يرى محللون وخبراء أن تزايد أعداد القتلى في صفوف الجيش الإسرائيلي تدفع الدعم الداخلي للحرب على قطاع غزة إلى التراجع، وأن مخاوف الولايات المتحدة من فشل إسرائيل في تحقيق أهدافها بدأت تتزايد مع طول أمد العمليات العسكرية.

وفي برنامج "غزة.. ماذا بعد؟"، قال الخبير في الشأن الإسرائيلي الدكتور مهند مصطفى إن دعم المجتمع الإسرائيلي للحرب يتراجع بسبب جملة من العوامل في مقدمتها بطء تقدم القوات بعد شهرين من القتال.

ويدفع هذا البطء مع تزايد أعداد القتلى إلى نفاد صبر المجتمع الإسرائيلي الذي يتسم بالحساسية تجاه وقوع القتلى في صفوف الجيش أكثر من حساسيته للقتلى في صفوف المدنيين، كما يقول مصطفى.

وفي ظل هذه المقاومة وهذه الأعداد الكبيرة من القتلى دون تحقيق أهداف حقيقية على الأرض سيبدأ الدعم الداخلي للحرب في التآكل جديا، وفق مصطفى، الذي لفت إلى أن عائلات الأسرى والمحتجزين باتوا مقتنعين بأن ملف ذويهم قد أغلق تقريبا.

كما أن تفاقم الأزمة الاقتصادية المترتبة على الحرب وارتفاع احتمالات تعرض حياة الأسرى والمحتجزين للخطر، سيدفع باتجاه رفض استمرار هذه العملية داخل إسرائيل، خصوصا أن حركة المقاومة الإسلامية (حماس) قالت بوضوح إنه لا تفاوض إلا بعد وقف القتال.

ولفت مصطفى إلى أن الداخل الإسرائيلي يتعامل مع حماس كحركة سلطة في غزة وليس كجماعة، حتى أن السلطات الإسرائيلية نفسها تعاملت مع الحركة بعد الجولات السابقة من منطلق أنها لا تستطيع القضاء عليها وبدأت تتعامل معها بمبدأ الردع المتبادل.

ومع ذلك، فقد تصور الإسرائيليون أن الجيش يمكنه القضاء على حماس في غضون شهرين لكن هذا لم يتحقق، بل إن الثقة في بيانات الجيش تراجعت جدا خصوصا بعد ما حدث في مستشفى الشفاء، حسب مصطفى.

ويرى الخبير في الشأن الإسرائيلي أن هذه الأمور دفعت القيادة إلى تحويل صورة النصر المطلوب من القضاء على الحركة إلى قتل قادتها.

تكرار سيناريو الفلوجة

الخبير العسكري العقيد ركن حاتم الفلاحي، قال إن إسرائيل تبدو وكأنها دخلت إلى سيناريو يشبه سيناريو الفلوجة العراقية عام 2004، بعد الخسائر الكبيرة التي لحقت بالجيش.

وقال الفلاحي إن جيش الاحتلال دخل إلى الحرب بنفسية مهزومة بعد ما حدث في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ودون معرفة كاملة بأرضية المعركة وتفاصيلها، مؤكدا أن الحملة تعتبر فاشلة حتى الآن بسبب عدم تحقيق أي من أهدافها المعلنة.

إلى جانب ذلك، فإن الجيش الأميركي الذي مني بخسائر كبيرة في الفلوجة كان أقوى بكثير من الجيش الإسرائيلي ومع ذلك اضطر للقبول بالهدنة بسبب كثرة خسائره.

وعن الموقف الأميركي من الحرب، قال مهند مصطفى إن واشنطن دعمت إسرائيل من أجل تحقيق أهدافها بكل الطرق لكنها شككت منذ البداية في قدرة تل أبيب على تحقيق هذه الأهداف.

وبعد شهرين من الحرب -يضيف مصطفى- فإن إسرائيل تحاول إعادة إنتاج الخطاب الذي كانت تصدره في أول المعركة بشأن الصراع بين قوى الظلام وقوى النور من أجل الضغط على الدول الغربية حتى لا تطالبها بوقف الحرب.

وتكمن مشكلة إسرائيل حاليا في أنها لا تمتلك سقفا زمنيا وأفقا لتحقيق أهدافها في غزة، بينما الغرب يطالبها بوقف الحرب ولو بشكل مؤقت، وهذا الأمر يزيد مخاوف قادة تل أبيب من أن يجبروا على وقف الحرب قبل تحقيق أهدافهم، كما يقول مصطفى.

الرأي نفسه ذهب إليه الفلاحي بقوله إن قلق إسرائيل وداعميها من الفشل في تحقيق الأهداف يبدو جليا في تصريحات القادة السياسيين وفي إرسال الولايات المتحدة ضباطا شاركوا في معركة الفلوجة وغزو العراق عموما، ما يعني أن هناك قلقا متزايدا من أداء الجيش.

