مقدمة للترجمة:

يوما بعد يوم، مع تتابع النتائج المثيرة لمرصد جيمس ويب الفضائي، بات واضحا للعلماء أن النموذج الذي يفسر نشأة هذا الكون وما فيه من مجرات ونجوم أصبح بحاجة إلى التعديل، وهنا أُعيدت إلى النقاش فرضيات طالما أهملها العلماء، إحداها -التي تلفت الاهتمام حاليا في أوساط الفيزياء الفلكية- هي فرضية النجوم المظلمة، وهي نجوم غاية الضخامة لدرجة أن كتلتها تبلغ ضِعْف كتلة شمسنا بمليون مرة وتلمع أكثر منها بمليارات المرات.

وتتكون هذه النجوم في جانب مركزي منها من المادة المظلمة، وقد وجدت فقط في بداية تاريخ هذا الكون، ثم انقرضت، فما تلك النجوم؟ ولِمَ هي مظلمة؟ وما الدلائل المتوفرة على وجودها؟ وما أهميتها في نشأة الكون وأصوله؟ جوناثان كالاهان من مجلة "نيوساينتست" يوضح لنا الأمر في مادة مطولة مثيرة للانتباه.

 

نص الترجمة:

في الأيام الأولى من عمر الكون بعد الانفجار العظيم، امتلأ الكون بأشكال غير عادية من النجوم التي عُدَّت وحوشا فلكية موغلة في الضخامة إلى الحد الذي يجعلها قادرة على ابتلاع نظامنا الشمسي بأكمله. ولكن الفرق هنا أنها لم تعتمد على الاندماج النووي كالنجوم العادية لتزويدها بالطاقة، بل اعتمدت بدلا من ذلك على المادة المظلمة وتحديدا على جسيمات المادة المظلمة التي تتصادم مع بعضها وتتفكك إلى أن تفنى لتحوِّل الطاقة المتولدة من هذا التفكك إلى وقود لما يُسمَى "بالنجوم المظلمة".

كانت هذه الفكرة هي أحد الاقتراحات التي قدمتها كاثرين فريز، عالمة الفيزياء الفلكية في جامعة تكساس في أوستن، خلال مؤتمر عُقِد عام 2007، لكنها لم تحظَ بقبول كبير في ذلك الوقت، وعن ذلك تقول فريز: "تناهى إلى مسامعي حينذاك بعض التعليقات من طلاب الدراسات العليا وهم يصفوننا بالمجانين". وبغض النظر عن ذلك، ظل مفهوم النجوم المظلمة عالقا بذهن فريز طوال هذه السنوات، لذا قررت هي وزملاؤها على مدار الستة عشر عاما الماضية الاستمرار في تحسين فهمهم لهذه الكائنات الافتراضية المُحيرة. غير أن مشكلتهم الأساسية تمحورت حول صعوبة العثور على أدلة قوية تؤكد وجود مثل هذه النجوم المظلمة، فالعثور عليها كان شيئا بعيد المنال وربما أقرب إلى المحال.

استمر هذا الوضع طوال السنوات الماضية إلى أن أبلغ فريق فريز مؤخرا عن قدرة تلسكوب جيمس ويب على رصد مجرات غير مألوفة قد تكون هي بالضبط ما يبحثون عنه. وتعليقا على ذلك تقول جيليان بولين، أستاذة الفيزياء وعلم الفلك، التي كانت آنذاك أحد أفراد الفريق وتعمل بجامعة كولجيت في نيويورك: "ربما لم تكن هذه الكائنات التي رصدها ويب مجرات في الحقيقة، وإنما نجوم فردية مظلمة تهيم في الفضاء".

ومع ذلك، ما زالت أصداء الشك تتردد بين علماء الفلك الآخرين حول هذه الفكرة. ومن جانبه، يقول كوزمين إيلي، أستاذ مساعد في الفيزياء وعلم الفلك بجامعة كولجيت أيضا وقائد فريق البحث: "إنها فكرة مثيرة للجدل بشدة". ولكن إذا كانت هذه النجوم المظلمة موجودة حقا، فلن تكون دليلا فقط على نوع محدد من المادة المظلمة، وإنما قد تساعد أيضا في حل إحدى أكبر المشكلات في علم الكونيات، وهي الأصول الغامضة للثقوب السوداء الهائلة التي تلعب دورا أساسيا في تطور المجرات.

