دروس من حواراتي مع كيسنجر طوال 40 عاما
تاريخ النشر: 5th, December 2023 GMT
حياة كيسنجر غنية بالتجارب والخبرات المتنوعة. ومن الممكن القول إنه أعظم رجل دولة في عصره. لكن ربما كان أيضا ماهرا في تسخير الأوضاع لخدمة أهدافه.
كان الرجل زعيما عالميا بحق. لكنه أحيانا يتودد للأثرياء والأقوياء. وكانت لديه قدرات فكرية فذة. رغم ذلك يمكن أن يبدو، وهذا مفاجئ، غير واثق من نفسه.
الثابت الوحيد لدى كيسنجر الذي رحل يوم الأربعاء عن عمر يناهز القرن (1923 - 2023) أنه كان دائما مثيرا للاهتمام.
ربما يعتقد المرء أن شخصا مشهورا بهذا القدر لن يهتم بما يكتبه عنه الصحفيون. لكنه كان شديد الاهتمام بذلك إلى درجة الهوس تقريبا. كان يحب كثيرا ممازحة محدثيه ويتسم مزاحه أحيانا بفكاهة لاذعة.
ما نعلمه نحن الصحفيين عن شخصيات ومواضيع أخبارنا يزيد كثيرا عن ذلك الذي نكشفه للناس. نحن نرصد الإشارات التي تنبئ عن الغرور وعدم الإحساس بالأمان والأشياء التي يريد الأشخاص إخفاءها في أثناء الترويج لآرائهم. تلك كانت تجربتي مع كيسنجر الذي تحدثت معه عشرات المرات واختتمتها بحوار مذهل حول الذكاء الاصطناعي.
أول مقابلة أجريتها مع وزير الخارجية الأمريكية الأسبق كانت قبل ما يقرب من 40 عاما لإعداد مقال مطول لصحيفة وول ستريت جورنال بمناسبة الذكرى العاشرة لهزيمة الولايات المتحدة في فيتنام. كان منزعجا من موضوع المقابلة. لكنه لم يكن أبدا نادما عن دوره في تلك الحرب والذي جعل منتقديه يصفونه بأنه «مجرم حرب».
الدرس الكبير من حرب فيتنام حسب كيسنجر أن الولايات المتحدة كان يجب عليها قصف هانوي وهايبنغ في وقت مبكر. وقال محاجَّا «يجب أن نُلام لأننا لم نفعل في عام 1969 ما فعلناه في عام 1972. أنت ليس لديك الخيار في أن تخسر بالاعتدال. إذا استخدمت القوة يجب أن تتغلب».
اكتشف مؤرخو كيسنجر منذ فترة طويلة أن هنالك ما يماثل «حجر رشيد» لتفكيك نهج تفكيره في رسالته للدكتوراة بجامعة هارفارد في عام 1954. نُشرت الرسالة بعد ثلاث سنوات لاحقا تحت عنوان «عالم مستعاد: متيرنخ وكاسْلَريه ومشاكل السلام 1812-1822».
خطط كيسنجر في البداية لأن تشكل الأطروحة الكتاب الأول من «ثلاثية» تمتد إلى فترة انهيار النظام الأوروبي في الحرب العالمية الأولى. لكنه تخلى عن هذا المشروع الكبير مع تحوله إلى تلميذ لنخبة السياسة الخارجية.
كانت رسالة الدكتوراة غريبة. فهي من دون بحث أساسي وبها عدد قليل من الحواشي وأسلوبها أقرب إلى المقال التاريخي المطول منه إلى الورقة الأكاديمية. إنها مدهشة في كتابتها وأفكارها وتفسر العديد من سياسات كيسنجر اللاحقة.
كان موضوع الرسالة العمل الدبلوماسي الذي أحاط بمؤتمر فيينا في عام 1815. وهو مؤتمر أنهى الحروب النابليونية وجلب سلاما نسبيا لأوروبا استمر لما يقرب من القرن.
كانت تلك، كما حكى كيسنجر، الكيفية التي وجدت بها القوى السائدة وقتها (بريطانيا والنمسا - المجر) طريقة لاحتواء القوى الصاعدة (فرنسا ما بعد الثورة وألمانيا).
