فواديسواف ريمونت.. تعرف على مسيرة أديب نوبل البولندي
تاريخ النشر: 5th, December 2023 GMT
تمر اليوم ذكرى رحيل الأديب البولندي فواديسواف ريمونت الحاصل على جائزة نوبل في الأدب لسنة 1924، حيث إنه كتب عددًا كبيرًا من الروايات التي حظيت بإشادة واسعة النطاق جائزة نوبل.
ولد ريموند في قرية كوبيل فيلكي بوسط بولندا عام 1867، والتي كانت تحت السيطرة الروسية في ذلك الوقت، تعلم القراءة والكتابة على يد كاهن محلي في القرية، ثم انتقل إلى وارسو حيث حصل على دبلوم في الآداب.
عمل خلال مسيرته المهنية في عدة مجالات، منها عمله في الفرق العسكرية، كممثل متجول، ثم كعامل في السكك الحديدية. استقر بعد ذلك في وارسو، وقرر حينها أن يتفرغ بالكامل للكتابة، لكنه لم يلتزم بما قرره، إذ عمل بالإضافة إلى كتاباته مراسلا لإحدى الصحف وزار العديد من العواصم الأوروبية مثل برلين. بروكسل ولندن. سافر إلى الولايات المتحدة بعد نهاية الحرب العالمية الأولى. وخلال إحدى رحلاته إلى الولايات المتحدة الأمريكية، تعرض لحادث عام 1900، أثر على صحته طوال حياته.
وقد أثرى ريموند المكتبة العالمية بالعديد من الأعمال الأدبية، له العديد من الروايات والقصص أبرزها «الموت» قصة قصيرة نشرها عام 1893، و«الصيني» الصادرة عام 1894، وروايتي «المهرجون والخفاش» عام 1797 والتي فيها يصف الفترة التي اتحدت فيها بولندا مع ليتوانيا، إلى جانب «الفلاحين» وهي الرواية التي نال عنها جائزة نوبل والتي نشرها عام 1904 وكتبها أثناء إقامته في نورماندي، ومن رواياته الشهيرة الأخرى.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: جائزة نوبل في الأدب جائزة نوبل السيطرة الروسية الفرق العسكرية
إقرأ أيضاً:
ما لا يقوله البيت الأبيض عن الرسوم الجمركية «الحائز على نوبل في الاقتصاد بول كروغمان: ترامب يُحدث أكبر صدمة تجارية في التاريخ»
في حلقة حديثة من البرنامج الحواري الذي تُقدّمه صحيفة نيويورك تايمز، استضاف الكاتب والصحفي الأمريكي عزرا كلاين، الاقتصادي الشهير والحائز على جائزة نوبل بول كروغمان، في نقاش معمّق حول أحدث السياسات التجارية التي أعلنت عنها إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، التي وُصفت بأنها «أكبر صدمة تجارية في التاريخ».
ويُعَد بول كروغمان أحد أبرز الأصوات في حقل الاقتصاد السياسي، وقد عمل كاتبًا عموديًا في صحيفة نيويورك تايمز لما يقرب من 25 عامًا، حيث تميّزت كتاباته بتركيزها على قضايا التجارة والاقتصاد الكلي، إضافة إلى دفاعه الصريح عن سياسات السوق المنفتحة.
وفي المقابلة، التي نُشرت في أبريل الجاري، يعود كروغمان لتحليل ما اعتبره «انحرافًا جذريًا في سياسات التجارة العالمية»، في ظل عودة خطاب الحماية الاقتصادية، ويُفكك -بأسلوبه المعروف- الطبقات المتعددة من سوء الفهم الاقتصادي الكامن وراء السياسات الجديدة. وهنا أبرز ما جاء في الحوار:
*************************************************************************************
عزرا كلاين: لنبدأ بما أعلنه ترامب في «يوم التحرير»، ما الذي حصل بالضبط؟
بول كروغمان: حسنًا، أعتقد أن معظم الناس كانوا يتوقعون إعلانًا عن رسوم جمركية موحدة إلى حدٍ ما، ربما معدل ثابت يُطبق على الجميع، أو نوعين أو ثلاثة أنواع من الرسوم الجمركية. بدلاً من ذلك، أعلن عن هيكل جمركي معقد للغاية، يختلف من دولة لأخرى، وبمعدلات أعلى بكثير مما توقعت الأسواق أو ما كان يُفترض أنه «الرهان الذكي» – بمتوسط يبلغ حوالي 23%، وهو ما يُعد ضخمًا بالفعل. إنه أعلى من المعدلات التي فرضت بعد قانون «سموت-هاولي»، في حين أن التجارة تشكل الآن جزءًا أكبر بكثير من الاقتصاد مقارنة بما كانت عليه في ثلاثينيات القرن الماضي. لذا، نعم، هذه تُعد أكبر صدمة تجارية في التاريخ.
