عند الحديث عن الطاقة النووية كمصدر متجدد لإنتاج الكهرباء بدلا من استخدام الوقود الأحفوري، تُستدعى المخاوف من وقوع كارثة في إحدى المحطات النووية، مثل تلك التي وقعت في اليابان وتعرف بـ" كارثة فوكوشيما". ولكن يبدو أن قمة المناخ "كوب 28" في الإمارات ستكون شاهدة على تجاوز هذه "الفوبيا".

ففي يوم السبت الماضي أصدر أكثر من 20 دولة -من بينها الولايات المتحدة- إعلانا خلال محادثات اليوم الثاني من القمة يدعو إلى مضاعفة الطاقة النووية 3 مرات لخفض الانبعاثات التي تثيرها مصادر الطاقة التقليدية، وهو ما اعتبره خبراء بمثابة ميلاد جديد لهذه الطاقة التي تواجه دائما جهود التوسع في استخدامها معارضات شعبوية ونخبوية من ناشطي البيئة.

وتشير الطاقة النووية إلى الطاقة المنطلقة أثناء التفاعلات النووية، وتحديدا على شكل حرارة تُستخدم لإنتاج البخار الذي يحرك التوربينات المتصلة بالمولدات، ويُنتج في النهاية الكهرباء.

وتشعر المجموعات البيئية بالقلق بشأن السلامة والتخلص من النفايات النووية، لذلك انتقدت تلك المجموعات بحدة بالغة إعلان الدول خلال قمة المناخ رغبتها في توسيع هذا النوع من الطاقة، واستدعت كارثة فوكوشيما النووية في اليابان لإثارة "الفوبيا" بشأن هذه الطاقة.

وقالت المجموعة البيئية "350" -وهي منظمة دولية  تعالج أزمة المناخ- إن " كارثة فوكوشيما النووية عام 2011 في اليابان تسلط الضوء على مخاطر الطاقة الذرية". وقال مدير المجموعة في أميركا الشمالية جيف أوردور: "بينما نقدر أن إدارة بايدن تتطلع إلى الاستثمار في بدائل للوقود الأحفوري، لا يوجد لدينا وقت لنضيعه في الانحرافات الخطيرة مثل الطاقة النووية".

وبينما يقدر كبير مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية سابقا يسري أبو شادي مخاوف مجموعات البيئة، فإنه يرى في حديث هاتفي لـ"الجزيرة نت" أن التكنولوجيات الجديدة التي تعتمدها محطات الطاقة النووية الحديثة تجاوزت تلك المخاوف، ولم يعد هناك أي مبرر لرفض هذا النوع من الطاقة بحجة ما حدث في "كارثة فوكوشيما".

محطات الطاقة النووية نجحت في الوصول إلى معدلات أمان عالية (رويترز) "كارثة فوكوشيما" ليست الأخطر

ووقعت حادثة " فوكوشيما" عام 2011، وهي الأحدث بين حوادث محطات الطاقة النووية ولكنها لم تكن الأخطر، ولأنها وقعت قبل  11 عاما فقط فربما تكون الأنسب للاستخدام كفزاعة من الطاقة النووية، ولكن العالم تجاوز الآن الأسباب التي أدت إلى وقوعها، وكذلك الأسباب التي أدت إلى وقوع الحدثين الأقدم، كما يوضح أبو شادي.

فقد وقعت كارثة فوكوشيما بسبب زلزال هائل وتسونامي في اليابان أدى إلى انهيارات متعددة للمفاعلات وانفجارات الهيدروجين في المفاعل، وكان السبب الرئيسي هو فقدان الطاقة اللازمة للتبريد.

أما الكارثة الأخطر فكانت انفجار مفاعل تشرنوبل 1986، حيث شهدت المحطة الموجودة في أوكرانيا انفجارا كارثيا وحريقا في المفاعل رقم 4،  ونتج الحادث عن تصميم معيب في المفاعل، بالإضافة إلى أخطاء بشرية أثناء اختبار السلامة. وأطلق الانفجار كمية هائلة من المواد المشعة في الغلاف الجوي، مما تسبب بوفيات فورية، ومشاكل صحية طويلة الأمد، وتلوث واسع النطاق للأراضي، مما أثر في أجزاء كبيرة من أوروبا.

