في اليمن "الخضراء".. تراجع الإنتاج الزراعي يفاقم أزمة الغذاء
تاريخ النشر: 5th, December 2023 GMT
يشكو المزارعون اليمنيون من تداعيات التغيرات المناخية، إذ يعاني اليمن من شح الأمطار، ما يعني تراجع المحاصيل الزراعية، فيما يضيف مراقبون أسبابا أخرى لتراجع الإنتاج، في بلد خصب التربة ومتنوع المناخ، ما يعمق من أزمة الغذاء.
مع نهاية الموسم الأخير أكتوبر/تشرين الأول الماضي، انتهت شهور من الزراعية والرعاية إلى خيبة أمل لأسرة اليمني صلاح قاسم، إذ بلغ ما حصدته من "الذرة"، نحو 20 بالمائة من الكمية التي اعتادت على حصادها سنوياً.
تعتبر أسرة قاسم، وهو أربعيني وأب لخمسة أطفال معظمهم من الفتيات، أبرز الأسر المالكة للمدرجات الزراعية على مستوى المنطقة التي تعيش فيها، في محافظة إب جنوبي غرب البلاد، وهي المحافظة التي تتزين بالمدرجات الزراعية وتكتسي الخضرة مع بداية كل موسم زراعي أبريل/نيسان، يشرع فيه المزارعون بحراثة الأرض لزراعة العديد من المحاصيل، تشغل فيها الحبوب المساحة الأوسع بنوعين هما "الذرة" وبدرجة ثانية "الشام"، ورغم أن الأخير هو الأقل، إلا أنه ما جنته أسرة قاسم وفقاً لإفادته لـDW عربية، كان أكثر من "الذرة" التي تزرع في مساحات واسعة، وتضررت بعدم كفاية الأمطار في فترات معينة تلقي بظلالها على المحصول.
هذا التغير كما يقول قاسم ومزارعون آخرون في المناطق الريفية الجنوبية الغربية للبلاد، لم يشهد تغيراً مفاجئاً إذ شهدت السنوات الماضية أيضاً تراجعاً في نسبة المحاصيل، لكن هذا العام كان الأقسى، وجاءت حصيلته على الضد من الأمطار التي هطلت في مراحل بعينها بداية الموسم الزراعي. لكن المساحات الزراعية في الغالب تفتقر للتربة القادرة على الاحتفاظ بالمياه لفترة أطول، الأمر الذي يتفاقم تأثيره مع ارتفاع ملحوظ في درجات الحرارة خلال فترة الصيف.
يمثل عدم كفاية الأمطار، التحدي الأول أمام المزارعين الذين يعتمدون عليها في ري المحاصيل، وتتصدر الحبوب عادة هذا النوع من المنتجات، لكن ذلك لا يعني بالضرورة، أن المناطق الزراعية الخصبة التي تزرعها الخضروات والفواكه ولا تشكو شحة المياه، بحال أفضل بالضرورة.
هذا الحال هو ما يشكو منه المزارع صالح أحمد 48 عاماً، في محافظة أبين جنوبي البلاد، إذ يقول لـDW عربية، إن ارتفاع أسعار إجار المعدات الخاصة بالزراعة والري والأسمدة، يشكل تحدياً كبيراً للمزارعين المنتجين. إذ بالإضافة هذه التكاليف التي قد لا تنجو من تأثيرات الأعاصير المدارية والتأثيرات المناخية، تواجه أيضاً خلال عرضها في السوق المحلية تراجعاً في القدرة الشرائية لعموم اليمنيين، الذين يواجهون واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية منذ سنوات.
انخفاض في المحاصيل والمساحة المزرعة
وفي أحدث تقرير لها، كشفت نتائج مسح أجرته منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو)، عن أرقام صادمة تظهر اتساع رقعة معاناة المزارعين اليمنيين، إذ واجه 76 بالمائة من المزارعين الذين شملتهم العينة في 22 محافظة يمنية، صعوبات أثناء إنتاج المحاصيل في الجولة العاشرة من مسح مراقبة DIEM، والتي أجريت في أغسطس/آب 2023، وجاء "عدم كفاية هطول الأمطار ومياه الري على رأس الصعوبات بنسبة بلغت 57 بالمائة.
