البوابة نيوز:
2024-09-18@16:46:58 GMT

قِطَع الإسفنج

تاريخ النشر: 5th, December 2023 GMT

إن ذهنية الإنسان العربي تتشكل منذ السنوات الأولى من عمره على النحو الذي نراها عليه الآن؛ إذ يتلقى المرء أفكارًا ومعتقدات في مرحلة عمرية لا يملك خلالها نضجًا يُمَكَّنه من الفحص والفرز، ومن ثمَ يتلقى ما يتلقاه - من تصورات ومعتقدات - بوصفه الحق المبين، وبوصف تلك التصورات والمعتقدات مسلمات لا تقبل شكًا أو جدلًا؛ بل نجد الإنسان العربي - مهما بلغ تحصيله العلمي من علو – يتململ ممن يحاول مناقشته فيما يعتقد، قد يتعارك ويعتدي اعتداءً لفظيًا أو جسديًا على كل من يحاول فحص أو نقد تصوراته ومعتقداته الدينية.

إن الإنسان في المراحل الأولى من عمره يكون شديد الشبه بقِطَع الإسفنج الناصعة البياض؛ وتمثل بيئته إناءً يحتوي على سائل مصبوغ بلون معين (أحمر أو أخضر أو أزرق... إلخ). والإنسان يتشبع بالتصورات والمعتقدات الدينية السائدة في بيئته؛ تمامًا كقطعة الإسفنج التي تصطبغ بصبغة السائل الموجود بالإناء المنغمسة به، فإذا كان أحمر اللون؛ اكتسبت قطعة الإسفنج اللون الأحمر، وإذا كان أزرق اللون اكتسبت اللون الأزرق،... وهكذا. 

وينشأ الاختلاف والخلاف بين الناس بسبب تباين تصوراتهم ومعتقداتهم الدينية والسياسية. فلو كانت قطعة الإسفنج التي اصطبغت باللون الأحمر تملك لسانًا تعبر به عن حالها، لدافعت عن اللون الأحمر التي هى عليه ولقالت؛ غافلةً عن أنها اكتسبت ذلك اللون من بيئتها: «إن اللون الأحمر هو أفضل الألوان عند الله، وهو اللون الوحيد الحقيقي، وإنه أول الألوان التي يمكن الاعتراف به بوصفه لونًا أصيلًا ونقيًا». وسوف تستطرد قائلةً بحماس وانفعال: «أما ما عدا الأحمر من ألوان؛ فهى باهتة وزائفة». ولو كانت قطعة الإسفنج التي اصطبغت باللون الأخضر تملك لسانًا لدافعت عن اللون الأخضر، وقالت عنه ما قالته القطعة الحمراء عن اللون الأحمر. 

نحن جميعًا أشبه بتلك القطعة من الإسفنج؛ فلقد اصطبغت عقولنا بتصورات ومعتقدات اكتست رداء القداسة، وظلت كامنة داخل عقولنا، تحيط بكل عقل من تلك العقول طبقة فولاذية سميكة تحول دون وصول أية أفكار جديدة إلى العقل. ومهما اكتسبنا من خبرات، أو سافرنا إلى بلدان، أو تلقينا من علم ومعرفة، ومهما مرت السنون؛ بل والقرون ستظل التصورات والمعتقدات الكامنة بعقولنا كما هى دون أن يطرأ عليها تغير أو تطور؛ بل ستبقى على حالتها الأولى التي نشأت عنها منذ عشرات القرون، يتوارثها جيل بعد جيل، وستظل تصبغ حياتنا وتوجه سلوكنا وأفعالنا؛ رغم اختلاف الزمان والمكان. 

كل إنسان يدافع عن معتقده الديني. إن المسلم (المولود في مكة) يدافع عن الإسلام، ويهاجم المسيحية. والمسيحي (المولود في الفاتيكان) يدافع عن المسيحية مهاجمًا الإسلام. لو أن «أحمد» الذي وُلِدَ في مكة؛ كان قد وُلِدَ في الفاتيكان؛ لدافع عن المسيحية التي كان يهاجمها، وهاجم الإسلام الذي كان يدافع عنه. ولو أن «جورج» الذي وُلِدَ في الفاتيكان؛ قد وُلِدَ في مكة، لدافع عن الإسلام وهاجم المسيحية. هذا هو حال أصحاب المعتقدات الدينية المختلفة إلا من رحم ربي!!

اللافت للنظر أن المسلم الذي تقع عيناه على سطور هذا المقال؛ سوف ينكر هذا الطرح، زاعمًا أنه كمسلم بنى اعتقاده اعتمادًا على تفكير عقلي خالص، واستنادًا إلى صفات ذاتية متوافرة في الإسلام نفسه ترجح كفته على سائر المعتقدات الدينية الأخرى. وسوف يدافع المسيحي عن المسيحية عارضًا المبررات والحجج نفسها التي عرضها المسلم دفاعًا عن الإسلام. تمامًا كقِطَع الإسفنج التي تدافع عن لونها الذي اكتسبته من بيئتها دون أن تكون لها يد في ذلك. 

