لجريدة عمان:
2024-09-19@19:15:19 GMT

الحرب التي نسيها العالم

تاريخ النشر: 5th, December 2023 GMT

أليكس دي وال ــــ عبدول محمد

ثمة إبادة جماعية جارية في دارفور بالسودان، وذلك للمرة الثانية في غضون عشرين سنة. ويجري العنف هذه المرة تحت عينيْ الرئيس بايدن، دون أن يفعل هو أو إدارته ما يكفي لإيقافه. لكن بوسع الرئيس بايدن أن يفعل اليوم أمرين يمكن أن يكون لهما أثر حقيقي: أن يوقف حلفاء أمريكا في الشرق الأوسط عن تسليح الجناة، وأن يدعم المبادرة الأفريقية ذات القيادة الكينية لإنهاء المجزرة.

في الأسابيع الأخيرة، اجتاحت قوات الدعم السريع السودانية شبه العسكرية، وهي كيان تجاري من المرتزقة، أربع مدن كبرى في دارفور بغرب السودان. وقد أعقبت كل غزو مجزرة ونهب استهدفا أهل هذه المدن من ذوي البشرة الداكنة. وبعد أن استولت قوات الدعم السريع على بلدة أردماتا في الرابع من نوفمبر تعرّض نحو ألف وخمسمائة شخص للذبح بحسب ما قالت جماعة حقوق الإنسان في دارفور. (في حين أن مسؤولا حكوميا محليا قال: إن عدد القتلى الدقيق غير قابل للتحديد ـ وإن لم ينف القتل نفسه.

القوات شبه العسكرية متحركة وشرسة، ويفتقر خصومها في الجيش النظامي، أي القوات المسلحة السودانية في دارفور، إلى الروح المعنوية فضلا عن أنهم أضعف منها تسليحا. ويبدو كما لو أن حملة قوات الدعم السريع سوف تستمر حتى لا يبقى مزيد من المدن للنهب، وحتى أن ينتهي التطهير العرقي للمجتمعات غير الناطقة بالعربية في دارفور أو تتقلص إلى عمالة ضئيلة الأجر في الأرض التي كانت ذات يوم ملكا لهم. ويلوذ الآن مئات الآلاف من المدنيين الفزعين بمدينة الفاشر عاصمة دارفور الشمالية والمدينة الوحيدة التي لم تستولِ عليها بعد قوات الدعم السريع شبه العسكرية.

وقوات الدعم السريع هي الجيل الثاني من ميليشيا الجنجويد التي اجتاحت قبل عشرين عاما عشرات من قرى المنتمين إلى مجتمعات الفور والمساليت والزغاوة في دارفور. في ذلك الوقت، حشد الرئيس عمر البشير الجنجويد لسحق تمردات دارفور عن طريق القضاء على المجتمعات غير الناطقة بالعربية في المنطقة. فأحرق رجال الميلشيا وقتلوا واغتصبوا ونهبوا. وتعرّض عشرات الآلاف من المدنيين للذبح، وهلك مئات الآلاف من الجوع والمرض. ومضى الجنجويد -وهم من البدو الناطقين بالعربية على حافة الصحراء الذين أفقرتهم عقود من الإهمال فضلا عن الجفاف وزحف الصحراء- يستولون على الأرض وينهبون.

بحلول سبتمبر 2004، قدم وزير الخارجية كولن باول الأدلة وأعلن أن الجنجويد ارتكبوا جريمة إبادة جماعية. وانضم جورج كلوني ومجموعة من المشاهير والسياسيين الآخرين إلى تحالف (إنقاذ دارفور) لمطالبة الرئيس جورج دبليو بوش بإرسال قوات دولية لإنهاء أعمال القتل. وقد نجحوا في توجيه اهتمام العالم إلى الأزمة الجارية: فقامت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية وبرنامج الغذاء العالمي بتنفيذ عملية إنسانية كبرى في المنطقة، وأرسلت الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي قوات لحفظ السلام.