وفقاً للنظام العالمي للإنذار المبكر بشأن الأغذية والزراعة (FAO, 2023b) التابع لمنظمة الأغذية والزراعة، كان هناك إجهاد حراري وظروف جافة في اليمن في يونيو/حزيران وأغسطس/آب 2023، وتقول الفاو إن ذلك قد يكون السبب وراء تقارير ندرة المياه في اليمن، حيث يعتمد معظم منتجي محاصيل الحبوب على الري البعلي.
ووفقاً للمسح نفسه، أفاد 28 من المنتجين الذين زرعوا المحاصيل عن انخفاض في المساحة المزروعة، وتوقع 48 منهم انخفاض الحصاد مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق، فيما واجه 86 من بائعي المحاصيل صعوبات في بيع محاصيلهم الرئيسية بما يؤدي إلى انخفاض أسعارها.
تكاليف المدخلات وشحة الأمطار
يعد اليمن، الذي كان يوصف بـ"اليمن الخضراء"، من بين أفقر بلدان العالم مائياً، حيث يعاني شح المياه وتناقص موارد المياه الجوفية بسبب عمليات السحب المستمرة، في وقت يستهلك فيه الإنتاج الزراعي نحو 90 بالمائة من المياه التي يتم سحبها، رغم أن الاعتماد الأساسي في الزراعة على مياه الأمطار، التي تحذر دراسات حديثة من أنها قد تصبح أقل فعالية في المستقبل على صعيد الانتاج الزراعي بسبب التغيرات المناخية.
وفي حديثه لـDW عربية، يصف مدير المركز التدريبي للتطوير والارشاد الزراعي في محافظة ذمار عزيز غالب عمران وضع الانتاج الزراعي بأنه "متردٍ بشكل كبير"، ويرى أن التراجع في نسبة المحاصيل يرجع إلى العديد من الأسباب، بما فيها ارتفاع أسعار المدخلات الزراعية من بذور وأسمدة ومبيدات، مروراً باستخدام الممارسات التقليدية السائدة وترك التقنيات الحديثة.
ويشير المتحدث إلى معظم المساحات التي تنتج الحبوب مطرية، أي معتمده على مياه الأمطار، ويقول "لاحظنا العام الماضي انخفاض نسبة الأمطار في معظم المحافظات، مما أدى الى انخفاض في نسبه الإنتاجية من الحبوب، وتكبُّد الكثير من المزارعين خسائر كبيرة، تتمثل في قيمه البذور المستخدمة وكذلك تكاليف الحراثة، الناتجة عن ارتفاع أسعار المشتقات النفطية".
أزمات التسويق
أدت الحرب في اليمن منذ نحو تسع سنوات، إلى انهيار أو تراجع الكثير من الخدمات وتدهور في أسعار العملة المحلية وانقسامها بين مصرفين مركزيين في صنعاء وعدن، وهو ما ألقى بظلاله على الوضع المعيشي للغالبية العظمى من اليمنيين، وارتفعت معه أسعار العديد من السلع، فضلاً عن ظروف التنقل بين المحافظات وانقطاع طرقات رئيسية، بما أثر على تدفق المنتجات الزراعية إلى الأسواق المحلية بمختلف المحافظات، وحتى التصدير.
ويرى عمران أن أحد أسباب تراجع الإنتاج الزراعي يرجع إلى عدم وجود سياسية تسويقية صحيحة تضمن للمزارع تسويق محصوله بأسعار تغطي تكاليف الإنتاج وتحقق له أرباحاً تشجعه على الاستمرار، بالإضافة إلى عدم وجود مراكز تخزين تساعد المزارع على تخزين انتاجه بدلا من عرض منتوجه بأسعار لا تغطي تكاليف الانتاج.
تأثيرات في الأمن الغذائي وسلامة التربة والمستهلكين
تلقي أزمة تراجع الإنتاج الزراعي في اليمن بظلالها على الوضع الإنساني الكارثي في العديد الجوانب، وفي مقدمة ذلك الأمن الغذائي، الذي يتأثر بتراجع المحاصيل الزراعية، حيث تظهر مقاييس الأمن الغذائي للفاو إلى أن 30 بالمائة من الأسر اليمنية تعاني من الجوع المتوسط أو الشديد ونحو 39 بالمائة، تعاني من التنوع الغذائي المتوسط إلى المنخفض.
إلى جانب ذلك، فإن تراجع الانتاج الزراعي بالنسبة للحبوب وبعض المحاصيل الأخرى، وفق خبراء محليين، يدفع بعض المزارعين إلى توسيع رقعة المساحات الخاصة بزراعة "القات" الذي يستهلك نحو 30 بالمائة من المياه المسحوبة للري، من جهة، ومن جهة أخرى فإن الخسائر تمثل بيئة خصبة لانتشار السموم الخطيرة، التي يحاول من خلالها المزارعون استعجال الحصاد، بما يؤثر على جودة المنتجات وسلامة المزارع والمستهلك والتربة على حد سواء.
