بين المقاربتيْن العسكرية والإنسانية للعدوان
تاريخ النشر: 5th, December 2023 GMT
بين المقاربتيْن العسكرية والإنسانية للعدوان
الفصل بين المقاربة العسكرية والمقاربة الإنسانية ضروري، لأنّ الصورة الكلية اليوم هي حرب إبادة وجريمة إنسانية كبرى بالدرجة الرئيسية والأولى.
هذا الجانب البشع الخطير يمثّل جوهر المشروع الإسرائيلي في الحرب على غزّة والعمل المستمر على تهجير شعب فلسطين، في قطاع غزّة أو الضفة الغربية.
المقاربة العسكرية مهمّة، لكن لا تغني عن المقاربة الإنسانية للعدوان على غزّة، في حربٍ غير متكافئة ولا عادلة، وتفتقر إلى أسس الأخلاق والقانون في الصراعات العسكرية.
لا تغني المقاربة العسكرية عن بناء رواية إعلامية فلسطينية وعربية وإنسانية تركز على حجم العدوان وحرب الإبادة والتطهير العرقي والتدمير وقتل المدنيين بعشرات الآلاف وتهجير مئات الآلاف.
* * *
ما أظهرته كتائب القسّام من عبقرية عسكرية في عملية طوفان الأقصى (7 أكتوبر) سيدرّس في أهم الكليات العسكرية وأكبرها. وبلا شك، إنّ تكتيكات الكتائب العسكرية والمواجهة الحالية في حرب العصابات مع الآلة العسكرية التدميرية الإسرائيلية تسجّل لها، ويتوافر على قدر كبير من التضحية والإبداع والعمل الدؤوب والصبر في مواجهة ليس فقط أعتى الخبراء العسكريين الإسرائيليين، الذين يفتخر بهم الكيان الصهيوني بصورة مستمرّة، بل حتى الخبراء العسكريين الغربيين الذين يساندونهم، ويقدّمون لهم النصائح منذ بداية العدوان.
هذه المقاربة العسكرية مهمّة، لكنها لا تغني عن المقاربة الإنسانية للعدوان على غزّة، في حربٍ غير متكافئة ولا عادلة، وتفتقر إلى أسس الأخلاق والقانون في الصراعات العسكرية، ولا تغني عن أهمية بناء الرواية الإعلامية الفلسطينية والعربية والإنسانية على التركيز على حجم العدوان وما يقوم به من حرب إبادة وتطهير عرقي وتدمير كامل للمدن وقتل المدنيين بعشرات الآلاف وتهجير مئات الآلاف.
فهذا الجانب البشع الخطير هو الذي يمثّل جوهر المشروع الإسرائيلي في الحرب على غزّة، والعمل المستمر على تهجير السكان الفلسطينيين، سواء في قطاع غزّة أو الضفة الغربية أو حتى من يمتلكون اليوم الجنسية الإسرائيلية، لكنهم يعامَلون بمنظور ديني هويّاتي معادٍ لهم.
من الضروري أن تكون الصورة واضحة. إننا لا نتحدّث هنا عن جيوش متوازية، ولا عن قوات عسكرية متوازنة، بل عن مسار مختلف تماماً. فالجيش الإسرائيلي يصبّ جام غضبه على المدنيين والأبرياء والأطفال والنساء، ويخوض حروباً في المستشفيات والمدارس، ويهدم البنية التحتية كاملة، ويقوم، عامداً متعمّداً بصورة معلنة، وبتواطؤ من الإدارة الأميركية وبعض الحكومات الغربية بتهجير الفلسطينيين من بيوتهم، ويعلن اليوم خطّة اجتياح عسكري لجنوب غزّة بموازاة استكمال السيطرة على شمال غزّة، ما يعني بالضرورة أنّ نيات التهجير القسري ما زالت قائمة، والفيتو الأميركي على التهجير هو لذرّ الرماد في العيون.
بوضوح أكثر، الانتصار في الحرب المعنوية والرمزية للمقاومة مهم، في الجانب العسكري، لكن ذلك من المفترض تأطيره في السياق الموضوعي الصحيح، ضمن معادلة موازين القوى الظالمة، وأن لا يكون على حساب الصورة الكبرى اليوم، حتى لا يُمرَّر المخطّط الأكبر بذريعة الصورة العسكرية الباسلة والفدائية لمقاتلي القسام، ولصمود أهالي غزّة، بخاصة الذين لا يزالون في مدينة غزّة ومخيمات الشمال وسط هذا الجحيم الكبير.