كما نظرت المحكمة الجنائية الدولية في الفظائع التي ارتكبت في دارفور، وأصدرت مذكرة اعتقال للرئيس البشير. وبعد الإطاحة به في عام 2019، سجنته السلطات السودانية بتهم فساد، لكنها عجزت عن تسليمه إلى المحكمة التي تجري محاكمة أحد قادة الجنجويد أمامها. وكان أحدنا، وهو دي وال، أول شاهد خبير في القضية خلال العام الماضي.

برغم ذلك كله، لم يتم التوصل إلى اتفاق سلام بسرعة، ولم يتمكن ثلاثة ملايين شخص من النازحين، يقيم أغلبهم في مخيمات إغاثة ضخمة، من العودة إلى ديارهم. هدأت أعمال القتل والحرق، وأضفى الرئيس البشير الطابع الرسمي على الجنجويد بتحويلها إلى قوات الدعم السريع، برئاسة القدير والقاسي الفريق محمد حمدان، المعروف على نطاق واسع باسم حميدتي. كما اكتشف أيضا الذهب في دارفور، وسرعان ما أصبحت قوات الدعم السريع هي أكبر تجار الذهب في السودان، الذي يصدَّر أغلبه إلى دبي، فضلا عن كونها (الدعم السريع) مصدرا للمرتزقة الذين استخدموا في حرب اليمن.

ولم تحصل دارفور على اتفاق السلام الذي وعدت به منذ فترة طويلة إلا في عام 2020، بعد احتجاجات المدنية السلمية التي أدت إلى تشكيل حكومة انتقالية واعدة بالديمقراطية في السودان. رجع المتمردون المسلحون في دارفور إلى ديارهم وتولى قادتهم وظائف حكومية، وبدأت المجتمعات غير العربية التي كانت ضحية الحرب الأخيرة تأمل في إمكانية عودتها أخيرا إلى قراها السابقة. وكان المخطط لـ«القوة المشتركة لحفظ الأمن» المؤلفة من الأطراف الثلاثة -أي المتمردون السابقون ووحدات القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع- أن تقوم بحماية المدنيين وحفظ السلام. وبعد أشهر قليلة، انضمت الولايات المتحدة إلى حكومات غربية أخرى ـ بناء على طلب السودان ـ في إغلاق بعثة الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي في دارفور، وسحبت جميع قواتها الدولية لحفظ السلام بحلول منتصف عام 2021.

كان غياب قوات حفظ السلام محسوسا بشدة عندما اندلع صراع على السلطة بين الفريق حمدان قائد قوات الدعم السريع والجنرال عبد الفتاح البرهان قائد القوات المسلحة السودانية وتحوّل إلى حرب شاملة في الخامس عشر من أبريل. وفي غضون أيام، انفجر العنف في دارفور أيضا، إذ حملت قوات الدعم السريع وميليشيات عربية أخرى مرتبطة بها على نفس الجماعات المدنية التي كانت ضحية لها في المرة السابقة.

تهاجم قوات الدعم السريع وحدات الجيش، لكنها ترتكب أيضا جرائم قد ترقى إلى مستوى الإبادة الجماعية إذ تستهدف مجموعات عرقية محددة بالقتل والتشريد والتجويع. يحرص الفريق حمدان وكبار قادته في تصريحاتهم العلنية على تجنب أي شيء يشير إلى نية الإبادة الجماعية، أما قوات الدعم السريع فتفيد أخبار كثيرة بأن مقاتليها يستخدمون لغة التجريد من الإنسانية المعهودة لدى مرتكبي جرائم الإبادة الجماعية. ومن المؤكد أن حملة القتل والتهجير القسري التي تقوم بها قوات الدعم السريع تتطابق مع الفهم الدولي للتطهير العرقي. وتلوح في الأفق معركة حتى الموت في الفاشر، وتلوح منها جميع أضواء التحذير الحمراء من الإبادة الجماعية.

عل مدار شهور، بقي متمردو دارفور السابقون خارج القتال، رغم الهجمات العنيفة على مجتمعاتهم. وفي منتصف نوفمبر فقط إذ حاصرت قوات الدعم السريع مدينة الفاشر ومن لجأوا إليها، أعلن المتمردون السابقون أنهم سيقاتلون الجماعة شبه العسكرية. وغالبا ما يكون المتمردون السابقون أفضل تسليحا وأشد تصميما من الجيش النظامي، لكن معركة تشارك فيها كل هذه القوات تهدد بالطبع بإراقة دماء جديدة المدنيين.

