لم يشهد المسرح السياسي السوداني انحطاطاً في الخطاب وانهياراً للدبلوماسية، مثلما شهدته ساحات التمثيل الأممي والإقليمي لمنسوبي جماعة الاخوان المسلمين، المتحورة إلى ما يسمى حزب المؤتمر الوطني المحلول، وأمسى الجنوح نحو العسف والعنف اللفظي ديدناً لممثلي هذه الجماعة في المحافل العالمية، ولو بحث المهتمون برصد إخفاقات المنظومة البائدة في هذا الخصوص، لن يستطيعوا أن يعدّوها، وذلك لتزايد التجاوزات والانتهاكات لأعراف العمل العام من رموز الاخوان المسلمين، الذين ولجوا دهاليز الأروقة الدولية على حين غفلة من الشعب السوداني، ما جعل حقبة الجماعة أسوأ الفترات الزمنية في تاريخ الدولة الحديثة، لقد تكررت الحوادث غير الأخلاقية المرتبطة بسلوك ممثلي السلك الدبلوماسي، بالولايات المتحدة الأمريكية إبّان عهد الدكتاتور عمر البشير، وانحط الخطاب السياسي والإعلامي الذي قدمه سفراء السودان بصورة تدعو للأسف العميق، وتواضعت لغة سفير دولة الاخوان مقارنة بسفراء أكثر مراحل الحكم العسكري تعرضاً للنقد والمعارضة – مرحلة حكومة مايو، ومن مخازي هؤلاء الاخوان المتطرفين أن رأس الدبلوماسية في عهدهم كان قائداً لمليشيا أطلقوا عليها اسم (الدفاع الشعبي)، وبلغ الانهيار الدبلوماسي مبلغاً خطيراً أن ورث الوزارة السيادية، والنافذة الخارجية المطلة على أقطار العالم في ذلك الزمان، وتولى الرئاسة فيها رجل ضالع في محاولة اغتيال رئيس جمهورية عربية ودولة جارة، في تحد سافر للقوانين الدولية والمعايير الدبلوماسية.


الخطيئة السياسية الكبرى بعد الانقلاب العسكري للإخوان المسلمين، على الحكومة الشرعية التي كان يقودها الراحل الصادق المهدي، تم ارتكابها حينما خصصت حكومة الانقلابي الدكتاتور الاخواني عمر البشير، مساحة صباحية بالإذاعة السودانية لكادرها العسكري والإعلامي، الذي أساء للزعماء والرؤساء والقادة والحكام والأمراء والملوك، بأسلوب فج ومتطرف ونفس مملوءة بالكراهية والحقد الدفين، عبر رسائل إعلامية سالبة، أوضح علاماتها الفوضى والحمق والتطرف، والإرهاب الفكري الذي لم يسبق له مثيل، ما تسبب في التضييق على حاملي الجواز السوداني، وحينها تم تصنيف الشخص السوداني كإرهابي دولي، ليذل بعد ذلك ويهان ببوابات المطارات الجوية، وفي مداخل المنافذ البحرية، وفقد كل حامل لهذه الهوية فرصته في العيش الكريم بتلك البلدان، التي تعرض رموز سيادتها للسباب والمعايرة من رجل معتوه لم ينل حظاً من الدنيا سوى ساقط القول، الإنقاذيون – الإسلاميون – الاخوانيون – الكيزان – الفلول، سمهم ما شئت، لم يتركوا للسوداني الإنسان مجالاً للعيش بكرامة، سواء كان ذلك داخل وطنه أو خارجه، كرّسوا فعلهم السيء والشنيع بحق هذا الانسان الخلوق، فلاحقوه في مهجره ومهربه الاختياري، وأبوا إلّا وأن يذيقوه مرارة عدائهم الحنظلي المقيم، ففي الوقت الذي تقوم فيه خارجيات البلدان التي تقودها المؤسسات بتقديم السند والدعم لمواطنيها، يخرق اخوان السودان الدستور ليحوّلوا القنصليات والسفارات لبؤر ومراكز للتخابر والتجسس والتحسس بحق المغترب والمهاجر.
رجل الدولة لا يرفع عقيرته بالصياح مسيئاً لرموز السيادة الوطنية للبلدان الأخرى، ولا ينحط لدرك الابتذال الأسفل الذي لا ينزل إليه إلّا الساقطين، والدبلوماسية كركيزة أساسية في توطيد العلائق الشعبية والرسمية بين الحكومات والشعوب، ومعها الخطاب السياسي الذي لابد وأن يكون سياسياً ومهنياً من الدرجة الأولى، يجب أن يراعى فيها تقلبات شئون الفعل السياسي المتصف بالكياسة والمرونة، فتعاطي السياسة كما وصفه الفلاسفة ليس فيه عداوة دائمة ولا صداقة قائمة، والمجاهرة بالسباب واللعن ليست من شيم الرجال، ناهيك عن أن تكون سمة من سمات الراعي المسؤول عن الرعيّه، ومهما قدم الاخوانيون من رجال مبتذلين لتسيّد المشهد العام، إلّا أن حصادهم المر سيكون العزلة الدولية والملاحقة الجنائية، فالعلاقات الدولية ليست مثل تعاملات أصحاب المتاجر بالأسواق الشعبية، الذين يصبحون ويمسون في فوضى أصوات مكبرات الصوت المستهدفة الراجلين والراكبين للدواب، وهو حال دويلة الاخوان المسلمين في السودان، المشتهرة بمثل هذه الفوضى غير الخلّاقة والسلوكيات غير الأخلاقية، فكما فعلت المراهقة السياسية برموز الحكم الاخواني في السودان، وقتما أقدم المراهقون الاخوانيون على محاولة اغتيال رئيس جمهورية دولة جارة، وعلى تقديم الكلمات النابيات والمسيئات لسيادة الأشقاء والجيران، الصادرات من أفواه مشعلي حرب أبريل، بذات القدر، لن يمر هذا الطيش الصبياني بدون المساءلة والعقاب، بل ستكون الملاحقات الجنائية واجبة النفاذ.