*************************************************************************************
كلاين: كيف جرى احتساب الرسوم الجمركية لكل دولة على حدة؟
كروغمان: هذا كان مثيرًا للاهتمام؛ لأنه في البداية تساءلنا: من أين جاؤوا بهذه الأرقام؟ في خطاب حديقة الورود، قال ترامب: إنّ هذه المعدلات تستند إلى تقييم الحواجز التجارية التي تفرضها الدول الأخرى، وأوضح أنها حساب لمعدلات الرسوم الجمركية وغيرها من السياسات التي تُعد بمثابة رسوم. بدا ذلك للوهلة الأولى وكأنه تقييم دقيق لسياسات التجارة في كل دولة، وهو أمر ضخم جدًا ومن الصعب تصديقه أنهم فعلًا قاموا به. ولكن الحقيقة أنهم لم يفعلوا.
ما قاموا به فعلًا هو أخذ العجز التجاري الثنائي للولايات المتحدة مع كل دولة، وقسّموه على واردات تلك الدولة من الولايات المتحدة، واعتبروا الناتج هو «المعدل الجمركي الفعلي»، ثم قاموا بخفضه إلى النصف، واعتبروه الرسوم المفروضة. إنه حساب غريب وغير مستند إلى أي أساس اقتصادي معروف، ولم يكن ليمرّ في أي مقرر جامعي درّسته عن التجارة. لكنه على الأقل «أصلي» إن صحّ التعبير.
*************************************************************************************
كلاين: ما الذي يُفهم من هذا المنهج في الحساب؟ ما الرسالة الضمنية؟
كروغمان: يبدو أن الرسالة هي: «إذا كان لدينا عجز تجاري مع دولة معينة، فذلك بحد ذاته دليل على التمييز في السوق ضدنا، أو شيء يجب علينا إصلاحه». هذا طرح مختلف قليلاً عما كنا نسمعه عادة. فبدلاً من النظر إلى الرسوم كوسيلة لحماية الأسواق، أصبحت تُعَامل وكأنها وسيلة للانتقام من العجز.
كلاين: أعتقد أن الوقت مناسب الآن لطرح السؤال الأكاديمي: ما هو العجز التجاري؟ وما مدى خطورته؟
كروغمان: كل دولة تصدر سلعًا وتستورد أخرى. العجز أو الفائض التجاري مع أي دولة هو ببساطة الفرق بين ما نشتريه منها وما نبيعه لها. لا يوجد أي سبب جوهري يجعل هذا الرقم يجب أن يكون متوازنًا بين كل زوج من الدول. هناك أدبيات ضخمة تشرح أسباب الفروقات الثنائية في التجارة، ولكن لا يوجد ما يدعم اعتبار العجز دليلًا على ممارسات غير نزيهة – كما يبدو أن ترامب وأنصاره يؤمنون بذلك.
السياسة التجارية الأمريكية كانت قائمة منذ عام 1934 على مبدأ «المعاملة بالمثل» – بموجب قانون الاتفاقيات التجارية المتبادلة – حيث نخفّض رسومنا الجمركية إذا قامت الدول الأخرى بخفض رسومها بالمثل. وفي العموم، الدول المتقدمة الأخرى لديها رسوم منخفضة مثلنا. لذا، إذا كان هذا هو المبدأ، فقد تم تطبيقه فعلًا، ولا حاجة لمزيد من الإجراءات.
*************************************************************************************
كلاين: ولكن يبدو أن إدارة ترامب لا تنطلق من هذا المنطق.
كروغمان: بالضبط. يبدو أنهم يقولون: «إذا كان لديكم فائض معنا، فإنكم بالضرورة ترتكبون مخالفة ما»، وهذا ليس ما قيل علنًا عند الإعلان عن السياسة. كانت الرسالة المعلنة مختلفة تمامًا.