في الوقت نفسه، لم يتحقق غير القليل من وراء المحادثات المتقطعة التي عقدتها الولايات المتحدة وسعوديون طوال ستة أشهر في جدة بالمملكة العربية السعودية. وقد تمسّك جيش الجنرال البرهان بموقف مطالبة قوات الدعم السريع بالانسحاب إلى قواعدها ونزع سلاحها. ولا ترى قوات الدعم السريع بقيادة اللواء حمدان، التي تنتصر على الأرض في كل الجبهات، أي سبب للتراجع. ولم يتحقق الوفاء بأي وعد بوقف الأعمال العدائية أو حماية المدنيين أو السماح بدخول المساعدات الإنسانية، دون أي عواقب.

وهكذا يتجلى ازدراء قوات الدعم السريع الواضح للوسطاء، لدرجة شن هجومها المدمر على دارفور في أكتوبر، واثقة على ما يبدو من أنها في أسوأ الأحوال سوف تتلقى توبيخا هينا. وبالنسبة للقوات شبه العسكرية، كان النداء الذي وجهه وزير الخارجية أنطوني بلينكن في أوائل نوفمبر بعدم مهاجمة من لجأ من المواطنين إلى الفاشر محض كلمات جوفاء.

وحتى الآن، كانت استجابة إدارة بايدن للأزمة المتصاعدة غير كافية إلى حد كبير. وبرغم أن الإدارة ساعدت في عقد محادثات وقف إطلاق النار في جدة، وبرغم أن بلينكن نادى بضبط النفس، يبدو أن الأمرين كليهما لم يحدثا تأثيرا ملحوظا.

لكن بوسع الرئيس بايدن أن يتخذ إجراءات من شأنها أن تساعد على وقف المذبحة. من هذه الإجراءات أن يتصل بالداعمين العرب الذين يشحنون الأسلحة لقوات الدعم السريع بحسب وثائق صحيفة نيويورك تايمز. ولقد تغير مجرى المعركة بسبب تلك الأسلحة، التي ربما تشمل طائرات مسيرة استعملتها قوات الدعم السريع استعمالا تخريبيا إلى جانب شاحنات معدلة وسيارات دفع رباعي وصواريخ مضادة للطائرات مقدمة من روسيا، بما سمح للقوات شبه العسكرية بتركيز قوتها والتغلب على الجيش.

يجب أيضا أن يقوم الرئيس بايدن بتعيين مبعوث رئاسي خاص للسودان، إذ يرجح أن يستجيب له قادة الشرق الأوسط من أصحاب النفوذ أكثر من استجابتهم لمكتب الشؤون الأفريقية في وزارة الخارجية، الذي يرونه صغيرا للغاية.

ويجب أيضا أن يدعم الرئيس بايدن كينيا. فالرئيس ويليام روتو حريص على لعب دور بناء في وقف هذه الأزمة. وفي شهر يونيو، قاد مجموعة رباعية من دول شرق أفريقيا لاقتراح نهج شامل للسلام. وأدان الرئيس روتو كلا الجنرالين السودانيين واصفا كليهما بأنهما «غير شرعيين»، وحذّر من وجود «علامات فعلية على حدوث إبادة جماعية» في دارفور، وقال: إنه قد تكون هناك حاجة إلى قوات حفظ سلام أفريقية.

عندما تقترح الدول الأفريقية صيغة لمعالجة أزمة أفريقية، غالبا ما تنحّي القوى العالمية خلافاتها وتدعمها. على النقيض من ذلك، من المؤكد أن أي اقتراح أمريكي بإرسال قوات الخوذات الزرقاء سيسفر عن فيتو من جانب الصين أو روسيا في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وإذا ما قصرت واشنطن تركيزها على محادثات وقف إطلاق النار في جدة، فمن المؤكد تقريبا أن ذلك سيكون طريقا مسدودا. ومن خلال العمل مع مصر والمبعوث الخاص للأمم المتحدة المعين حديثا للسودان، يستطيع الرئيس روتو أن يقترح إجراءات لا تستطيع أمريكا أن تقترحها. وهو يسعى لعقد قمة طارئة لزعماء شرق أفريقيا الأسبوع المقبل، حيث ستسنح له الفرصة لتقديم مقترحات جريئة.

