في ظل الخسائر بين المدنيين، لا تعتبر الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة "حربا عادلة"، ويجب تغيير هدفها المتمثل في القضاء على حركة "حماس"، مهما كانت الخسائر بين المدنيين، بحسب ديفيد هندريكسون في تحليل بموقع "ريسبونسبل ستيتكرافت" الأمريكي (Responsible Statecraft).

ومنذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، يشن جيش الاحتلال الإسرائيلي حربا مدمرة على غزة، خلّفت حتى عصر أمس الإثنين 15 ألفا و899 شهيدا فلسطينيا، وأكثر من 42 ألف جريح، بالإضافة إلى دمار هائل في البنية التحتية و"كارثة إنسانية غير مسبوقة"، بحسب مصادر رسمية فلسطينية وأممية.

وقال هندريكسون، في التحليل الذي ترجمه "الخليج الجديد"، إن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن لخص، في 30 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، سياسة الولايات المتحدة تجاه حرب إسرائيل في غزة عبر قوله إن "إسرائيل تمتلك واحدا من أكثر الجيوش تطورا في العالم، وقادرة على تحييد تهديد حماس وتقليل الضرر الذي يلحق بالمدنيين".

هندريكسون تابع أن هذا الموقف، تدمير حماس مع مراعاة قوانين الحرب، ليس موقف الإدارة (الأمريكية) وحدها، إذ كتب جو مورت ومايكل والتزر، مؤلف كتاب "الحروب العادلة وغير العادلة" عام 1977، مقالا في هذا الشأن بمجلة "نيو ريبابليك"، يوم 18 أكتوبر الماضي.

وقال مورت ووالتزر في مقالهما إن "الحرب العادلة تتطلب هزيمة حماس. ومبدأ نظرية الحرب العادلة هو أن قواعد الحرب لا يمكن أن تجعل من المستحيل خوض حرب عادلة، بل يجب أن تكون هناك طريقة لذلك، وهي ضبط النفس خلل القتال، وتجنب القصف العشوائي، واحترام المدنيين الأعداء".

ومنذ اندلاع الحرب، قدمت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن أكبر دعم عسكري ودبلوماسي ممكن لتل أبيب، وتعتبر كل من الولايات المتحدة وإسرائيل والاتحاد الأوروبي حماس "جماعة إرهابية"، بينما تؤكد الحركة أنها تقاوم الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين منذ عقود. 

ويقول قادة الاحتلال إن الحرب ستستمر حتى إنهاء حكم "حماس" المتواصل لغزة منذ صيف 2007، والقضاء على القدرات العسكرية للحركة.

اقرأ أيضاً

مصادر: واشنطن تريد نهاية "المرحلة النشطة" من العدوان الإسرائيلي على غزة في غضون شهر

انتقام إسرائيلي

و"من الواضح أن حرب إسرائيل في غزة لا علاقة لها بالحرب التي أوصى بها مورت ووالتزر؛ فإسرائيل لم تضبط نفسها خلال القتال ولم تتجنب القصف العشوائي، ولم تحترم المدنيين الأعداء"، كما أضاف هندريكسون.

وأردف: "بدلا من ذلك، فإن عملية السيوف الحديدية (تسمية الاحتلال للحرب على غزة) هي خطة حرب إسرائيلية طويلة الأمد تعتمد على الانتقام غير المتناسب".

وردا على جرائم الاحتلال اليومية بحق الشعب الفلسطيني ومقدساته، ولاسيما المسجد الأقصى بمدينة القدس الشرقية المحتلة، شنت "حماس" في 7 أكتوبر هجوم "طوفان الأقصى" ضد مستوطنات وقواعد عسكرية بمحيط غزة، فقتلت نحو 1200 إسرائيلي وأصابت 5431 وأسرت حوالي 239 بادلت العشرات منهم مع الاحتلال الذي يحتجز في سجونه 7800 فلسطيني، بينهم أطفال ونساء.

