قال الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار العلماء، إن الله عز وجل يقول فى كتابه الكريم {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ} الله سبحانه وتعالى بيَّن لنا في القرآن الكريم مرات عديدة قصة الخلق الأول ، وفي ذلك حكمة فإنه يريد أن يبين من الإنسان وأنه كان من ماءٍ وتراب فهو من "طين" ولذلك فهو مركبٌ من جزئين من مادة هي شبيهةٌ بالحيوان في سعيه، بل شبيهة بالجماد في سكونه، ومن "روح" نفخ الله من هذه الروح في هذا الجسم، ومن "قدر" قدَّره الله لهذا الإنسان.

وأضاف فى منشور له أن الله عز وجل قدَّر للإنسان الشقاء والسعادة، قدَّر الله له الخير والشر، قدَّر الله له التكليف والتشريف؛ فهو يريد أن يبين لنا هذه الحقيقة مرةً بعد مرة حتى تستقر في الوجدان وفي الأذهان لأنه سيُبنى عليها أشياء أخرى في الحياة؛ سيُبنى عليها صراع بين الخير والشر، بين الإنسان وبين نفسه الأمارة بالسوء التي تدعوه إلى الكِبر والتفاخر؛ فهذه العقيدة تساعده على ضبط النفس، وعلى أن يتواضع لربه، وعلى أن يعلم أنه حادث وليس بقديم، وأنه منتهٍ، وأن هناك موتًا سيأتيه، ولذلك فهو لا يتكبر، بل يتذكر ما أمره به ربه، كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل، يفيدك هذا أن تتذكر دائمًا أنك من هذه الأرض ألا تُفسد هذه الأرض؛ فكأن الأرض أمنا لأنك منها فيجب أن تكون علاقتك معها علاقة الابن بالأم، وليس علاقة المفسد المستغل المستهلك لهذا الذي قد خلقه الله فيه، حقيقة أننا قد خُلقنا من طين أننا ينبغي علينا أن نسمو، وألا نترك أنفسنا لشهواتنا الحيوانية، وألا نكون بأخلاق هذه الحيوانات، بل أضل سبيلًا من هذه الحيوانات في بعض تصرفاتنا.

إذن فالتفكير بالطينية هنا تذكيرٌ بمعانٍ كثيرة جدًا تساعد على مفهوم الخير والشر، مفهوم الحق والباطل، مفهوم التكليف والتشريف، مفهوم السير إلى مدارج الروح لا مدارج الجسد.

وهذه الطينية لابد فيها من موت لأن الطين هشٌ، ولذلك عندما يُدفن الإنسان فإن جسده يصير ترابا، وبعد ما يصير ترابًا تذروه الرياح لا وجود له أو أنه يمتزج امتزاجًا بالأرض مرةً أخرى {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} وعندما يُخرجنا الله سبحانه وتعالى من الأرض تارةً أخرى سيخرجنا خلقًا جديدا، ليس كهذا الخلق الذي نحن فيه الآن {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ} الأجل مسمى لا يتغير، لا يتقدم، لا يتأخر {ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ} بالرغم من أنكم تشاهدون هذا الخلق مرارًا وتكرارًا؛ فترى المولود يولد، ثم يعيش في أطوار الحياة، ثم يموت، ثم أنكم ترونه وهو يعود إلى الأرض، ويتحول فعلًا أمامنا بالحس إلى تراب، ويمتزج هذا التراب فعلًا بهذه الأرض مرةً أخرى، وبالرغم من ذلك يقوم فينا من يتشكك في البعث، ويتشكك في الخلق، ويتشكك في الخالق، ويتشكك في كل هذا الذي ذكرناه من تكليف، أو في كل هذا الذي ذكرناه من علاقة إلى آخره خَفِّفِ الْوَطْءَ مَا أَظُنُّ أَدِيمَ الْأَرْضِ إِلَّا مِنْ هَذِهِ الْأَجْسَادِ.  