*************************************************************************************
كلاين: هناك جدل على وسائل التواصل يقول: إن أحدهم قد سأل برامج الذكاء الاصطناعي مثل ChatGPT وGemini وClaude: «ما أبسط طريقة لاحتساب الرسوم الجمركية على الدول الأخرى؟» فجاء الرد مطابقًا تقريبًا لما فعلته إدارة ترامب. هذا يطرح سؤالين: هل نحن أمام أزمة اقتصادية عالمية بسبب متدربين استشاروا الذكاء الاصطناعي؟ وثانيًا، هل هناك وجاهة ما في هذا الحساب، هل هو طريقة مبسطة مفهومه يعجز الاقتصاديون «الليبراليون» عن تبنيها؟
كروغمان: هذا بالفعل يعكس المشكلة الأساسية مع ما نطلق عليه الذكاء الاصطناعي – أو تحديدًا النماذج اللغوية الضخمة – فهي تلتقط ما هو منشور على الإنترنت، دون تمييز بين ما هو معقول وما هو غير منطقي. لا أظن أن هناك ورقة علمية واحدة في أي مجلة اقتصادية محترمة توصي بمثل هذا الحساب. ربما هناك من يروّج له عبر الإنترنت، لكنه ليس شيئًا يمكن أن تُوصي به لو كنت تفهم فعلًا كيفية عمل التجارة الدولية، وهو ما لا يفعله الذكاء الاصطناعي. لذا، إن كانت هذه فعلًا توصية مبنية على الذكاء الاصطناعي، فهي أقرب إلى حكاية تحذيرية منه إلى تحليل اقتصادي.
*************************************************************************************
كلاين: وهل هناك مشكلات تطبيقية في فرض رسوم متفاوتة بين الدول؟
كروغمان: نعم، تمامًا. هذه واحدة من أولى العقبات. مثلًا، لقد فرضوا رسومًا أعلى على واردات الاتحاد الأوروبي مقارنة ببريطانيا. فإذا عبرت سلعة أوروبية القنال الإنجليزي، وقضت خمس دقائق في ميناء بريطاني، ثم شُحنت إلى أمريكا – هل تُحتسب سلعة بريطانية أم أوروبية؟ هذا يتطلب ما يُعرف بـ«قواعد المنشأ»، وهي شديدة التعقيد، وتستلزم كمًّا هائلًا من المعاملات الورقية. فرض رسوم مختلفة على دول متقاربة اقتصاديًا يُعد مأزقًا من الدرجة الأولى.
ببساطة، من يعرف شيئًا عن التجارة فسيدرك أن ما يحدث كارثة، وأن السلع الأوروبية سيتم تهريبها عبر أيرلندا الشمالية مثلًا لتجنّب الرسوم. هذا جنون.
*************************************************************************************
كلاين: كيف كانت استجابة الأسواق؟ وهل يمكن قراءة أي دلالة من سلوكها؟
كروغمان: يبدو وكأن الأسواق تقول: «نحن نؤمن بكتب الاقتصاد أكثر من خطط ترامب». فعليًا، لم نشهد أي دعم في الأسهم للشركات التي يُفترض أن تستفيد. مثلًا، شركة BYD الصينية لصناعة السيارات الكهربائية ارتفعت أسهمها منذ تنصيب ترامب، بينما تسلا تراجعت. هذه إشارة واضحة على أن المستثمرين لا يعتقدون أن هذه الإجراءات ستُعزز التصنيع الأمريكي.
*************************************************************************************
كلاين: أليس المفترض أن تعزز هذه الرسوم قطاع التصنيع المحلي؟ هكذا تُسوّق على الأقل.
كروغمان: نعم، ولكن هذا يتجاهل الحقيقة: لم يعد هناك «صناعة سيارات أمريكية» بالمعنى التقليدي. لدينا صناعة سيارات «شمالية أمريكية» موزعة بين كندا والمكسيك والولايات المتحدة. إن منعت أحد المصانع في المكسيك من إرسال قطع الغيار إلى مصنع تجميع في ميشيجان، فأنت ببساطة تعقّد العملية وتزيد من تكلفتها، وتُعرّض كامل السلسلة الإنتاجية للخطر. إذًا، بدلًا من دعم التصنيع، هذه السياسة تضر به مباشرة.