هندريسكون قال إن "اعتزام إسرائيل القيام بذلك (الانتقام) كان واضحا منذ البداية، حيث تم إسقاط 6000 قنبلة في الأيام الستة الأولى من الحرب، لكن مورت ووالتزر لم يلاحظاها بشكل غريب عندما ظهرت مقالتهما".

وأوضح أن مورت ووالتزر شددا على "ضرورة إدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة، لكنهما لم يذكرا الحصار الإسرائيلي على كل ما هو ضروري للحياة، وهي سياسة متطرفة تتعارض تماما مع قوانين الحرب وفرضتها إسرائيل في اليوم الأول للحرب".

ومع اندلاع الحرب، قطع الاحتلال إمدادات الماء والغذاء والدواء والكهرباء والوقود عن سكان غزة، وهم نحو 2.3 مليون نسمة يعانون بالأساس من أوضاع كارثية؛ جراء حصار إسرائيلي مستمر للقطاع منذ أن فازت "حماس" بالانتخابات التشريعية في عام 2006.

وفي مقابلة لاحقة أُجريت معه، في 30 أكتوبر الماضي، أقر والتزر بأنه "لا يوجد أي مبرر للحصار الذي تفرضه إسرائيل على إمدادات الكهرباء والمياه والغذاء في غزة، لكنه اعتبر أيضا أن الهدنة الإنسانية غير مبررة قبل هزيمة حماس".

اقرأ أيضاً

نددوا بهجمات إسرائيل على غزة.. مظاهرات بواشنطن ونيويورك تطالب بايدن بوقف الحرب

ارتباك أمريكي

كانت عبارة "الأفعال التي تهز الضمير الأخلاقي للبشرية" واحدة من أكثر عبارات والتزر صدى في كتابه "الحروب العادلة وغير العادلة"، كما تابع هدريكسون.

وأوضح أنه "لم يكن يقصد بهذه "العبارة القديمة" المراوغات الأنانية للقادة السياسيين، بل "القناعات الأخلاقية للرجال والنساء العاديين، التي يكتسبونها في سياق أنشطتهم اليومية".

ومضى قائلا إنه "من الواضح أن حرب إسرائيل في غزة أحدثت صدمة عميقة لهذه الحساسيات. إن هذا الاشمئزاز (من قتل المدنيين والدمار الهائل)، وليس التعاطف مع حماس، هو الذي يفسر المعارضة الشعبية العالمية لما تفعله إسرائيل".

و"في مواجهة حصيلة القتلى المتصاعدة، يشعر صناع السياسة في الولايات المتحدة بالذهول والارتباك، فما زالوا يتحركون تلقائيا لدعم هدف الحرب الإسرائيلي، في حين يصرخون بشكل غير فعال في حالة رعب من التكلفة التي يتكبدها المدنيون في غزة"، بحسب هندريكسون.

وزاد بأنه "أنه لا سبيل لتدمير حماس دون تدمير غزة. وخلافا لكلمات بلينكن (ونصيحة والتزر)، فإن إسرائيل لا تعرف كيف تدمر حماس مع تقليل الضرر الذي يلحق بالمدنيين".

و"الضرر الجسيم الذي يلحق بالمدنيين يأتي من هدف الحرب الإسرائيلي المتمثل في تدمير حماس، وهو ما تواصل إدارة بايدن ووالتزر تأييده. لكن هذا الهدف يحتاج إلى إعادة نظر عاجلة"، كما ختم هندريكسون.

اقرأ أيضاً

إبادة جماعية ونزوح نحو مصر.. تنديد أممي باستئناف حرب غزة

 

المصدر | ديفيد هندريكسون/ ريسبونسبل ستيتكرافت- ترجمة وتحرير الخليج الجديد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: حرب إسرائیل إسرائیل فی تدمیر حماس على غزة فی غزة

إقرأ أيضاً:

بعد عام على الحرب.. ماذا حققت إسرائيل في غزة؟

تمكنت إسرائيل خلال عام كامل من الحرب على غزة من إضعاف قوة حماس التي كانت تحكم قطاع غزة منذ العام 2007، دون أن تتمكن من القضاء عليها نهائياً.

في السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، شنّت حماس هجوماً دامياً ومباغتاً وغير مسبوق على إسرائيل، واقتحم مقاتلوها مواقع عسكرية ومستوطنات حدودية مع القطاع، وأطلقت نحو خمسة آلاف صاروخ باتجاه مناطق وسط وجنوب إسرائيل.
وأسفر الهجوم عن مقتل 1205 أشخاص، وردت إسرائيل بحملة قصف مدمّر وهجوم برّي على قطاع غزة، ما أسفر عن سقوط 41802 قتيلاً على الأقل، معظمهم من المدنيين، وفق أرقام وزارة الصحة في غزة.
في أغسطس (آب)، أعلن الجيش الإسرائيلي أنه قتل 17 ألف مقاتل فلسطيني في القطاع.

حصيلة ضحايا الحرب في #غزة تقترب من 42 ألف قتيلhttps://t.co/uI6MPQDaAt

— 24.ae (@20fourMedia) October 4, 2024 وأقرّ مصدر في حركة حماس، أن آلافاً من عناصر ها قتلوا في المعارك، لكنه أضاف أن "الاحتلال يكذب ويبالغ بالأرقام ويخلط بين العناصر المدنيين والمقاومين".
وأضاف "يدّعي الاحتلال أنه يعرف كل شيء. ماذا كان يعرف في السابع من أكتوبر؟ فشل أمني وعسكري وسياسي وتخبط، يهربون من الفشل بارتكاب المجازر".
وتطارد إسرائيل قادة ونشطاء حماس، وأعلنت قتل العديد منهم. وبين الأهداف التي حددتها، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس يحيى السنوار، الذي تتهمه بالتخطيط لهجوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، مع قائد كتائب القسام، محمد الضيف، الذي أعلن الجيش الإسرائيلي قتله في غارة جوية في خان يونس في جنوب القطاع، إلا أن حماس نفت ذلك.
وسمّي السنوار على رأس المكتب السياسي لحماس في أغسطس (آب)، خلفاً لإسماعيل هنية الذي اغتيل في طهران في 31 يوليو (تموز)، في ضربة نسبت إلى إسرائيل.
ومنذ اندلاع الحرب لم يظهر السنوار علناً.
ويقول مصدر في حركة حماس إن مهمة حماية السنوار "أُسندت الى فريق أمني خاص من كتائب القسّام"، مؤكداً أن السنوار من مخبئه "يقود جناحي الحركة السياسي والعسكري".
ويقول الباحث في مجلس العلاقات الخارجية بروس هوفمان: "العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة وجهّت ضربة قاسية لحماس، لكنها ليست ضربة مميتة".

بعمليات نوعية.. قيادات بارزة في #حماس و #حزب_الله اغتالتهم #إسرائيلhttps://t.co/O0xxzanb64

