سفير فلسطين بالدانمارك: الحضارة الغربية سقطت أخلاقيا.. والنظام العالمي عنصري
تاريخ النشر: 5th, December 2023 GMT
سلط سفير فلسطين في الدنمارك، مانويل حساسيان، الضوء على ما وصفه بـ "انهيار القيم الأخلاقية الغربية" على وقع الموقف من العدوان الإسرائيلي الوحشي على قطاع غزة، مؤكدا أن هذا الانهيار يؤجج ممارسة الاحتلال لـ "الإبادة الجماعية" في القطاع.
وذكر حساسيان، في مقال نشره بموقع "ميدل إيست آي" وترجمه "الخليج الجديد"، أن هناك اعتقاد سائد بهيمنة الحضارة الغربية، التي يغلب عليها الطابع المادي في تركيبتها، على الرغم من موقفها المتناقض تجاه الإسلام.
فهذه الحضارة الغربية تغلب الثروة المادية على الروحانية والأخلاق، وغالبًا ما يكون ذلك مدفوعًا بالطموح لتأكيد الهيمنة والسيطرة على كل من الناس ومواردهم الاقتصادية والطبيعية، ما شكل نظاماً إمبراطورياً مدفوعاً فقط بالسعي إلى السلطة، ومتجاوزاً الاعتبارات الأخلاقية والمعنوية، بحسب حساسيان.
وفيما يلي نص المقال:
إن القيم التي تجسدها الحضارة الغربية تتجاهل المعايير الدولية والحدود القانونية، وتعمل بموجب مبدأ يسمح بـ "أي وسيلة" لتحقيق أهدافها.
واليوم، يتجسد النظام العالمي الجديد في نظام همجي يتجاوز كل الأعراف والأعراف الإنسانية لتحقيق السيطرة المطلقة على مقدرات الناس. فهو يفرض قوانين شبيهة بالفصل العنصري، ويعزز النظرة إلى الأنجلوسكسونيين غير البيض على أنهم أدنى مرتبة، بهدف إذلالهم.
ومن المؤسف أن معظم دول أوروبا الغربية تصطف مع الإمبريالية التي تقودها الولايات المتحدة، والتي "تدوس القيم الإنسانية، وتقمع كل حركات التحرر، وتخنق المعارضة العالمية.
هناك فجوة كبيرة بين الحكومات والشعوب التي تعارض هذه الهيمنة، والتي ترمز إليها الشركات متعددة الجنسيات، والمجمع الصناعي العسكري، ووسائل الإعلام المستهدفة، واللوبيات الصهيونية والكيانات المماثلة.
اقرأ أيضاً
بعد تزايد شهوة الانتقام في غزة.. فورين بوليسي: أين شجاعة الغرب الأخلاقية تجاه إسرائيل؟
إن المجتمعات الحرة تدرك طبيعة هذا النظام وأهدافه، إلا أنها تكافح من أجل مواجهته بشكل مباشر، مفتقرة إلى الشجاعة اللازمة للمقاومة والحفاظ على القدرات الطبيعية والاقتصادية للمضطهدين.
إن الوحشية التي لا هوادة فيها لهذا النظام العنصري تنبع من إفلاس القيم، والانحلال الكامل للأنظمة الأخلاقية، وتآكل المعتقدات، وتظهر نهجا غير مقيد تجاه أي ثقافة أو حضارة تعارض هيمنتها، وتلجأ في المقام الأول إلى التدابير القسرية.
ووسط هذه السياسات المتغطرسة، يبدو العالم الغربي راكدا، مستسلما لقانون الغاب، خاليا من أي بصيص أمل في معارضة حقيقية، فحرية التعبير باتت مكبوتة، والانتقادات مكتومة.
حليف استراتيجي
تطبق القوى السياسية المهيمنة في الأنظمة الغربية سياسات قمعية دون محاسبة أو رقابة، في حين تغيب بشكل ملحوظ التحديات الفكرية أو العسكرية ضد هذه الهيمنة العالمية.
وفي هذا الهيكل الدولي المعقد، بكل قوته الاقتصادية والسياسية والعسكرية، نشهد الشعب الفلسطيني يعاني من المجازر التي يرتكبها نظام الكومبرادور (البرجوازية المتحالفة مع رأس المال) الصهيوني، معززا بأحدث التقنيات العسكرية، وبدعم اقتصادي وسياسي لا حدود له.
ومن يعتقد أن تل أبيب تهيمن على القرار الأمريكي فهو مخطئ، بل على العكس من ذلك، فإسرائيل تمتعت تاريخياً بدعم أوروبي وهي الآن تحت القيادة الأمريكية، التي بدورها تستخدم إسرائيل كحليف استراتيجي في الشرق الأوسط لتحقيق مصالحها الأمنية والاقتصادية والسياسية.
