افتتاح أكبر مفاعل اندماج نووي في العالم
تاريخ النشر: 5th, December 2023 GMT
السومرية نيوز - دوليات
افتتح أكبر مفاعل اندماج نووي تجريبي في العالم قيد التشغيل في اليابان، يوم الجمعة الماضي، في إنجاز ما يزال في مهده، ولكنه وصف بأنه الحل لاحتياجات البشرية المستقبلية من الطاقة. ويختلف الاندماج عن الانشطار، وهي التقنية المستخدمة حاليا في محطات الطاقة النووية، عن طريق دمج نواتين ذريتين بدلا من تقسيم واحدة.
ويتمثل الهدف من مفاعل JT-60SA، في دراسة جدوى الاندماج كمصدر آمن وواسع النطاق وخال من الكربون، مع توليد طاقة أكبر من تلك المستخدمة في إنتاجها.
وتتألف الآلة المكونة من ستة طوابق، والموجودة في حظيرة طائرات في ناكا شمال طوكيو، من وعاء "توكاماك" (أحد أنواع أجهزة الاندماج النووي بالحصر المغناطيسي التي تم تطويرها لإنتاج طاقة الاندماج النووي الحراري بشكل مُتحكم به) معد لاحتواء بلازما دوامية تم تسخينها إلى 200 مليون درجة مئوية.
ويأتي المفاعل كمشروع مشترك بين الاتحاد الأوروبي واليابان، الذي يعد بمثابة مشروع رائد لمشروع أكبر في فرنسا، وهو المفاعل التجريبي النووي الحراري الدولي (ITER) قيد الإنشاء.
ويكمن الهدف النهائي لكلا المشروعين في دمج نوى الهيدروجين بالداخل لتكوين عنصر أثقل، الهيليوم، وإطلاق الطاقة على شكل ضوء وحرارة، ومحاكاة العملية التي تحدث داخل الشمس.
ويأمل الباحثون في ITER، الذي تجاوزت ميزانيته الحدود، وتأخر عن الجدول الزمني ويواجه مشاكل تقنية كبيرة، في تحقيق معجزة في مجال تكنولوجيا الاندماج النووي، وهي الطاقة الصافية.
وقال سام ديفيس، نائب رئيس مشروع JT-60SA، إن الجهاز "سيقربنا من طاقة الاندماج".
وأوضح ديفيس في حفل الافتتاح يوم الجمعة "إنه نتيجة التعاون بين أكثر من 500 عالم ومهندس وأكثر من 70 شركة في جميع أنحاء أوروبا واليابان".
وعلى عكس الانشطار النووي، لا يحمل الاندماج النووي خطر وقوع حوادث نووية كارثية، مثل تلك التي وقعت في فوكوشيما في اليابان عام 2011، وينتج نفايات مشعة أقل بكثير من محطات الطاقة الحالية، كما يقول مؤيدوها.
المصدر: السومرية العراقية
كلمات دلالية: الاندماج النووی
إقرأ أيضاً:
شرحبيل أحمد: النغم الذي يرقص في دواخلنا
إبراهيم برسي
15 يناير 2020
شرحبيل أحمد، أو كما كان يحلو لصديقي خطاب حسن أحمد أن يسميه ( شرحو )، ليس مجرد اسم لفنان، بل هو عالم متكامل من الإبداع يفيض بالموسيقى، الرسم، والرقص. إنه ذلك الفنان الذي حمل على كتفيه إرثاً سودانياً غنياً، وقدم لنا رؤية جديدة للإنسان والفن، رؤية تمزج بين ألوان الحياة وإيقاعاتها، وتحتفي بكل تفاصيلها الصغيرة.
شرحبيل ليس فقط ( ملك الجاز السوداني ) الذي طوّع الجيتار ليحكي حكايات القلوب المرهفة، لكنه أيضاً الفنان الذي يرسم للأطفال عوالمهم الخاصة، ببراءتها وألوانها، كما لو أنه يدخل عقولهم الصغيرة ويشاركهم أحلامهم.