*************************************************************************************
كلاين: كيف يجب أن تستجيب الدول الأخرى؟ أتردُّ بالمثل أم تلتزم بضبط النفس؟
كروغمان: هناك جدل طويل في الاقتصاد الكلاسيكي يقول: «إذا كان جارك بنى سدًا يمنع وصول المياه، هل تبني سدًا في المقابل لتمنع الماء عن نفسك؟» نظريًا: لا. ولكن في الواقع السياسي: لا يمكن الصمت. للبلدان كبرياؤها وهويتها الوطنية، ولا يمكنك تجاهل ذلك.
لذا، نعم، هناك حجة جيدة لاتخاذ إجراءات انتقامية، ولو كانت فقط لحفظ ماء الوجه أو لمحاولة ثني ترامب عن سياساته. ربما يمكن استهداف تسلا، أو غيرها من الشركات ذات الرمزية العالية. المهم أن يكون الرد محسوبًا ويوصل رسالة.
*************************************************************************************
كلاين: إلى أي مدى يمكن أن يتصاعد هذا الأخذ والرد؟ هل نحن أمام احتمال ركود اقتصادي في أمريكا؟ أو حتى عالمي؟
كروغمان: في الظروف العادية، لا تؤدي الرسوم الجمركية إلى ركود. تؤدي إلى خفض الكفاءة الاقتصادية – أي استخدام موارد أقل كفاءة – لكنها لا تُضعف الطلب الكلي. لكن ما يحدث الآن مختلف تمامًا؛ لأنه يتم بطريقة غير مستقرة وغير متوقعة. هذه العشوائية تُضعف ثقة الشركات وتدفعها لتجميد استثماراتها.
فكر في شركة تصنيع، تفكر في بناء مصنع قطع غيار. هل تبنيه في المكسيك حيث التكاليف أقل؟ ربما لا، إذا كانت هناك رسوم 25 أو حتى 95%. ولكن هل تبنيه في أمريكا حيث التكاليف أعلى؟ ربما لا أيضًا؛ لأنه لا أحد يعرف إن كانت هذه الرسوم ستستمر. هكذا تُشلّ حركة الاستثمار.
*************************************************************************************
كلاين: أعتقد أنك ستتذكر هذا الوضع بنفس الغضب الذي شعرتُ به بعد الأزمة المالية الكبرى، حينما بدأت واشنطن تطالب بالتقشف رغم البطالة المرتفعة، وبدأنا نسمع من الجمهوريين أن العجز المستقبلي يخلق حالة من «عدم اليقين الاقتصادي» تعيق الشركات عن الاستثمار، والحل -حسب زعمهم- هو خفض الإنفاق وربما رفع الضرائب قليلًا.
وقد أمضيتُ سنوات في دحض هذا الطرح؛ لأنه لم يكن صحيحًا. واليوم، الحزب نفسه يُوجد حالة من عدم اليقين الاقتصادي الحقيقي، لدرجة أنني لا أستطيع تخيّل شركة تحاول الآن اتخاذ قرار بشأن بناء مصنع أو تنفيذ استثمار كبير. لا أحد يصدق أن هذه الرسوم الجمركية ستظل كما هي خلال عام واحد، بل لا يمكن حتى الجزم بأنها ستظل ثابتة لشهر واحد!
كروغمان: نعم، كانت تلك الحجج بعد الأزمة مجرد ذرائع لتبرير التقشف الذي فرضه الجمهوريون في الكونجرس، وإلقاء اللوم على أوباما. وصحيح أنني أصبحت أعادي أي شخص يتحدث عن «عدم اليقين» كمبرر اقتصادي. ولكن ما نراه الآن مختلف تمامًا، هو حقًا وضع لم نرَ مثله من قبل - ربما باستثناء اندلاع الحرب العالمية الثانية.
لو كان ترامب قد قال بوضوح: «سنفرض رسومًا بنسبة 20% على الجميع، وبشكل دائم»، ربما كان يمكن للأسواق أن تمتص الصدمة، وتبدأ الشركات بالتكيف. نعم، كنا سندفع ثمنًا، ولكن «الحمائية المستقرة» أقل ضررًا من هذه الفوضى المتقلبة.
