لجريدة عمان:
2025-04-02@23:22:59 GMT

دروس من حواراتي مع كيسنجر طوال 40 عاما

تاريخ النشر: 5th, December 2023 GMT

حياة كيسنجر غنية بالتجارب والخبرات المتنوعة. ومن الممكن القول إنه أعظم رجل دولة في عصره. لكن ربما كان أيضا ماهرا في تسخير الأوضاع لخدمة أهدافه.

كان الرجل زعيما عالميا بحق. لكنه أحيانا يتودد للأثرياء والأقوياء. وكانت لديه قدرات فكرية فذة. رغم ذلك يمكن أن يبدو، وهذا مفاجئ، غير واثق من نفسه.

الثابت الوحيد لدى كيسنجر الذي رحل يوم الأربعاء عن عمر يناهز القرن (1923 - 2023) أنه كان دائما مثيرا للاهتمام.

كان يتملق ويتلطف إلى الناس الذين يفضلهم أو يشعر بأنهم يمكن أن يفيدوه أو يؤذوه.

ربما يعتقد المرء أن شخصا مشهورا بهذا القدر لن يهتم بما يكتبه عنه الصحفيون. لكنه كان شديد الاهتمام بذلك إلى درجة الهوس تقريبا. كان يحب كثيرا ممازحة محدثيه ويتسم مزاحه أحيانا بفكاهة لاذعة.

ما نعلمه نحن الصحفيين عن شخصيات ومواضيع أخبارنا يزيد كثيرا عن ذلك الذي نكشفه للناس. نحن نرصد الإشارات التي تنبئ عن الغرور وعدم الإحساس بالأمان والأشياء التي يريد الأشخاص إخفاءها في أثناء الترويج لآرائهم. تلك كانت تجربتي مع كيسنجر الذي تحدثت معه عشرات المرات واختتمتها بحوار مذهل حول الذكاء الاصطناعي.

أول مقابلة أجريتها مع وزير الخارجية الأمريكية الأسبق كانت قبل ما يقرب من 40 عاما لإعداد مقال مطول لصحيفة وول ستريت جورنال بمناسبة الذكرى العاشرة لهزيمة الولايات المتحدة في فيتنام. كان منزعجا من موضوع المقابلة. لكنه لم يكن أبدا نادما عن دوره في تلك الحرب والذي جعل منتقديه يصفونه بأنه «مجرم حرب».

الدرس الكبير من حرب فيتنام حسب كيسنجر أن الولايات المتحدة كان يجب عليها قصف هانوي وهايبنغ في وقت مبكر. وقال محاجَّا «يجب أن نُلام لأننا لم نفعل في عام 1969 ما فعلناه في عام 1972. أنت ليس لديك الخيار في أن تخسر بالاعتدال. إذا استخدمت القوة يجب أن تتغلب».

اكتشف مؤرخو كيسنجر منذ فترة طويلة أن هنالك ما يماثل «حجر رشيد» لتفكيك نهج تفكيره في رسالته للدكتوراة بجامعة هارفارد في عام 1954. نُشرت الرسالة بعد ثلاث سنوات لاحقا تحت عنوان «عالم مستعاد: متيرنخ وكاسْلَريه ومشاكل السلام 1812-1822».

خطط كيسنجر في البداية لأن تشكل الأطروحة الكتاب الأول من «ثلاثية» تمتد إلى فترة انهيار النظام الأوروبي في الحرب العالمية الأولى. لكنه تخلى عن هذا المشروع الكبير مع تحوله إلى تلميذ لنخبة السياسة الخارجية.

كانت رسالة الدكتوراة غريبة. فهي من دون بحث أساسي وبها عدد قليل من الحواشي وأسلوبها أقرب إلى المقال التاريخي المطول منه إلى الورقة الأكاديمية. إنها مدهشة في كتابتها وأفكارها وتفسر العديد من سياسات كيسنجر اللاحقة.

كان موضوع الرسالة العمل الدبلوماسي الذي أحاط بمؤتمر فيينا في عام 1815. وهو مؤتمر أنهى الحروب النابليونية وجلب سلاما نسبيا لأوروبا استمر لما يقرب من القرن.

كانت تلك، كما حكى كيسنجر، الكيفية التي وجدت بها القوى السائدة وقتها (بريطانيا والنمسا - المجر) طريقة لاحتواء القوى الصاعدة (فرنسا ما بعد الثورة وألمانيا).

بطل الكتاب كان وزير خارجية النمسا الكونت كليمينس فون متيرنخ. لكن يبدو أن متيرنخ، رغم إنكار كيسنجر ذلك لاحقا، صار نموذجا لما أصبح عليه الطالب الخريج الشاب (كيسنجر).

كان وصفه لمتيرنخ دقيقا. كتب كيسنجر «كانت عبقريته أداتية وليست إبداعية. لقد برع في التلاعب وليس البناء... مفضلا المناورة الدقيقة على الهجوم المباشر».

تمثل نجاح متيرنخ في إيجاد صيغة للاستقرار سادت لعقود. وكان ذلك هدف كيسنجر طوال حياته الدبلوماسية. كان التحدي الأساسي الذي يواجهه تحجيمُ الاتحاد السوفييتي التوسعي في حقبة ما بعد الثورة. لقد فعل ذلك عبر مزيج معقد من مفاوضات الحد من التسلح والدبلوماسية الشخصية. وهو ما أصبح يعرف لاحقا بمصطلح «الوفاق». في سبيل ذلك دبَّر الانفتاح الشهير تجاه الصين والذي بلغ ذروته في زيارة الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون إلى بكين في عام 1972.

