"المسرح في بلاد الشام" بدأ في دمشق ثم أصبح جزءاً من الحياة الثقافية والاجتماعية
تاريخ النشر: 5th, December 2023 GMT
لم يحظ المسرح السوري حتى الآن بكتاب يجمع تاريخه بين دفتيه، فثمة كتب ودراسات تناولت النشاط المسرحي في بعض المدن السورية، وثمة كتب ودراسات أطلقت على نفسها اسم (المسرح السوري)، ولم تتناول إلا المسرح في دمشق بشكل رئيسي وألمحت إلماحاً سريعاً إلى النشاط المسرحي في بقية المدن السورية، فكان أن ظهر المسرح السوري أقصر قامة من حقيقته الفارعة.
من هذا المنطلق أخذ الكاتب والباحث والمخرج المسرحي السوري "فرحان بلبل" على عاتقه تأليف كتاب "المسرح في بلاد الشام" الصادر حديثاً عن منشورات الهيئة العربية للمسرح في الشارقة ضمن 9 كتب نشرتها الهيئة مؤخراً، وتأتي هذه الدفعة جزءاً من جهود الهيئة العربية في النشر، الذي حققت من خلاله مئات العناوين المسرحية، والتي تتوزع على سلاسل النصوص والدراسات والتوثيق والترجمة والثقافة المسرحية، وجاءت الكتب الـ 9 ضمن سلسلة دراسات.
إثراء المعارفوالإصدارات هذه، وفق تصريح الأمين العام للهيئة العربية للمسرح إسماعيل عبد الله تجسّد: سعي الهيئة إلى سد النقص الكبير في المكتبة المسرحية العربية، وتعتز الهيئة بأنها قطعت شوطاً مهماً في ذلك، وحثّ "عبد الله" الجهات الثقافية والمعنية بالمسرح في الوطن العربي أن تخصص حصة للنشر المسرحي، أما هذه الكتب فقد جاءت على النحو التالي: "المسرح وتجلياته في المشهد السياسي السوداني المعاصر"، تأليف: السر السيد، "حداثة المتصل: مشروع آخر في المسرح العربي"، تأليف الراحل عبد الفتاح رواس قلعه جي، "الحالة الحرجة"، تأليف السيد النبيل، "رؤى مسرحية"، تأليف أحمد الماجد، "تعلمية إدارة الممثل"، تأليف مريم الجلاصي، "المسرح في بلاد الشام"، تأليف فرحان بلبل،" مقالات في المسرح"، تأليف الدكتور راجي عبد الله، "المعنى الآخر:موجهات القراءة والتأويل ومتعة البحث عن المعنى في عروض المسرح العربي المعاصر"، تأليف الدكتور رياض موسى سكران، "القبطان الذي ضل طريقه نحو المسرح: محطات في مسيرة مسرح الرحالة الأردني"، سيرة ذاتية لحكيم حرب، "إخراج العرض المسرحي بين النظرية والتطبيق"، تأليف الدكتور قاسم بياتلي.
دقيق وشمولياستوفى كتاب المسرحي فرحان بلبل " المسرح في بلاد الشام" بشكل متوازن ودقيق وشمولي تاريخ المائة الأولى من عمر المسرح السوري حسب تطوره وامتداده من مدينة إلى مدينة، فهو يبدأ في دمشق رائداً، وفي حمص متابعاً، ثم يمتد إلى حلب، ثم يمتد إلى حماة وبقية المدن السورية، ولا تكاد تنتهي المائة الأولى من عمره حتى يكون قد شمل أكثر المدن السورية وصار جزءاً من حياتها الثقافية والاجتماعية.
ولكي يستوفي ما تم من ولادته الأولى إلى امتداده خلال 100 عام كما يقول المسرحي بلبل فقد جعل الكتاب في قسمين: يتحدث القسم الأول منهما عن ريادة المسرح العربي عموماً، ويتناول القسم الثاني تاريخ المسرح السوري منذ ما بعد أبي خليل القباني حتى الاستقلال عن الانتداب الفرنسي.
ففي القسم الأول من الكتاب تناول بلبل ريادة المسرح العربي، فتحدث عن نشوء المسرح أولاً في لبنان على يد " مارون النقاش"، ثانياً في سوريا على يد " أبي خليل القباني" . ثالثاً في مصر على يد " يعقوب صنّوع"، وقدّم الخلفية السياسية والاجتماعية والثقافية لنشوء المسرح في هذه البلدان. كما قدّم إضاءة وافية لحياة وأعمال هؤلاء الرواد المسرحيين، وأعاد النظر فيما حققوه وأنجزوه بعين التحليل والاستنتاج ليستخلص الحقائق والأسباب والعلل الكامنة وراء ما أنجزوه. أول تلك الملاحظات أن حياة الرواد الثلاثة تكاد تكون متشابهة في كثير من جوانبها، فجميعهم نشئوا في أسر ذات علم وثقافة، وتربى كل واحد منهم على حب العلم والمعرفة. وكانوا ضليعين بالموسيقا، وعلى دراية بالمسرح الأجنبي، والإيطالي خصوصاً. ولكن على الرغم من التعلم من المسرح الإيطالي إلاّ أن هذا المسرح لم يترك ظلاله وتأثيراته فيهم، لنجد فيما بعد أنهم تأثروا بالمسرح الفرنسي، وخصوصاً تجربة موليير. والسبب أن الثقافة الفرنسية كانت قد بدأت تتسرب إلى مصر وبلاد الشام منذ بداية القرن 19 سواء عن طريق الفرق المسرحية الأوروبية أم عن طريق الترجمة.