*************************************************************************************
كلاين: كثير من الناس يسألونني: «هل أشتري الآن؟» أي هل أستثمر في السوق بعد هذا الهبوط. الفكرة أن السوق دائمًا يرتفع وينخفض ثم يرتفع مجددًا. هل تعتقد أن ما نشهده الآن هو الحد الأقصى للضرر؟ أم أننا في بداية شيء أعمق؟
كروغمان: من الصعب القول. نحن في منطقة غير مسبوقة من حيث السياسة. لم نشهد شيئًا بهذه الفوضى من قبل. ولدينا أيضًا فقاعة ضخمة في أسهم التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي. وأنا -كمن عاش فقاعات التسعينيات- قلق من حجم التراجع المحتمل.
*************************************************************************************
كلاين: ولكن ترامب يرى كل هذا. يرى الأسواق تتراجع، ويعلم أن توقعات الركود بدأت تزداد. ومع ذلك، يختار المضي قدمًا. لماذا؟
كروغمان: هذا هو السؤال الكبير. ما الذي يعرفه دونالد ترامب فعلًا؟ هو شخص يزعم بأن شعبيته تبلغ 70%! ربما سكوت بيسنت في وزارة الخزانة يدرك أن المؤشرات الاقتصادية تنذر بالخطر. لكن هل هناك من يملك الجرأة ليقول لترامب: «هذا سيئ»؟ هو يرى السوق، لكنه ربما يظن أن السوق لا يفهم «عبقرية» سياساته.
*************************************************************************************
كلاين: إذًا، ما الذي يظنه؟ ما الفكرة العبقرية في رأسه؟
كروغمان: أعتقد أنه يؤمن بفكرة بدائية مفادها: «إذا كنا نستورد أكثر مما نُصدّر، فهذا يعني أنهم يخدعوننا». وهو يعتقد أن الرسوم الجمركية ستوقف ذلك، وأن الناس سيكتشفون في النهاية أنه أذكى من الجميع. لا يوجد ما يوحي بوجود خطة أعمق أو رؤية استراتيجية. ومن يظن أن هناك عمقًا في هذه السياسة، فتكفيه نظرة على شكل الرسوم المعلنة ليدرك أنها مجرد ارتجال من ترامب.
*************************************************************************************
كلاين: المثير للاهتمام أيضًا هو أن تبريرات هذه الرسوم متضاربة. من جهة، يقال إنها لإعادة التصنيع المحلي، مما يتطلب نظام رسوم مستقر. ومن جهة أخرى، تُستخدم كأداة تفاوضية للحصول على مكاسب في قضايا أخرى، مثل الهجرة أو مكافحة تهريب الفنتانيل. وثالثًا: يُقال إن عائداتها ستمول تخفيضات ضريبية، كإلغاء الضرائب على الإكراميات والضمان الاجتماعي. وهذه ثلاثة أهداف مختلفة تتطلب ثلاث سياسات مختلفة.
كروغمان: نعم، النقطة الأساسية هي أن ترامب يريد فرض رسوم جمركية، ومن حوله سيمنحونه إياها، ثم سيحاولون بناء «روايات» تبريرية بعد ذلك. كل هذه التبريرات المتناقضة ليست ما يُحرك السياسة، بل هي محاولات لتجميلها. في الجوهر، هذه إدارة تُقرر أولًا ثم تحاول اختراع منطق لاحقًا.
*************************************************************************************
كلاين: هل هناك أي سيناريو يمكن من خلاله لنظام الرسوم الجمركية -أياً كان شكله- أن يُعيد التصنيع المحلي بالفعل؟ هذا هو أكثر جوانب خطابهم جاذبية عاطفيًا، أليس كذلك؟
كروغمان: هناك مستويان لهذا السؤال. أولًا: هل يمكن للرسوم الجمركية أن تُقلل من العجز التجاري؟ الجواب: هذا صعب للغاية. هناك قوى عديدة مضادة، لذا حتى لو فرضت الكثير من الرسوم، لن تنجح بالضرورة في تقليص العجز. ولكن إذا أغلقت التجارة الدولية تمامًا، نعم، عندها لن يكون هناك عجز لأنك ببساطة لم تعد تتاجر.
