دفعة للطاقة النووية بقمة المناخ.. هل تجاوزنا فوبيا فوكوشيما؟
تاريخ النشر: 5th, December 2023 GMT
عند الحديث عن الطاقة النووية كمصدر متجدد لإنتاج الكهرباء بدلا من استخدام الوقود الأحفوري، تُستدعى المخاوف من وقوع كارثة في إحدى المحطات النووية، مثل تلك التي وقعت في اليابان وتعرف بـ" كارثة فوكوشيما". ولكن يبدو أن قمة المناخ "كوب 28" في الإمارات ستكون شاهدة على تجاوز هذه "الفوبيا".
ففي يوم السبت الماضي أصدر أكثر من 20 دولة -من بينها الولايات المتحدة- إعلانا خلال محادثات اليوم الثاني من القمة يدعو إلى مضاعفة الطاقة النووية 3 مرات لخفض الانبعاثات التي تثيرها مصادر الطاقة التقليدية، وهو ما اعتبره خبراء بمثابة ميلاد جديد لهذه الطاقة التي تواجه دائما جهود التوسع في استخدامها معارضات شعبوية ونخبوية من ناشطي البيئة.
وتشير الطاقة النووية إلى الطاقة المنطلقة أثناء التفاعلات النووية، وتحديدا على شكل حرارة تُستخدم لإنتاج البخار الذي يحرك التوربينات المتصلة بالمولدات، ويُنتج في النهاية الكهرباء.
وتشعر المجموعات البيئية بالقلق بشأن السلامة والتخلص من النفايات النووية، لذلك انتقدت تلك المجموعات بحدة بالغة إعلان الدول خلال قمة المناخ رغبتها في توسيع هذا النوع من الطاقة، واستدعت كارثة فوكوشيما النووية في اليابان لإثارة "الفوبيا" بشأن هذه الطاقة.
وقالت المجموعة البيئية "350" -وهي منظمة دولية تعالج أزمة المناخ- إن " كارثة فوكوشيما النووية عام 2011 في اليابان تسلط الضوء على مخاطر الطاقة الذرية". وقال مدير المجموعة في أميركا الشمالية جيف أوردور: "بينما نقدر أن إدارة بايدن تتطلع إلى الاستثمار في بدائل للوقود الأحفوري، لا يوجد لدينا وقت لنضيعه في الانحرافات الخطيرة مثل الطاقة النووية".
وبينما يقدر كبير مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية سابقا يسري أبو شادي مخاوف مجموعات البيئة، فإنه يرى في حديث هاتفي لـ"الجزيرة نت" أن التكنولوجيات الجديدة التي تعتمدها محطات الطاقة النووية الحديثة تجاوزت تلك المخاوف، ولم يعد هناك أي مبرر لرفض هذا النوع من الطاقة بحجة ما حدث في "كارثة فوكوشيما".
ووقعت حادثة " فوكوشيما" عام 2011، وهي الأحدث بين حوادث محطات الطاقة النووية ولكنها لم تكن الأخطر، ولأنها وقعت قبل 11 عاما فقط فربما تكون الأنسب للاستخدام كفزاعة من الطاقة النووية، ولكن العالم تجاوز الآن الأسباب التي أدت إلى وقوعها، وكذلك الأسباب التي أدت إلى وقوع الحدثين الأقدم، كما يوضح أبو شادي.
فقد وقعت كارثة فوكوشيما بسبب زلزال هائل وتسونامي في اليابان أدى إلى انهيارات متعددة للمفاعلات وانفجارات الهيدروجين في المفاعل، وكان السبب الرئيسي هو فقدان الطاقة اللازمة للتبريد.
أما الكارثة الأخطر فكانت انفجار مفاعل تشرنوبل 1986، حيث شهدت المحطة الموجودة في أوكرانيا انفجارا كارثيا وحريقا في المفاعل رقم 4، ونتج الحادث عن تصميم معيب في المفاعل، بالإضافة إلى أخطاء بشرية أثناء اختبار السلامة. وأطلق الانفجار كمية هائلة من المواد المشعة في الغلاف الجوي، مما تسبب بوفيات فورية، ومشاكل صحية طويلة الأمد، وتلوث واسع النطاق للأراضي، مما أثر في أجزاء كبيرة من أوروبا.
