لجريدة عمان:
2024-09-18@09:21:38 GMT

بيتر هندكه.. سيفا اللغة والسرد

تاريخ النشر: 5th, December 2023 GMT

بيتر هندكه.. سيفا اللغة والسرد

تتفق الكتابة الأدبية، بشكل عام، على استخدام اللغة الاجتماعية، وعلى مكانة الإنسان في المجتمع. ولكن، «في الوقت عينه»، هناك حضور لا يُحصى من الإيماءات، والأحاسيس، والأماكن، والانطباعات العابرة إلى حدّ ما، والتي تبقى كامنة أي غير معلن عنها في معظم الأوقات، والتي تشكل مع ذلك نسيج الحياة ذاته. كلّ أعمال الكاتب النمساوي بيتر هندكه -(مواليد 1942 وحائز نوبل للآداب العام 2019)- تمثل سعيًا مستمرًا لتحقيق هذا الهدف، وتتمايز عن الهياكل السردية المعتادة.

فالكتابة عنده، تتعلق بالاستيلاء على المساحة الموجودة أمامه دائمًا، على الرغم من الظروف المحيطة بها. الاستيلاء على المرئي، مثلما يتكشف ذلك في ترحلاته وسفره، فعندها يكون متشكّلا من جميع الأماكن التي يواجهها أو يختبرها، أي تلك التي يستمر في العودة إليها. إنها بذلك تشكّل مادة الأدب، و«تضمن»، باختصار، الإحساس الحقيقي.

«السيف الثاني» (منشورات غاليمار في باريس، 128 صفحة) هو جزء كامل من هذا النهج المتواصل والمستمر، والذي، مثل التنفس، هو بصمة الحياة ذاتها، التي يمكن نقلها إلى أي قارئ كاحتمال خاص به، وخاصة عبر الترجمة الجميلة والدقيقة والمرنة لجوليان لابير دو كابانا، وكأنه يعيد إنشاء النص بشكل مثالي، بعيدا عن عملية النقل من الألمانية إلى الفرنسية.

ما من شيء خاص، أو حصري في سردية بيتر هندكه هذه، فما يحدث للشخصية (الروائية) يمكن له أن يحدث للجميع، وكل ما يعيشه هذا الرجل، الذي يتحدث عنه الكتاب هو «شائع» وخاص بالجميع. باستثناء أنه زار ذات يوم ضاحية باريس الشمالية، وما إن عاد حتى أحس أن نزهته كانت أشبه «بترحال في داخل الأرض»، فما كان أمامه، إلا أن عاد إلى هناك بعد ثلاثة أيام؛ وحين غادر تلك البقعة مجددا، سيطرت عليه هذه المرة الحاجة إلى مكان آخر «مصنوع من الانتقام».

كانت حاجة هذه الشخصية، أو لنقل مشروعها، الانتقام في قلب المشهد الطبيعي. والقصد من ذلك هو قتل الصحفي الذي كتب أن والدة الراوي، في زمن مضى، انحازت إلى جانب المحتلين الألمان للنمسا. فاتح بالأمر صديقه إيمانويل، رسام هياكل السيارات، لغاية أنه سأله عمّا إذا كان قد قتل أحدا من قبل.

يقع الراوي تحت تأثير ضيق الوجود الأساسي، الذي يشكل أساس بعض المواجهات المعينة مع الواقع. إنه الانتقام كقوة دافعة للذات البشرية، كمحتوى أساسي له، لكن الانتقام ربما يكون مجرد فرصة مكثفة لهذا الوجود، لا في إنجازه، بل في مدته الزمنية المستمرة. في أي حال، تنتهي الرغبة في القتل إلى أن تتوزع على أشياء متعددة، مرئية، إلى لقاءات. الرحلة التي تبدو وكأنها خارجه، سوف تمنحه فرصة اكتشاف الذات.