وفي غياب تحرك على أعلى المستويات، تخاطر أمريكا بالتحول إلى شاهد شبه صامت على إبادة جماعية أخرى. وبوسع الرئيس بايدن أن يغير ذلك. ولكن لم يتبق له سوى بضعة أيام لإجراء المكالمة.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: قوات الدعم السریع الإبادة الجماعیة الرئیس بایدن إبادة جماعیة شبه العسکریة فی دارفور

إقرأ أيضاً:

الفاشر… ماذا يعني سقوط المعقل الأخير للــجيش السوداني؟

 

الفاشر… ماذا يعني سقوط المعقل الأخير للــجيش السوداني؟

د.ماني الطويل

تعد نقطة تحول في الصراع السوداني وبؤرة تغيير في أوضاع الساحل الأفريقي بين القوى الدولية المتنافسة تحت مظلة نظام دولي قيد التشكل

ملخص
سقوط الفاشر في يد قوات “الدعم السريع” يعني خلق واقع جديد يتعزز فيه موقعها العسكري والسياسي، كما سيزيد من تعقيد الوضع السياسي داخل السودان، وربما يؤدي إلى تغير في بعض التحالفات الداخلية والإقليمية، فضلاً عن تشكيل نقاط تلاق مع بعض المشاريع الدولية في منطقة الساحل الأفريقي

لم تحظ منطقة في السودان بدرجة الاهتمام الدولي نفسه التي حظيت به مدينة الفاشر عاصمة شمال دارفور، وذلك مع زيادة الضغط العسكري عليها منذ بداية حصارها في مايو (أيار) الماضي من جانب قوات “الدعم السريع”.

ومنذ صدور قرار مجلس الأمن رقم 2736 في يونيو (حزيران) الماضي في شأن مطالبة قوات “الدعم السريع” بإنهاء حصار مدينة الفاشر تتوالى نداءات الأمم المتحدة لتنفيذ هذا القرار، كما تحظى مدينة الفاشر أيضاً باهتمام المبعوث الأميركي للسودان توم بيريليو، الذي يلفت الانتباه على نحو متكرر في شأن أخطار سقوط المدينة، من حيث التأثير في المدنيين المتكدسين بها، وهو ما ينتج منه بالضرورة كارثة إنسانية، كما دخل البيت الأبيض على الخط أخيراً، إذ وصف سقوط الفاشر بـ”المروع”.

وأخيراً فإن التحالف من أجل السودان “تحالف الألب”، الذي يضم الولايات المتحدة والاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة ومصر والسعودية والإمارات وسويسرا، حذر بدوره من تدهور الأوضاع في الفاشر، ودعا إلى ضرورة فك الحصار عنها.

معقل الجيش الأخير

ولعل التركيز الدولي والإقليمي على مدينة الفاشر تحديداً على مدى أشهر يثير التساؤلات في شأن لماذا الفاشر؟ وماذا يعني سقوط المدينة في الموازين العسكرية بين أطراف الصراع السوداني وانعكاساتها على المدنيين، فضلاً عن دورها في التفاعلات الإقليمية الأفريقية، خصوصاً بين السودان وتشاد، وكذلك دورها في التفاعلات الدولية في إقليم الساحل الأفريقي.

لا بد أن نشير أولاً إلى أمرين أساسيين: الأول أن الفاشر تعد المعقل الأخير للجيش السوداني وحلفائه من الحركات المسلحة في إقليم دارفور، إذ فشلت قوات “الدعم السريع” في السيطرة عليها منذ أشهر عدة لإحكام نفوذها على الإقليم، الذي باتت أربع من أصل خمس ولايات تشكله تحت إمرتها. الأمر الثاني أن تصاعد العمليات العسكرية حالياً بالفاشر يعكس رغبة قوات “الدعم السريع” في استباق الدعم العسكري الروسي في الوصول إلى الجيش السوداني، خصوصاً التسليح الجوي الذي يعتمد عليه حالياً في الإمداد اللوجيستي للفرقة السادسة التابعة له والمحاصرة داخل المدينة.