يعج كوننا بالمادة المظلمة في كل مكان. صحيح أنه يتعذر علينا رؤيتها مباشرة لأنها لا تتفاعل مع الضوء، لكننا نعلم بوجودها بناء على تأثيرها في تشويه الزمكان الذي يتمخض عنه تأثير عدسي يشوه رؤيتنا للأجسام الأخرى (وهي ظاهرة تتمثل في انحناء مسار الضوء أو الموجات الكهرومغناطيسية عند مرورها بالقرب من كتلة ضخمة، مثل المجرات أو الثقوب السوداء. فعندما يمر الضوء بجانب جسم ضخم، ينحني المسار الضوئي بسبب قوة الجاذبية للجسم الضخم. وهذا التأثير يمكن أن يسبب تشوها في صورة الكائنات البعيدة، وهو ما يُعرف بالتأثير العدسي).

في السياق ذاته، تقول بيرل سانديك من جامعة يوتا بالولايات المتحدة: "بالنسبة للمادة المظلمة، فلدينا الكثير من الأدلة حول تأثيراتها الجاذبة على الأجسام الأخرى. إنها موجودة بالفعل، ونعلم مكانها أيضا في الكون". من خلال هذه الملاحظات، من المفترض أن المادة المظلمة تُشكِّل 27% من مكونات الكون، فيما تُشكِّل الطاقة المظلمة التي لا يمكن تفسيرها بالطرق المعتادة والمسؤولة عن توسع الكون نحو 68% من طاقته، في حين تُشكِّل المادة العادية التي نعرفها وتشمل الكائنات الحية والأشياء العادية مثل الكراسي والطاولات وحتى الأشخاص نحو 5% فقط من الكون.

إبادة عنيفة

خلال أول 200 مليون سنة من تاريخ الكون، تشكلت تجمعات ضخمة من المادة المظلمة على هيئة حلقات أو هالات صغيرة.
(شترستوك)

ما زلنا نفتقر إلى وسائل يمكن أن يُعوَّل عليها لتحديد ماهية المادة المظلمة بالضبط رغم وجود بعض الافتراضات التي تحوم حولها. في أواخر القرن العشرين، ظهرت لأول مرة فكرة "الجسيمات الضخمة ضعيفة التفاعل" (WIMP)، التي تُعَدُّ أثقل من البروتين بما يصل إلى 1000 مرة تقريبا، فضلا عن كونها لا تتفاعل مع المادة العادية. ومع ذلك، يمكن أن تؤثر على بعضها تأثيرا عنيفا، فما إن يتصادم جسيمان من هذا النوع حتى يُحطِّما بعضهما ويسفر ذلك عن انفجار من الطاقة على شكل أشعة غاما.

على المنوال ذاته، يمكننا أيضا استنتاج سلوك المادة المظلمة في الكون المبكر. بعد الانفجار العظيم، أي قبل نحو 13.8 مليار سنة، امتلأ الكون بتجمعات من الجسيمات دون أن يحمل بين طياته أي هياكل معقدة (كالنجوم والمجرات). ولأن المادة المظلمة تتحرك على نحو أبطأ من المادة العادية، فكان من المتوقع أن تتجمع بسهولة أكبر تحت تأثير الجاذبية. وخلال أول 200 مليون سنة من تاريخ الكون، تشكلت تجمعات ضخمة من المادة المظلمة على هيئة حلقات أو هالات صغيرة.