فإذن هذا المعنى أننا من الأرض وإليها نعود سيساعدنا في السعي إلى الله سبحانه وتعالى، وفي طريق الله سبحانه وتعالى.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: الله سبحانه وتعالى

إقرأ أيضاً:

الدكتور محمد وسام: سيدنا نوح أول من أطلق على مصر أم البلاد (فيديو)

أكد الدكتور محمد وسام، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، أن مصر هي «أم البلاد» وبلد مبارك ومحفوظ بفضل الله سبحانه وتعالى، مشيرًا إلى أنها تمثل مكانة عظيمة في قلب الأمة الإسلامية.

وقال أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، خلال حلقة برنامج «مع الناس»، المذاع على قناة الناس، اليوم الثلاثاء: «الله سبحانه وتعالى وصف مصر بأنها مقام كريم، وبأنها مبوَّأ صدق، وهذا الوصف يتجسد في تاريخها وحضارتها العريقة"، وسيدنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم دعا لأهل مصر وقال: 'استوصوا بأهلها خيرًا، فإن لهم ذمة ورحما».

وأشار الدكتور وسام إلى أن العرب خرجوا من رحم السيدة هاجر، أم العرب، التي كانت من مصر، لذلك «مصر هي أم البلاد، وهذا ليس كلامًا مبتدعًا، بل هو مستمد من التاريخ والدعوات النبوية، ففي الأشعار الوطنية التي يرددها الجميع، نسمع النشيد الوطني يقول مصر يا أم البلاد، وهو في الواقع مستوحى من دعوة سيدنا نوح عليه السلام، الذي قال في دعائه: 'اللهم اسكنه الأرض المباركة، التي هي أم البلاد، وهو ما يذكره التاريخ في كتب مثل فتوح مصر والمغرب».

وأضاف: «لقد حفظ الله مصر عبر العصور، ففي فترات مختلفة من التاريخ الإسلامي، كان جيش مصر هو الذي دافع عن الأمة الإسلامية، بدءًا من استرداد بيت المقدس من الصليبيين وصولًا إلى هزيمة التتار».

وأشار أيضًا إلى دور الجيش المصري في العصر الحديث، قائلاً: «رغم قلة عدده في بعض الفترات، إلا أن الله سبحانه وتعالى أيد الجيش المصري في معركة 1973، التي كانت بمثابة تجسيد لتحقيق النبوءات النبوية في تحقيق النصر».

واختتم الدكتور وسام حديثه قائلًا: «مصر محروسة بفضل الله، ولا زال أهلها يتحلون بحب كبير للمقدسات، وهذه المحبة تمتد عبر الزمان وتترجم عبر الأفعال».

اقرأ أيضاًخالد الجندي: رحلة الإسراء والمعراج كانت خارجة عن نطاق الزمان والمكان المعروفين للبشر

خالد الجندي: الصلاة في جماعة لها أجر عظيم إذ تساوي 25 صلاة

مقالات مشابهة

  • حكم قضاء الصلاة المفروضة المتروكة عمدًا أو نسيانًا
  • أيها الإنسان.. أنت في ذمة الله.. لا في ذمة البشر
  • علي جمعة: هناك ملائكة لم تذكر فى القرآن كـ ملك الرحم أو نفخ الروح
  • كويكب ينضم إلى أكثر المخاطر تهديدا للأرض.. توقع باصطدامه خلال 7 سنوات
  • شمس أخرى على الأرض.. العالم على موعد مع إنجاز جديد| ما القصة؟
  • خالد الجندى: عندما نتحدث عن الله سبحانه وتعالى نستخدم المصطلحات الدقيقة
  • أمين الفتوى: سيدنا نوح أول مَن أطلق على مصر أم البلاد
  • الدكتور محمد وسام: سيدنا نوح أول من أطلق على مصر أم البلاد (فيديو)
  • عبارات بعد الانتهاء من العمرة
  • هل رأى النبي الله في رحلة الإسراء والمعراج.. وهل كان الحوار باللغة العربية؟