تأسست الرواية الإسرائيلية العالمية على قاعدة أنّ حركة حماس هي "داعش"، وأن إسرائيل تريد أن تحمي المدنيين، وكانت هذه الرواية هي السائدة في البدايات، لكن الأمور تغيّرت بصورة إيجابية ومهمة ونوعية في المراحل التالية، وخسرت إسرائيل الحرب الإعلامية والأخلاقية أمام العالم، حتى إنّ التقارير تشير بوضوح إلى انزعاج الدبلوماسيين الأميركيين من تدهور سمعة أميركا في العالم، بسبب هذا الدعم الفاضح لعدوان إسرائيل الهمجي، وهي الصورة الحقيقية لما يحدث، إنها حرب إبادة وجريمة ضد الإنسانية وقتل للأطفال والنساء والشيوخ والمدنيين، لتحقيق أهداف سياسية بالأساس، مرتبطة برؤية يمين إسرائيلي ديني ومحافظ متطرّف.
لقد أظهر تقرير جديد لمعهد السياسة والمجتمع مع مؤسّسة مكانة 360 عبر تحليل 40 ألف تفاعل عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لمن يصفون أنفسهم بأنهم خبراء عسكريون وأمنيون، أنّ هنالك تحوّلات مهمة على صعيد الرواية العالمية، بالرغم من أن ثلثي التفاعلات كانت في الولايات المتحدة وبريطانيا المؤيدتين للعدوان الإسرائيلي.
ثمّة اتجاه من المثقفين العرب يتخوف من التركيز على الصورة الإنسانية، ويرى ضرورة التركيز على المقاومة المسلحة، حتى لا يثار الرعب والهلع في قلوب الناس، وهو توجّه خاطئ، لأنّ الفصل بين المسارين أولاً ضروري، ولأنّ الصورة الكلية اليوم هي حرب إبادة وجريمة إنسانية كبرى بالدرجة الرئيسية والأولى.
*د. محمد أبورمان باحث في الفكر الإسلامي والإصلاح السياسي، وزير أردني سابق.
المصدر | العربي الجديدالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: غزة فلسطين العدوان تهجير المشروع الإسرائيلي طوفان الأقصى كتائب القسام حرب العصابات الكيان الصهيوني الإنسانیة للعدوان حرب إبادة على غز ة لا تغنی
إقرأ أيضاً:
صحفيون لحقوق الإنسان: فى ذكري اليوم العالمي للمرأة (8 مارس) … أوقفوا الحرب القائمة على اجساد النساء
يحتفل العالم اليوم 8 مارس 2025، باليوم العالمي للمرأة (8 مارس)، وهو يومٌ عزيز على قلوب النساء، والصحفيات السودانيات، وعلى قلوب النساء فى العالم أجمع... ياتي الاحتفال - هذا العام - تحت شعار "الحقوق والمساواة والتمكين، لجميع النساء والفتيات، من أجل مستقبل أكثر عدلاً وإنصافاً للجميع"، وهو شعار يُراد منه الدعوة إلى "العمل على تسريع
فى ذكري اليوم العالمي للمرأة (8 مارس) ... أوقفوا الحرب القائمة على اجساد النساء
التحية والتقدير للصحفيات السودانيات وهن يؤدين واجباتهن المهنية باقتدار، ويواجهن الاستهداف الممنهج
يحتفل العالم اليوم 8 مارس 2025، باليوم العالمي للمرأة (8 مارس)، وهو يومٌ عزيز على قلوب النساء، والصحفيات السودانيات، وعلى قلوب النساء فى العالم أجمع... ياتي الاحتفال - هذا العام - تحت شعار "الحقوق والمساواة والتمكين، لجميع النساء والفتيات، من أجل مستقبل أكثر عدلاً وإنصافاً للجميع"، وهو شعار يُراد منه الدعوة إلى "العمل على تسريع الإجراءات التى من شأنها أن تفتح الباب أمام المساواة فى الحقوق والقوّة والفرص للجميع، ومستقبل نسوي لا يتخلّف فيه أحد عن الركب".
ويتزامن الاحتفال هذا العام مع الذكري الثلاثين لإعلان ومنهاج (إعلان بكين) الصادر فى عام 1995، واعتماد الوثيقة التاريخية الهامة الصادرة عنه، المتعلقة بحقوق المرأة، فى جميع أنحاء العالم، وبخاصّة، الحق فى الحماية القانونية، والوصول إلى الخدمات، وإشراك الشابات والشباب، والتغيير فى المعايير الإجتماعية والصورالنمطية والأفكار العالقة فى الماضي.