في نهاية المطاف، امتصت هذه التجمعات المادة العادية أيضا، مما أدى إلى تشكل النجوم والمجرات بعد ذلك. لذا أدركتْ فريز أنه إذا كانت هذه الهالات الصغيرة مليئة بالجسيمات الضخمة ضعيفة التفاعل (WIMPs)، فقد يقودنا ذلك إلى اكتشاف عملية مثيرة للاهتمام تشبه تكوين نجم عادي. وعن ذلك تقول: "أدركنا أن هذا النوع من النجوم هو اكتشاف جديد تماما لم يفطن إليه مجتمع الفلك من قبل".

في الحالات الأكثر تطرفا، يمكن للنجوم المظلمة أن تتطور على نحوٍ عملاق وتتجاوز في سطوعها حتى سطوع المجرات بأكملها في الكون المبكر. (شترستوك)

تبدأ عملية تكوُّن النجوم عندما تنهار سحابة من الغبار والغاز مكونة من المادة العادية. تسحق الجاذبية ذرات الهيدروجين والهيليوم معا حتى تصل في النهاية إلى الحد الذي يبدأ فيه الاندماج النووي وتتكون نواة النجم. وللحفاظ على استقرار النجم، فإن القوة التي تنشأ عن عملية الاندماج النووي في هذا النجم تتوازن بالضبط مع القوة الجاذبة التي تدفع المادة الغازية والغبارية نحو مركزه (هذا التوازن يحافظ على استقرار النجم ويمنع انهياره بفعل الجاذبية الهائلة).

إذا كانت كثافة المادة المظلمة كافية في تلك التجمعات الضخمة التي تتخذ شكل حلقات أو هالات، فقد يؤدي التفاعل الناتج عن انحلال الجسيمات ضعيفة التفاعل (WIMPs) إلى إنتاج طاقة تمنع وصول المادة العادية إلى الكثافة الحرجة المطلوبة (وهي الكثافة التي يجب أن تصل إليها المادة العادية لتبدأ عملية الاندماج النووي في النجوم). وفي هذه الحالة لن تحدث عملية الاندماج النووي أبدا، بل ستظهر بدلا من ذلك فئة مختلفة من الأجسام الفلكية التي ستتبدى في غاية الضخامة لدرجة أن قُطرها قد يصل إلى قُطر مشابه لمدار زحل، وكتلتها تبلغ ضِعْف كتلة شمسنا بمليون مرة.

تعليقا على ذلك، تقول فريز: "يوجد مصدر للحرارة يمنع انهيار تلك السحابة مجددا، بيدَ أن هذا المصدر هو المادة المظلمة". (بمعنى آخر، يبدو أن المادة المظلمة تلعب دورا مهما في تشكيل وثبات الأجرام التي تستقر عند حجم كبير وتفوق الكثافة الحرجة). حتى لو انطوت النجوم على كميات ضئيلة تصل إلى 0.1% فقط من المادة المظلمة، فسيكون ذلك كافيا لإنتاج تريليونات من تفاعلات الانحلال لجسيمات المادة المظلمة في الثانية الواحدة.

بالنسبة لعمليات الانحلال هذه، فيتمخض عنها طاقة هائلة كفيلة بإضفاء هالة من اللون الأزرق أو الأبيض على النجم تجعله شديد التوهج على نحو لا يُصدق. ومن هذا المنطلَق، يبدو أن "النجم المظلم" تسمية خاطئة أو غير دقيقة. في الحالات الأكثر تطرفا، يمكن للنجوم المظلمة أن تتطور على نحوٍ عملاق وتتجاوز في سطوعها حتى سطوع المجرات بأكملها في الكون المبكر. لتأكيد ذلك، تقول فريز: "يمكن لهذه النجوم أن تفوق في سطوعها ما يعادل مليار مرة من سطوع شمسنا".

"كاثرين فريز" عالمة الفيزياء الفلكية في جامعة تكساس في أوستن. (شترستوك)

في عام 2008، نشرت فريز سلسلة من الأبحاث حول النجوم المظلمة بالتعاون مع العالِمان دوغلاس سبوليار وباولو جوندولو. يتذكر دان هوبر، أستاذ الفيزياء الفلكية في جامعة شيكاغو أن هذه الأوراق البحثية أجَّجت "نقاشا حادا" بين العلماء في ذلك الوقت بقوله: "كنت أذهب إلى المحاضرات وأسمع الناس يصرخون في وجوه بعضهم بعضا، ولم أكن أدري حينذاك مَن على صواب ومَن على خطأ".