ثانيًا: حتى إذا نجحت في القضاء على العجز، هل هذا سيُعيد فعلًا القاعدة الصناعية؟ حتى لو بلغنا مستويات ألمانيا، التي تسجل فوائض ضخمة، فإنها رغم ذلك شهدت انخفاضًا كبيرًا في نسبة العاملين في التصنيع.
نحن اليوم في حدود 10% من التوظيف في قطاع التصنيع. وإذا قضينا كليًا على العجز، فقد نرتفع إلى 12.5%. لكنه بعيد جدًا عن 30% كما كان في خمسينيات وستينيات القرن الماضي. هذا التراجع أساسه ليس التجارة، بل التقدم في الأتمتة والإنتاجية.
*************************************************************************************
كلاين: وهذا يطرح سؤالًا أعمق: هل الهدف هو استعادة «الوظائف الصناعية» أم «القدرة التصنيعية»؟
كروجمان: سؤال مهم. زميلي السابق توماس فريدمان زار الصين مؤخرًا وذهل من قدرة الشركات هناك، مثل هواوي، على تحويل مصانع الهواتف إلى مصانع سيارات، وبسرعة خارقة. الصين لا تقدم فقط عمالة رخيصة، بل طورت قدرة هائلة على إدارة سلاسل الإمداد. هذا يشكل تهديدًا جيوسياسيًا في المدى الطويل.
وفي هذا السياق، قد يكون من المنطقي دفع تكلفة عالية لإعادة بناء هذه القدرة، حتى وإن كانت مؤتمتة بالكامل؛ لأن الاعتماد على الصين أمر مقلق استراتيجيًا.
*************************************************************************************
كلاين: هل ترى في هذا المنطق وجاهة حقيقية؟
كروجمان: هناك ما يُقال في هذا الشأن، نعم. وهناك مادة في الاتفاقية العامة للتعريفات الجمركية والتجارة (الجات) تسمح للدول بتجاوز القواعد إذا تعلّق الأمر بالأمن القومي. والمثال البارز على ذلك هو أشباه الموصلات.
كان من غير الحكيم أن نعتمد بهذا الشكل الكبير على تايوان في إنتاج الرقائق. لذا، جاء قانون «الرقائق» CHIPS Act لمحاولة تقليص هذا الاعتماد. هذا القانون هو نموذج على سياسة صناعية عقلانية لأسباب أمنية. لكن ترامب يقول: إن هذا القانون سيئ!
فلو أردنا سياسة صناعية أمنية، فهي تبدو كقانون الرقائق، وليس فرض رسوم على واردات الملابس من بنجلاديش. تلك الرسوم لا تحسّن أمننا القومي، بل ترفع كلفة المعيشة.
*************************************************************************************
كلاين: بل الأسوأ من ذلك، إذا كان هدفنا هو تقليص الاعتماد على الصين، فليس من المنطقي فرض رسوم على شركائنا وحلفائنا ككندا والمكسيك وفيتنام.
كروجمان: تماما. هذا يهدم الهدف نفسه. المنطق وراء بناء النظام التجاري بعد الحرب العالمية الثانية -كان يتمثل في خلق تحالف اقتصادي داعم للتحالف السياسي. وزير خارجية روزفلت، كورديل هال، كان يرى أن العلاقات الاقتصادية تُعزز من تماسك المعسكر الديمقراطي في مواجهة التهديدات مثل الستالينية.
ما نفعله اليوم هو تمزيق هذا النظام بحجة الأمن القومي، رغم أنه صُمم جزئيًا لحماية الأمن القومي. والنتيجة أن حلفاءنا ينفرون منا، بل وقد يجدون أنفسهم في تحالف اقتصادي مع خصومنا. هذا ما يحدث عندما لا يجرؤ أحد على قول: «لا» للملك.
*************************************************************************************
كلاين: بل أحيانا يختار «الملك» من يصفق له، ويُعطيهم المسؤولية!
كروجمان: بالضبط. وهناك أمثلة على ذلك. مثلاً، بيتر نافارو -المستشار التجاري لترامب- جرى اختياره لأن جاريد كوشنر بحث في «أمازون» عمّن كتب كتبًا ضد الصين! أي أنهم اختاروا عمدًا من يؤكد للملك ما يريد سماعه. أما روبرت لايتهايزر، الذي كان يُفترض أن يكون فاعلاً رئيسياً في هذه الإدارة، فتم تهميشه على الأرجح؛ لأنه يعرف ما يتحدث عنه، ولأنه ليس مخلصاً شخصياً لترامب، بل صاحب قناعة. وربما كان سيعترض على فرض رسوم على بنجلاديش، وهذا أمر غير مقبول في البلاط.