واليوم، لا يقتصر النضال ضد المحتل الصهيوني فحسب، بل يشمل أقوى دول العالم، وعلى رأسها الولايات المتحدة. ومن الأهمية بمكان أن نتعامل مع هذا الصراع بعقلانية، وأن نتجنب الاستنتاجات المبكرة بشأن النصر، لأن مواجهة عواقبه الوخيمة قد تكون محبطة.
إن فهم حالة التغير المستمرة لقوانين الطبيعية والبشرية هو أمر أساسي في مجالات التنمية والتغيير. ولا يمكن للمرء أن يتجاهل الحقيقة الواضحة المتمثلة في وجود انفصال مفزع بين الخطاب الفكري والسياسي العربي.
وهذا يثير سؤالاً حاسماً: أين هي الصحوة العربية التي تصورها جورج أنطونيوس في الثلاثينيات، مؤكداً على النهضة الفكرية والسياسية؟
إن اتخاذ موقف حاسم من جانب الولايات المتحدة وأوروبا الداعم لحل الدولتين، إلى جانب خارطة طريق واضحة المعالم لتنفيذه، أمر بالغ الأهمية.
وينتج عن غياب هذه الصحوة على الأرض مجتمع مدني مجزأ وغير قادر على إنتاج أفكار تقدمية لتعزيز مجتمعات أفضل في ظل مثل هذه المآزق. وإحدى مفارقات القدر الصارخة تكمن في الثروة المالية للدول العربية والإسلامية، على النقيض من طبيعتها الاستهلاكية واعتمادها الكامل على السلع الغربية.
وتتركز استثمارات هذه الدول في الغرب بالمقام الأول وليس بالعالم العربي، ما يؤدي إلى تبعيتها الاقتصادية والسياسية والفكرية. ونتيجة لذلك، فإنها تفشل في استخدام عائدات النفط في الإنتاج لصالح شعوبها، وتفتقر إلى التوجيه للتنمية المستدامة وتظل خاضعة للهيمنة الغربية.
وفي ضوء التطورات الموضوعية في هذا النظام العالمي الجديد، هناك دعم صارخ للاحتلال الإسرائيلي الذي يقمع السكان العزل الذين "جريمتهم" الوحيدة هي سعيهم إلى تقرير المصير وحق العودة.
لقد أصبح من الواضح أن الحرب المستمرة على غزة تهدف إلى تقويض القضية الفلسطينية بحجة القضاء على حركة حماس. ويسعى هذا الصراع إلى ضم الضفة الغربية المحتلة، وعزل شمال غزة ليكون بمثابة منطقة عازلة لأمن إسرائيل، والاستيلاء على حقل غاز طبيعي بحري بمليارات الدولارات في غزة، ثم تطويره، والسيطرة على "مشروع قناة بن غوريون" عبر غزة، بدلاً من بنائه حول المنطقة.
ومن شأن هذه القناة أن تربط خليج العقبة بالبحر الأبيض المتوسط، لتنافس قناة السويس التي تمر عبر مصر.
حل الدولتين
وفي ظل حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، اليمينية، لا يوجد اعتراف بحل الدولتين أو اتفاقيات أوسلو أو الاتفاقيات مع القيادة الفلسطينية. لقد أصبحت أجندة حكومته واضحة: الضم والتهجير لإنهاء القضية الفلسطينية.
وفي ظل هذه الجريمة النكراء بحق الشعب الفلسطيني، نتوقع تحولا في الموقف الأوروبي، والحث على دعم المطالب الفلسطينية بوقف فوري لإطلاق النار وإحياء الاتفاقيات الدولية في إطار حل الدولتين.
إن المظاهرات المثيرة للإعجاب في العواصم الأوروبية تضغط بشكل فعال على حكوماتها لإعادة النظر في مواقفها وتحمل المسؤولية عن جرائم إسرائيل.
اقرأ أيضاً
الجارديان: التوترات تتصاعد بين أمريكا وإسرائيل.. والغرب يضغط لإنهاء حرب غزة
وسيؤثر حجم هذه الاحتجاجات حتماً على نتائج الانتخابات المقبلة في الغرب. ويجب على قيادتنا الفلسطينية أن تعترف بشكل عملي بهذا الواقع الصعب وأن تلتزم بالمبادئ الأساسية للتطلعات الوطنية.