ومع ذلك، حظيت الفكرة ببعض الدعم من علماء آخرين على غرار بيرل سانديك من جامعة يوتا بالولايات المتحدة التي أقرت بأنها فكرة رائعة للغاية وممكنة تماما. ففي النهاية، لم تكن هذه هي الفكرة الوحيدة التي ناقشت أنواعا غريبة من النجوم في ذلك الوقت. ثمة أسباب وجيهة تدعو إلى التفاؤل والاعتقاد بأن هذه النجوم الافتراضية قد تكون موجودة في الواقع. فبغض النظر عن كونها نوعا جديدا تماما من النجوم، فإنها يمكن أن تُقدِّم حلًّا لأحد أكبر الألغاز الكونية، وهو أصل الثقوب السوداء الهائلة التي تُعَدُّ وحوشا عملاقة تقع في مركز المجرات وتتمتع بكثافة مرتفعة للغاية لدرجة أن الضوء نفسه يعجز عن التملص من قبضتها.

عندما ننظر إلى الكون في مراحله المبكرة، تتراءى لنا ظاهرة غريبة بعض الشيء، وهي وجود مجرات عمرها أقل من مليار سنة تضم في مراكزها ثقوبا سوداء عملاقة تبلغ كتلتها ضِعْف كتلة شمسنا بمليار مرة على الأقل. إن كيفية نمو مثل هذه الثقوب السوداء بهذه السرعة ما زال لغزا يحيّر العلماء. يقول محمد لطيف من جامعة الإمارات العربية المتحدة معلِّقا على ذلك: "إن وجود مثل هذه الثقوب السوداء العملاقة في بداية الكون يُمثِّل مشكلة عويصة". تشير إحدى الفرضيات إلى أنها ربما تكونت من اندماج ثقوب سوداء أصغر حجما، لكن المشكلة التي تواجه هذه الفرضية هي عدم وجود وقت كافٍ لحدوث ذلك.

 

أكثر سطوعا من شمسنا بمليار مرة من المهم إدراك أنه في حالة نفاد وقود النجوم المظلمة بالكامل، فإنها ستنهار وتتحول إلى ثقوب سوداء. (ناسا)

قد يكمن الحل في النجوم المظلمة باعتبارها الأساس الغامض والمجهول الذي يبدأ من عنده نمو الثقوب السوداء العملاقة. عاشت هذه النجوم المظلمة في الغالب لفترة قصيرة استمرت لملايين السنين فقط، ثم قضت نحبها في سن مبكرة، كما أن الأحجام الأصغر منها -التي تصل كتلتها إلى ضِعْف كتلة شمسنا بـ100 مرة فقط- قد تُولَد من جديد بوصفها نجوما عادية بمجرد توقف انحلال الجسيمات الضخمة ضعيفة التفاعل (WIMPs). ومن جانبها، تؤكد فريز: "بمجرد نفاد وقود المادة المظلمة، قد يبدأ الاندماج النووي".

من المهم إدراك أنه في حالة نفاد وقود النجوم المظلمة بالكامل، فإنها ستنهار وتتحول إلى ثقوب سوداء. وبالمثل، فإن الثقوب السوداء الناتجة عن انهيار النجوم المظلمة العملاقة ستحمل كتلة مماثلة تصل إلى ضِعْف كتلة شمسنا بمليون مرة. وعن ذلك تقول فريز: "تمكنا من خلال هذه الفرضية من حل مشكلة الثقوب السوداء الهائلة التي ظلت مُعلَّقة منذ زمن. فإذا كانت هذه الثقوب السوداء في بدايتها نجوما مظلمة فعلا، فذلك يعني أن لديك بذورا تصل كتلتها إلى مليون مرة ضِعْف كتلة شمسنا، ويمكن أن تندمج معا لتكوين ثقوب سوداء عملاقة تبلغ كتلتها ضِعْف كتلة شمسنا بنحو مليار مرة".

