يتقلّب عالم اليوم على جمْرٍ من الشعارات والمبادئ التي سادت طيلة قرن من الزمن، ويُعيد أصحاب الرأي تحديد المفاهيم وضبط الحدود بينها، والمبدع العربي -في ظنّي- يقف مشدوها، فاغرا فاه، مدهوشا من نهاية الإنسانيّة، وتركّز وقاحة الأقوى، يتتبّع تصاريح الساسة المالكين لمفاتيح القنابل المنهية للكون، ويرى مشاهد مباشرة عن تقتيل الرضّع والعُجّز وتدمير الملاجئ والمشافي ودور العبادة، لا يفقه ما يجْري، ولا حيلة له في فعلِ شيء، حتّى الإبداع استحال عَدَما، هل هي نهاية الفنّ على الشاكلة التقليديّة؟ أو هي ولادةٌ جديدة لوعي ضلّ سبيله طيلة عهود؟ لم يعد لموسيقى النضال من أثرٍ، ولا للشعر من ميزان، ولا للقصّة من قصّة تُحكى، أمام مشاهد الدفن الجماعي اليوميّ للبشر، وأمام صور الأكفان تُغطّي الأوطان، وأمام وطنٍ صارت المعونات المقدّمة له أكفانا حتّى لا يتلوّث المُحيط من روائح الموت الحالّة بالمكان.
كانت الثقافة سلاحا حادّا للمقاومة، وأداةً تُرعبُ مُستعمرا غاصبا، وقد تراجع هذا الدور الثقافي إلى أبعد حدّ. لم تكن غزّة ولا حربها ولا صلابتها، ولا هزؤها من مارد صهيوني قبيح المرأى، حديثة عهد في الصلابة، ولا قوّة المقاومة، فالشعوب تتحدّد بتواريخها، وبمنجزاتها عبر التاريخ. غزّة كانت من أكبر المدن الحاضرة في المدوّنات التاريخيّة والأدبيّة العربيّة، هي مدينةٌ أتاحت لي الحربُ فرصة التنقيب عن تاريخها، وعن مأتى هذه الصلابة التي يتشبّث بها أهل غزّة بأرضهم وبوطنهم وبتاريخهم.
لقد سجّل التاريخ مدينةً ضحيّةً لعدوانٍ مُختلف الأشكال والألوان والمظاهر، هي مدينة منْجمٌ يُولّد المعاني الصعاب للكُتّاب والأدباء وللفنّانين عموما بما شهده تاريخها من تقلّباتٍ، وها هي تكتب بدماء شهدائها بالدم لا بالمداد والألوان، تاريخا للبطش والعنف ومثالا للدمار، للوحشيّة البشريّة، وكم كان اليهود عبر التاريخ شعبا مدمِّرا للبشريّة. لم تدن غزّة لقوم موسى، وكان فيها قومٌ جبّارون تُخشى مقاومتهم، ولم تدن بعد موسى لقائده يوشع بن نون، وعلى قول عارف العارف في كتابه «تاريخ غزّة»: «وأمّا غزّة فإنّها لم تدخل في حكم بني إسرائيل إلّا في أيّام سليمان الذي اعتلى منصّة الحكم بعد أبيه داود، فقد كان له جيش جرّار، ودانت له البلاد من الفرات حتّى التخوم المصريّة»، بقيت أبيّةً، عصيّةً، والأمل أن تبقى في حال اليوم كذلك، ليتفرّج العالم ويرى بأمّ عينه كيف تتحوّل الأسطورة واقعا عينيّا. إضافةً إلى عارف العارف الذي لم يقتصر على كتابه آنف الذكر في جرد «تاريخ غزة» منذ تكوّنها، ومختلف الحروب التي أثبتت أهلها في مواقعهم، بل تعدّاه إلى موسوعة في تسجيل تاريخ غزة ووقائعها في ستة أجزاء بعنوان «نكبة فلسطين والفردوس المفقود 1947- 1952» منهيا أجزاءه بـ«سجلّ الخلود» في تثبيت أسماء الشهداء الذين استشهدوا في معارك فلسطين من 1947 إلى سنة 1952، نجد أيضا كتابا مهمّا بعنوان: «إتحاف الأعزّة في تاريخ غزّة» لعثمان مصطفى الطبّاع، وقِس على ذلك ممّا يُنبئ بتاريخ حافلٍ بعملِ اليهود عبر التاريخ على تركيع غزة. أمّا في الأدب فغزّة حاضرةٌ شاهدةٌ على مجازر يصعب حدّها أو عدّها، وها هو معين بسيسو في دفاتره يُحسن وصفها ووسمها يقول: «غزة التي لوت ذات يوم قرني شمشون، وأرغمت هذا الثور الأمي الصهيوني، الذي كان يربط قصاصات النيران في ذيول بنات آوى ويطلقها فـي زمـن الحصاد، لتحرق قمح أجدادنا الفلسطينيين القدامى. غزّة أرغمت هذا الشمشون على أن يفعل رغم إرادته شيئا مفيدا، أن يجرّ طاحون المعصرة، أن يكتب معادلة موته.