يذكر أن اليمن في الاصل يمتلك مساحات واسعة من الأرضي القابلة للزراعة، وتربة خصية، كما أنه يتمتع بمناخ متنوع يسمح بإنتاج المحاصيل الزراعية المختلفة على مدار العام.
المصدر: الموقع بوست
كلمات دلالية: اليمن الزراعة اقتصاد المياه انتاج زراعي الإنتاج الزراعی تراجع الإنتاج بالمائة من عدم کفایة فی الیمن
إقرأ أيضاً:
العوامل التي قادت تونس إلى تراجع استثنائي
يسودُ شبه إجماع في تونس على أن البلاد تعيش وضعًا استثنائيًا بكل المقاييس، بسبب ما حصل يوم 25 يوليو/تموز 2021، حين وقع الانقلاب على النظام السياسي الذي تم التوافق عليه بعد نجاح الثورة وسقوط نظام زين العابدين بن علي عام 2011. وإذ تبدو أعراض هذا الوضع الاستثنائي متجلية في مختلف المجالات، فإن تداعياته السلبية على الدبلوماسية التونسية والسياسة الخارجية لا تخطِئها العين.
يدرك كل العارفين بالتاريخ المعاصر لتونس منذ الاستقلال بل وحتى قبله، ما تتسم به دبلوماسيتها من حيوية نشطة، وانفتاح إيجابي، وحركية دائمة، ليس فقط من أجل تقديم صورة أفضل عن نفسها، أو استجلاب مصالح ممكنة، وإنما أيضًا بما تلعبه من دور الوسيط لحل أزمات ونزاعات بين بلدان، أو بتقديم مبادرات وتصورات بأفق دولي عبر المنابر الأممية.
وتواصل هذا الزخم الدبلوماسي بشكل واضح وجلي في عهدَي الرئيس الحبيب بورقيبة، ثم زين العابدين بن علي، رغم الطبيعة الاستبدادية لنظام حكم الرجلين. بل راهن كلاهما على دبلوماسية نشطة، وانفتاح دبلوماسي واضح من أجل إعطاء صورة إيجابية عن تونس، وحرِصا على تقديم صورة لامعة عن حكميهما.
هذه السمة التونسية للتألق الدبلوماسي والانفتاح (بغض النظر عن الدوافع والخلفيات)، تعززت بشكل ملحوظ مع ثورتها في 2010 – 2011، عندما تحوّلت تونس إلى مهد للثورات العربية، مدشنة حقبة جديدة في التاريخ السياسي للمنطقة. وظلت تونس على مدى عقد من الزمن محط أنظار العالم بتجربتها السياسية، وانتقالها الديمقراطي، وديناميكية تحول لافتة ومثيرة للإعجاب والاهتمام.
إعلانوعرفت البلاد خلال عقد دبلوماسية نشطة غير مسبوقة، انفتاحًا على كل الفضاءات الإقليمية، والأفريقية، والآسيوية، والأوروبية، والأميركية، حيث تبنّت منظومة الحكم الجديدة القادمة بعد الثورة دبلوماسية تقوم على التنويع والتعزيز والتوسيع للنشاط الدبلوماسي، بما يحوّل تونس إلى قطب يستقطب المهتمين، تعاونًا وشراكة واستثمارًا.
وظلت تونس لعقود طويلة، بفضل دبلوماسيتها النشطة، يُحتفى بها وبصورتها المعتدلة المنفتحة، وينظر إليها دومًا كمثال يمكن الاستفادة منه في اجتراح تجارب عربية مماثلة.
بيد أنّه منذ 25 يوليو/ تموز 2021 وسيطرة الرئيس المطلقة على مفاصل الحكم، تبدو هذه الصورة التي اكتسبتها تونس على مدى عقود، في ظل تكريس سياسة الانفتاح، وتجنب الاصطفافات الإقليمية والدولية، وعدم التورّط في خطابات منحازة أو متحيّزة، تبدو هذه الصورة قد تبدّدت وتراجعت بشكل متسارع، وغير مسبوق.