صمت المراجعوالملاحظة الثانية أن الرواد الثلاثة جميعاً سعوا إلى تقريب هذا الفن الجديد من الذوق العربي، وعلى الرغم من اختلاف بلدانهم (سوريا، لبنان، مصر)، وتباعد الزمن بين الواحد والآخر ( 1847- 1868- 1870 ) فقد وصلوا إلى ضرورة واحدة هي مسايرة الذوق العربي وسبيلهم إلى ذلك الغناء والموسيقا، ثالثاُ : إن تهذيب النفوس وإصلاح العيوب كانا غاية الرواد الثلاثة من خلق المسرح العربي والتوجّه به إلى الناس، أما رابع وآخر ما يستنتج من حياة وأعمال الرواد وليس آخر ما يمكن استنتاجه فهو أنهم أسسوا المسرح العربي نقلاً عن المسرح الأجنبي، وأنهم تأثروا بهذا المسرح وحده من دون الرجوع إلى التجارب المسرحية عند العرب.
عملاً ثقافياًفي القسم الثاني يتناول الكاتب فرحان بلبل مراحل المسرح السوري بعد الريادة الأولى، فيبدأ بالمرحلة الأولى حتى الحرب العالمية الأولى (1870- 1914) يقول: لا نجد في المراجع والكتب التي بين أيدينا أثراً للنشاط المسرحي السوري في نهاية القرن التاسع عشر وأول العشرين إلاّ في دمشق وحمص، ما عدا عن إشارة سريعة عن كاتب مسرحي من حلب هو " توما أيوب" وقد عاش بين عامي ( 1861- 1911) والمصادر تسكت عن أية تفصيلات تتعلق بهذا الرجل، أما دمشق فمنذ تحققت لها ريادة المسرح العربي على يد القباني، امتلأت لياليها بفنه المدهش، فلما أوقف عن العمل، العام 1880 ، خلت دمشق من العمل المسرحي حتى السنوات الأولى من القرن العشرين وصمتت مدة تزيد على 20 عاماً، أما حمص فقد بدأت نشاطها المسرحي الفعلي منذ عام 1870 أي بعد بدء القباني بعامين أو ثلاثة وقد أصاب هذا النشاط توقفات قصيرة لكنه استمر حتى الحرب العالمية الأولى، فكانت 45 عاماً موئل النشاط المسرحي، وكانت بعد توقف القباني، تحمل شعلة المسرح السوري، بعد هذا المدخل بحث الكاتب بلبل عن إجابة للسؤال التالي: كيف كان المسرح في كل من حمص ودمشق. فرأى أن بوادر المسرح السوري كانت في حمص العام 1860، لكن تلك البادرة توقفت بسرعة مبتورة بسبب غضب الناس (لأن الحاج سليمان صافي كان في عروضه يُلبس الصبيان لبس البنات ليقوموا بأدوار أنثوية)، وهذه الإشارة استقاها المسرحي بلبل من كتاب (حركة المسرح في حمص) للمسرحي الدكتور هيثم يحيى الخواجة، ويعزو المسرحي بلبل نشوء المسرح في حمص أولاً إلى كونها حافلة بالنشاط الثقافي والفني، إضافة إلى ذلك اتصال حمص المبكر والواسع مع لبنان الذي كان نافذة بلاد الشام إلى أوروبا وثقافتها، وهذا ما يفسر ولادة المسرح في حمص بعد 13 عاماً من ولادته في بيروت على يد مارون نقاش، بعد ذلك تحدث المؤلف بلبل عن تجربة رواد المسرح في حمص وهم ( عبد الخالق الوفائي، داوود قسطنطين الخوري، يوسف شاهين، محمد خالد الشلبي) وكانوا جميعاً لا يعرفون الاحتراف بمعنى اكتساب الرزق عن طريق المسرح، بل كان المسرح عندهم عملاً ثقافياً اجتماعياً يقدمونه لمصلحة تطوير المجتمع.