بطل الكتاب كان وزير خارجية النمسا الكونت كليمينس فون متيرنخ. لكن يبدو أن متيرنخ، رغم إنكار كيسنجر ذلك لاحقا، صار نموذجا لما أصبح عليه الطالب الخريج الشاب (كيسنجر).
كان وصفه لمتيرنخ دقيقا. كتب كيسنجر «كانت عبقريته أداتية وليست إبداعية. لقد برع في التلاعب وليس البناء... مفضلا المناورة الدقيقة على الهجوم المباشر».
تمثل نجاح متيرنخ في إيجاد صيغة للاستقرار سادت لعقود. وكان ذلك هدف كيسنجر طوال حياته الدبلوماسية. كان التحدي الأساسي الذي يواجهه تحجيمُ الاتحاد السوفييتي التوسعي في حقبة ما بعد الثورة. لقد فعل ذلك عبر مزيج معقد من مفاوضات الحد من التسلح والدبلوماسية الشخصية. وهو ما أصبح يعرف لاحقا بمصطلح «الوفاق». في سبيل ذلك دبَّر الانفتاح الشهير تجاه الصين والذي بلغ ذروته في زيارة الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون إلى بكين في عام 1972.
دبلوماسية كيسنجر مثلها مثل دبلوماسية متيرنخ كانت لا أخلاقية بشكل صريح. فالاستقرار كان هدفا في حد ذاته والواقعية بشأن المصلحة الوطنية كانت المرشد الموثوق الوحيد له كصانع للسياسات. بمعنى أن المثالية أوجدت متاعب أكثر من تلك التي أنهتها.
لقد خشي مثلا من أن التركيز المفرط على السلام يمكن في الواقع أن يفيد صنَّاع الحرب. جاء في الفقرة الثانية من الكتاب «وقتما كان السلام (الذي يُتصوَّر على أنه تجنب الحرب) الهدفَ الأساسي... كان النظام العالمي تحت رحمة العضو الأشد قسوة (في هذا النظام)».
شرح كيسنجر ولعه بالاستقرار لزميل له في جامعة هارفارد حسبما ذكر كاتب سيرته والتر ايزاكسون باستدعاء عبارة جوته التي جاء فيها «إذا كان علي أن اختار بين العدل والفوضى من جهة والظلم والنظام من جهة أخرى سأختار هذا الخيار الأخير (الظلم والنظام)». هذا هو نوع السياسة الواقعية الجارحة الذي جعل كيسنجر هدفا (لانتقادات) عدد كبير من المحللين.
انشغل كيسنجر طوال عمره بالشرق الأوسط. وفيما تعيث الحرب بين إسرائيل وحماس خرابا في المنطقة من المفيد الآن إدراك منظور كيسنجر. فكما يوضح مارتن انديك في كتابه «أستاذ اللعبة» اعتقد كيسنجر أن «السلام» قد يكون وهما. لكن توازن القوى الثابت في المنطقة والذي يتجنب الصراع المفتوح قابل للتحقيق. وقد يكون أفضل ما يمكن الحصول عليه.
آخر مقابلة أجريتها مع كيسنجر كانت قبل عام. أراد وقتها أن يتحدث عن شغفه الجديد وهو السيطرة على الذكاء الاصطناعي. إنه تقنية في اعتقاده بالغة الخطورة.
في أثناء المقابلة كان جسمه متكوِّما في الكرسي وساكنا دون حركة تقريبا وهو يوشك على بلوغ 100 عام. لكن وكما هي الحال دائما كان يستعرض بعقله اللماح المخاطر والأخطار الخفية ويفكر في كيفية مواجهتها.
