الكلامُ الإسرائيليّ المطروح مؤخراً عن ضرورة إقامةِ منطقةٍ آمنة أو "عازلة" بين لبنان وفلسطين المحتلة بهدف إبعاد "حزب الله" عن الحدود، أعادَ طرح سيناريوهات قديمة – جديدة يمكن أن تمهد لحربٍ واسعة في حال كان هناك قرارٌ فعلي لتطبيقها ميدانياً.  
في الواقع، المسألةُ ليست سهلةً بتاتاً، فهي ترتبطُ بـ"ضرب" مكاسب وطنيّة حققها لبنان إبان الإنسحاب الإسرائيلي منه عام 2000، في حين أنّ الطرح المرتبط بالمنطقة العازلة يعني شروطاً جديدة عند الحدود من بينها طرحُ قرارات دولية جديدة تُنهي مفعول القرار 1701 الذي جمّد القتال بين لبنان وإسرائيل إبان حرب تمّوز عام 2006، أو تعديل مضمونه بالحد الأدنى.

.. فماذا يعني الكلام الإسرائيليّ عن تلك المنطقة؟ هل سينجحُ هذا المخطط؟ وكيف سيتعامل "حزب الله" مع هذا التحدّي؟ 
في بادئ الأمر، الكلام عن المنطقة العازلة يعني أمرين أساسيين: إنهاء دور "حزب الله" في منطقة جنوب الليطاني، وتكريس سيادة دولية غير معروفة المعالم والتحركات على أرض لبنانية. من دون أي نقاش، يُعتبر هذا الأمر في حال تحققه، بمثابة إنكسار للحزب الذي يرى في تحرير العام 2000 بمثابة إنتصارٍ على مُخطط المنطقة الآمنة الذي كانت إسرائيل تسعى لفرضه أكثر من مرة تحت هدفٍ مُعلن وهو "إبعاد المنظمات الفلسطينية عن الحدود". 
هل ينجحُ مخطط المنطقة العازلة.. وما هي خطورتها؟ 
المعادلة التي كانت قائمة سابقاً إبان الإحتلال الإسرائيلي للبنان قبل العام 2000، تختلف تماماً عن المعادلة القائمة الآن. ففي العام 1978، تاريخ الإجتياح الأول للبنان، لم يكن "حزب الله" موجوداً، وفي العام 1982 كان "حزب الله" في طور التأسيس نوعاً ما، وليس بالقوة التي هو عليها الآن. إضافة إلى ذلك، فإن نوع الأسلحة والصواريخ التي كانت قائمة آنذاك ليس مماثلاً أبداً للأنواع الموجودة حالياً. الأمر الأهم هو أنّه ما من إحتلالٍ إسرائيليّ حالياً لقرى وبلدات الجنوب، وتكرار هذا السيناريو لا يحصل إلا في حالة واحدة وهي إنهاء "حزب الله" عسكرياً وبالتالي العودة إلى سنوات ما قبل تأسيسه عام 1982. 
ميدانياً وعسكرياً، فإنّ المنطقة العازلة التي يُحكى عنها لن تحمي إسرائيل، فـ"حزب الله" وإن اندفع إلى ما بعد شمال الليطاني، سيبقى قادراً بصواريخه الموجودة لديه على إستهداف العمق الإسرائيليّ. المسألة الأكثر ضغطاً هنا هي أنَّ الحزب لا يتواجد فقط ضمن منطقة الشريط الحدودي، بل ينتشر في مناطق أخرى تتجاوز شمال الليطاني، حتى أنّ صواريخه ليست جميعها مخزنة في الجنوب، وهذا الأمر تُقرّ به التقارير الإسرائيلية.  
لهذه الأسباب وغيرها، فإنّ "عمق" حزب الله وأسلحته سيسمح له بمواصلة عملياته، لكن المنطقة العازلة التي يُحكى عنها تهدف إلى فرملة خطوات الحزب الهادفة إلى شنّ اقتحامٍ بريّ ضد مستوطنات إسرائيل مثلما حصل في غزة يوم 7 تشرين الأول الماضي. فعلياً، المسألة هذه هي الأكثر إقلاقاً للإسرائيليين، وما يتبين من الطرح القائم هو أن تل أبيب تخشى الإنجرار نحو الحرب لإبعاد "حزب الله"، وفي الوقت نفسه تُتحدث من بوابة ثانية دولياً عن حلّ يرضيها ويساهم بعودة مستوطني المستعمرات المحاذية للبنان إلى منازلهم بعدما تركوها منذ شهرين إبان الحرب في جنوب لبنان. 
