ورد إلى دار الإفتاء المصرية، سؤال يقول (هل مشاركة غير المسلمين في الاحتفال برأس السنة الميلادية يُعدُّ إقرارًا بعقائدهم؟.

وقالت دار الإفتاء، في إجابتها عن السؤال، بأنه ورد عن الصحابة رضي الله عنهم وفقهاء الأمة مشاركة غير المسلمين في بعض المظاهر الاجتماعية لأعيادهم؛ كالأكل من أطعمتهم المصنوعة خصيصًا لها، ولم يروا ذلك إقرارًا على ما خالف الإسلام من عقائدهم.

كما أخرج الخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد" (15/ 444، ط. دار الغرب الإسلامي) بسنده إلى إسماعيل بن حمّاد بن أبي حنيفة النعمان بن ثابت بن النعمان بن المرزبان، قال: [النعمان بن المرزبان أَبُو ثابتٍ هو الذي أهدى لعلي بن أبي طالب عليه السلام الفالوذج في يوم النيروز، فقال: "نَوْرِزُونَا كُلَّ يَوْمٍ"، وقيل: كان ذلك في المهرجان، فقال: "مَهْرِجُونَا كل يوم"] اهـ. والنيروز: لفظ فارسي مُعرَّب؛ معناه: اليوم الجديد، وهو عيد رأس السنة عند الفرس، ويصادف أول فصل الربيع.

وذكرت دار الإفتاء، أن الأعياد أيام تُتَّخَذُ لإظهار السرور والفرحة، وللأعياد الدينية أبعاد اجتماعية واقتصادية نافعة، وتزداد فيها هذه الجوانب قوّةً كلما قويَتْ أواصر المجتمع، وتلاحمت روابطه، وتآخت طوائفه، وزاد المشترك بين أفراده وجماعاته، فيحصل التشارك المجتمعي العام الذي يتناسى أصولها الدينية وفوارقها العقائدية.

وأوضحت، أن اختلافُ فتاوى العلماء في المشاركة في أعياد غير المسلمين راجع إلى أن هذه الأعياد يتجاذبها البعدان الديني والاجتماعي قوةً وضعفًا؛ خاصة مع تزامن فتاواهم والحروب الصليبية، ومع غلبة الطابع الديني على النزاعات والحروب الدولية، ومع زيادة التعصب الديني وضعف المشاركة المجتمعية في كثير من الأحايين؛ مما قوَّى عند جماعة من الفقهاء الأخذ بمسلك سد الذرائع؛ حفاظًا على تماسك الدولة الإسلامية أمام المد الصليبي المتعصب الذي يلبس لباس الدين زورًا وبهتانًا.

وتابعت: ولذلك بنى المحققون من فقهاء المذاهب الأربعة جواز مشاركة غير المسلمين في أعيادهم على تناسي الفوارق الدينية فيها، وعلى انعدام قصد التشبه بهم فيما خالف الإسلام من عقائدهم، وعلى غلبة المعنى الاجتماعي وقوة المشترك الإنساني في مظاهر الاحتفال، وعلى استغلال هذه المواسم في فعل الخير وصلة الأرحام والمنافع الاقتصادية، وبنوا الجواز كذلك على خلوص القصد في المشاركة المجتمعية المحضة، وقرروا أن صورة المشابهة لا تضر إذا تعلق بها صلاح العباد، وجعلوا التحريم مُنصَبًّا على المشاركة التي يلزم منها الإقرار على العقائد المخالفة للإسلام.

فعند الحنفية: قال العلامة ابن عابدين في حاشيته "رد المحتار على الدر المختار" (1/ 624، ط. دار الفكر): [(قوله: لأن التشبه بهم لا يُكرَه في كل شيء) فإنا نأكل ونشرب كما يفعلون "بحر" عن "شرح الجامع الصغير" لقاضي خان، ويؤيده ما في "الذخيرة" قبيل كتاب التحري: قال هشام: رأيت على أبي يوسف نعلين مخصوفين بمسامير، فقلت: أترى بهذا الحديد بأسًا؟ قال: لا، قلت: سفيان وثور بن يزيد كرها ذلك؛ لأن فيه تشبهًا بالرهبان! فقال: "كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يلبس النعال التي لها شعر، وإنها من لباس الرهبان"، فقد أشار إلى أن صورة المشابهة فيما تعلق به صلاح العباد لا يضر] اهـ.