في هذا السياق فإن الموقع الجيوسياسي للفاشر مؤثر بشكل كبير في المراكز العسكرية ميدانياً لطرفي الصراع، إذ تبلغ مساحة ولاية شمال دارفور (عاصمتها الفاشر) 296 ألف كيلومتر مربع، وهي تعادل 12 في المئة من مساحة السودان تقريباً، وتمثل أكثر من نصف مساحة إقليم دارفور، وتربطها طرق تواصل بسبع ولايات سودانية، من بينها العاصمة الخرطوم، ولها أهمية لخطوط الاتصال مع تشاد ومصر وليبيا، والطريق المؤدية من غرب إلى شرق السودان.

أما على الصعيد الثقافي والعرقي فالفاشر لديها عمق تاريخي ومعنوي في وجدان أبناء المنطقة من الأصول الأفريقية، لا سيما من الزغاوة والمساليت والفور، إذ كانت الفاشر عاصمة سلطنة دارفور في القرن الـ18، وكانت المدينة ملتقى الطرق التجارية المتنقلة بين وادي النيل وتشاد ومنطقة الساحل الأفريقي الأوسع ومصر، ولا تزال حتى اليوم تشكل ثقلاً تجارياً كبيراً، خصوصاً في مجال الثروة الحيوانية.

على الصعيد الإنساني والإغاثي يعيش في دارفور ما يقرب من مليوني نسمة، غالبيتهم من النازحين إليها نتيجة الصراع المسلح، الذي جرى في إقليم دافور عام 2003، انعكاساً لصراع السلطة، الذي جرى بين حسن الترابي وعمر البشير في أعقاب ما يسمى سودانياً بالمفاصلة عام 1999.

والمفاصلة هي التي أقصت الترابي عن كل سلطة تنفيذية، وقسمت الجبهة القومية الإسلامية السودانية وآلياتها السياسية، فتبلور في هذا التوقيت ما يعرف بحزب المؤتمر الوطني الموالي البشير وحزب المؤتمر الشعبي الموالي الترابي، وهو ما أسفر أيضاً عن تكوين فصائل مسلحة في دارفور ضد المركز في الخرطوم.

حالياً مدينة الفاشر المتصارع عليها هي مقر للنشاطات الإغاثية للسكان، وكانت المقر الرئيس لبعثة العملية المختلطة للاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة في دارفور (يوناميد)، إلى جانب عدد من المنظمات غير الحكومية الدولية ومنظمات الإغاثة.

سقوط الفاشر يعني مأساة إنسانية مروعة سواء على صعيد حجم الضحايا، إذ إن ما يقرب من 800 ألف نسمة حالياً هم تحت رحمة العمليات العسكرية، وهو أيضاً حجم متوقع لمستوى النزوح السكاني لخارج المدينة، خصوصاً مع التكتيكات المنهجية لقوات “الدعم السريع” بتدمير البنية اللوجيستية، خصوصاً المستشفيات في مناطق استهدافهم، ومع طبيعة سلوكياتهم مع السكان المحليين، التي تأخذ طابعاً عرقياً مماثلاً لما جرى في الجنينة عاصمة إقليم غرب دارفور.

أما على المستوى الاستراتيجي فإن سقوط الفاشر في يد قوات “الدعم السريع” هو نقطة تحول يعني سيطرتها على كامل إقليم دارفور، وخلق واقع جديد يتعزز فيه موقعها العسكري والسياسي، كما سيزيد من تعقيد الوضع السياسي داخل السودان، وربما يؤدي إلى تغير في بعض التحالفات الداخلية والإقليمية، فضلاً عن تشكيل نقاط تلاق مع بعض المشاريع الدولية في منطقة الساحل الأفريقي.

سيناريو الفوضى الليبية

السيناريو الليبي مع سقوط الفاشر سيكون أقرب السيناريوهات الواقعية، إذ ستشرع قوات “الدعم السريع” في تكوين إدارة مستقلة في غرب البلاد، لن تحقق بدورها استقراراً، نظراً إلى أن جزءاً من المكون المحلي بهذه المناطق مناهض لآل دقلو عرقياً واجتماعياً وبالضرورة سياسياً. تأسيساً على الصراع الطويل والممتد لعقدين تقريباً بين جذر قوات “الدعم السريع”، وهم الجنجويد والسكان المحليين في إقليم دارفور.