والكارثة الأخف بين كوارث المفاعلات كانت حادث انهيار جزئي في المفاعل رقم 2 بمحطة الطاقة النووية في جزيرة "ثري مايل" في الولايات المتحدة عام 1979، ونتج عنها سلسلة من الأخطاء الميكانيكية والبشرية، بالإضافة إلى عيوب في التصميم.

يقول أبو شادي: "الأسباب المشتركة بين هذه الحوادث غالبا ما تشمل الخطأ البشري وعيوب التصميم وعدم كفاية بروتوكولات السلامة وفشل المعدات، والعوامل الخارجية مثل الكوارث الطبيعية، وكل كارثة أدت إلى إجراء تحقيقات مكثفة نتج عنها تحسينات في تدابير السلامة، حتى تم الوصول إلى معدلات أمان عالية جعلت العالم يعطي دفعة قوية لتلك الطاقة في قمة المناخ".

حادثة "فوكوشيما" عام 2011 هي الأحدث من بين حوادث محطات الطاقة النووية ولكنها لم تكن الأخطر (شترستوك) ولكن كيف وصلنا لمعدلات أمان عالية؟

وللوصول إلى معدلات الأمان العالية نُفذت مجموعة من الإجراءات التي يوضحها أبو شادي فيما يلي:

الأتمتة المحسنة: وتعمل هذه الأتمتة على تقليل احتمالية وقوع خطأ بشري عن طريق تقليل الحاجة إلى التدخل اليدوي، وتساعد المشغلين على المراقبة والتحكم بشكل أفضل، مما يقلل من احتمالية وقوع الأخطاء. مصيدة قلب المفاعل: وهي إحدى الأجزاء الحديثة التي تم تزويد المفاعلات بها لرفع معدلات الأمان، وهي عبارة عن جهاز أو آلية مصممة لالتقاط أو احتجاز مواد أو جزيئات معينة داخل قلب المفاعل، ويمكن أن يشمل ذلك احتجاز المنتجات الانشطارية أو العناصر الأخرى لمنع إطلاقها في البيئة في حالة وقوع خلل أو حادث، وتساعد هذه المصائد على احتواء المواد المشعة داخل المفاعل لتعزيز السلامة ومنع التلوث. أنظمة السلامة السلبية: وغالبا ما تتضمن تصميمات المفاعلات الأحدث ميزات أمان سلبية تعتمد على العمليات الطبيعية مثل الجاذبية، فعوضا عن أنظمة التبريد التي تتطلب تدخلا بشريا أو مصدرا للطاقة، فإنه في الأنظمة الحديثة يُستخدم مبدأ الجاذبية لتوفير المياه لتبريد قلب المفاعل دون الحاجة إلى آليات ضخ نشطة أو مصادر للطاقة، وتتضمن هذه الأنظمة عادة صهاريج تخزين المياه الموجودة في موقع مرتفع فوق قلب المفاعل، والتي تتدفق منها المياه بفعل الجاذبية دون أي تدخل بشري، وتكون بمثابة احتياطي للتبريد في حالات الطوارئ. التحول من تصميم المفاعلات الذي يستخدم الغرافيت كوسيط والماء كمبرد إلى مفاعلات الماء الخفيف: فقد كانت أهم عيوب المفاعلات التي تستخدم الغرافيت (مثل مفاعل تشرنوبل)، أن أي خطأ بشري يمكن أن يؤدي إلى ارتفاعات أو تقلبات في الطاقة لا يمكن السيطرة عليها، وقد استُبدلت بهذه المفاعلات أخرى أكثر تقدما وأكثر أمانا بطبيعتها مثل مفاعلات الماء الخفيف.

ومفاعلات الماء الخفيف نوع من المفاعلات النووية التي تستخدم الماء العادي كمبرد ومهدئ للنيوترونات، وذلك للحفاظ على التفاعلات النووية والتحكم فيها لتوليد الكهرباء. وهناك نوعان من هذه المفاعلات:

"مفاعلات الماء المضغوط"، وفيها يدور الماء عبر قلب المفاعل عند ضغط مرتفع لمنعه من الغليان، ويقوم الوقود النووي بتسخين الماء، لكنه يبقى في حالة سائلة بسبب الضغط العالي، ويمر هذا الماء الساخن من خلال مبادل حراري، حيث ينقل طاقته الحرارية إلى حلقة مياه منفصلة، مما يؤدي إلى تكوين بخار يدفع التوربينات لتوليد الكهرباء.