والكارثة الأخف بين كوارث المفاعلات كانت حادث انهيار جزئي في المفاعل رقم 2 بمحطة الطاقة النووية في جزيرة "ثري مايل" في الولايات المتحدة عام 1979، ونتج عنها سلسلة من الأخطاء الميكانيكية والبشرية، بالإضافة إلى عيوب في التصميم.
يقول أبو شادي: "الأسباب المشتركة بين هذه الحوادث غالبا ما تشمل الخطأ البشري وعيوب التصميم وعدم كفاية بروتوكولات السلامة وفشل المعدات، والعوامل الخارجية مثل الكوارث الطبيعية، وكل كارثة أدت إلى إجراء تحقيقات مكثفة نتج عنها تحسينات في تدابير السلامة، حتى تم الوصول إلى معدلات أمان عالية جعلت العالم يعطي دفعة قوية لتلك الطاقة في قمة المناخ".
وللوصول إلى معدلات الأمان العالية نُفذت مجموعة من الإجراءات التي يوضحها أبو شادي فيما يلي:
الأتمتة المحسنة: وتعمل هذه الأتمتة على تقليل احتمالية وقوع خطأ بشري عن طريق تقليل الحاجة إلى التدخل اليدوي، وتساعد المشغلين على المراقبة والتحكم بشكل أفضل، مما يقلل من احتمالية وقوع الأخطاء. مصيدة قلب المفاعل: وهي إحدى الأجزاء الحديثة التي تم تزويد المفاعلات بها لرفع معدلات الأمان، وهي عبارة عن جهاز أو آلية مصممة لالتقاط أو احتجاز مواد أو جزيئات معينة داخل قلب المفاعل، ويمكن أن يشمل ذلك احتجاز المنتجات الانشطارية أو العناصر الأخرى لمنع إطلاقها في البيئة في حالة وقوع خلل أو حادث، وتساعد هذه المصائد على احتواء المواد المشعة داخل المفاعل لتعزيز السلامة ومنع التلوث. أنظمة السلامة السلبية: وغالبا ما تتضمن تصميمات المفاعلات الأحدث ميزات أمان سلبية تعتمد على العمليات الطبيعية مثل الجاذبية، فعوضا عن أنظمة التبريد التي تتطلب تدخلا بشريا أو مصدرا للطاقة، فإنه في الأنظمة الحديثة يُستخدم مبدأ الجاذبية لتوفير المياه لتبريد قلب المفاعل دون الحاجة إلى آليات ضخ نشطة أو مصادر للطاقة، وتتضمن هذه الأنظمة عادة صهاريج تخزين المياه الموجودة في موقع مرتفع فوق قلب المفاعل، والتي تتدفق منها المياه بفعل الجاذبية دون أي تدخل بشري، وتكون بمثابة احتياطي للتبريد في حالات الطوارئ. التحول من تصميم المفاعلات الذي يستخدم الغرافيت كوسيط والماء كمبرد إلى مفاعلات الماء الخفيف: فقد كانت أهم عيوب المفاعلات التي تستخدم الغرافيت (مثل مفاعل تشرنوبل)، أن أي خطأ بشري يمكن أن يؤدي إلى ارتفاعات أو تقلبات في الطاقة لا يمكن السيطرة عليها، وقد استُبدلت بهذه المفاعلات أخرى أكثر تقدما وأكثر أمانا بطبيعتها مثل مفاعلات الماء الخفيف.ومفاعلات الماء الخفيف نوع من المفاعلات النووية التي تستخدم الماء العادي كمبرد ومهدئ للنيوترونات، وذلك للحفاظ على التفاعلات النووية والتحكم فيها لتوليد الكهرباء. وهناك نوعان من هذه المفاعلات:
"مفاعلات الماء المضغوط"، وفيها يدور الماء عبر قلب المفاعل عند ضغط مرتفع لمنعه من الغليان، ويقوم الوقود النووي بتسخين الماء، لكنه يبقى في حالة سائلة بسبب الضغط العالي، ويمر هذا الماء الساخن من خلال مبادل حراري، حيث ينقل طاقته الحرارية إلى حلقة مياه منفصلة، مما يؤدي إلى تكوين بخار يدفع التوربينات لتوليد الكهرباء.
"مفاعلات الماء المغلي"، وفيها يتم غلي الماء الموجود في قلب المفاعل مباشرة بسبب الحرارة الناتجة عن الانشطار النووي، ويستخدم البخار الناتج لتشغيل التوربينات مباشرة، ويتم بعد ذلك تكثيف البخار مرة أخرى في الماء وإعادة تدويره عبر القلب.