السمّ الصهيوني ضدّ الزيت الفلسطيني». وتُكتب الشهادات العددُ شعرا ونثرا، تُسجّل واقعا أو تصويرا أدبيّا ما يُعانيه الفرْدُ والجمْع في مقام الاستعمار الذي أصبح استيطانا، ثمّ تحوّل اليوم بقدرة قادر صاحب أرض يشهد له العالم بالامتلاك، وأصبح أهل البلد إرهابيين، دخلاء، يُحدثون الفوضى في أرض ليست لهم! عجبا، عندما نقرأ ما أسميناه ظلما وعدوانا بـ«أدب الشتات» نتبيّن الضحيّة التي ينبغي أن يبلغ صوتها العالم. لا أحبّ التسمية النقديّة التي أُطلقت على الأدب الفلسطيني في المهجر، «أدب الشتات»، اختيارٌ مسيءٌ لا معنى له، ليس بأدب شتات، بل هو أدب شهادة على تشتيت قوم، التشتيت أو الإبادة، ولكنّ الصوت الفلسطيني حاضرٌ في أدب يعرض مباشرة أو بشكل إيحائيّ إلى الوجه القذر للاستعمار اليهودي، في «البئر الأولى» لجبرا إبراهيم جبرا، وإن كان متحدّثا عمّا يسبق الدخول الصهيونيّ، غير أنّ روح البلاد وريحها قبل تدميرها وإفساد نسائمها في حاجة إلى توثيق، في «رحلة جبليّة صعبة» لفدوى طوقان، وإن كانت الذاتيّة أغلب، في «قهوة» محمود درويش، وكلّ ما كتبه، وكلّ ما همّ بكتابته، في كتابه «ذاكرة للنسيان» الذي قال فيه: «لقد قطع عنا ممثّلو نفايات الصليبيين الماء، بينما كان صلاح الدين الأيّوبي يرسل الثلج والفواكه إلى أعدائه «لعلّ قلوبهم رق» كما كان يقول، وفي الزعتر كان القتلة يصطادون الفلسطينيّات على نبع الماء، على ماسورة الماء المكسورة، كما يصطاد الصيّادون الغزلان العطاش. الماء القاتل، الماء المخلوط بدم العطشى الذين غامروا بحياتهم من أجل كوب ماء. الماء الصالح لتحسين شروط التفاوض لدى من لم يلمس الماء إنسانيتهم اليابسة»، هذه الإنسانيّة اليابسة تتشرّب دماء الأطفال، ولا يهزّها أدب ولا فنّ، أدب الضحيّة، أدب الشهادة على هذا العصر ذي الإنسانيّة اليابسة يجب أن يُحدث ثورة جديدة، أمّا الكيف فمجهول، وأمّا الضربُ فواجبٌ، وأمّا النوع فمطلوبٌ مرغوب.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: ة التی
إقرأ أيضاً:
حكم صلاة المرأة في البنطلون ضيق للنساء .. الإفتاء تحسم الجدل
ما حكم صلاة المرأة في البنطلون ؟ تجوز الصلاة في البنطلون إذا كان ساترًا للعورة، فمن المقرر شرعًا أن ستر العورة شرط من شروط صحة الصلاة، فلا تصح الصلاة بدون سترها؛ ويشترط في الثوب الساتر للعورة داخل الصلاة ألَّا يكشف العورة أو يشفها، أما ما يصفها من الملابس الضيقة؛ كالبنطلون الضيق ونحوه، فتصح الصلاة فيها مع الكراهة.
حكم الصلاة في البنطلونأجاب الدكتور محمود شلبي، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، على سؤال أحد المتصلين حول حكم صلاة المرأة في البنطلون، حيث أكد أن الصلاة تكون صحيحة إذا توفرت الشروط الشرعية لصحتها.
وأوضح أمين الفتوى، أن من أهم شروط الصلاة هو ستر العورة، وبالنسبة للمرأة فإنها يجب عليها ستر جميع بدنها ما عدا الوجه والكفين، وبعض الفقهاء مثل الحنفية زادوا القدمين على ذلك.
ولفت إلى أن البنطلون إذا كان ساترًا للعورة وغير شفاف أو ضيقًا بشكل يحدد تفاصيل الجسم فإنه لا مانع من صلاتها به، وبالتالي تكون الصلاة صحيحة ولا شيء فيها.