أغانيه، مثل “ستار يا ليل” و “الليل الهادي”، تهمس إلى الروح بلغة عميقة، تسافر عبر الزمان والمكان، تحكي عن الشوق، الحنين، والغربة.
أما رسوماته للأطفال، فهي نوافذ تُطل على عوالم مدهشة، حيث يُصبح الطفل هو القائد والراوي.
في جوهره، كان شرحبيل عاشقاً للحركة، راقصاً يرى في الجسد وسيلة لفهم العالم والتعبير عنه. حين يقف على المسرح، لم يكن يغني فقط؛ كان يتحرك كمن يترجم النغمات إلى لغة جسدية لا يمكن أن تخطئها العين. كان الرقص عنده أكثر من استعراض؛ كان حالة وجودية، امتداداً للحن داخلي يصعب التعبير عنه بالكلمات وحدها.
حركاته كانت أشبه بلوحة حية، تكتسي بالإيقاع وتتحدث بلغة الموسيقى. عندما كان يغني بصوته الفريد ويطلق تلك الأصوات المشحونة بتعبيرات نشوانة – كـ”إييييي يااااااااا” – كان صوته يتماهى مع حركاته، وكأنهما معاً يرويان قصة الإنسان الذي يتحدى صمت العالم برقصه وغنائه. لم يكن الأمر مجرد أداء فني، بل كان تجربة أقرب إلى الجذب الصوفي، حيث يبقى الجسد على الأرض بينما تحلق الروح في عوالم الهيام والسحر.
الرقص بالنسبة لشرحبيل كان الحرية المطلقة، انعتاقاً من قيود الحياة وتناقضاتها. في كل خطوة، كان يحمل روحاً تطفو فوق الواقع، روحاً تسعى إلى الجمال حتى وسط الألم.
وأما الشيء الذي لا أجد تفسيراً له فهو هذا التداخل الراسخ في ذهني بين صورة شرحبيل وصورة الممثل الأمريكي مورغان فريمان. كأن شيئاً خفياً يربط بينهما في أعماقي، ربما يعود ذلك إلى حبي العميق لهذين الرجلين، وإلى ما يشتركان فيه من الهدوء و الحكمة وحضور الكبار.
كلاهما يحمل ملامح وجه تخبرك أن العالم مرّ عليهما، لكنهما تجاوزاه بفن لا ينتهي.
وكما أن مورغان فريمان هو رمز للحكاية والصوت العميق، فإن شرحبيل هو رمز للموسيقى الحية التي ترقص في داخلك.
أغاني شرحبيل أحمد ليست مجرد موسيقى؛ إنها حياة، ذاكرة، وصوت يعيد تشكيل الزمان والمكان. أحبها لأنها ليست فقط ألحاناً عذبة، لكنها حكايات تحكي ما نعيشه وما نحلم به.
أما رسوماته للأطفال، فهي تعبير عن قلب طفل يسكن هذا الرجل، قلب يهمس لكل من يراها: “هكذا تبدو البراءة، وهكذا يجب أن نرى العالم.”
شرحبيل أحمد هو الجسر الذي يربط بين الفن والإنسانية. كان يرى في الفن وسيلة للارتقاء بالروح، ليس فقط بالنسبة له، بل لكل من حوله. في أغنياته ورسوماته وحركاته الراقصة، كان يقول لنا إن الحياة لا تُعاش إلا إذا عشناها كما هي، بألوانها الرمادية والباهتة، بجمالها وألمها.
شرحبيل لم يكن فقط فناناً، بل تجربة متكاملة تعلمنا منها كيف نحب الحياة أكثر، وكيف نرى الجمال في الأشياء البسيطة. كان “شرحو”، وسيظل دائماً، رمزاً للإنسان الذي لا تنتهي رحلته، والذي يرقص على أوتار الحياة ليترك فينا أثراً لا يُمحى.