في عام 2010، واجهت فكرة النجوم المظلمة تحديا عندما ظهر مرشحون آخرون للمادة المظلمة وضعفت حجة الجسيمات الضخمة ضعيفة التفاعل (WIMPs). فبدون أدلة على وجود هذه الأخيرة، أصبحت الجسيمات الافتراضية الأخف وزنا المعروفة باسم "الأكسيونات" (axions) هي المرشح الأقوى بين الفيزيائيين لتفسير المادة المظلمة. ومع ذلك، اكتشفوا أن الأكسيونات ستكون خفيفة جدا بحيث لا يمكنها توليد ما يكفي من الطاقة لتكوين النجوم المظلمة. فيما يميل علماء آخرون، مثل الفيزيائي البريطاني برنارد كار من جامعة كوين ماري في لندن، إلى الاعتقاد بأن المادة المظلمة لا تتكون أبدا من جسيمات غامضة، بل من ثقوب سوداء تشكلت في بداية الكون، وتُسمى الثقوب "السوداء البدائية" (primordial black holes).

ومع ذلك، ظلت فريز متفائلة بشأن احتمال وجود مثل هذه النجوم المظلمة، وبالفعل بدأت الأمور تتحسن الآن، وتلوح في الأفق مؤشرات إيجابية عن هذه الاحتمالات. في عام 2022، أجرت هي وزملاؤها بعض الحسابات التي تشير إلى أن هناك جسيمات أخرى مُرشحة للمادة المظلمة يمكن أن تُشكِّل نجوما مظلمة بقولها: "ليس من الضروري أن تكون الجسيمات الضخمة ضعيفة التفاعل (WIMPs) هي المرشح الوحيد لتفسير المادة المظلمة، فقد ظهرت مؤخرا بدائل أخرى تصور المادة المظلمة على أنها جسيم يتفاعل بقوة أكبر مع نفسه". (بمعنى أن جسيمات المادة المظلمة قادرة على التفاعل مع بعضها بعضا أكثر من التفاعل مع الجسيمات الأخرى، وربما يؤدي هذا النوع من التفاعل إلى تشكيل أجسام مظلمة أكبر وأكثر استقرارا مثل النجوم المظلمة). كما تشير فريز إلى أن فكرة "المادة المظلمة ذاتية التفاعل" تحظى بشعبية في الوقت الحالي.

 

قد لا تكون في الأصل مجرات تلسكوب جيمس ويب (شترستوك)

أصبح تلسكوب جيمس الذي انطلق إلى الفضاء في ديسمبر/كانون الأول عام 2021 قادرا على التعمق في تاريخ الكون وسبر أغواره بفضل مرآته الكبيرة المطلية بالذهب، التي ترصد الأجسام بواسطة الأشعة تحت الحمراء. تمكَّن جيمس ويب بالفعل من رصد مجرات يعود تاريخها إلى مئات الملايين من السنين الأولى من عمر الكون، أي أقدم من جميع المجرات التي سبق أن رصدها أي تلسكوب آخر. أظهرت هذه النتائج وجود عدد من الأجسام التي بدت شديدة السطوع أكثر مما كان متوقعا في الفترة التي كان من المفترض فيها أنها فجر الكون.

في هذا السياق يقول عالم الفيزياء البريطاني برنارد كار: "لا مجال للشك في أن نتائج تلسكوب جيمس ويب تشير حتما إلى أن هناك شيئا غريبا يحدث، إذ لم يكن من المتوقع أن تنمو المجرات بمثل هذه السرعة وتصل إلى هذا الحجم حتى بعد مرور مليار سنة تقريبا من الانفجار الكبير، لكن يبدو أن تلسكوب جيمس ويب اكتشف الكثير من المجرات التي تشكّلت في وقت أبكر بكثير مما كان متوقعا".