*************************************************************************************
كلاين: من الأمور اللافتة في إدارة ترامب الثانية أن من حوله اليوم مختلفون جذرياً عما كانوا عليه في فترته الأولى. حينها، كان جاريد كوشنر يُدخل إلى الإدارة شخصيات من التيار السائد، مثل جاري كون من جولدمان ساكس، وهربرت ماكماستر من الجيش، ممن لعبوا دور الكوابح، حتى ولو بشكل جزئي.
أما اليوم، فدونالد جونيور هو الشخصية الأقرب، وهو غارق في عالم «ماغا»، وجلب معه أشخاصا مثل جي دي فانس، الذين يتحدثون علناً عن نيتهم تطهير الإدارة من أي معارضة داخلية. إيلون ماسك وراس فُوت ينفذون حملة لتفكيك ما يُسمّى بـ«الدولة العميقة»، أو ببساطة كل مؤسسات الخبرة والبيروقراطية.
الآن، ترامب محاط بأشخاص يشجعونه على المضي قدماً، لا من يفرملونه. وهذه هي النتيجة.
كروجمان: نعم، رأينا قبل أيام رئيس مجلس النواب مايك جونسون يُسأل عن خطة الرسوم الجمركية، فقال: «يجب أن نثق بحدس الرئيس». وهذا مزعج جداً. نحن في أمريكا، لا يُفترض بنا أن نؤمن بحدس القائد كما لو كان نبيًّا.
هناك مقالة شهيرة لجون ماينارد كينز يقول فيها: «الاقتصاد، وإن لم يصدق أحد ذلك، هو علم تقني دقيق». وترامب لا يفهم -أو لا يريد أن يفهم- كيف أن السياسات الاقتصادية تعود لتؤثر على من يفرضها. هو يظن أنه رجل أعمال، مؤيَّد من الله، وأنه يعرف ما يفعل. ومن حوله الآن لا يعترضون، بل يُطلقون له العنان.
*************************************************************************************
كلاين: في خلفية هذا كله، هناك نظريات بدأت تنتشر، مثل ما يُسمّى بـ«اتفاق مارالاغو»، التي تزعم أن هيمنة الدولار كعملة احتياط عالمية هي السبب في تراجع الصناعة الأمريكية. البعض في إدارة ترامب يتحدث عن «إعادة تشكيل النظام المالي العالمي»، وكأنهم يصنعون بريتون وودز جديدة.
ما حقيقة العلاقة بين الدولار كعملة احتياط، والعجز التجاري، وتراجع الصناعة؟
كروجمان: سؤال معقّد جداً. كتبت عنه في Substack، وكان من الصعب تلخيصه، واضطرت زوجتي -التي أعتبرها رئيسة التحرير- أن تطلب مني حذف كثير من الجداول والرسوم!
الدولار يحتل مكانة خاصة. كثير من التجارة الدولية تتم بالدولار، حتى بين دول لا علاقة لها بأمريكا. كما أن القروض والديون الدولية تتم بالدولار أيضا. والدول تحتفظ باحتياطي من الدولار ضمن سياساتها النقدية.
هل هذا يسبب العجز التجاري؟ بعض الشيء، نعم. ولكن ليس كثيراً. السبب الأكبر أن أمريكا بلد جذاب للاستثمار، وهذا ما يحافظ على قوة الدولار، ويجعلنا نستورد أكثر مما نُصدّر.
فكرة أن تقليص دور الدولار كعملة احتياط سيُعيد الصناعة، هي خيال مريح. تبدو مهمة سهلة ودولية وأنيقة، مقارنةً بالتحديات الحقيقية للسياسة الصناعية. ولكنها ليست واقعية. بل إننا قد نُضعف دور الدولار الآن بسبب تقلباتنا، ولكن هذا لن يحل شيئا.