أمام كل ذلك، فإنّ مسألة المنقطة العازلة معقدة تماماً، فهي تتضمن خطوات عديدة ستفرض نفسه في حال تمت ترجمة المُخطط واقعياً، وهي: تعزيز مهام اليونيفيل – إنتهاء نفوذ "حزب الله" ضمن جبهة متقدمة في الجنوب، في حين أن الأمر الأخطر هو أنه ستصبح هناك إمكانية لأن تبادر إسرائيل وفي لحظة من اللحظات إلى إحتلال أي بقعة داخل لبنان.  
"إستحالة" 
في حديثٍ عبر "لبنان24"، يقولُ الخبير العسكري هشام جابر إنَّ هناك إستحالة لإنهاء وجود "حزب الله" في لبنان، ويضيف: "من يستطيع ذلك فليتفضّل. إنشاء منطقة عازلة يعني منع أي وجود مسلح عند الحدود وهذا الأمر التزم به حزب الله تبعاً للقرار 1701، حيث لم يكن له أي ظهور مسلح ظاهر، بينما إسرائيل خرقت القرار يومياً على مدى 16 عاماً ولم تخضع لأي مُساءلة". 
يلفتُ جابر إلى أنَّ "الظهور المسلح للحزب في الوقت الحالي جاء رداً على الإعتداءات الإسرائيلية"، مشيراً إلى أن الحزب لن يقف في موقع المتفرج على ما تفعله إسرائيل، ويُتابع: "الحديث عن منطقة عازلة يقودنا إلى مخاوف منها جعل قوات اليونيفيل تفتش القرى والمنازل متى ما تشاء، وهذا الأمر يُعد انتهاكاً لسيادة الدولة اللبنانية ولا قبول به على الإطلاق". 
وأشار جابر إلى أنّ الإقرار بوجود منطقة عازلة سيعني السماح لإسرائيل بإعادة إحتلال الجنوب، وسأل: "من يضمن ذلك؟ نحنُ نواجه عدواً غادراً وله أطماع بلبنان. السيناريو المطروح غير مقبولٍ على الإطلاق". 
كيف سيواجهه "حزب الله".. كيف سيتعامل معه؟ وماذا يعني بالنسبة إليه؟ 
الرد الأساسيّ من قبل الحزب على مضمون مخطط المنطقة العازلة يحصلُ ميدانياً من خلال القول إنه قادر على التحكم بتحركاته من كل مناطق الجنوب وتحديداً من خلال عملياته التي ينفذها ضدّ المواقع العسكرية الإسرائيليّة. إضافة إلى ذلك، فإنّ الحزب قد يتعاطى مع سيناريو هذه المنطقة من خلال حربٍ جديدة باعتبار أنها قد تمهد لإحتلال جديد للبنان، وبالتالي قد يكون هذا الأمر ذريعة واضحة لتطوّر المعارك.  
المسألة الأكثر تأثيراً هنا هي أنّ حدوث منطقة عازلة لا يعني فقط تأثيراً على "حزب الله"، بل سيكون شاملاً لبيئته الحاضنة. وعليه، فإنّ مثل هذه القضية ستشكل ضغطاً على القاعدة الشعبية للحزب، والحديث عنها سيعيد معاناة سكان الجنوب إبان الإحتلال الإسرائيلي حينما كانوا يواجهون الإنعزال عن باقي لبنان تحت السلطة الإسرائيلية. إضافة إلى ذلك، فإنّ نشوء مثل هذه المنطقة سيعني إنعداماً لسلطة "حزب الله" الفعلية على أمن الجنوب، وبالتالي سلب صلاحية حرية التحرك من يده. 
إزاء كل ما طُرح، يبقى الأمرُ مرتبطاً بتسوية ما يجب ترسيخها عاجلاً أم آجلاً، في حين أن الوقائع الميدانية هي التي ستقول كلمتها.. فهل ستتطور الأمور نحو حربٍ فعلية بعد طرح المنطقة الآمنة أم أنّ الأمور ستكون تحت قيد الحلول الدبلوماسية التي ستُنهي التوترات وبالتالي تُبقى الحزب منتشراً ضمن الجنوب كما هو الحال الآن؟   المصدر: خاص "لبنان 24"