كان كيسنجر يسعى بشدة حتى نهاية حياته لكسب التقدير والنفوذ ومن المؤكد أيضا للوصول إلى الحقيقة.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: فی عام
إقرأ أيضاً:
ما هي الأهداف التي يمكن لأوكرانيا ضربها في روسيا بعد قرار بايدن؟
بعد مرور نحو 1000 يوم على بدء روسيا غزوها الشامل لأوكرانيا، سمحت واشنطن لكييف، وفق تقارير، باستخدام صواريخ بعيدة المدى قدمتها لها لتوجيه ضربات في العمق الروسي، لكن إلى أي مدى؟
اعلاناستغرق الأمر من الولايات المتحدة نحو شهر كامل للتوصل إلى رد على نشر قوات كورية شمالية في حرب أوكرانيا، وكان الرد عبارة عن سماح الرئيس الأمريكي، جو بايدن، لكييف بضرب العمق الروسي عبر صواريخ بعيدة المدى قدمتها واشنطن لها في وقت سابق ووضعت قيوداً على استخدامها.,
وفي 24 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، قالت كييف إن أولى الوحدات الكورية الشمالية التي تم تدريبها في روسيا قد تم نشرها في مقاطعة كورسك المتاخمة للحدود أوكرانيا.
وبعد بضعة أيام، أكدت الولايات المتحدة وحلف الناتو أن لديهما أيضاً أدلة على مشاركة قوات كورية شمالية في الحرب الروسية.
وأدان الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، عدم رد الغرب على انضمام قوات بيونغ يانغ إلى الغزو الروسي المستمر، قائلاً إن "هذه المعارك الأولى مع كوريا الشمالية تفتح فصلاً جديداً من عدم الاستقرار في العالم".
قائمة الأهداف الأوكرانيةحتى قبل صدور التقارير الأولى عن مشاركة بيونغ يانغ، طلبت كييف من واشنطن رفع القيود المفروضة على استخدام الأسلحة الأمريكية في عمق الأراضي الروسية.
لطالما جادلت أوكرانيا لفترة طويلة بأن القيود المفروضة على استخدام هذه الأسلحة، وتحديدًا صواريخ "أتاكسم" بعيدة المدى، تخنق مجهودها الحربي، في المقابل، اعتبرت واشنطن أن السماح لأوكرانيا بضرب عمق الأراضي الروسية قد يؤدي إلى تصعيد الحرب.
وكثّفت كييف من ضغوطها لرفع الحظر منذ توغلها المفاجئ في منطقة كورسك الروسية في بداية شهر آب/ أغسطس الماضي. ووفقاً للسلطات الأوكرانية، شملت القائمة المطارات التي يستخدمها الجيش الروسي لشن غارات على المراكز السكانية في جميع أنحاء أوكرانيا.
ومنذ ذلك الحين، قامت روسيا بنقل جميع طائراتها تقريباً بعيداً عن المطارات الواقعة في نطاق نظام مراقبة الحركة الجوية الأوكرانية.
كشف معهد دراسات الحرب، الذي يتخذ من واشنطن مقراً له عن خريطة تسرد جميع الأهداف المحتملة التي يمكن أن تضربها أوكرانيا.
وقال إن هناك ما لا يقل عن 245 هدفاً عسكرياً وشبه عسكري روسي معروف يقع ضمن نطاق نظام الصواريخ الأوكراني، وتحديداُ النوع الذي يبلغ طوله 300 كيلومتر. ومن بين الـ 245 هدفاً، لا يوجد سوى 16 مطاراً فقط، حيث نقلت روسيا جميع طائراتها تقريباً منها.
إذا تم رفع القيود فقط عن كورسك، فسيكون لدى كييف 15 هدفًا معروفاً هناك، وفقاً للبحث الذي أجراه معهد دراسات الحرب.
وبحلول نهاية آب/ أغسطس، كان هناك أيضاً 11 موقعاً على الأقل، تُعرف باسم "الاستخدام العسكري للأراضي" الروسية وهي مناطق مخصصة لأغراض التدريب والاختبار العسكري.
لكن هذه القائمة يمكن أن تكون أكبر بكثير مع نشر أفراد من كوريا الشمالية وجهود موسكو لإخراج القوات الأوكرانية من كورسك.
عندما بدأت كييف في التوغل، كان لدى روسيا 11,000 جندي في كورسك، وفقاً للمركز ذاته. واستناداً إلى هذه الحسابات، أفاد المركز البحثي عن وجود ما مجموعه 11 موقعاً عسكرياً لاستخدام الأراضي و15 منشأة عسكرية وشبه عسكرية معروفة ذات أهمية في المنطقة الحدودية الروسية.