*************************************************************************************
كلاين: في تفكير التيار «الماغاوي»، ثمة تناقض عجيب. من جهة، يريدون أمريكا قوية ومهيمنة. ومن جهة، يكرهون التزاماتها العالمية – القواعد العسكرية، وتحالفات الناتو، والدور المالي الدولي. يريدون الهيمنة ولكن دون كلفة.
كروغمان: أمريكا قوة إمبراطورية ناعمة. بعد الحرب العالمية الثانية، لم ننهب أوروبا، بل أطلقنا خطة مارشال لإعمارها. أنشأنا مؤسسات مثل صندوق النقد الدولي. نحن قوة أولى بين أنداد، لا ديكتاتور عالمي. هذا نموذج غير مألوف من الإمبراطوريات.
لكن هذه الرؤية الرفيعة يصعب على «ماغا» فهمها. يريدون نموذجًا إمبراطوريًا تقليديًا، يفرض قوته بالقوة المباشرة، لا بالتحالفات.
*************************************************************************************
كلاين: هل تتوقع أن يصحو بعض الجمهوريين من غيبوبتهم السياسية؟ سمعنا تصريحًا من تشاك غراسلي وماريا كانتويل عن إعادة سلطة فرض الرسوم إلى الكونجرس، وحتى ميتش ماكونيل قال: «الرسوم سياسة سيئة، وهي ضريبة على المواطنين».
كروغمان: نعم، ولكن كل هؤلاء كبار في السن، ولا يملكون مستقبلًا سياسيًا طويلًا. كل من راهن على أن «الراشدين في الحزب الجمهوري» سيتصدّون لترامب خسر رهانه. لا أظن أن هناك من سيقف في وجهه فعلًا. مايك جونسون وجون ثيون يقودان مجلسي الكونجرس، وإذا اختلفوا معه، فستنتهي قيادتهم فورًا.
*************************************************************************************
كلاين: تحدثنا كثيرًا عن نقد سياسات «ماغا» التجارية. لكن هناك أيضًا حالة من خيبة الأمل العامة تجاه النظام التجاري العالمي. مستشار الأمن القومي، جيك سوليفان، قال: إن وعود العولمة – بأنها ستُصدر البضائع لا الوظائف – لم تتحقق. هل هناك نقد تراه وجيهًا؟ هل تؤمن بأي صيغة من «الرسوم التبادلية»؟
كروغمان: لا أؤمن كثيرًا بحجة الرسوم. لدينا فعلًا رسوم متبادلة. لدينا اتفاق تجارة حرّة مع كندا والمكسيك، وهو بالمناسبة الاتفاق الذي تفاخر ترامب بإعادة التفاوض عليه، رغم أنه غيّر بعض الفواصل فقط!
أوروبا تفرض رسومًا منخفضة مثلنا. العجز التجاري الأمريكي هو في الواقع انعكاس لقوة الاقتصاد الأمريكي؛ لأنه يجذب الاستثمارات. لدينا نمو إنتاجي أعلى، وتركيبة سكانية أفضل بفضل الهجرة.
نعم، دخل العمال لم ينمُ كما يجب، وهناك تفاوت متزايد. التجارة ساهمت جزئيًا في ذلك – هذا درس من دروس الاقتصاد 101. لكن السبب الأكبر هو التكنولوجيا، والسياسات الداخلية.
أتفهم أن الخطاب المناهض للعولمة جذاب، يبدو عميقًا وعالميًا. لكن الواقع غالبًا ما يكون أكثر بساطة.
*************************************************************************************
كلاين: ختامًا -كعادة البرنامج- اذكر ثلاثة كتب توصي بها جمهورنا؟
كروغمان: قرأت مؤخرًا – وأعرف أنه صدر منذ فترة – كتاب «ثمن السلام» لزاك كارتر عن جون مينارد كينز، وهو كتاب رائع. أيضًا، كتاب «كيف لا تستثمر» لصديقي مدير الصندوق باري ريثولتز، ممتع جدًا حتى لغير المهتمين بالاستثمار. وأخيرًا أقرأ الآن كتاب فيليبس أوبراين الجديد «الحرب والقوة»، وهو مؤرخ عسكري متميز وصاحب أفكار غير تقليدية، حتى وإن انتقد سياسات إدارة بايدن أحيانًا، لكنه يُقدّم تحليلًا عميقًا ومختلفًا.
*************************************************************************************
عن مجلة نيويورك تايمز