دبلوماسية كيسنجر مثلها مثل دبلوماسية متيرنخ كانت لا أخلاقية بشكل صريح. فالاستقرار كان هدفا في حد ذاته والواقعية بشأن المصلحة الوطنية كانت المرشد الموثوق الوحيد له كصانع للسياسات. بمعنى أن المثالية أوجدت متاعب أكثر من تلك التي أنهتها.

لقد خشي مثلا من أن التركيز المفرط على السلام يمكن في الواقع أن يفيد صنَّاع الحرب. جاء في الفقرة الثانية من الكتاب «وقتما كان السلام (الذي يُتصوَّر على أنه تجنب الحرب) الهدفَ الأساسي... كان النظام العالمي تحت رحمة العضو الأشد قسوة (في هذا النظام)».

شرح كيسنجر ولعه بالاستقرار لزميل له في جامعة هارفارد حسبما ذكر كاتب سيرته والتر ايزاكسون باستدعاء عبارة جوته التي جاء فيها «إذا كان علي أن اختار بين العدل والفوضى من جهة والظلم والنظام من جهة أخرى سأختار هذا الخيار الأخير (الظلم والنظام)». هذا هو نوع السياسة الواقعية الجارحة الذي جعل كيسنجر هدفا (لانتقادات) عدد كبير من المحللين.

انشغل كيسنجر طوال عمره بالشرق الأوسط. وفيما تعيث الحرب بين إسرائيل وحماس خرابا في المنطقة من المفيد الآن إدراك منظور كيسنجر. فكما يوضح مارتن انديك في كتابه «أستاذ اللعبة» اعتقد كيسنجر أن «السلام» قد يكون وهما. لكن توازن القوى الثابت في المنطقة والذي يتجنب الصراع المفتوح قابل للتحقيق. وقد يكون أفضل ما يمكن الحصول عليه.

آخر مقابلة أجريتها مع كيسنجر كانت قبل عام. أراد وقتها أن يتحدث عن شغفه الجديد وهو السيطرة على الذكاء الاصطناعي. إنه تقنية في اعتقاده بالغة الخطورة.

في أثناء المقابلة كان جسمه متكوِّما في الكرسي وساكنا دون حركة تقريبا وهو يوشك على بلوغ 100 عام. لكن وكما هي الحال دائما كان يستعرض بعقله اللماح المخاطر والأخطار الخفية ويفكر في كيفية مواجهتها.

كان كيسنجر يسعى بشدة حتى نهاية حياته لكسب التقدير والنفوذ ومن المؤكد أيضا للوصول إلى الحقيقة.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: فی عام

إقرأ أيضاً:

مراكز شباب الغربية تفتح أبوابها في عيد الفطر للرواد

في أجواء من الفرح والسعادة، فتحت مراكز الشباب بمحافظة الغربية أبوابها أمام المواطنين في أول أيام عيد الفطر المبارك، لاستقبال الأطفال والشباب والعائلات، وسط أنشطة ترفيهية ورياضية متنوعة.

وشهدت المراكز فعاليات ترفيهية متنوعة، حيث تم توزيع الهدايا والألعاب على الأطفال، إلى جانب رسم الوجوه لإضفاء أجواء من البهجة والسرور. كما أتيحت الفرصة للجمهور لممارسة الأنشطة الرياضية والترفيهية، تنفيذًا لتوجيهات الدكتور أشرف صبحي، وزير الشباب والرياضة، بفتح مراكز الشباب أمام المواطنين احتفالًا بعيد الفطر.

جاءت هذه الفعاليات تحت رعاية اللواء أشرف الجندي، محافظ الغربية، وبتوجيهات اللواء حسين حنفي، وكيل وزارة الشباب والرياضة بالغربية، الذي أكد على فتح جميع مراكز الشباب طوال أيام العيد لممارسة مختلف الأنشطة. كما وجه برفع درجة الاستعداد وتوفير كافة الخدمات للزوار، مع تكثيف التغطية الإعلامية للمبادرة.

استمرار الفعاليات طوال أيام العيد

تستمر فعاليات مبادرة "العيد أحلى بمراكز الشباب" حتى آخر أيام عيد الفطر، حيث تسعى المراكز إلى تعزيز دورها المجتمعي، وعدم اقتصاره على الرياضة فقط، بل تقديم برامج ثقافية، وفنية، ورياضية، وترويحية تناسب مختلف الأعمار والفئات، بهدف جذب أكبر عدد من المشاركين وتوسيع قاعدة الأنشطة.

مقالات مشابهة

  • مناوي يكشف عن رؤيته للقوات التي تقاتل مع الجيش بعد انتهاء الحرب
  • مياه القناة: انتظام عمل المحطات والشبكات طوال أيام عيد الفطر
  • بفستان لامع.. مي عمر تخطف أنظار جمهورها
  • الحزن يسود ميت حلفا.. أسرة عروس القليوبية: كانت رايحة تفرش شقتها وتستعد للزفاف
  • العناية بالبشرة بعد العيد.. نصائح مهمة
  • كارثة إنسانية غير مسبوقة.. تقرير يرصد الدمار الذي خلفته الحرب في العاصمة السودانية
  • "الطفولة والأمومة" يشكر صناع مسلسل "لام شمسية" على الرسالة التي حملها طوال مدة عرضه
  • مدرب أوغاندا لأقل من 17 عاماً : الهزيمة أمام المغرب كانت متوقعة بالنظر لمستوى لاعبيه وترتيبه العالمي
  • مراكز شباب الغربية تفتح أبوابها في عيد الفطر للرواد
  • محافظ القاهرة: إلغاء الإجازات طوال أيام عيد الفطر