"مفاعلات الماء المغلي"، وفيها يتم غلي الماء الموجود في قلب المفاعل مباشرة بسبب الحرارة الناتجة عن الانشطار النووي، ويستخدم البخار الناتج لتشغيل التوربينات مباشرة، ويتم بعد ذلك تكثيف البخار مرة أخرى في الماء وإعادة تدويره عبر القلب.

الطاقة النووية تمثل نحو 10% من توليد الكهرباء على مستوى العالم (غيتي) فتش عن "تغير المناخ"

ورغم معدلات الأمان العالية التي وصلت لها المفاعلات النووية، فإن الأمين العام لاتحاد خبراء البيئة العرب ومستشار مرفق البيئة العالمي مجدي علام، يرى أن الاستثمارات المتزايدة في هذا المجال لا تشير بالضرورة إلى أن العالم تغلب بشكل كامل على المخاوف المرتبطة بكوارث مثل فوكوشيما.

وقال علام في حديث هاتفي مع "الجزيرة نت": إن " الاهتمام بهذه الطاقة يعكس غالبا مزيجا معقدا من العوامل يأتي في مقدمتها المخاوف المتعلقة بتغير المناخ، واحتياجات الطاقة، والاعتبارات الاقتصادية".

وأوضح أن "محطات الطاقة النووية تنتج الكهرباء دون توليد ثاني أكسيد الكربون أثناء التشغيل. وخلافا لمحطات الطاقة التي تعتمد على الوقود الأحفوري (الفحم والنفط والغاز الطبيعي) والتي تطلق كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون وغيره من الغازات المسببة للانحباس الحراري العالمي، فإن المفاعلات النووية تنتج الكهرباء من خلال الانشطار النووي، الأمر الذي يؤدي إلى انبعاث كميات ضئيلة من الغازات المسببة للاحتباس الحراري أثناء التشغيل".

Tripler les capacités nucléaires du monde d'ici 2050 : à la COP28, nous sommes déjà une vingtaine de pays à porter cet objectif.

Rendez-vous en Belgique pour le premier Sommet Nucléaire en 2024. pic.twitter.com/oiWqQodY8k

— Emmanuel Macron (@EmmanuelMacron) December 2, 2023

ومن خلال توليد كميات كبيرة من الكهرباء دون انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، يمكن للطاقة النووية أن تساعد في تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري في مزيج الطاقة، ويمكن أن يؤدي هذا التحول إلى تقليل إجمالي انبعاثات غازات الدفيئة الناتجة عن قطاع الكهرباء، كما يؤكد علام.

ويعكس الإعلان العالمي الذي أصدرته أكثر من 20 دولة في قمة المناخ هذا البعد البيئي الهام الذي أشار إليه علام، حيث تضمن تأكيدا أن الطاقة النووية تلعب "دورا رئيسيا" في الهدف العالمي المتمثل في تحقيق الحياد الكربوني بحلول منتصف القرن، ودعوا إلى مضاعفة قدرة الطاقة النووية ثلاث مرات بحلول عام 2050 مقارنة بمستويات عام 2020.

وتمثل الطاقة النووية نحو 10% من توليد الكهرباء على مستوى العالم، وترتفع إلى ما يقرب من 20% في الاقتصادات المتقدمة، وهي أرقام يسعى العالم إلى مضاعفتها.

وقال مبعوث المناخ الأميركي جون كيري في قمة "كوب 28" بدبي: "نحن لا نقدم الحجة لأي شخص بأن الطاقة النووية ستكون بالتأكيد بديلا كاسحا لكل مصدر آخر للطاقة. لكن العلم وواقع الحقائق والأدلة يخبرنا أنه لا يمكن الوصول إلى صافي الصفر عام 2050 دون بعض منها".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: محطات الطاقة النوویة تولید الکهرباء قلب المفاعل قمة المناخ فی الیابان فی المفاعل أبو شادی

إقرأ أيضاً:

«تريندز» يشارك ويستضيف برنامج «نمو 2025»

أبوظبي (الاتحاد)

أخبار ذات صلة «خليفة لنخيل التمر» تعزز الاستدامة الزراعية والمجتمعية شرطة أبوظبي تكرِّم السائقين الملتزمين مرورياً