هل يجوز الصلاة بالبنطلون واسع؟يجوز للمرأة أن تصلي في بيتها بالبنطلون وأن ترتدي خمارًا طويلًا يستر جسدها، ويجب أن يكون البنطلون ساترًا لجسمها ولا يظهر أجزاءً من جسدها بحيث لا يكون شفافًا، ويجب أن يكون البنطلون فضفاضًا واسعًا.
وأكدت لجنة الفتوى التابعة لمجمع البحوث الإسلامية، أنه لامانع من أن تُصلي المرأة في البيت وهي ترتدي البنطلون الواسع، مشيرة إلى أن عليها أن تستتر عن أعين الرجال الأجانب.
وأوضحت «البحوث الإسلامية» في إجابتها عن سؤال: «هل يجوز للمرأة الصلاة بالبنطلون واسع فى البيت؟»، أنه يجوز للفتاة أن تتزين في كل وقت وحين، بشرط ألا يطلع على زينتها إلا زوجها وأقاربها المحارم والنساء، منوهة بأنه لا مانع من الصلاة في البنطال وعليها أن تستتر عن أعين الرجال الأجانب.
واستشهدت بقوله تعالى: «وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ» (سورة النور: 31).
ما يقال عند قول المؤذن الصلاة خير من النوم؟ كلمتان تفتحان أبواب الخيراتهل الصلاة بسرعة باطلة؟.. أمين الفتوى يوضححكم الوضوء بالمكياج وطلاء الأظافر
قال الشيخ عويضة عثمان، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، إن وضع المكياج للمرأة بعد الوضوء لاحرج فيه ووضوؤها وصلاتها صحيحة.
وأوضح «عويضة» في إجابته عن سؤال: «ماحكم صلاة المرأة بالمكياج؟»، أن العلماء قالوا إنه إذا وضعت المرأةُ المكياج وهي غير متوضِّئة، أو انتقض وضوؤها والمكياج على وجْهِها، وكان من النَّوع المانع من وصول الماء إلى البشرة، فالواجب إزالتُه حتَّى يصحَّ الوضوء.
وأضاف أن وضع المكياج بعد الوضوء ليس فيه حرج ولكن وضعه قبل الوضوء لا يصح فقد يكون له جرم يمنع من وصول الماء إلى البشرة، أمَّا إذا وضعت المكياج بعد أن توضَّأت وبقِيت محافظة على وضوئها، فتصلِّي به ما شاءت من الصلوات ما دام وضوءها لم ينتقض.
وأشار إلى أن طلاء الأظافر مادة لها جرم لذلك من شروط صحة الوضوء والغسل وصول الماء إلى بشرة المتوضئ.
أفاد الشيخ أحمد ممدوح، مدير إدارة الأبحاث الشرعية وأمين الفتوى بدار الإفتاء، بأن غسل الأيدي إلى المرافق هذا واجب وركن من أركان الوضوء، الذي يستدعي أن يعم الماء كل ما يصدق عليه اسم اليد من أطراف الأصابع إلى المرفق.
ونوه «ممدوح»، خلال البث المباشر لدار الإفتاء على «فيسبوك»، في إجابته عن سؤال: «متى يمكن للمرأة استعمال طلاء الأظافر (المناكير) دون أن يؤثر في صحة الوضوء؟»، بأنه لو كان هناك شيء موجود على اليد يحول دون وصول الماء إلى جزء من أجزاء اليد، فهذا يعني أن غسل اليدين لم يحدث بتمامه.
وألمح إلى أن هذا ما يحدث عند وضع طلاء الأظافر، الذي يمنع وصول الماء إلى حيث موضعه، وبالتالي يكون هناك إشكالًا في تمام الوضوء، بما يؤثر على صحة الوضوء، منوهًا بأن الله سبحانه وتعالى في آية الوضوء في سورة المائدة، عندما حث الله تعالى عباده المؤمنين على غسل أيدهم إلى المرافق، في قوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ۚ» الآية 6 من سورة المائدة.
وواصل: ولكن مع التقدم العلمي في إنتاج مثل هذه المواد التجميلية، يمكن المرأة في الاستمتاع بهذه الزينة في حدود المسموح لها به، وفي الوقت ذاته لا يؤثر على صحة أظافرها ولا صحة عباداتها، وهو نوع جديد من طلاء الأظافر انتشر واشتهر في الأوساط النسائية، يسمح بنفوذ الماء والهواء، فبه تستطيع المرأة الجمع بين التجمل المباح والعبادة الصحيحة، التي لا خلاف في صحتها بين العلماء، وهناك صنف آخر من طلاء الأظافر غير الدائم، والذي تستطيع المرأة تقشيره بيدها.