في شهر يونيو/حزيران من العام الجاري 2023، أعلن علماء الفلك بالاعتماد على نتائج جيمس ويب المتقدمة عن مجموعة من مجرات جديدة معروفة باسم "جَيدز" (JADES) ومرشحة لأن تنتمي إلى أقدم فترة زمنية معروفة حتى الآن، وهذا لأن تاريخ إحداها يعود إلى 320 مليون سنة فقط بعد الانفجار العظيم. ومع ذلك، نشرت فريز وزملاؤها ورقة بحثية -لم تخضع بعد لعمليات مراجعة أو تنقيح من قِبَل متخصصين- تشير إلى أن هذه الأجسام التي ظهرت في نتائج جيمس ويب على هيئة بقع حمراء قد لا تكون في الأساس مجرات، وإنما نجوم مظلمة منفردة.

وفقا لتفسير الباحثين، فإن السبب في اعتقادهم أن تلك الأجسام التي رصدها جيمس ويب قد تكون نجوما مظلمة وليست مجرات هو شكلها المستدير وافتقارها إلى السمات المعتادة للمجرات، فضلا عن كونها تتوافق أيضا مع نموذج النجوم المظلمة، حيث تتناسب كمية الضوء المنبعثة من هذه الأجسام مع ما يتوقعه النموذج النظري للنجوم المظلمة، وتصل كتلة اثنين من هذه الأجسام المرشحة إلى ضِعْف كتلة شمسنا بمليون مرة، فيما تُقَدَّر كتلة الثالث بنصف ذلك.

على الجانب الآخر، يرى بعض العلماء المشاركون في فريق جَيدز أنه ما زال هناك احتمال بأن تكون هذه الأجسام مجرد مجرات صغيرة جدا، وربما الافتقار إلى أدلة أكثر دقة يمكن أن يعوَّل عليها في الوقت الحالي هو السبب الرئيسي في ظهورها بوصفها نقاطا فردية صغيرة في الصور. يقول ساندرو تاتشيلا، عالم الفيزياء الفلكية من جامعة كامبريدج، وأحد أفراد فريق جَيدز: "ما زلنا نُفضِّل الحل الأبسط، لأنه في الوقت الحالي لا نملك دليلا واضحا على نموذج النجم المظلم".

على المنوال ذاته، تؤكد مارسيا ريكي، أستاذة علم الفلك بجامعة أريزونا بالولايات المتحدة، وأحد أفراد الفريق ذاته أيضا، ضرورة التمهل قبل التسليم بمثل هذه الاستنتاجات، مشيرة إلى أن اثنين من هذه الأجسام الثلاثة المرشحة يبدو أنهما يتمتعان بسمات تتوافق مع سمات المجرات الصغيرة، في حين يمكن للثالثة أن تكون ببساطة مجرة مُدمجة (وهي نوع من المجرات يضم في كنفه عددا هائلا من النجوم والغاز والغبار في مساحة صغيرة نسبيا)، وتشدد ريكي بقولها: "لكي يقدِّم المرء ادعاء بأن شيئا ما هو نجم مظلم، يحتاج في المقابل إلى دليل قوي للغاية يدعم فرضيته".

لحُسن الحظ، ما زالت هناك فرصة للحصول على إجابة عن هذه الكائنات الغامضة. في أكتوبر/تشرين الأول من هذا العام، يبدأ فريق جَيدز في جمع النصف الثاني من البيانات المتعلقة بهذه الأجسام، بما في ذلك قياس الطيف المفصل لهذه الكائنات، وهو الضوء الذي ينبعث منها عبر مجموعة من الأطوال الموجية المختلفة. ولا بد أن نكون قادرين على تمييز نمط مؤين للهيليوم والمعروف باسم "هيليوم-2" (helium-II) في الطيف المفصل لهذه الكائنات.