استضاف مركز تريندز للبحوث والاستشارات فعاليات برنامج «نمو 2025» التابع للوكالة الدولية للطاقة المتجددة (آيرينا)، الذي جمع نخبة من الخبراء والباحثين لمناقشة أحدث الاتجاهات في مجال التحول نحو الطاقة المتجددة والتغير المناخي.
وشهدت الفعالية التي عقدت في قاعة المؤتمرات بمقر «تريندز» في أبوظبي، جلسات نقاشية مهمة حول أبرز القضايا المتعلقة بالطاقة الخضراء، حيث تناول المشاركون أحدث التطورات في مجال تخزين الطاقة، ودور الذكاء الاصطناعي في تطوير الشبكات الذكية، وسياسات تسعير الكربون، وأطر الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات. كما تم تسليط الضوء على تأثير التغيرات السياسية في تبني مصادر الطاقة المتجددة، مؤكدين أن التكنولوجيا وحدها لا تكفي، بل يجب دعمها بسياسات قوية وتعاون عالمي لضمان تحقيق تحول ناجح نحو الطاقة المستدامة. وأكد المشاركون في جلسات البرنامج وهم نجلاء الزرعوني، مدير الجلسة، مسؤول برنامج الشراكات والتعاون الدولي في الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (آيرينا)، ود. كامليش دوكايكا مسؤول البرنامج الإقليمي للمشاركة والشراكات في (آيرينا)، والباحثون في «تريندز» راشد الحوسني، ونجلاء المدفع، وهيفاء بن رمضان، الباحثة والأكاديمية في جامعة السوربون، على الدور الأساسي للبحث العلمي في تطوير حلول مبتكرة لمواجهة التغير المناخي، حيث تم استعراض أحدث الابتكارات في مجالات الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح، والطاقة المائية، وتقنيات تخزين البطاريات. 
كما تم التأكيد على أن البحث العلمي لا يسهم فقط في تطوير تقنيات جديدة، بل يساعد أيضاً في توجيه السياسات العالمية نحو مستقبل أنظف وأكثر استدامة.
مشاركة واسعة
وشهد البرنامج مشاركة واسعة من المهنيين الشباب وطلاب الجامعات والقادة المستقبليين، حيث تم استعراض تجارب ورؤى متنوعة حول أهمية العمل الجماعي لتحقيق التحول الأخضر. وسلطت الجلسات التفاعلية الضوء على كيفية استخدام الاستشعار عن بُعد ونظم المعلومات الجغرافية في إدارة الطاقة المتجددة، واتخاذ قرارات استراتيجية بشأن مواقع محطات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.
كما تناول البرنامج التحديات والفرص في قطاع الطاقة المتجددة في أفريقيا، حيث قدم د. كامليش دوكايكا، مسؤول البرنامج الإقليمي لمنطقة جنوب الصحراء الأفريقية في آيرينا، عرضاً شاملاً عن جهود التوسع في الطاقة النظيفة بالقارة، مؤكداً الحاجة المتزايدة للطاقة المستدامة لدعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
وأعرب المشاركون عن تقديرهم لمركز تريندز للبحوث والاستشارات على استضافته لهذه الفعالية، مؤكدين أهمية استمرار الحوار والتعاون في مجال الطاقة المتجددة.

مقالات مشابهة

  • «إيجبـس 2025» مستقبل آمِن ومستدام للطاقة
  • وزيرة البيئة: حريصون على تهيئة المناخ الداعم لتنفيذ مشروعات تحويل المخلفات لطاقة بمصر
  • شل مصر تؤكد التزامها بتعزيز مستقبل مستدام للطاقة في مصر
  • شل العالمية تشارك في مؤتمر مصر الدولي للطاقة «إيجبس 2025»
  • بحضور السيسي.. انطلاق مؤتمر ومعرض مصر الدولي للطاقة إيجبس 2025 غدا
  • «تريندز» يشارك ويستضيف برنامج «نمو 2025»
  • ينطلق الاثنين.. تفاصيل مؤتمر ومعرض مصر الدولي للطاقة "إيجبس 2025"
  • مسيرة روسية أصابت منشأة تحمي المفاعل المتضرر في تشرنوبيل
  • زيلينسكي: مسيرة روسية ضربت محطة تشيرنوبيل النووية
  • زيلينسكي: درون روسية ضربت محطة تشيرنوبيل النووية