ولا نريد التكهن بالسيناريوهات المستقبلية أو الانزلاق إلى التخمين بشأن تداعيات هذه الإبادة الجماعية. لا يوجد بديل عملي لحل الدولتين، بدعم من الولايات المتحدة وأوروبا.
الموقف الإسرائيلي واضح: دولة فصل عنصري واحدة وخضوع كامل لنظامها العنصري. إن الثلاثي الذي يضم: نتنياهو ووزراء اليمين المتطرف: بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، إلى جانب حكومتهم المتطرفة، يعارضون بشكل أساسي فكرة حل الدولتين، ويميلون بدلاً من ذلك نحو الضم والتهجير.
ومن الأهمية بمكان أن تتخذ الولايات المتحدة وأوروبا موقفاً حاسماً يدعم حل الدولتين، إلى جانب خارطة طريق واضحة المعالم لتنفيذه. ومن المهم بنفس القدر تعزيز الإجماع بين القيادة الفلسطينية والشعب الفلسطيني على قبول حل الدولتين.
إن النضال المستمر منذ 75 عاماً يجب أن يتجسد في إقامة الدولة الفلسطينية الموحدة، الرافضة لأي احتمال لتفتيتها مهما كان الثمن. وكانت الصمود والبطولة التي لا تنضب التي أظهرها شعبنا محورية في هذا الصدد.
إن الحضارة الغربية تعيش حالة انهيار في بنيتها وأيديولوجياتها وإطارها الأخلاقي، وهو ما أصبح واضحا في فشلها في قيادة العالم الحديث. ويجب أن يكون هناك تحول عميق وديناميكي نحو حضارة على أساس العدالة المنصفة والقيم الإنسانية الأساسية والمبادئ الديمقراطية الحرة.
التاريخ لا يكتبه المنتصر؛ بل ينقشه الشعب من خلال ثوراته ومنجزاته. وهذه الرؤية المستقبلية حتمية، كما عبر عنها المؤرخ البريطاني، أرنولد توينبي، الذي لاحظ أن الحضارات معرضة للانهيار، وأن التاريخ له حتمية واضحة في عملية التطور والتوفيق بين التناقضات الكبرى.
ومما لا يمكن إنكاره أن المجتمع الدولي يعترف بشكل متزايد باحتمالية وإمكانية إقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس، وخاصة في أعقاب الأحداث المدمرة المتمثلة في الدمار والتشريد والخسائر في الأرواح بين الفلسطينيين العزل في غزة. إن التضحيات التي تم تقديمها كبيرة وتفطر القلب، وترمز إلى وقوف الشعب في وجه الاحتلال الوحشي.
اقرأ أيضاً
ترويج إسرائيلي لهجرة سكان غزة إلى الغرب كـ "حل إنساني"
المصدر | مانويل حساسيان/ميدل إيست آي - ترجمة وتحرير الخليج الجديدالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: فلسطين غزة الإبادة الجماعية إسرائيل الغرب الحضارة الغربية الولایات المتحدة الحضارة الغربیة حل الدولتین
إقرأ أيضاً:
سوريا والنظام العربي المقبل
في الفترة السابقة لم يعد النظام العربي الإقليمي قادراً على مقاومة الكثير من التحديات. كان نظاماً شبه معطل؛ بسبب "الزعيق" الآيديولوجي، وأيضاً بسبب وضع سوريا التي اختارت تحت نظام الأسدين الأب والابن الارتباط بمكوِّن آخر خارج النظام. وسوريا مع مصر، والمملكة العربية السعودية تشكل جميعاً قاعدة النظام العربي المشرقي. فإن استطاع هذا المحور التعاون البنّاء، يمكن أن ينضم إليه آخرون على قاعدة الندية والخير المشترك.
بدأت هذه المسيرة الثلاثية بعد سنوات قليلة من انتهاء الحرب العالمية الثانية، ومحاولة دول كبرى أن تستقطب دول الإقليم وتزجها في صراعها الأممي، فكان ما عُرف في ذلك الوقت بـ"حلف بغداد"، والذي ضم كلاً من إيران وتركيا وباكستان وبريطانيا والولايات المتحدة، وأُعلن في عام 1955 باسم "حلف المعاهدة المركزية".
بعدها تداعت الدول الثلاث، المملكة العربية السعودية ومصر وسوريا، إلى اجتماع في مدينة الظهران في المنطقة الشرقية على ضفاف الخليج. ضم الاجتماع كلاً من الراحلين الملك سعود بن عبد العزيز، والرئيسين جمال عبد الناصر وشكري القوتلي، فكان ميلاد ما عرفه المشتغلون بالسياسة بأنه قاعدة النظام العربي الجديد، المعتمد على البُعد عن المحاور والصراعات الدولية، والدفاع عن المصالح العربية. كان ذلك التوجه للنأي بالمنطقة من استنزاف مواردها التي تحتاجها شعوبها للتنمية عن مصالح صراعية دولية، بين ما عُرف وقتها بالمعسكر الغربي والمعسكر الشرقي.