إسماعيل عبدالله
ismeel1@hotmail.com
5ديسمبر23  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

رئيس أركان الجيش السوداني: وصلنا إلى نقاط فاصلة

أشاد رئيس هيئة أركان الجيش السوداني الفريق أول محمد عثمان الحسين بالمكاسب التي حققها جيش بلاده في مواجهاته مع قوات الدعم السريع، معتبرا أن السودان وصل إلى "نقاط فاصلة".

وقال الحسين "من هذا التوقيت يبدأ تاريخ جديد لدولة السودان ولشعب السودان، تنطلق فيه القوات المسلحة لتطهير كل شبر متبق من أرض الوطن".

وأضاف، خلال حديث للصحفيين من داخل مقر القيادة العامة الذي كان خاضعا للحصار منذ أبريل/نيسان 2023، "من هذه النقطة تبدأ عودة كل السودانيين من مناطق النزوح ودول اللجوء لاستئناف حياتهم العادية في بلدهم، في أمن واستقرار وسلام إن شاء الله".

من جهته، قال العقيد محمد حسب الله "نحن إن شاء الله بعد فك الحصار عن القيادة العامة، سوف تسمعون عن انتصارات من القوات المشتركة مع إخواننا من قوات الشعب المسلح. سوف ترد وتستعيد الفرقة الضعين ونيالا والفاشر والجنينة بإذن الله".

وأكد حسب الله، أمس الأحد، أن الجيش السوداني يعتزم التوجه إلى الجنينة. وأضاف "إن شاء الله شبر شبر من هنا للجنينة"، في إشارة إلى أقصى مدينة في غرب البلاد والتي كانت واحدة من أولى المدن التي سقطت في أيدي قوات الدعم السريع مع بداية الحرب.

ومهدت استعادة مصفاة الجَيلي في شمال بحري الأسبوع الماضي، وكذلك مساحات شاسعة من المدينة الواقعة على الضفة المقابلة للخرطوم على نهر النيل، الطريق لكسر الحصار على القيادة العامة للجيش يوم الجمعة، وتحقيقه تقدما جديدا في الحرب.

إعلان

وانطلق مدنيون في شوارع بحري وأماكن أخرى يهتفون ترحيبا بتقدم الجيش بينما كان جنود ينظرون من نوافذ محطمة داخل القاعدة العسكرية في وسط الخرطوم، ويحتفلون وهم يتجولون بلا خوف في أرض القاعدة بعد حصار قوات الدعم السريع الذي دام لفترة طويلة.

من جانبها، نفت قوات الدعم السريع تحقيق الجيش أي مكاسب، وقالت اليوم الاثنين إنها بدأت في نشر قوات في منطقة شرق النيل في بحري. وتواصل القوات شبه العسكرية هجومها على الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور.

وقتلت في اليومين الماضيين العشرات في هجوم بطائرة مسيّرة على آخر مستشفى لا يزال يعمل في المدينة. ونفت قوات الدعم السريع مسؤوليتها عن الهجوم واتهمت الجيش بالوقوف وراءه.