ورغم معدلات الأمان العالية التي وصلت لها المفاعلات النووية، فإن الأمين العام لاتحاد خبراء البيئة العرب ومستشار مرفق البيئة العالمي مجدي علام، يرى أن الاستثمارات المتزايدة في هذا المجال لا تشير بالضرورة إلى أن العالم تغلب بشكل كامل على المخاوف المرتبطة بكوارث مثل فوكوشيما.
وقال علام في حديث هاتفي مع "الجزيرة نت": إن " الاهتمام بهذه الطاقة يعكس غالبا مزيجا معقدا من العوامل يأتي في مقدمتها المخاوف المتعلقة بتغير المناخ، واحتياجات الطاقة، والاعتبارات الاقتصادية".
وأوضح أن "محطات الطاقة النووية تنتج الكهرباء دون توليد ثاني أكسيد الكربون أثناء التشغيل. وخلافا لمحطات الطاقة التي تعتمد على الوقود الأحفوري (الفحم والنفط والغاز الطبيعي) والتي تطلق كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون وغيره من الغازات المسببة للانحباس الحراري العالمي، فإن المفاعلات النووية تنتج الكهرباء من خلال الانشطار النووي، الأمر الذي يؤدي إلى انبعاث كميات ضئيلة من الغازات المسببة للاحتباس الحراري أثناء التشغيل".
Tripler les capacités nucléaires du monde d'ici 2050 : à la COP28, nous sommes déjà une vingtaine de pays à porter cet objectif.
Rendez-vous en Belgique pour le premier Sommet Nucléaire en 2024. pic.twitter.com/oiWqQodY8k
— Emmanuel Macron (@EmmanuelMacron) December 2, 2023
ومن خلال توليد كميات كبيرة من الكهرباء دون انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، يمكن للطاقة النووية أن تساعد في تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري في مزيج الطاقة، ويمكن أن يؤدي هذا التحول إلى تقليل إجمالي انبعاثات غازات الدفيئة الناتجة عن قطاع الكهرباء، كما يؤكد علام.
ويعكس الإعلان العالمي الذي أصدرته أكثر من 20 دولة في قمة المناخ هذا البعد البيئي الهام الذي أشار إليه علام، حيث تضمن تأكيدا أن الطاقة النووية تلعب "دورا رئيسيا" في الهدف العالمي المتمثل في تحقيق الحياد الكربوني بحلول منتصف القرن، ودعوا إلى مضاعفة قدرة الطاقة النووية ثلاث مرات بحلول عام 2050 مقارنة بمستويات عام 2020.
وتمثل الطاقة النووية نحو 10% من توليد الكهرباء على مستوى العالم، وترتفع إلى ما يقرب من 20% في الاقتصادات المتقدمة، وهي أرقام يسعى العالم إلى مضاعفتها.
وقال مبعوث المناخ الأميركي جون كيري في قمة "كوب 28" بدبي: "نحن لا نقدم الحجة لأي شخص بأن الطاقة النووية ستكون بالتأكيد بديلا كاسحا لكل مصدر آخر للطاقة. لكن العلم وواقع الحقائق والأدلة يخبرنا أنه لا يمكن الوصول إلى صافي الصفر عام 2050 دون بعض منها".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: محطات الطاقة النوویة تولید الکهرباء قلب المفاعل قمة المناخ فی الیابان فی المفاعل أبو شادی
إقرأ أيضاً:
وزير الكهرباء يتابع مستجدات تنفيذ خطة العمل ودعم وتطوير الشبكة الموحدة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
اجتمع الدكتور محمود عصمت وزير الكهرباء والطاقة المتجددة، بالمهندس جابر دسوقى رئيس الشركة القابضة لكهرباء مصر ومحمد دعبيس مساعد الوزير، والمهندسة منى رزق رئيس الشركة المصرية لنقل الكهرباء، والدكتور محمد موسى رئيس جهاز تنظيم الكهرباء وحماية المستهلك، والدكتور محمد الخياط رئيس هيئة الطاقة الجديدة والمتجددة وعدد من قيادات قطاع الكهرباء، بحضور المهندسة صباح مشالى نائب الوزير لمتابعة سير العمل في جميع القطاعات التابعة ومختلف المشاريع والبرامج المتعلقة ببناء مزيج الطاقة وتطوير وتقوية الشبكة الموحدة لاستيعاب الطاقات الجديدة والمخطط الزمني حتى عام 2040 في ضوء استراتيجية الطاقة التي تم تحديثها ويجرى العمل في إطارها.
