالية الامارات العربية المتحدة الملك محمد السادس زيارة

المصدر: اليوم 24

كلمات دلالية: الامارات العربية المتحدة الملك محمد السادس زيارة الملک محمد السادس العربیة المتحدة دول الخلیج فی إطار أن هذه

إقرأ أيضاً:

«دبي للسلع» يعزّز تجارة الحلول التكنولوجية بين الإمارات وبريطانيا

 
دبي (الاتحاد)
قام مركز دبي للسلع المتعددة، منطقة الأعمال الدولية الرائدة، والمساهم البارز في تحفيز تدفق التجارة العالمية، عبر دبي مؤخراً، بجولة ترويجية في لندن، تركّز على الابتكار وتهدف إلى تعزيز العلاقات الثنائية بين دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة المتحدة في قطاعات التكنولوجيا الرئيسية مثل الذكاء الاصطناعي، والويب 3، والألعاب الإلكترونية.
وخلال هذه الجولة، اطلع قادة الأعمال والمستثمرون والجهات الحكومية المعنية في المملكة المتحدة على مجالات التعاون المتاحة في قطاعات التكنولوجيا، وفرص التجارة المتنامية بين البلدين، والمزايا الفريدة التي يوفرها مركز دبي للسلع المتعددة، تحديداً كمنطقة أعمال ودبي عموماً كوجهة رائدة للذكاء الاصطناعي والويب 3 والألعاب الإلكترونية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وتكتسب العلاقات الاقتصادية بين دولة الإمارات والمملكة المتحدة زخماً متزايداً، حيث تُعد الإمارات واحدةً من أسرع الشركاء التجاريين للمملكة نمواً خارج أوروبا. وتتمحور هذه الشراكة المتنامية حول العديد من القطاعات المستقبلية مثل التكنولوجيا، والخدمات المتقدمة، والاستدامة، وهي مجالات يضطلع مركز دبي للسلع المتعددة بدور محوري في تمكينها.
ومع احتضانه 2130 شركة بريطانية، أي ما يزيد على 42% من إجمالي عدد الشركات البريطانية العاملة في دولة الإمارات، يوفّر المركز البنية التحتية اللازمة لازدهار هذه الشركات.
وقال أحمد بن سليّم، الرئيس التنفيذي الأول والمدير التنفيذي لمركز دبي للسلع المتعددة: تتمتع دولة الإمارات بعلاقات تجارية ديناميكية راسخة مع المملكة المتحدة، حيث بلغ حجم التبادل التجاري للسلع والخدمات بين البلدين أكثر من 25 مليار جنيه إسترليني خلال العام الماضي، وتشهد هذه الشراكة اليوم نمواً مطرداً وتتخطى القطاعات التقليدية إلى مجالات متقدمة عديدة مثل الذكاء الاصطناعي، وتقنيات الويب 3، والتكنولوجيا المالية، وتكنولوجيا المناخ، ويشكّل ذلك بداية مرحلة جديدة للنمو بالاستفادة من نقاط القوة لكل من دبي ولندن كمركزين عالميين للابتكار.
وأضاف: ساهمت جولتنا الترويجية هذا الأسبوع في تعزيز مكانة مركز دبي للسلع المتعددة كوجهة طبيعية للشركات البريطانية في دولة الإمارات، علماً بأن المركز يحتضن بالفعل 2130 شركة بريطانية، وسنواصل التزامنا بتوسيع نطاق خدماتنا وتعزيز عروض القيمة، التي نوفرها ضمن منظومات أعمالنا المتخصّصة في مجالات التكنولوجيا والسلع والاستدامة.
وتندرج الزيارة الأخيرة إلى لندن ضمن سلسلة الجولات الترويجية العالمية، التي يقوم بها مركز دبي للسلع المتعددة لاستكشاف فرص التعاون غير المستغلة في الأسواق الرئيسية حول العالم.
ومع احتضانه قرابة 25 ألف شركة من أكثر من 180 دولة، ومساهمته بنسبة 15% من التدفقات السنوية للاستثمار الأجنبي المباشر إلى دبي، يواصل مركز دبي للسلع المتعددة ترسيخ مكانته بين أهم المراكز العالمية للابتكار ونمو الأعمال عبر القطاعات.

أخبار ذات صلة «إي آند الإمارات» تطلق نظام فحص أبراج الاتصالات باستخدام الطائرات المسيرة «محمد بن راشد للطيران» يُنجز المرحلة الأولى من منطقة توريد وإصلاح أجزاء الطائرات

مقالات مشابهة

  • هل ترتفع أسعار السيارات في الدول العربية بعد رسوم ترامب؟
  • الخطوط الجوية السورية تستعد للانطلاق مجدداً نحو دولة الإمارات العربية ‏المتحدة ‏
  • صقر غباش يبحث التعاون مع البرلمان الأوروبي
  • «دبي للسلع» يعزّز تجارة الحلول التكنولوجية بين الإمارات وبريطانيا
  • المغرب يدرس إطلاق منصة رقمية لتدبير السجلات الطبية وتقليص أوقات الإنتظار في المستشفيات
  • كرواتيا تبدي الإهتمام بالمشاريع الملكية وتشيد بدور المغرب في الإستقرار الإقليمي
  • منصور بن زايد يبحث سبل تعزيز العلاقات مع المدعي العام لروسيا الاتحادية
  • “منتخب الرياضات الإلكترونية” يحرز برونزية البطولة العربية الدولية
  • منصور بن زايد يبحث العلاقات مع المدعي العام لروسيا
  • أبو الغيط يشيد بتقدم الدول العربية في مسيرة التنمية المستدامة