أما على صعيد القوات المسلحة السودانية فسيكون سقوط دافور سبباً في تراجع حاضنتها الشعبية التي ترى فيها ملاذاً، وكذلك خسارة لصدقية مشروعها المطروح، الذي تتم بلورته دورياً بخطاب يشير إلى قدرة الجيش على الحسم العسكري ضد قوات “الدعم السريع”، خصوصاً في ضوء التصريحات الأخيرة لرموزها من القادة كالبرهان وياسر العطا وإبراهيم جابر المؤكدة رفض التفاوض وإمكان الحسم العسكري.

الفصائل الدارفوية المتحالفة مع الجيش قد تتجه مع الخسارة المترتبة على سقوط مدينة الفاشر، لتقوية أجنحتها الإقليمية على أسس عرقية لحماية قواعدها الاجتماعية المنتمية إلى القبائل الأفريقية، والمنتشرة في كل من دارفور وتشاد معاً. هذا التطور له مخرجات مزدوجة من حيث تهديد نظام الحكم في تشاد الذي سمح بدعم قوات “الدعم السريع” من أراضيه، مع إمكان حدوث انفجارات لها طابع عرقي في تشاد، إذ يرجح أن يقود سقوط الفاشر والانتهاكات في حق الزغاوة إلى تحركات لأبناء هذه القبيلة في تشاد دعماً لأبناء عمومتهم في دارفور، مما قد يقود إلى مفارقة تتمثل في تحالف بين إنجمينا و”الدعم السريع” للسيطرة على أي تمرد، ضد نظام محمد إدريس ديبي، الذي مارس تحولات في موقفه بين أطراف الصراع السوداني على نحو كثف من قدرات معسكر أعدائه.

في المقابل ستؤدي سيطرة قوات حميدتي على دارفور إلى تحولها إلى نقطة ارتكاز لميليشيات ومسلحين منتمية للقبائل العربية الكبرى مثل المسيرية وغيرها في منطقة الساحل، بما قد ينتج من هذه التفاعلات من انعكاسات سلبية على الأمن الداخلي في تلك الدول، في تكرار انعكاسات سيناريو الفوضى الليبية على ارتفاع معدلات هشاشة أوضاع دول الساحل الأفريقي.

في النطاق الدولي فإنه سيبرز إمكان توظيف قوات “الدعم السريع” وحلفائها في مشاريع دولية وإقليمية عناوينها الأساسية باريس وواشنطن، وذلك بهدف تصفية الحسابات مع دول مثل مالي والنيجر وبوركينافاسو، التي طردت القوى الغربية، واستبدلت بها الحليف الروسي سياسياً وعسكرياً.

الفاشر إذاً إن سقطت هي نقطة تحول في الصراع السوداني، وبؤرة تغيير في أوضاع الساحل الأفريقي بين القوى الدولية المتنافسة تحت مظلة نظام دولي قيد التشكل.

الوسومالجيش الدعم السريع الفاشر الفوضى سقوط

مقالات مشابهة

  • هل تكتمل النبوءة ؟!
  • في خريف عمره بايدن يريد حلا لمشكلة السودان المستعصية التي أعيت الطبيب المداويا
  • قائد الدعم السريع: الحرب ليست خيارنا ومستعدون لوقف إطلاق النار
  • تعذيب الأطفال واسترقاق النساء: جرائم تلاحق قادة الدعم السريع
  • البرهان يرحب ببيان بايدن ويدعو لمحاسبة مساندي الدعم السريع
  • الفاشر… ماذا يعني سقوط المعقل الأخير للــجيش السوداني؟
  • السودان يحترق والقوى الأجنبية تستفيد.. ما المكاسب التي تجنيها الإمارات من الأزمة؟
  • الدعم السريع تتهم مناوي بسرقة المساعدات الإنسانية الموجهة إلى دارفور
  • «الدعم السريع» تتهم مناوي بسرقة المساعدات الإنسانية الموجهة إلى دارفور
  • ما هو موقفي من قوات الدعم السريع؟