رطب مرّويلاحظ المؤلف أن الحركة المسرحية في دمشق كانت تتوزع بين جماعات عدة تحترف المسرح، ونتج عن هذا، أن شجرة المسرح في دمشق كانت أشد إيناعاً وتنوعاً منها في أي بلد سوري آخر، لكن هذه الشجرة كانت تُساقط الرطب المرّ والجني معاً، واستقرأ المؤلف بلبل الحركة المسرحية في دمشق من خلال ما سارت عليه على المحاور التالية: الفرق المحترفة- الفرق الزائرة- وكانت البداية الثانية للمسرح في دمشق العام 1912 على يد الرائد الثاني للمسرح عبد الوهاب أبو السعود، ثم تحدث عن التجربة المسرحية للكاتب معروف الأرناؤوط، وفي المفصل الثالث من هذا القسم تناول سمات المدرسة الشامية حتى الحرب العظمى، من حيث المصطلح الفني والموضوعات التي دارت حولها المسرحيات، والبناء الدرامي عند كتّاب هذه المدرسة، يعدّ الكتاب مادة تاريخية مدعمة بالشواهد لأن المؤلف بلبل حسب تعبيره لم يقصد أن يكون كتابه هذا تاريخاً مجرداً فحسب، بل قصد أن يكون كتابه ( مسيرة للمسرح السوري) فملأه بالمثير من أخبار الصحف القديمة، وبعدد من طرائف الذكريات الشخصية للمسرحيين، وبظرافات نادرة وقعت لهم أو قاموا بها، وكان هذا كله نوعاً من الأماليح التي تحوّل التاريخ إلى حياة نابضة، وتجعل القارئ يتمثّل، بعين الخيال، أولئك المسرحيين وقد استووا أمامه أحياء يشقون درب المسرح ويرسون دعائمه.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: التغير المناخي أحداث السودان سلطان النيادي غزة وإسرائيل الحرب الأوكرانية عام الاستدامة دمشق سوريا المدن السوریة المسرح العربی فی دمشق على ید
إقرأ أيضاً:
شادن أبو العسل: مهرجان المسرح العربي يمثل فرصة حقيقية لممارسة الحرية الفنية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
عقد أمس المؤتمر الصحفي الخاص بمسرحية "ريش" من فلسطين ضمن فعاليات الدورة الخامسة عشرة من مهرجان المسرح العربي، حيث سلط الضوء على فريق عمل العرض، بحضور المخرجة شادن أبو العسل، والراقصة هيا خوري وأدار الجلسة الكاتب أحمد طنيش.
استهلت المخرجة شادن أبو العسل حديثها بالإعراب عن سعادتها بالمشاركة في المهرجان، مشيرة إلى أن العرض هو نتاج عمل استمر لأكثر من عام منذ مايو 2023.
وأوضحت أن "ريش" تركز على كيفية تأثير السلطة بمختلف أشكالها السياسية الثقافية، والمجتمعية في تشكيل الهوية الذاتية للأفراد. حيث قالت: "نسعى من خلال العرض إلى تسليط الضوء على مفهوم الحرية الشخصية وسط منظومة قمعية، وكيف يمكن للإنسان أن يتحرر من هذه السلطة أو يجد ثغرات فيها.
وعن اختيار عنوان عرض المسرحية أوضحت شادن أن "ريش" يعكس الهشاشة والجمال، ولكنه أيضًا رمز للقوة والقدرة على التحليق، قائلة: "الطائر يعتمد على الريش للتحليق، وعندما يفقده ينهار وهو ما يشبه شخصيتنا الإنسانية، التي تتأرجح بين القوة والانهيار في كثير من الأحيان، ويسلط العمل في مجمله الضوء على قضايا الهوية والإنسان في إطار فني مبتكر ومؤثر.
وأشارت إلى أن المهرجان يمثل فرصة حقيقية لممارسة الحرية الفنية ومواجهة التحديات من خلال عمل إبداعي يعبر عن واقع الفلسطينيين وهويتهم.
كما يركز على كيفية تأثير السلطة بمختلف أشكالها السياسية الثقافية، والمجتمعية في تشكيل الهوية الذاتية للأفراد.
من جانبها عبرت الراقصة هيا خوري عن تجربتها في العمل مع شادن، قائلة "تعلمت معها لمدة 12 عاما، وكانت دائما تمنحنا الحرية للتعبير عن أنفسنا، مما جعلنا نشعر بأننا عائلة واحدة، فهذا العمل ليس مجرد عرض بل تجربة حقيقية عشناها بكامل تفاصيلها، خاصة في ظل التحديات التي واجهناها ونواجهها كل يوم على مختلف الجوانب الحياتية".
وجاء في المؤتمر إن "ريش" ليس مجرد عرض فني بل هو تجربة إنسانية وجماعية تعكس فلسفة العمل الجماعي والحرية الإبداعية، مؤكدين أن العرض يمثل رحلة بحث مستمرة عن الهوية والذات ويجمع بين الحركة والمشاعر لتقديم رؤية جديدة عن كيفية التعبير الفني، وأضافوا أن العمل لا يعتمد على هرمية تقليدية بل يشجع كل فرد على المساهمة بأفكاره وتجربته الشخصية مما يعزز الانتماء العميق للعمل. ومن خلال هذا العرض تعلمنا أن نكسر الحواجز بين الممثلين والراقصين، وأن نتحد في تقديم عمل يعبر عن قضايا إنسانية واجتماعية مهمة. خاصة أن "ريش" يمثل مساحة للتعبير عن الحرية والإبداع، وهو انعكاس لما نعيشه وتؤمن به فنانين.