المصدر: لبنان ٢٤

كلمات دلالية: المنطقة العازلة منطقة عازلة هذا الأمر حزب الله

إقرأ أيضاً:

تشييع نصرالله اليوم وترقب لكلمة قاسم.. ملف لبنان يحضر في البيت الأبيض غداً

يشيع اليوم الشهيدان الأمينان العامان السابقان لحزب الله السيد حسن نصر الله والسيد هاشم صفي الدين، بمشاركة وفود من أكثر من 70 دولة وأكثر من 800 شخصية رسمية من خارج لبنان، وبحضور رسمي  لبناني حيث سيحضر رئيس المجلس النيابي نبيه بري وسيمثل رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون في حين سيمثل وزير العمل محمد حيدر رئيس الحكومة نواف سلام، وسوف تكون إيران ممثلة "على مستوى رفيع من خلال وفد يترأسه رئيس مجلس الشورى الإيراني محمد باقر قاليباف ويضم وزير الخارجية الايراني عباس عراقجي وعدد من المسؤولين، كما ان عدداً من السفراء المعتمدين في لبنان سوف يشاركون في التشييع.     وفي سياق متصل، تتجه الانظار الى الكلمة التي سيلقيها الامين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم من المدينة الرياضية والتي تتضمن بحسب ما تشير أوساط سياسية، شقين، الأول يتطرق فيه إلى مزايا وصفات القائد الكبير السيد نصر الله، وكذلك الامر بالنسبة للسيد صفي الدين، وفي الشق الثاني سيؤكد أن المقاومة مستمرة، وأن الحزب سيكون داعماً للدولة لدفع اسرائيل إلى الانسحاب وحفظ سيادة لبنان، وفي الوقت نفسه سيركز على رفض الإملاءات الخارجية والهيمنة الأميركية على القرار السيادي اللبناني، وسوف يؤكد أهمية قيام دولة قادرة وعادلة، وتعزيز الوحدة الوطنية.   وفيما اعتبر النائب الجمهوري في مجلس النواب الأميركي جو ويلسون، في تصريح، أنّ أي سياسي لبناني سيحضر تشييع  السيد حسن نصرالله "فهو يقف مع النظام الإيراني"، أعلن رئيس وفد الكونغرس الأميركي روي جاكسون من قصر بعبدا بعد لقائه الرئيس جوزاف عون ، أنه لا يشارك ويلسون هذا الرأي في ما يخص الجنازة، قائلاً: "أفهم أن هذا وضع صعب هنا، وهناك عائلات مترابطة قد تدعم أطرافًا مختلفة. لذا، لا أعتقد أنه يجب علينا تأجيج الأمور في هذا الشأن، ومن الأفضل أن ندع هذا الحدث يمر ونمضي قدمًا. إذا كان هناك أي شيء، فيجب أن تكون هذه فرصة للنظر إلى إغلاق فصل وفتح فصل جديد، وآمل أن يكون ذلك بمثابة إعادة ضبط لكثير من الناس".     أما الرئيس عون فأكد للوفد الأميركي أنّ "الاستقرار في الجنوب يتطلب انسحاب الاسرائيليين من التلال التي تمركزوا فيها واعادة الاسرى اللبنانيين الذين احتجزوا خلال الحرب الاخيرة، وهذا الموقف اللبناني ثابت ونهائي، "، مشيراً إلى أنّ "اسرائيل تخرق الاتفاق وعلى الدول الراعية له لاسيما الولايات المتحدة الضغط عليها للالتزام به كلياً".
إلى ذلك، يحضر الملف اللبناني يوم غد الاثنين في البيت الابيض خلال استقبال الرئيس دونالد ترامب نظيره الفرنسي ايمانويل ماكرون، من بوابة  ضرورة الضغط على اسرائيل للانسحاب الكلي من جنوب لبنان  تمهيداً لتطبيق كامل للقرار 1701، فضلاً عن ان ماكرون سؤكد لترامب ضرورة  دعم الجيش من اجل تعزيز دوره لتطبيق القرار 1701 وانتشاره في الجنوب وبسط سيطرته.
وأمس، أعلن الجيش الفرنسي أنه ملتزم عسكرياً مع لبنان لتخفيف التوتر وتطبيق القرار 1701، وقال: "نساعد الجيش اللبنانيّ في العثور على معدّات عسكريّة غير مسموح بها في الجنوب".     ولفت إلى أنَّ "دور فرنسا في لجنة وقف إطلاق النار سمح بالتوسط بين طرفَيْن يصعُب جمعهما معاً".
وقبل ساعات من تشييع الشهيدين السيد حسن نصرالله والسيد هاشم صفي الدين، أطلقت قوة إسرائيلية النار على سيارة عند أطراف بلدة حولا، مما تسبب في اشتعالها.     كذلك، نفذ الطيران الحربي الإسرائيلي غارة استهدفت جرود بلدة قوسايا بين لبنان وسوريا، المقابلة لبلدة جنتا في البقاع. المصدر: خاص "لبنان 24"

مقالات مشابهة

  • تزامنا مع كلمة لنعيم قاسم.. غارات إسرائيلية تستهدف مناطق في الجنوب اللبناني
  • غارات إسرائيلية مفاجئة على جنوب لبنان رغم اتفاق وقف إطلاق النار
  • تزامنًا مع تشييع نصر الله.. الجيش الإسرائيلي يشنّ سلسلة غارات جنوبًا
  • لبنان.. إصابة فتاة في غارات إسرائيلية على الجنوب
  • شاهد| إسرائيل تودع حسن نصرالله بسلسلة غارات على لبنان
  • جيش الاحتلال الإسرائيلي ينفذ سلسلة غارات جوية على جنوب لبنان
  • جيش الاحتلال الإسرائيلي يستهدف بلدات جنوب لبنان قبل ساعات من جنازة نصر الله
  • في الجنوب.. هذا ما استهدفته إسرائيل خلال تشييع نصرالله
  • تشييع نصرالله اليوم وترقب لكلمة قاسم.. ملف لبنان يحضر في البيت الأبيض غداً
  • فيديو لسيدة لبنانيّة: الجيش الإسرائيلي حرقلي بيتي!