أغلب علماء الفلك يجدون صعوبة في قبول فكرة النجوم المظلمة، ويفضلون الاحتفاظ بالأفكار التقليدية والأساليب المعتادة وتجنب الأشياء الغريبة (شترستوك)

إذا كانت الأجسام الغامضة هي نجوم مظلمة، فمن المتوقع من "الهيليوم-2" أن يمتص الضوء عند طول موجي محدد. أما إذا كانت في الأصل مجرات، فمن المفترض أن ينبعث من "الهيليوم-2" ضوء عند ذلك الطول الموجي. ومن جانبها تقول جيليان بولين، أستاذة الفيزياء وعلم الفلك بجامعة بنسلفانيا: "يمكن استخدام الهيليوم-2 دليلا قاطعا على وجود نجم مظلم". (فعندما يمتص الهيليوم الضوء عند طول موجي مُحدد، فإن ذلك يشير إلى وجود نجم مظلم. وهذه الخاصية الفريدة تعزز فرضية أن تلك الكائنات الغامضة قد تكون نجوما مظلمة).

قد يكون هناك المزيد من المرشحين للنجوم المظلمة. يعمل أستاذ الفيزياء وعلم الفلك كوزمين إيلي على ورقة بحثية جديدة تتضمن رؤى جديدة من عمليات رصد تلسكوب جيمس ويب، وعن ذلك يقول: "لن نواجه نقصا في عدد المرشحين المحتملين ليكونوا نجوما مظلمة". وحاليا يمتلك تلسكوب جيمس ويب وحده القدرة على اكتشاف النجوم المظلمة. لكن في عام 2027، من المقرر أن تُطلِق ناسا "التلسكوب الفضائي الروماني" ليكون شريك جيمس ويب في عمليات استكشاف الفضاء.

ومع ذلك، ما زال أغلب علماء الفلك يجدون صعوبة في قبول فكرة النجوم المظلمة. يقول الفيزيائي برنارد كار: "يُفضِّل معظم الناس الاحتفاظ بالأفكار التقليدية والأساليب المعتادة وتجنب الأشياء الغريبة كالنجوم المظلمة قدر الإمكان، رغم أن عالمنا متخم بالأشياء غير المتوقعة، بدءا من الثقوب السوداء وصولا إلى النجوم المغناطيسية (التي تُعَدُّ أحد أكثر الكائنات الفلكية غرابة وتعقيدا في الكون). نحن محاطون بالغرابة، فلماذا لا تنضم النجوم المظلمة أيضا إلى قائمة الظواهر الغريبة التي يعج بها الكون؟!".

 

أغرب النجوم في الكون

لا تُعَدُّ النجوم المظلمة هي الظاهرة النجمية الغريبة الوحيدة في هذا الكون. ثمة العديد من الظواهر الفلكية الأخرى الموجودة في الكون التي لم نكتشفها بعد. وإحدى أغرب هذه الظواهر هو "النجم يانوس" الذي اكتشفه علماء الفلك في يوليو/تموز من العام الجاري 2023، ويبدو أن لديه جانبين، يتكون الأول من الهيليوم، والآخر من الهيدروجين. ولأن هذا النجم يتمتع بوجهين، لُقِّب بـ"يانوس" على اسم الإله يانوس في الأساطير الرومانية القديمة الذي كان لديه وجهان أيضا.

بيد أن الباحثين قد رصدوا هذا النجم في لحظة استثنائية غريبة أثناء تغيُّر حالته الفيزيائية من مرحلة احتراق الهيليوم إلى الهيدروجين (أي انتقاله من كون الهيليوم هو المسيطر على سطحه إلى كون الهيدروجين هو المسيطر)، وهي عملية يُعتقد أن العديد من الأقزام البيضاء تمر بها (والأقزام البيضاء هي بقايا نجوم ميتة قبل ملايين السنين تتميز بكتلة مماثلة للشمس، في حين أن حجمها أصغر ومماثل للأرض).

أما النوع الآخر فهو "النجوم الهجينة" أو ما يُعرف باسم جرم "ثورن زيتكو" (Thorne-Żytkow) على اسم الفيزيائيين اللذين درسا هذه الظاهرة. يتكون هذا الجرم من نجم عملاق يبتلع نجما نيوترونيًّا أصغر منه. إنهما أشبه بالدمى الروسية المتداخلة (التي تنقسم إلى جزأين قابلين للانفصال، وتحوي داخلها دمى أخرى أصغر حجما). يُعتقد أن هذه النجوم تتشكل عندما يتصادم نجمان ويندمجان معا. وخلال حياتها القصيرة، قد تبدو متطابقة تماما مع النجوم الكبيرة ويصعب تمييزها.

