تندوف.. عمائرُ من حجر وطين تروي حكايا الغابرين
تاريخ النشر: 5th, December 2023 GMT
الجزائر - العُمانية: يُرجعُ العديدُ من المؤرّخين نشأة مدينة تندوف، في أقصى الجنوب الغربي للجزائر، إلى حوالي القرن العاشر الهجري، الموافق للقرن السادس عشر الميلادي.
ويعود أصل تسمية هذه المدينة، التي تبعد عن العاصمة الجزائر بأكثر من 2000 كيلومتر، بحسب المؤرّخ أبو عبيد البكري (تـ487 هـ/ 1094م)، في كتابه «مسالك وممالك»، إلى كلمة (تيندفوس)؛ نسبة إلى آبار حفرها المسافرون، غير أنّها سرعان ما كانت تزول وتندثر، ومن ثمّ أصبحت تندوف حاضرة من حواضر العلم والفكر من خلال دور الزوايا والكتاتيب القرآنية التي كانت تنشر تعاليم الدين الإسلامي.
ويُشير إبراهيم حركات، وهو باحثٌ في تاريخ تندوف، إلى أنّ هذه المنطقة مثّلت مركزًا صحراويًّا حفر به المسافرون عدة آبار لتزويد القوافل التجارية بالمياه، لكنّ معظمها طاله الجفاف، ولا تزال آثار جزء من تلك الآبار بسبخة تندوف الكبيرة، وهذا ما يُؤكّده أيضًا ما ذهب إليه بعض المؤرّخين في شأن تسمية تندوف الحالية التي أرجعوها إلى اجتماع كلمتين هما «تن» (باللّهجة التارقية)؛ وتعني الينبوع أو العين، و«دوف»؛ التي تعني غزارة تدفق المياه من العين. وتستمدُّ مدينة تندوف أهميّتها التاريخيّة من كونها ظلّت تُشكّل همزة وصل بين مختلف مناطق غرب إفريقيا ودول مغاربية عديدة عن طريق القوافل التجارية التي كانت تعبرُ الصحراء محمّلة بالملح ومختلف الأدوات المستعملة في الحياة اليومية لدى السكان آنذاك.
وقد تميّزت مساكن تندوف القديمة بالبساطة، كونها بُنيت بمادة الركز؛ وهو الأرض المدكوكة، كما هو الحال بالنسبة لقصبات تندوف القديمة، وأبرزُها قصبة أهل العبد بحي الرماضين، وقصبة أهل بلعمش بحي موساني العتيق، أو دار الديماني الوسري بحي القصابي؛ ولهذا تأخذ مباني تندوف القديمة لون التربة التي صُنعت منها مواد البناء، وهو اللّون البُنّي، كما تمّ الاعتماد على بعض أنواع الحجارة المتوفرة بالمنطقة لإنشاء مختلف العمائر، كالبيوت، والمساجد التي لم تُعرف بكثرة الزخارف، ولم يتمّ الإفراط في تزويدها بالنوافذ والأبواب إلا بالقدر الذي تتطلّبُه الحاجة إلى ذلك، وعادة ما كانت النوافذ تأخذ شكلًا مربّعًا أو مستديرًا من دون تزويق ولا تنميق.
وقد تمّ إعادة ترميم العديد من تلك المباني مع المحافظة على الجوانب المعمارية التي بُنيت بها في أوّل الأمر، في حين تنتظر بعض العمائر الأخرى دورها في إعادة التهيئة والترميم لتعود إليها الحياة من جديد.
ومن أقدم المعالم التاريخيّة التي تضمُّها تندوف قصبة أهل بلعمش وبها زاوية بلعمش، والمسجد العتيق، وضريح محمد المختار بلعمش، وهو الأب الروحي للزاوية ومؤسّسها خلال القرن الـ13 الهجري، فضلًا عن قصبة أهل العبد التي تعرف بالدويرية، وتضمُّ مجموعة قصور، ومسجدًا، ومدرسة قرآنية، وبعض المنازل العتيقة ذات التصميم المتميّز، بالإضافة إلى دار الديماني، ودار السنهوري؛ وهي كلُّها مبانٍ عتيقة تتوفّر على كنوز من المخطوطات التي تحفظ ذاكرة تندوف.