خرجت بغداد من الحلف أواخر عام 1958. وبعد انفراط الوحدة المصرية السورية آخر عام 1961، دخلت سوريا في صراع داخلي، ثم انزلقت إلى حكم الأسرة الأسدية، ومن وقتها ولنصف قرن تقريباً وهي تبتعد عن المحور العربي باتجاه محور إقليمي يناقض كل ما يرغب فيه الشعب السوري.
ذلك التاريخ انقطع أو يكاد ينقطع بسقوط نظام بشار الأسد في الثامن من ديسمبر (كانون الأول) الحالي، وبدخول قوات المعارضة السورية إلى دمشق.
في السنوات الأخيرة "نضج حكم الأسد وأصبح قابلاً للسقوط" لأسباب كثيرة يصعب حصرها؛ من قمع الداخل الذي طال تقريباً كل المكونات السورية، بما فيها ما عُرف بحاضنته الاجتماعية، ومنها سياساته الخارجية العبثية. ورغم محاولة تعويمه في أكثر من مرحلة، فإن مرض الإنكار كان قد تمكن منه، وهو مرض قاتل.
سوريا مهمة لقاعدة النظام العربي من أجل تصليبها. وثلاثية المملكة العربية السعودية ومصر وسوريا ممكن من جديد أن تكون قاعدة النظام الإقليمي العربي، بعد التطورات التي حدثت في المنطقة، فالمملكة بما تملك من اتصال وثيق بمحيطها الخليجي والعالمي، ومصر بمخزونها البشري، وسوريا هي واسطة العقد العربي، لذلك من الأهمية أن يكون النظام الذي يتمخض عن الثورة الأخيرة منسجماً مع هذا المحور المصري الخليجي، آخذاً بالاعتبار كل التطورات التي مرت بالمنطقة، مع الاستفادة من الدروس الدموية التي دفعتها كل مكونات الشعب السوري.
كثير من المراقبين يرحبون بالتغيير في سوريا، إلا أن هناك بعض التحوطات التي يجب الأخذ بها، منها أن مكوناً واحداً لا يستطيع أن يبحر بسوريا في خضم المتغيرات الإقليمية والدولية، كما أن سوريا في محيطها العربي هي أكثر أماناً، وأكثر قابلية للفعل على المستوى الدولي.
التحدي أمام النظام الجديد عنوانه الرئيس ألا يقع النظام الجديد في أخطاء النظام السابق الذي أغرق سوريا في القمع والفقر والخوف والعزلة. و"روشتة" الخروج من هذا المأزق هي أربع ركائز: أولاً، نظام سياسي يكفل الحريات لكل المواطنين والمكونات السورية، وينظم السلطات. وثانياً، نظام اقتصادي يكفل العيش الكريم بعيداً عن الشمولية والاستحواذ. وثالثاً، يحوط ذلك نظام قانوني يكفل الحقوق بميزان العدل الإنساني. ورابعاً، نظام إعلامي حر في حدود قوانين حديثة.
الانزلاق إلى الأحادية، والاهتمام بالصغائر والشكليات التي هي مفارقة للعصر وللعقل يدخلان النظام الجديد، وهو هشّ، إلى مداخل مظلمة، ويؤلبان الآخرين عليه، ويتركانه صيداً للقوى الإقليمية المستعدة للقفز من النافذة بعد خروجها من الباب! لأن المسارات النقيضة للنقاط الأربع السابقة، هي "نوافذ" لقفز الآخرين منها على مقدرات الشعب السوري.
يمكن في المرحلة الحالية توصيف ما جرى في سوريا حتى أسبوعين من سقوط النظام، إن استعرنا ضوابط إشارات المرور، بأنه "أخضر وبرتقالي"؛ أخضر في الكلام والوعود، وبرتقالي في بعض الأفعال، كما القول "إن صح" بعزل النساء عن القضاء، وما شابه من تصريحات تقود إلى توسيع حالة البرتقالي الذي بالضرورة سوف يقود إلى الأحمر الذي لا يتمناه أي وطني سوري ولا عربي مُحبّ لسوريا.
آخر الكلام: أي تغيير له شهر عسل، قد يطول وقد يقصر. العمى السياسي أن يعتقد البعض أن شهر العسل لا نهاية له!