ورغم وجود خسائر في كلا الطرفين، فإن الفلاحي يقول إن المُدافِع لديه كثير من الخيارات لأنه يمتلك معرفة بساحة المعركة ويتعامل مع أسلحة الخصم بينما جيش الاحتلال يستخدم نظرية السدود النارية، أي القصف العنيف، لكنه ما إن يتوقف القصف حتى تبدأ المقاومة في تنفيذ عملياتها.

وبالتالي -يقول الفلاحي- يمكن أن تتحول غزة إلى مستنقع كبير للجيش الإسرائيلي الذي فشل فعليا في الشمال، فبدأ تجريب حظوظه في جنوب القطاع، حسب تعبيره.

لكن الفلاحي أشار إلى أن الغرب لن يقبل بهزيمة إسرائيل وبالتالي يوفر لها حشدا عسكريا كبيرا من أجل تحقيق أهدافها، مضيفا أن "حماس لا تبحث عن نصر عسكري في الحرب وإنما عن تحول سياسي يؤدي لوقف الحرب، وهو ما بدأ يظهر في تصريحات المعارضة الإسرائيلية المطالبة بتنحي بنيامين نتنياهو".

وفي هذا الشأن، قال مصطفى إن الولايات المتحدة تخشى أن تتعرض إسرائيل لخسارة إستراتيجية، وهو ما عبّر عنه وزير الدفاع لويد أوستن، وبالتالي يمكنها دفع تل أبيب لوقف الحرب عند لحظة معينة بدليل أنها بدأت تتحدث عن فرض عقوبات على مستوطنين في الضفة الغربية.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: تحقیق أهدافها

إقرأ أيضاً:

رغم الهدنة.. الأوكرانيون لا يعولون على أميركا ويتوقعون الأسوأ

كييف – شكَّل الاجتماع الأوكراني الأميركي في مدينة جدة بالسعودية منعطفا هاما قبل أيام، ففيه "أصغى" الأميركيون لمطالب الأوكرانيين، كمال قالوا، واستأنفت واشنطن بعده دعم كييف بالمال والسلاح، بعد أيام من مشادة حادة وخلافات بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ونظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.

لكن الأهم من ذلك، كان مقترحا أميركيا يقضي بـ"هدنة مؤقتة"، يتوقف خلالها إطلاق النار بين الروس والأوكرانيين مدة 30 يوما، الأمر الذي لم يطرح له مثيل منذ بداية الحرب في فبراير/شباط 2022.

تشاؤم "مبرر"

وسارع الأوكرانيون للموافقة، وقالوا إنهم "أكثر من يريد وقف الحرب وإحلال السلام"، وإن "فلاديمير بوتين وُضع في زاوية اختبار الجدية"، أو أن "الكرة في ملعب روسيا"، حسب قول الأميركيين.

من جانبها، رحبَّت موسكو بالمقترح -من حيث المبدأ-، لكنها أبدت "تفاؤلا حذرا" بشأن التوصل إلى اتفاق، لاسيما مع وجود "خلافات حول قضايا جوهرية".

ولذا، اعتبر زيلينسكي أن "روسيا تسعى لمواصلة الحرب، وستحاول تعطيل السلام قدر الإمكان"، داعيا الولايات المتحدة لممارسة "ضغط كاف" يجبر بوتين على إنهاء الحرب.

وسرعان ما تبدد ذاك التفاؤل، بعد تصريح زيلينسكي، خاصة وأنه أُتبع بكثير من الآراء ووجهات النظر التحليلية التي برَّر خلالها الخبراء صعوبة تطبيق الهدنة المؤقتة بسهولة.

إعلان

واستعرض خبراء أوكرانيون جملة من الأسباب حول ذلك، أهمها:

مخالفة المصلحة الروسية: يقول الخبير فولوديمير فيسينكو، رئيس مركز الدراسات السياسية التطبيقية "بنتا" إن "اجتماع جدة كان بمصلحة أوكرانيا، لأنه منحها أكثر مما توقع الروس وتوقعنا جميعا في حقيقة الأمر(الإصغاء الأميركي واستئناف الدعم ومقترح الهدنة).

وأضاف فيسينكو للجزيرة نت "موسكو ستعطل الهدنة، لأنها تعتبرها فترة تحتاجها كييف أكثر للراحة وإعادة الحسابات وترتيب الأوراق، ولهذا تشترط أمورا معينة، كوقف عمليات التسليح والتعبئة والتدريب، التي تعني بالضرورة زخما أكبر للعمليات القتالية فيما بعد، وهذا ليس في صالح الروس".

شروط روسية مستحيلة وسلام غير عادل: تحت هذا البند، يعلق الخبير كونستانتين إليسيف، مدير مركز "الحلول الجديدة"، على هذه الشروط، ويقول للجزيرة نت "يريد الكرملين هدنة تحمل طابع الاستسلام بالنسبة للأوكرانيين"، بمعنى "تخلوا عن الاستعداد لاستئناف القتال بينما أفعل أنا ذلك بكل قوة".