علينا أن ندرك أننا لسنا قِطَع إسفنج، نحن بشر نملك عقلًا ووعيًا، ومن ثمَ علينا أن ندرك أن هذه ليست دعوة لأن يتخلى كل منا عن معتقده الديني، بل ينبغي أن نتحلى بروح التسامح إزاء الآخرين. فكما أن لنا الحق في اعتناق دين معين؛ فإن الآخر له الحق ذاته في اعتناق ما يشاء. علينا أن نكف عن محاولة أن نكون أوصياء على معتقدات الغير. من حقنا أن نتمسك بما نؤمن به؛ ولكن لا يجوز بحال من الأحوال أن نضطهد الآخرين بسبب ما يتمسكون به من معتقدات، أو نحاول أن نفرض عليهم معتقداتنا. ويتحتم علينا أيضًا أن ننصت لكل صاحب رأي مخالف وناقد لما نعتقد؛ فلعله يرى ما لا نراه، أو قد يكون على صواب. أما التشنجات والانفعالات فهى صفات لا تليق حتى بقِطَع الإسفنج. 

د.حسين علي: أستاذ المنطق وفلسفة العلوم بآداب عين شمس

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: الإنسان العربي التشنجات المسيحية الإسلام اللون الأحمر ط ع الإسفنج یدافع عن

إقرأ أيضاً:

الأناشيد الدينية والمدائح النبوية الخالدة تضيء المسرح الكبير

إبداع الليلة الكبيرة وروح التراث المصري يتألقان فى حركات مواهب الباليه على المسرح الكبير، ضمن توجهات الثقافة المصرية للاحتفاء بالمناسبات الدينية المختلفة، حيث قدمت دار الأوبرا المصرية، برئاسة الدكتورة لمياء زايد، احتفالها الفنى البديع بالذكرى العطرة للمولد النبوي الشريف  على المسرح الكبير، بحضور لافت من الجمهور المتذوق للفن الراقي للاستمتاع باحتفالية مميزة لمركز تنمية المواهب تحت إشراف مديره الفنى الدكتور سامح صابر.

حيث تألق كورال الشباب والأطفال تدريب وقيادة الدكتور محمد عبد الستار فى الفاصل الأول بتقديم مجموعة من الأناشيد الدينية والمدائح النبوية الخالدة، منها "  طلع البدر علينا ، يا أمنه يا أم النبى، مسك الختام، يا قوي ، المسك فاح، محمد نبينا، يا رايحين للنبى الغالى، يا نبي سلام عليك، الرضا والنور، مولاى، من نورك يا رب اهدينا، رسول الله زادى، محمد يا رسول الله، لجل النبى ، "واضفى أداء المواهب الشابة "إيمان منصور، أحمد فايد، نوران نبيل ، يوسف مصطفى، زياد أحمد، نهى المصرى ، مهدي محمد، لوجين تامر، يوسف حسن، ملك جوهر، شمس الأسواني، حبيبة حسن، محمد محمود" رونقًا خاصًا على أجواء الحفل، حيث امتزجت أصواتهم الشجية بروحانيات الذكرى العطرة للمولد النبوى الشريف فى مشهد بديع تجمل باستحسان الجمهور الذي غمر المسرح حبًا وتقديرًا للأداء المتميز من المواهب الشابة.


وفي الفصل الثاني استعاد الجمهور ذكريات التراث المصري الأصيل من خلال عرض "الليلة الكبيرة" والذي تم تصميمه وإخراجه بعناية فائقة على يد الفنانة عيشة فؤاد وقدمه مواهب فصل الباليه، وبتناغم ساحر بين حركة الباليه وأداء كورال الشباب والأطفال، أضاء العمل المسرح بمزيج من الألوان والحركات الفنية المتقنة. استمتع بها الحضور مع إعادة إحياء هذا العرض الذي يعكس مظاهر الاحتفالات الشعبية المصرية في الموالد، مستذكرين عبقرية الموسيقار سيد مكاوي والشاعر الكبير صلاح جاهين،  تمكن العرض من إدخال البهجة في قلوب الحاضرين، وجسد بموسيقاه وحركاته روح الأصالة المصرية، فيما أبدع طلاب مركز تنمية المواهب في تقديمه، مؤكّدين قدرة الفنون على التنوير والاحتفاء بالقيم التراثية والدينية معا.


جاءت هذه الاحتفالية لتسلط الضوء على الأدوار الرائدة التي يلعبها مركز تنمية المواهب في اكتشاف وتطوير الطاقات الفنية الشابة ،مما يعكس نجاح دار الأوبرا المصرية في تعزيز ثقافة الفنون بمختلف أشكالها و إحياء المناسبات الدينية والوطنية.

مقالات مشابهة

  • وزير الخارجية المصري: حماس تؤكد لنا التزامها الكامل باقتراح وقف إطلاق النار الذي توصلنا إليه في 27 مايو والتعديلات التي أجريت عليه في 2 يوليو
  • لمَ يبدو لنا الكون مظلمًا على الرغم من وجود النجوم؟
  • فيديو.. برشلونة يضيف اللون الأخضر إلى قميصه
  • أوقاف الإسكندرية تستمر في إقامة الحلقات الدينية
  • الأناشيد الدينية والمدائح النبوية الخالدة تضيء المسرح الكبير
  • عندما تجتمع الأحزاب المسيحية في مونتريال
  • تفسير رؤية اللون الأصفر في المنام.. خير أم شر؟
  • أميرة سليم: كسبت التحدي بأغنية «بنحب المصرية» في اللون الشعبي
  • حظر تعامل شركات السياحة الدينية مع الكيانات غير الشرعية - مستند
  • «خوذة ثور» من سماء أبوظبي