تهدف هذه الرحلة، من دون حتى إطالتها، إلى مصالحة غريبة مع التاريخ الذي حرص بيتر هندكه دائمًا على إبعاد نفسه عنه: تستعيد هذه السردية قصة الــ«Wanderung» (التجول) سيرًا على الأقدام في «إيل دو فرانس»، والتي سبق أن بدأتها شخصية الممثل في كتاب سابق لهندكه وهو «السقوط العظيم» (2011)؛ ففي روايته هذه، يستيقظ الممثل ذات يوم على صوت الرعد الشديد، لينتهي به الأمر بالسقوط العظيم. كان قد نام في منزل امرأة كان قد التقى بها في ذلك المساء نفسه، هناك، في المدينة الكبرى. هل هما شخصان متواطئان أم عاشقان؟ في أي حال، كان الثنائي الذي يشكلانه لا يزال غامضا للغاية في نظر الراوي الذي يتابع إعداد «ممثله» خطوة بخطوة. كان من المقرر أن يبدأ التصوير في اليوم التالي، لكن يتعين عليه أولا مغادرة المنزل وعبور الغابة ثم الوصول إلى العاصمة. أغرب اللقاءات تتبع بعضها البعض دون أن نعرف حقًا أي الشخصيات موجودة وأيها متخيلة. يأخذنا هندكه في كتابه هذا في رحلة شعرية. ونجد أن المجتمع والسياسة وحتى الطبيعة تتحدث عبر هذا الممثل الذي يتجه بلا هوادة نحو السقوط العظيم، الذي لم يكن سوى عراك يسقط فيه مضرجا بالدماء حتى الموت، بعد أن وصل على ساحة المدينة. هنا أيضا نجد طريقا مماثلا من الضواحي الداخلية إلى وسط باريس. لكن هذه الرحلة هي أيضًا رحلة يكون فيها، على الرغم من نفسه، منغمسًا على وجه التحديد في هذا التاريخ الذي ينضم إلى أسسه بينما يبدو أنه يتحداه.

يُظهر عنوان الكتاب الفرعي «قصة في مايو» كيف يتم استيعاب الانتقام وعكسه و«تضمينه» في التكوين العام للمكان، لذا ليس من قبيل الصدفة أن يظهر «بور رويال» مرة أخرى في قصة لبيتر هندكه؛ إذ يُعدّ «بور رويال» مكانًا لاضطراب الروح، وقطبًا للتعافي الذاتي، وهو على وجه التحديد في قلب التاريخ البشري منذ أن نشأ باسكال وراسين هناك، وفي الأسس ذاتها التي تجعل هناك لغة: الصرف والنحو.

اللغة في الواقع هي اللحظة الحاسمة في كلّ ما يكتبه بيتر هندكه، اللغة في تزامنها مع ما يقوله (هل هذا هو سبب اللجوء إلى النص الكتابي، «السيفان» اللذان يظهران في «إنجيل لوقا» «فَقَالُوا: «يَا رَبُّ، هُوَذَا هُنَا سَيْفَانِ». فَقَالَ لَهُمْ: «يَكْفِي!»، 22:38)؟ إنها اللغة التي تشكل السيف الأول، ولكن بكونها غير مبرمجة مسبقا.

تشكل المناظر الطبيعية في «إيل دو فرانس»، وفي قلبها مقهى «المحطات الثلاث»، الإطار الأسطوري. كل العناصر المادية الصغيرة، والأصوات، ومواقف الأشخاص الذين نواجههم، هي علامات على هذه الاستمرارية. «ما رأيته، الشيء مثل الكلمة، كان استمرارًا. - الأبدية؟ - لا شيء سوى الاستمرار. لنستمر في التجول إذًا». كتاب هندكه هذا، وكأنه بمثابة رحلة عبر كتبه الأخرى؛ إذ مع بعض الإيهام، نجدها حاضرة كلها تقريبًا هنا، حتى كتابه «مقالة عن مجنون الفطر».