وعند المالكية: قال العلامة المواق العبدري (ت:897هـ) في "سنن المهتدين" (ص: 249، ط. مؤسسة الشيخ زايد): [كنت أبحث لأهل الفحص لبس الرندين، كما قال مالك في "المظال": "ليست من لباس السلف" وأباحها؛ لأنها تقي من البرد، فشنّع هذا عليّ، فكان من جوابي أن قلت: الرندين ثوب رومي يضمحل التشبه فيه بالعجم في جنب منفعته، إذ هو ثوب مقتصد ينتفع به ويقي من البرد، ونص من أثق به من الأئمة أنه ليس كلُّ ما فعلَتْه الأعاجمُ منهيًّا عن ملابسته، إلا إذا نهت الشريعة عنه ودلت القواعد على تركه، والمراد بالأعاجم الذين نهينا عن التشبه بهم: أتباع الأكاسرة في ذلك الزمن؛ في سرفهم ونحوه، ويختص النهي بما يفعلونه على خلاف مقتضى شرعنا، وأما ما فعلوه على وفق الندب أو الإيجاب أو الإباحة في شرعنا فلا نترك ذلك لأجل تعاطيهم إياه؛ لأن الشرع لا ينهى عن التشبه بفعل ما أذن الله فيه، فقد حفر صلى الله عليه وآله وسلم الخندق على المدينة، تشبهًا بالأعاجم حتى تعجَّب الأحزاب منه، ثم علموا أنه بدلالة سلمان الفارسي رضي الله عنه] اهـ.

وعند الشافعية: قسم العلامة ابن حجر الهيتمي أنواع المشاركة في أعياد غير المسلمين إلى ما يُقصَد به التشبهُ بهم في عقائدهم أو في شعائر أعيادهم المخالفة للإسلام: فمحظور شرعًا، قال: "وإن لم يقصد التشبه بهم أصلًا ورأسًا: فلا شيء عليه" اهـ من "الفتاوى الفقهية" (4/ 234، ط. دار الفكر).

وعند الحنابلة: نص الإمام أحمد على جواز استغلال المنفعة الاقتصادية لأعياد غير المسلمين، ولا يخفى ما في ذلك من المشاركة المجتمعية وتبادل المنافع الاقتصادية؛ فأخرج الإمام أبو بكر الخلّال البغدادي الحنبلي في "أحكام أهل الملل والردة من الجامع لمسائل الإمام أحمد" (ص: 51، ط. دار الكتب العلمية) عن مهنا، قال: سألت أحمد عن شهود هذه الأعياد التي تكون عندنا بالشام، مثل طور تابوت، ودير أيوب، وأشباهه، يشهده المسلمون؛ يشهدون الأسواق، ويجلبون فيه البقر والغنم، والدقيق والبر، وغير ذلك، إلا أنه إنما يكون في الأسواق يشترون، ولا يدخلون عليهم بيعهم؟ قال: "إذا لم يدخلوا عليهم بيعهم وإنما يشهدون السوق، فلا بأس".

وأكدت دار الإفتاء، أن الاحتفالات برأس السنة الميلادية قد اصطبغت بالصبغة الاجتماعية، وصارت مناسبة قومية، وهي وإن ارتبطت بفكرة دينية في الأصل، إلا أن المشاركة فيها لا تستلزم الإقرار بشيء من الخصوصيات الدينية التي لا توافق العقيدة الإسلامية، غير أنه يلزم التنبيه على وجوب الالتزام بالآداب الإسلامية في هذه الاحتفالات، والبعد عن ما يحرمه الإسلام أو تأباه الأخلاق الكريمة والأعراف السليمة.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: دار الإفتاء المسلمين الاحتفال السنة الميلادية الصحابة دار الإفتاء

إقرأ أيضاً:

تحديد عطلة رأس السنة الميلادية للقطاع الخاص

أعلنت وزارة الموارد البشرية والتوطين أن "يوم الأربعاء الموافق 1 يناير 2025 عطلة رسمية مدفوعة الأجر لجميع العاملين في القطاع الخاص في الدولة بمناسبة رأس السنة الميلادية".
وتمنت الوزارة، على منصة "إكس"، للجميع "عاماً مليئاً بالسعادة والنجاح".

أخبار ذات صلة 130 مليون عملية تواصل بين «الموارد البشرية» والمتعاملين عبدالرحمن العور: 120 ألف مواطن ومواطنة يعملون في 23 ألف شركة المصدر: الاتحاد - أبوظبي

مقالات مشابهة

  • 1 يناير عطلة رأس السنة الميلادية في حكومة الشارقة
  • هدية لأهالي المحلة صورة مع ديكورات «رأس السنة».. من عين «حسام»
  • قصة الاحتفال برأس السنة الميلادية.. تعرفوا عليها
  • أفكار مميز للاحتفال برأس السنة في المنزل
  • 1 يناير عطلة رأس السنة الميلادية للقطاع الخاص
  • الإمارات تعلن موعد عطلة رأس السنة الميلادية للقطاع الخاص
  • تحديد عطلة رأس السنة الميلادية للقطاع الخاص
  • الإمارات.. 1 يناير عطلة رأس السنة الميلادية في القطاع الخاص
  • شرطة رأس الخيمة جاهزة لتأمين احتفالات رأس السنة
  • شرطة رأس الخيمة جاهزة لتأمين احتفالات رأس السنة الميلادية