Relatedترامب يستبعد إرسال قوات أمريكية إلى منطقة عازلة بين روسيا وأوكرانياواشنطن: حوالي 8000 جندي كوري شمالي يستعدون للمشاركة في الحرب ضد أوكرانيا قريباً1000 يوم من الحرب: روسيا توسّع هجماتها باستهداف مطار عسكري وأوكرانيا تصدّ هجمات متعددةحشود ضخمةبحسب أحدث التقديرات، فإن موسكو قد حشدت حتى الآن خمسة أضعاف عدد القوات العسكرية هناك، بما في ذلك القوات الكورية الشمالية، لتنفيذ هجوم على المواقع الأوكرانية.
اعلانومن المقرر أن يشارك حوالي 50,000 جندي روسي وكوري شمالي في الهجوم.
وفي هذه الأثناء، قال زيلينسكي: "50 ألفاً من أفراد جيش المحتل الذين لا يمكن نشرهم في اتجاهات هجومية روسية أخرى على أراضينا بسبب عملية كورسك".
ربما يشير هذا إلى أن هناك الآن المزيد من الأهداف المحتملة التي يمكن لأوكرانيا ضربها في كورسك، حتى لو تم رفع القيود عن هذه المنطقة فقط.
المصادر الإضافية • ISW
Go to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية زيلينسكي يعتزم عرض "خطة النصر" على واشنطن ويطالب بدعم صاروخي بعيد المدى انتهاء اجتماع بايدن وستارمر في البيت الأبيض دون إعلان عن استخدام الأسلحة بعيدة المدى ضد روسيا الكرملين يحذر واشنطن: إرسالكم صواريخ بعيدة المدى لأوكرانيا يدفعنا لإعادة النظر في سياستنا النووية روسياكوريا الشماليةالولايات المتحدة الأمريكيةالحرب في أوكرانيا كورسكاعلاناخترنا لك يعرض الآن Next مباشر. قصف منطقتي حصبيّا ولخيام بجنوب لبنان.. ونتنياهو يستبعد تسوية في لبنان ويدرس إقالة رئيس الشاباك يعرض الآن Next بعد الضوء الأخضر الأمريكي بضرب العمق الروسي.. الصين تدعو للتهدئة وفرنسا تتحفظ والكرملين يتوعد يعرض الآن Next غانتس يدعو للتعامل مع جنوب لبنان كمناطق "أ" في الضفة الغربية.. ماذا يعني ذلك؟ يعرض الآن Next محكمة بنغلاديش تمهل المحققين شهراً في قضية الشيخة حسينة يعرض الآن Next ليلة مظلمة في سومي: قصف روسي يحصد 11 قتيلًا بينهم طفلان و89 مصابًا اعلانالاكثر قراءة اليابان ترفع السن القانوني لممارسة الجنس من 13 إلى 16 عاما فندق إيطالي يرفض حجز سائحيْن إسرائيلييْن بسبب "الإبادة الجماعية" في غزة حب وجنس في فيلم" لوف" 1000 يوم من الحرب: روسيا توسّع هجماتها باستهداف مطار عسكري وأوكرانيا تصدّ هجمات متعددة فضيحة في جهاز الخدمة السرية.. فصل عميل بعد اقتراح إقامة علاقة في حمام ميشيل أوباما اعلانLoaderSearchابحث مفاتيح اليومكوب 29الصراع الإسرائيلي الفلسطيني روسيادونالد ترامبقطاع غزةفلاديمير بوتينجو بايدنالحرب في أوكرانيا أطفالضحاياالكرملينالصحةالموضوعاتأوروباالعالمالأعمالGreenNextالصحةالسفرالثقافةفيديوبرامجخدماتمباشرنشرة الأخبارالطقسآخر الأخبارتابعوناتطبيقاتتطبيقات التواصلWidgets & ServicesJob offers from AmplyAfricanewsعرض المزيدAbout EuronewsCommercial ServicesTerms and ConditionsCookie Policyسياسة الخصوصيةContactPress officeWork at Euronewsتعديل خيارات ملفات الارتباطتابعوناالنشرة الإخباريةCopyright © euronews 2024