ويضيف أن "قبول شروط روسيا يؤسس لتنازلات إستراتيجية أكبر لاحقا، تتعلق بشكل السلام الدائم الذي تريده روسيا، وهو سلام غير عادل، يجردنا من السلاح وحق استرجاع الأراضي وعضوية الناتو".

ويتابع إليسيف أن اجتماع جدة "ربما كان ناجحا إلى حد ما بعد أسبوعين من التوتر مع واشنطن، لكنه لم يحرز أي تقدم فيما يتعلق بالضمانات الأمنية التي تضمن السيادة، ولم يكشف عن صورة السلام النهائية التي يرسمها ترامب".

لا ثقة بترامب والأميركيين: وهذا السبب أساسه ما حملته الأسابيع الماضية من توترات، ويقول عنه السياسي رومان بيزسميرتني، وهو سفير أوكرانيا السابق لدى بيلاروسيا، في حديث لموقع "نوفا فريميا"، إن "الأميركيين غير موثوق بهم اليوم، علينا أن ننسى كلمة إستراتيجية في التعامل مع ترامب".

وحسب بيزسميرتني، فإن ترامب يستخدم في الحياة وفي الأعمال التجارية مبدأ "السرقة والهروب"، ويريد "القفز سريعا من سفينة الحرب"، في إشارة إلى سعي ترامب "لإنهاء الحرب -بأي شكل- حتى لو كان مرفوضا من جميع الأطراف، والخروج منها بعقود تجارية ضخمة لصالح بلاده".

إعلان

استحالة التطبيق على الأرض: وسواء قبل الروس الهدنة أم لم يفعلوا، لأن خطوط المواجهات -وفق الخبير فيسينكو- غير ثابتة، وهي تمتد أكثر من 1200كلم وتتغير كل يوم، ناهيك عن اعتبار روسيا أن معظم تلك الخطوط يقع ضمن أراض أوكرانية احتلتها ثم ضمتها وباتت تعتبرها جزءا من الأراضي الروسية.

سيناريوهات

وأمام ما سبق، استبعد كثيرون تطبيق الهدنة، وإن تمت بشكل أو بآخر، لا يرى فيها آخرون أساسا يُمهِّد لنهاية الحرب.

ويقول الخبير إليسيف "لم يوافق بوتين ولم يرفض، في المعجم الدبلوماسي، عندما تقول (نعم) ثم تقول (لكن)، فإن كل ما يأتي قبل (لكن) لا يهم، مطلقا، الروس لا يريدون وقف إطلاق النار".

ويضيف أن ما يحدث الآن "بداية طريق طويل نحو فكرة وقف إطلاق النار. من الواضح أن لدى الأميركيين أدوات معينة للضغط على بوتين، وهذا ما لمّحوا إليه فعلا".

ويعتقد الخبير إليسيف أن الهدنة قد تكون هشَّة، ولن تكون بداية لنهاية الحرب، وأن "أوكرانيا تقف أمام 3 سيناريوهات، إذا تمت الهدنة فعلا، أولها وأفضلها أن تُدفع روسيا نحو الهدنة والسلام المقبولين بتشديد العقوبات، وأن تُعزَّز أوكرانيا بإمداد ضخم من الأسلحة والصواريخ بعيدة المدى والتمويل، وما إلى ذلك، إذا كانت الهدنة ضعيفة فعلا".

أما السيناريو الأخير، وهو الأسوأ بالنسبة للأوكرانيين وفق مدير مركز "الحلول الجديدة"، فيتمثل بأن تمارس الولايات المتحدة الضغط على أوكرانيا بدلا من روسيا لإرضائها، وبهذا "نُدفع نحن نحو هدنة ونهاية للحرب لا تناسب إلا الروس".

مقالات مشابهة

  • نسبة 43%؜ من الإسرائيليين يرفضون إقالة رئيس الشاباك مقابل 33%؜ يدعمون إقالته
  • عائلات المحتجزين الإسرائيليين: يجب إعادة الـ59 محتجزًا من غزة حتى لو كلف ذلك إنهاء الحرب
  • استطلاع: 70 بالمئة من الإسرائيليين يرون إعادة الأسرى الهدف الأهم
  • نبوءة ميرشايمر.. هل اقتربت الحرب المدمرة بين أميركا والصين؟
  • أزمة تجارية عالمية وشيكة مع إشعال أميركا الحرب ضد الحوثيين في باب المندب
  • استطلاع يكشف أن معظم الإسرائيليين لا يثقون في الشاباك و الجيش
  • تحقيق: هكذا فشل الجيش الإسرائيلي في حماية نير عوز بـ7 أكتوبر
  • عائلات المحتجزين الإسرائيليين في غزة: «الوقت ينفد ولن تكون هناك فرصة أخرى»
  • رغم الهدنة.. الأوكرانيون لا يعولون على أميركا ويتوقعون الأسوأ
  • خبراء أمميون يتهمون إسرائيل باستخدام "العنف الجنسي والمنهجي" في غزة