ويقول محللون إن الجيش قد يتريث لحين استعادة باقي المناطق في الخرطوم، حيث لا تزال قوات الدعم السريع منتشرة على نطاق واسع، وذلك قبل الدخول في أي مفاوضات.

وتقول قوات الدعم السريع إنها ستدعم تشكيل حكومة في المناطق الخاضعة لسيطرتها، في حين يرفض قادة الجيش دمج القوات شبه العسكرية في أجهزة الدولة، مما يثير مخاوف من تقسيم البلاد رسميا.

لكن قائدا عسكريا آخر من القوة المشتركة، وهي مجموعة من الجماعات المسلحة التي تقاتل إلى جانب الجيش، أشار إلى أنهم سيواصلون القتال في غرب البلاد.

مقر القيادة العامة للجيش السوداني ظل خاضعا للحصار منذ أبريل/نيسان عام 2023 (رويترز) البنية التحتية

في غضون ذلك، قالت اللجنة الدولية للصليب الأحمر إن الهجمات المتزايدة في السودان حرمت الملايين من الحصول على المياه النظيفة والكهرباء في جميع أنحاء البلاد.

وفي بيان لها اليوم، قالت دورسا ناظمي سلمان، رئيسة عمليات اللجنة الدولية للصليب الأحمر في السودان، "نشهد نمطا مقلقا من الهجمات على البنية التحتية المدنية الحيوية الضرورية للبقاء".

وحثت جميع الأطراف على "حماية هذه المرافق الحيوية"، بما في ذلك محطات الطاقة ومحطات المياه والسدود.

إعلان

وأكدت اللجنة أن انقطاع إمدادات الكهرباء والمياه له أيضا آثار سلبية على عمل المستشفيات وبالتالي على الرعاية الصحية للحالات الحرجة.

وقالت إن عدم القدرة على الحصول على المياه النظيفة "يلحق أضرارا كبيرة بالصحة العامة، ويزيد بشكل كبير من خطر تفشي الكوليرا والأزمات الصحية الأخرى".

وطالبت المنظمة أطراف النزاع "باتخاذ تدابير فورية لحماية البنية التحتية المدنية الحيوية، مثل المستشفيات ومنشآت المياه والكهرباء".

وقالت "إنهم ملزمون بذلك بموجب القانون الإنساني الدولي وهو التزام قطعوه من خلال إعلان جدة في مايو/أيار 2023… ما لم يتم اتخاذ مثل هذه التدابير بسرعة، فسيتعرض المدنيون الذين تضرروا كثيرا جراء الحرب لخطر فقدان الوصول إلى الخدمات الأساسية".

وأكدت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أن البنية التحتية الأساسية مثل محطات الكهرباء ومرافق المياه تعتبر بموجب القانون الإنساني الدولي أهدافا مدنية يجب حمايتها من الهجمات المباشرة ومن تداعيات القتال.

واندلعت الحرب الشرسة في السودان في أبريل/نيسان عام 2023، بين قائد الجيش عبد الفتاح البرهان ونائبه السابق وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي). وشهدت الأسابيع الأخيرة هجمات واسعة النطاق على السدود ومصافي النفط.

وأودت الحرب بحياة عشرات الآلاف وشردت أكثر من 12 مليونا ودفعت العديد من السودانيين إلى شفا المجاعة. كما دمرت البنية التحتية الهشة أساسا في السودان.

مقالات مشابهة

  • المجاعة تنهش السودان… «لا طعام ولا دواء ولا أي شيء»
  • العقوبات الأمريكية على الإمارات: لعبة الشطرنج السياسي والدبلوماسي في السودان
  • بحضور عبدالله السناوي.. معرض الكتاب يناقش "أم كلثوم التي لا يعرفها أحد"|صور
  • بحضور عبدالله السناوي.. معرض الكتاب يناقش أم كلثوم التي لا يعرفها أحد
  • بعد اعتراف المتحدث بإسم القوات الجوية… سفير أوكرانيا ينفي تدخل بلاده في الحرب السودانية
  • قرن من الزمان وغياب القرار والإختيار فيما يتعلق بالنظام السياسي في السودان
  • الألم والوجع الذي احسه السودانيون بسقوط مدني فاق اي احساس آخر طيلة فترة الحرب
  • الحرب القادمة في اليمن… ما الذي تعنيه أوامر ترامب؟!
  • رئيس أركان الجيش السوداني: وصلنا إلى نقاط فاصلة
  • وفاة الفكر السياسي الذي أدمن المعارضة وتربى عليه الناشطون في الجامعات وأركان النقاش