لكن ما يهم هو السيف الثاني، سيف السرد، وبالتالي سيف الفعل (الكلمة)، إنه علامة الاستمرار، وربما يشير شهر مايو إلى الوعد العبثي والضروري المطلوب دائما: تراجع العنف. أحد هذه الأماكن الأساسية هو بالقرب من حظائر مزرعة بور رويال، وهو جزء من جدار منقوش عليه «اليوم، 8 مايو 1945، أجراس النصر تقرع» الحرب العالمية الثانية مع تحقيق الانتقام.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

وزير التعليم: كثافة الفصول أقل من 50 طالبا في العام الدراسي الجديد

استعرض محمد عبد اللطيف وزير التربية والتعليم والتعليم الفني، بعض الحلول والآليات التي طرحتها الوزارة للتطبيق في الإدارات التعليمية المختلفة لتقليل الكثافة، ومن بينها استغلال الغرف غير المستغلة بالمدرسة وتحويلها إلى فصول دراسية، والعمل بنظام الفترتين في بعض الادارات التعليمية وفقا لطبيعتها واحتياجاتها.

طرح حزمة متنوعة من الإجراءات والخطط الاسترشادية

وأوضح الوزير، خلال لقائه مع رؤساء تحرير ومجالس إدارات الصحف والمواقع الإلكترونية والإعلاميين لاستعراض رؤية الوزارة لتطوير المنظومة التعليمية أهم ملامح المرحلة القادمة، مع أنه تم طرح حزمة متنوعة من الاجراءات والخطط الاسترشادية التي أعدتها الهيئة العامة للأبنية التعليمية لتختار ما إدارة ما يناسبها منها

وأكد «عبد اللطيف» أن العام الدراسى الجديد سيشهد وفقا للآليات المطبقة، وصول كثافة الفصول إلى أقل من خمسين طالبا في الفصل، على مستوى 90% من المدارس بمختلف المحافظات، والانتهاء من قوائم الفصول.

زيادة المدة الزمنية للحصة

وتابع الوزير أنه استكمالًا لاستعدادات للعام الدراسى الجديد تم زيادة الفترة الزمنية الفعلية للتدريس من 23 أسبوعًا إلى 31 أسبوعًا، إلى جانب زيادة المدة الزمنية للحصة بمقدار 5 دقائق، وهو ما يرفع من قدرة التدريس بنسبة 33%، ويساعد على تنفيذ الخطة الدراسية بما فيها من تعليم نشط.

وفيما يخص القرار الوزارى الخاص بإضافة (اللغة العربية والتاريخ) للمجموع بالمدارس الدولية والمدارس ذات الطبيعة الخاص، أكد الوزير أن الطالب يدرسهما فعليا بالمدارس الدولية وسيهتم بهما أكثر عند ضمهما فى المجموع، بما يساهم في ترسيخ الهوية الوطنية لديه ومعرفته بتاريخ وطنه، مشيرًا أن اللغة العربية هى اللغة الأم التى يجب إتقانها.

مقالات مشابهة

  • مواعيد تقديم الأوراق المطلوبة للطلاب الجدد في كلية الألسن بجامعة كفر الشيخ
  • بـ «زجاجات مولوتوف».. رغبة الانتقام تقود لإشعال النيران بمصنع بالجيزة والنيابة تحقق
  • وزير التعليم: كثافة الفصول أقل من 50 طالبا في العام الدراسي الجديد
  • هناك دائما خطر.. هذا ما كشفه بوريل حول التصعيد في لبنان
  • «مهرجان البدر».. بين «فن الأكريليك» والسرد القصصي
  • برلماني يرفض إدراج العفو والأحوال الشخصية بجلسة واحدة: هناك اختلاف بين القانونين
  • إطلاق نار كثيف في أنفة وتلة العرب... ما الذي يحدث هناك؟
  • الإمارات تقود جهود تطوير نماذج اللغات الكبيرة في المنطقة
  • أين المدقق اللغوي عن ضبط لسان المذيع؟!
  • سلسلة غارات إسرائيلية تطال الجنوب.. إليكم ما يجري هناك