— 24.ae (@20fourMedia) September 28, 2024 انتحار سياسي من جهة أخرى، أصيبت المؤسسات الحكومية التي تديرها حماس بشلل كبير، ودمّر الجيش الإسرائيلي معظم هذه المؤسسات.
وتتهم إسرائيل حماس باستخدام المدارس ومؤسسات صحية ومدنية لإدارة عملياتها، لكن حماس تنفي.
ولم تترك الحرب مكاناً آمناً في القطاع، إذ تحوّلت أكثر من مئتي مدرسة غالبيتها تابعة لوكالة الأونروا، إلى ملاجئ لمئات آلاف النازحين، ولم تعد هناك مراكز للرعاية الصحية.
وأعلن مدير الإعلام الحكومي في غزة إسماعيل الثوابتة، أن إسرائيل دمّرت كافة الجامعات والمنشآت الصناعية والتجارية، ومحطة توليد الكهرباء الوحيدة ومضخات المياه والصرف الصحة ومراكز الشرطة والدفاع المدني والسجون.
ودمّر الجيش الإسرائيلي كلياً أو بشكل كبير نحو 450 ألف منزل ومنشأة من بينها مستشفيات ومدارس ودور عبادة، وأكثر من 80% من البنية التحتية في القطاع، بحسب مكتب الإعلام الحكومي في غزة.
وتسببت الضربات الإسرائيلية باستحالة مناطق واسعة في القطاع إلى أكوام من الركام، وفق ما ورد في تقارير منظمات تابعة للأمم المتحدة.
وبحلول منتصف العام 2024، انخفض اقتصاد غزة إلى "أقل من سدس مستواه في العام 2022"، وفقاً لتقرير للأمم المتحدة قال إن الأمر "سيستغرق عقوداً" لإعادة غزة إلى ما كانت عليه قبل الحرب.
وأدّت الحرب وتداعياتها إلى تأجيج الغضب والإحباط على نطاق واسع بين سكان القطاع البالغ عددهم 2.4 مليون نسمة، وكان ثلثاهم  فقراء قبل الحرب، وفقاً لأستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر مخيمر أبو سعدة.
ويقول أبو سعدة إن حماس "تتعرض لانتقادات لاذعة"، مضيفاً "أعتقد أن الشعب لن يقبل العودة لهذا الوضع الكارثي" بعد انتهاء الحرب.
أما المحلل السياسي جمال الفادي فيرى أن هجوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول) كان "انتحاراً سياسياً لحماس" التي "وجدت نفسها معزولة الآن".
ويرفض القيادي في حماس باسم نعيم هذا الرأي.
ويقول نعيم الذي يقيم كما عشرات غيره من قادة حماس، في قطر، "في حين أن البعض قد لا يتفق مع وجهات نظر حماس السياسية، فإن المقاومة ومشروعها لا يزالان يتمتعان بدعم واسع النطاق".

بعد عام من الحرب..حماس التي أنهكها القتال والاغتيالات ترفض التخلي عن #غزة
https://t.co/p8XNbPZ8PH

— 24.ae (@20fourMedia) September 24, 2024 ضربات قاسية وأقرّ نعيم بأن حماس تلقّت "ضربات قاسية"، لكنه قال إن "المقاومة لا تزال صامدة وقادرة على ضرب الاحتلال في أي مكان".
وأضاف لفرانس برس "المقاومة تستفيد من تجارب العدوان وتعيد ترتيب صفوفها وتكتيكاتها بما يمكّنها من إيقاع أكبر الخسائر في العدو وتقليل الخسائر البشرية والمادية عندها".
وتابع أن "الميدان يقدّم صورة الصمود والمقاومة" رغم "الدمار والتجويع والإبادة".
أما القيادي في حماس طاهر النونو فيرى أن حماس "ما زالت لاعباً رئيسياً في القضية الفلسطينية وليس فقط في غزة".
ويشير الى أن الضربات القاسية "لا تؤثر على قدرة الحركة في قيادة العمل السياسي وإدارة مواجهة العدوان".

مقالات مشابهة

  • بعد عام على الحرب.. ماذا حققت إسرائيل في غزة؟
  • باحثة سياسية: اغتيال «نصر الله» بتنسيق استخباراتي أمريكي إسرائيلي
  • بدر بن حمد: إنهاء الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين يمكن المنطقة والعالم من استعادة السلام
  • FT: لماذا لا يمكن لإسرائيل تدمير منشآت إيران النووية بمفردها؟
  • من هو النصف الآخر للسنوار الذي أعلنت إسرائيل مقتله؟
  • صواريخ إيران.. انتقام الشهداء الذي أعاد مبدأ توازن الردع في الشرق الأوسط
  • صواريخ إيران.. انتقام الشهداء الذي أعاد مبدأ توازن الردع في الشرق الأوسط - عاجل
  • من هو روحي مشتهى الذي أعلنت إسرائيل مقتله واثنين آخرين من قادة حماس ؟
  • الرئيس الفلسطيني: تدمير 90% من مرافق غزة في العدوان الإسرائيلي
  • الهجوم الإيراني على إسرائيل.. الحرس الثوري: «الوعد الصادق 2» يأتي انتقامًا لـ«نصر الله وهنية ونيلفروشان».. الاحتلال يتوعد إيران.. وخبراء: سيناريو الحرب الشاملة أصبح وشيكًا