ويأتي ذلك في إطار المتابعة المستمرة لمجريات تنفيذ خطة العمل " انتاجا ونقلا وتوزيعا "، والتنسيق والتكامل بين كافة القطاعات في ضوء استراتيجية الطاقة،
وناقش الاجتماع مؤشرات الزيادة في الطلب على الكهرباء خلال المرحلة المقبلة في ظل التقارير التى توضح ارتفاعها بنسبة 10%، وخطة العمل الخاصة بالقدرات التوليدية، ومستجدات تنفيذ المشروعات الجارية حتى عام 2030، والخطة المستقبلية لإضافة 3000 ميجاوات سنوياً حتى عام 2040 والتوسع فى استخدام تقنية بطاريات تخزين الطاقة لتعظيم الاستفادة من الطاقات المتجددة وتحقيق الاستقرار للشبكة الكهربائية، وكذلك الإسراع فى الدراسات الفنية والضوابط الخاصة بمشروعات الخطة المستقبلية بما فى ذلك تعظيم الاعتماد على الصناعة المحلية للمهمات ودعم خطة الدولة لتوطين التكنولوجيا الحديثة، وكذلك الدراسة المستمرة للشبكة و تدعيمها وتطويرها لمواكبة إضافة القدرات التوليدية الجديدة ومراعاة التوزيع الجغرافي لنقاط الربط عليها فى اطار العمل على استقرار واستمرارية التغذية الكهربائية وتلبية متطلبات خطة التوسع العمرانى ومشروعات التنمية الزراعية والصناعية التى تمتد بطول البلاد وعرضها.
تناول الاجتماع المستجدات المتعلقة بتحسين وتطوير أداء الشركات التابعة وخطة التشغيل الاقتصادي ومعايير الجودة والكفاءة فى استخدام الوقود الأحفوري وبرامج الصيانة ومعدلات خروج وحدات التوليد من الخدمة وتحسين بيئة العمل وتنفيذ برامج السلامة والصحة المهنية وبرامج قياس الوقت والاستجابة لإصلاح الأعطال فى كافة القطاعات، وتطرق الاجتماع إلى التصدى لظاهرة التعدي على التيار الكهربائي ومؤشرات الأداء الخاصة بفرق الضبطية القضائية ولجان المتابعة والتفتيش، وكذلك الارتقاء بجودة الخدمة المقدمة من حيث الكم والكيف، والتطور فى تركيب العدادات الكودية والتسهيل على المشتركين والمضي قدما فى تحسين جودة الخدمات والالتزام بمعايير التقييم والجودة التى تم تحديدها للتطوير الشامل والمتكامل.
قال الدكتور محمود عصمت، إن هناك متابعة شبه يومية من الرئيس عبدالفتاح السيسي لمجريات تأمين الطاقة الكهربائية كركيزة أساسية لخطة إعادة البناء والتنمية المستدامة والارتقاء بمستوى الخدمات المقدمة للمواطنين، موضحا أن وزارة الكهرباء وهيئاتها وشركاتها معنية بالقيام بهذا الدور في إطار خطة الدولة للتنمية الشاملة، مشيرًا إلى استمرار العمل على تطوير الشبكة القومية للكهرباء وتعزيز قدرتها على استيعاب زيادة الأحمال الكهربائية المتوقعة خلال الفترة المقبلة، واستمرار تحديث البنية التحتية للشبكة لتحقيق أعلى مستويات الكفاءة ، موضحا دورية مثل هذه الاجتماعات للوقوف على مستوى الأداء ومراجعة تقدم العمل في المشروعات الحالية ومستجدات المشروعات المستقبلية.
وأضاف أن القطاع الخاص شريك ناجح وهناك نماذج يحتذى بها فى جميع المجالات المتعلقة بالكهرباء، والفترة المقبلة ستشهد تعاونا في مجال الحد من الفقد التجاري والفنى ومبادرات خاصة بالتوسع فى الطاقة الشمسية وتحسين كفاءة الطاقة والتحول الرقمي، مؤكداً أهمية التوسع فى برامج التدريب وتطوير الأداء للعاملين لمواكبة التطور واستخدام التكنولوجيا الحديثة في تشغيل الشبكة الكهربائية.