وقد عُرفت مدينة تندوف بموقعها وسط واحة من النخيل؛ وهي الواحة التي اندثر كثيرٌ من نخيلها بفعل العوامل الطبيعيّة، في حين بقي بعضُها الآخر على جنبات المدينة القديمة يُصارع الطبيعة.
من جهة أخرى، تشير الكثيرُ من الآثار إلى أنّ تندوف منطقة ضاربة في عمق التاريخ، إذ تُثبت عدّة شواهد وجود آثار تركها الإنسان القديم، أبرزُها النقوش الصخرية المنتشرة بعدة أماكن، كالصفيات، ومنطقة النوامر، وهضبة أم الطوابع التي بها نقوش صخرية، وقواقع بحرية، وغيرها من الشواهد.
ومع مرور الزمن، تحوّلت تندوف إلى معبر للقوافل، وملتقى للثقافات، وصارت مجالًا واسعًا للتبادلات التجارية العابرة للجنوب الغربي، سواء أكانت قادمة أو متوجّهة نحو موريتانيا أو المغرب الأقصى، ومالي، وبذلك حافظت على مكانتها التجارية والاقتصادية، إضافة إلى بُعدها الإفريقي من خلال سوق المقار التاريخي الذي كان فرصة لتلاقي التُجّار من موريتانيا، ومالي، والنيجر، والمغرب لتبادل السلع إذ انتعشت يومئذ تجارة المقايضة بشكل سريع.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: ة التی
إقرأ أيضاً:
إدارة المتحف الكبير: عرض قصة مصر القديمة بأحدث التقنيات المتحفية
أكدت ياسمين عبد الرؤوف، عضو إدارة العرض المتحفي بالمتحف المصري الكبير، أن افتتاح المتحف يمثل لحظة تاريخية لمصر والعالم، مشيرة إلى أن مشاعر الفخر والبهجة سيطرت على جميع العاملين بعد الافتتاح الذي وصفته بـ"العرس الحضاري العالمي"، حيث توافدت الأنظار إلى مصر لتشهد ميلاد أكبر صرح أثري وثقافي في العالم الحديث.
وقالت عبد الرؤوف في مداخلة ببرنامج "أهل مصر" على قناة "أزهري"،إن المتحف أصبح جاهزًا بالكامل أمام الزوار، حيث تم الانتهاء من افتتاح جميع القاعات الاثنتي عشرة، التي تتناول ثلاثة موضوعات رئيسية تدور حول المجتمع المصري، والملكية، والمعتقدات في الحضارة المصرية القديمة، في عرض زمني يبدأ من عصور ما قبل الأسرات وحتى العصرين اليوناني والروماني.
وأضافت أن تصميم العرض داخل القاعات يعتمد على مفهوم السرد المتحفي التفاعلي، بحيث يعيش الزائر تجربة متكاملة تجمع بين القطع الأثرية الأصلية والعناصر البصرية الحديثة، مشيرة إلى أن القاعات تضم ما يقرب من 59 تمثالًا ضخمًا على الدرج العظيم، تُعد من أثقل وأندر المقتنيات التي تم نقلها بعناية هندسية فائقة.
وأوضحت أن تجربة الزيارة داخل المتحف لا تقتصر على العرض الأثري فقط، بل تمتد لتشمل استخدام تقنيات الواقع الافتراضي والهولوجرام في مناطق معينة، تتيح للزائر مشاهدة تفاصيل المقابر والنقوش القديمة وكأنه داخلها فعليًا. كما أشارت إلى وجود مساحة مخصصة في المتحف تُعرف باسم منطقة "الترانزيشن"، وهي نقاط انتقال رقمية بين القاعات تعرض للزائر تطور الحضارة المصرية في كل عصر بطريقة مبتكرة وسلسة.
وأكدت عبد الرؤوف أن المتحف يمثل نقلة نوعية في مفهوم السياحة الثقافية والتعليمية في مصر، مشيرة إلى أن الهدف هو جعل الزائر يعيش تجربة معرفية متكاملة تستند إلى أحدث أساليب العرض العالمية، وتبرز عبقرية المصري القديم في مختلف مجالات الحياة والفكر والعقيدة.
اقرأ المزيد..