لكن رغم ذلك كله، ما زال وجود مثل هذه النجوم مجرد افتراض حتى الآن. والطريقة الوحيدة لاكتشافها ستكون من خلال مزيج من قياسات موجات الجاذبية (وهي تموجات في الزمكان التي تنتج عن تسارع الكتلة، مثل تصادم نجمين واندماجهما لتكوين نجم هجين)، بالإضافة إلى ذلك، يمكن أيضا استخدام الملاحظات الفلكية لتحليل العناصر الموجودة داخل النجم الهجين.

ثمة نوع آخر من أغرب النجوم التي اكتشفها العلماء حتى الآن وهو "النجم البوزوني". ولكي نفهمه على نحو أفضل، علينا أن نتساءل أولا: "متى يكون الثقب الأسود ثقبا أسودَ؟"، والإجابة هي عندما يكون الثقب الأسود في الأساس هو نجم بوزون. تتكون النجوم عادة من الفرميونات، وهي الجسيمات التي تُشكِّل المادة. ومع ذلك، قد تتجمع البوزونات، وهي جسيمات الطبيعة الحاملة للقوة، بأعداد لا تُحصى معا لتُشكِّل في النهاية كائنا شفافا لا يمثل سوى قوة جذب هائلة على كل شيء حوله. لذا في نهاية المطاف، قد يتعذر علينا إيجاد شيء قد يميز بين هذه الأجسام والثقوب السوداء، ولهذا السبب لم يتمكن علماء الفلك حتى الآن من تطوير أي طرق سهلة لاكتشافها.

————————————————————————————

هذا المقال مترجم عن  New Scientist ولا يعبر بالضرورة عن موقع ميدان.

ترجمة: سمية زاهر.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: هذه النجوم المظلمة من المادة المظلمة الفیزیاء الفلکیة الاندماج النووی تلسکوب جیمس ویب المادة العادیة الثقوب السوداء هذه الکائنات هذه الأجسام علماء الفلک المظلمة فی من النجوم المظلمة ت ملیون مرة ملیار مرة یمکن أن ت ن النجوم کانت هذه ذلک تقول فی الکون حتى الآن من جامعة إذا کانت یبدو أن ومع ذلک على نحو قد تکون وعن ذلک ما زال فی عام من هذا عن ذلک التی ت أن هذه فی ذلک إلى أن

إقرأ أيضاً:

الزوراء يتقدم بطلب رسمي لتغيير موعد مباراته أمام الكرمة في دوري النجوم

الزوراء يتقدم بطلب رسمي لتغيير موعد مباراته أمام الكرمة في دوري النجوم

مقالات مشابهة

  • الزوراء يتقدم بطلب رسمي لتغيير موعد مباراته أمام الكرمة في دوري النجوم
  • هل تختبئ كائنات فضائية في عوالم موازية؟ نظرية جديدة جريئة
  • حقيقة تسريع كائنات فضائية لحركة النجوم في الكون.. نظرية جديدة تثير التساؤلات
  • للمرة الأولى.. اصطفاف مجرتين بشكل مثالي يساعد على رؤية الكون العميق
  • دياموند بو عبود في ضيافة "أسرار النجوم" مع إنجي علي.. الليلة
  • باحث فلكي: علاقة العرب مع النجوم علاقة وجود وحياة
  • الأسبوع الثالث للدعوة يختتم فعالياته بسوهاج بمحاضرة حول دور الشباب بين عمران النفس وعمران الكون
  • ظواهر حيرت العالم.. أكثر 8 أسرار غموضًا في الكون
  • دراسة ترجح أننا لسنا في الكون الملائم للعثور على كائنات فضائية
  • الأسبوع الثالث للدعوة يختتم فعالياته في سوهاج بمحاضرة حول “دور الشباب بين عمران النفس وعمران الكون”