ومع تراجع تجربة الانتقال الديمقراطي في تونس، وما عرفه هذا المسار من انتكاسة، بعد أن كان محط اهتمام وإعجاب خارجي لسنوات، ووقوع البلاد تحت سلطة الحكم الفردي بقيادة قيس سعيد، وما صاحبه من خطابات متوترة، تجاه الداخل والخارج على حد السواء، تبدد الاهتمام بتونس، ولم يعد ما يثير الإعجاب أو الاهتمام فيها، لا سيما بعد اعتبر الكثير أن ما حصل على المستوى السياسي من ردة سياسية، يمثل عودة تونس لنادي الدكتاتوريات العربية.
وتعمّق هذا التراجع بما يصدر من خطابات رسمية من رأس السلطة في تونس، ينطوي على الكثير من التحريض والتخوين للقوى السياسية، والاتهامات لها بالعمالة والتآمر مع الخارج، إلى جانب الاتهامات المتكررة والمتصاعدة لقوى خارجية بالتآمر على البلاد والتدخل في شؤونها، ما خلق حالة من عدم الثقة، وصعوبات حقيقية لدى الدول والجهات الخارجية في التعامل مع الحكم في تونس.
إعلانفمثلًا بسبب الخطاب والسياسات الرسمية تجاه قضية المهاجرين غير النظاميين الأفارقة، والتي سقطت بوعي وبدون وعي في الكراهية والتحريض وحتى العنصرية، ضد المهاجرين الأفارقة، وصلت العلاقات التونسية الأفريقية إلى مستوى متدنٍ وغير مسبوق، بعد أن كانت لتونس علاقات متميزة واستثنائية مع كل بلدان القارة الأفريقية.
ووصل الفشل الدبلوماسي بسبب هذا الملف إلى حد صدور مواقف دولية وأممية تدين وتستنكر الخطاب الرسمي التونسي تجاه الأفارقة، وتعتبر انزلاق الدبلوماسية التونسية إلى خطابات العنصرية والتحريض على الكراهية، ليس فقط مقلقًا، وإنما هو انحراف خطير عن قيم التسامح والتعايش والانفتاح التي كانت تتبناها تونس في سياستها الخارجية ودبلوماسيتها المنفتحة والهادئة والمتوازنة.
ووصل تدهور الدبلوماسية التونسية إلى المسّ بالعلاقات المتينة والمتميزة، التي تربط تونس بمحيطها المغاربي، حيث تم تسجيل توتر غير مسبوق ومتمادٍ مع الجارة الشرقية ليبيا، أغلقت بمقتضاه الحدود البرية عديد المرات. وأُطلقت تصريحات غير محسوبة من أعلى مستوى رسمي تعمّق وتربك العلاقات، وتهز الثقة المتبادلة بين البلدين.
وشهدت العلاقات التونسية مع المغرب في عهد قيس سعيد مستوًى خطيرًا وغير مسبوق من التوتر والقطيعة، وصل حد سحب السفراء، مع تراشق إعلامي متعمدٍ، عمّق توتر العلاقات. وكان لانزياح الموقف التونسي من النزاع حول الصحراء، من الحياد البناء، والدور الإيجابي في تحفيز التعاون المغاربي، إلى موقف اختار فيه قيس سعيد استقبال زعيم البوليساريو في مطار قرطاج الدولي، ثم في القصر، إلى جانب استقبال تونس وفودًا صحراوية من البوليساريو في موقف لم تعهده تونس منذ استقلالها، عوامل أساسية في تدهور العلاقة مع الرباط.
بينما كانت تونس تحتفظ بعلاقات متميزة جدًا مع المغرب، في عهد الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة، حيث يحمل أهم شارع في العاصمة التونسية اسم الملك المغربي الراحل محمد الخامس. كما كانت العلاقات بين الحبيب بورقيبة والملك المغربي الراحل الحسن الثاني متميزة. ولا ينسى التونسيون التصريحات التاريخية التي عبر عنها الملك الحسن الثاني بعد الأحداث الأمنية في مدينة "قفصة" التونسية في 1980، عندما قال الحسن الثاني إن المملكة جاهزة للتدخل عسكريًا للحماية والدفاع عن تونس.
إعلانوحتى على المستوى العربي، لا نكاد نلحظ حضورًا معتبرًا للدبلوماسية التونسية، فالرئيس التونسي يغيب تقريبًا عن جل القمم الإقليمية والدولية، حتى بدت تونس ذات حضور باهت في هذه المناسبات الإقليمية والدولية، سواء الأفريقية منها أو العربية أو الأممية.
ويمثل هذا التراجع في أداء الدبلوماسية إلى ما يشبه الغياب، ليس ،فقط، ضررًا حقيقيًا لصورة تونس التقليدية ومكانتها المعتبرة في المحافل الدولية والإقليمية وإنما أيضًا، هو تفويت لمصالح وفرص معتبرة، كثيرًا ما حققتها تونس من خلال دبلوماسيتها النشطة والفاعلة.
كما يتناقض هذا الانكفاء الدبلوماسي، مع السمت التقليدي للبلاد التونسية، المعروف بالاعتدال، موقعًا جغرافيًا، وتجربة سياسية، وحضورًا ثقافيًا، وإرثًا حضاريًا. إذ يُنظر لهذا المزاج العام المعتدل الذي تتسم به تونس، باعتباره رصيدًا مهمًا في تعزيز مكانتها، وتثمين دورها، وتأهّلها للعب أدوار دبلوماسية متقدمة.
ويبدو أن هذا الضمور الدبلوماسي حد الانكفاء والغياب للسياسة الخارجية التونسية، راجع إلى حد كبير إلى عاملين أساسيين.
العامل الأول هو المركزية المفرطة لطبيعة منظومة الحكم الحالية التي كرسها الرئيس قيس سعيد، واختزل فيها، الحكم وإدارته في شخص الرئيس. وإذ كرّس الرئيس هذا النظام الفردي المطلق، بدا في نفس الوقت زاهدًا وغير متحمس للعب أي دور دبلوماسي نشط وحيوي، وغير مُتبنٍّ سياسة خارجية منفتحة.
ويتجلى هذا الموقف الدبلوماسي المنكفئ، واضحًا، في ندرة الجولات والزيارات الخارجية لرئيس الجمهورية، وأيضًا قلة زائريه من القادة العرب والأفارقة والدوليين.
وقد حرمت منظومة الحكم الفردية تونس من الاستفادة من إرثها الدبلوماسي الثري، من تفعيل دبلوماسية حيوية متعددة الواجهات، ومتنوعة المجالات. إذ يبدي الرئيس تحفظًا واضحًا ينتهي بإقالة كل من يظهر اجتهادات وتميزًا خارج المنظور الذي يريده كمهندس وحيد وأوحد لكل سياسات الدولة الداخلية والخارجية.
إعلانوتبدو البلاد اليوم تسير على غير رؤية في سياستها الخارجية، وهو ما يفسر التراجع الكبير في الدبلوماسية التونسية، وعدم قدرتها على تعهد القديم من العلاقات التقليدية، التي تردّت برودًا وتوترًا في الكثير منها، بينما لم يحدث أي اختراق في توسيع أو تعزيز في حجم ومستوى العلاقات الخارجية لتونس.
أما العامل الثاني وراء هذا الانكفاء الدبلوماسي، فيعود للموقف الخارجي الذي يبدو إلى اليوم وبعد حوالي أربع سنوات على الحكم المطلق لقيس سعيد، غير قادر على بلورة فلسفة للتعامل مع منظومة الحكم الجديدة التي كرّسها قيس سعيد.
ويعود ذلك إلى غياب ملامح واضحة لهذه المنظومة، التي تتسم فضلًا عن تكريسها للحكم الفردي، بأنها تصدر عن خطاب شعبوي مُتمادٍ، يكثّف الشعارات الشعبوية في بُعديها الوطني والخارجي، بينما تغيب السياسات والمخططات والبرامج الواضحة في إدارة الحكم.
من يدرك أهمية وحيوية صورة تونس الخارجية، والتي كانت تمثل دومًا أحد معالم هويتها وقوتها وتألقها، فسيقف عند أهمية الحاجة لاجتراح دبلوماسية نشطة وفاعلة، وتثوير الإرث الحضاري والثقافي للبلاد، بما يعكس أهميتها الإستراتيجية، ويستعيد الصورة الإيجابية عنها، والتي تجعل تونس من البلدان الجاذبة، وفي قطب الاهتمام الإقليمي والدولي، استثمارًا وسياحة وتعاونًا وشراكة.
ولا يبدو نظام الحكم الراهن في تونس، قادرًا على إدراك أو فعل ذلك. وهذا يهدد بتفويت فرص كثيرة، وضياع مصالح متوقعة، وتبديد رصيد دبلوماسي حيوي تراكم عبر عقود وحقق مكاسب معتبرة باتت اليوم مهددة.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outline