يأتي يوم 8 مارس هذا العام، (اليوم العالمي للمرأة)، والعالم يشهد أزمات جديدة، ومتداخلة، كما يشهد تراجعاً وتآكلاً مريعاً فى الحقوق، وبلادنا – السودان - لا تزال ترزح تحت وطأة الحرب الكارثية المدمّرة، التي اندلعت فى عاصمة البلاد فى صباح يوم السبت 15 أبريل 2023، واتّسعت رقعتها لتشمل كل البلاد، ومازالت رحاها تدور على أجساد النساء السودانيات، تهجيراً قسرياً من مراتع صباهن، وبيوتهن، ومدنهن وقراهن، وأماكن عملهن، وقد أصبحت هذه الحرب المروّعة والباطشة "حرب على أجساد النساء"، بحقٍّ وحقيقة، لا مجاز، وقد استهدفت حرب السودان، النساء والفتيات، تقتيلاً فظيعاً، وعنفاً ممنهجاً، وأصبح سلاح الاغتصاب والاختطاف والإخفاء القسري، و"السبي" للنساء والفتيات، من الأسلحة الفتاكة، التى أُستخدمت فى هذه الحرب الكارثية، وبصورة ممنهجة، وحاطة للكرامة الإنسانية للنساء، وقد أُضطرت آلاف النساء لمغادرة أماكن إقامتنهن الطبيعية، نزوحاً وتهجيراً، وتشتيت شمل الأُسر، بسبب الاستهداف الممنهج للنساء، ليواجهن تكبُّد مشقّات وصعوبات البحث عن ملاذات آمنة، فى مناطق النزوح داخل الوطن، وأمكنة، وأزمنة اللجوء فى دول المنطقة العربية، والإفريقية، بحثاً عن الأمان الجسدي والنفسي والعائلي، فى ظروف اقتصادية واجتماعية وثقافية بالغة السوء والتعقيد.
مع تصاعد النزاع المسلّح فى السودان، بين طرفيها الرئيسيين (القوات المسلحة) و(قوات الدعم السريع)، والجماعات والمليشيات والحركات المتحالفة معهما، أصبحت النساء، والنساء الصحفيات، أهدافاً مباشرة للعنف، والاضطهاد، والاستهداف الممنهج، الذي وصل حد القتل، والتعذيب، والإخفاء القسري، والعنف، والعنف الجنسي، فى هذه الحرب الكارثية التي تخلّى طرفاها عن قواعد القانون الدولي الإنساني، وعن الالتزام بمسئولياتهم الدولية، فى التعامل مع المدنيين/ات، والأعيان المدنية، كما تخلّوا عن واجباتهم فى حماية وسلامة المدنيين، وفى مقدمة المدنيين، الصحفيات والصحفيين، وغيرهم/ن من الفئات المدنية الأخري، من مقدمي ومقدمات الخدمات الصحية والطبية، وعمّال وعاملات الإغاثة الإنسانية، وجميعها من الفئات المجتمعية المدنية، التى يجب أن تحظي بالحماية، وفق القانون الدولي الإنساني.
فى هذا المناخ المعادي للنساء، تواصل زميلاتنا الصحفيات السودانيات مسيرة كفاحهن ونضالهن الجسور، فى القيام بواجباتهن المهنية بمسئولية عظيمة، ومهنية وإحترافية عالية، فى ظروف وأوضاع قاهرة، يستحيل العمل تحتها، وقد أجبرت الحرب العشرات منهن للنزوح الاضطراري والإجباري، إلى مناطق آمنة نسبيّاً، داخل البلاد، أو للفرار بجلودهن من حضن الوطن، إلى المجهول، بحثاً عن الحصول على بطاقات اللجوء، أو الإقامة القانونية، فى ما وراء الحدود، ومازالت هناك، عشرات الصحفيات، يقبعن فى قلب الخطر، يواجهن مصيراً مجهولاً وقاتماً فى محرقة الحرب، واستمرارها المتزايد، فى مناطق سيطرة طرفي الحرب، يواجهن تحديات الحياة، والمعيشة ونقص الدواء ومعينات العمل، وصعوبات أداء رسالتهن المهنية، فى البحث عن الحقيقة تحت ركام البيوت، التى هدمها القصف الجوّي العشوائي، وهدير المدافع، والمسيّرات الحربية.
نحن فى (صحفيون لحقوق الإنسان – جهر) إذ نحيّي النساء السودانيات، فى هذا اليوم التاريخي العظيم – 8 مارس – اليوم العالمي للمرأة، نخص بالتحية والتهنئة والتقدير والمزيد من الشكر والعرفان، فى هذا المقام، زميلاتنا الصحفيات، الصابرات فى مناطق سيطرة طرفي الحرب، وزميلاتنا فى أمكنة وأزمنة النزوح، وبلدان اللجوء، ونؤكّد التزامنا بالدفاع عن قضايا النساء كافةً، وقضايا وأجندة النساء الصحفيات على وجه الخصوص، ونجدّد العزم فى الوقوف مع مطالبهن العادلة، فى الحق فى الحياة، والحق فى احترام الكرامة الإنسانية، والحق فى المعاملة الإنسانية الكريمة فى كل الظروف، ودون تمييز، والحق فى الحماية القانونية، وكافة حقوق الإنسان الواردة فى الشرعة الدولية لحقوق الإنسان، والقانون الدولي الإنساني.
وندعو المجتمع الصحفي، والمجتمع المدني السوداني، لرص الصفوف، وتجميع الجهود، وشحذ الطاقات والهٍمم، لبناء أوسع تحالف مجتمع مدني سوداني، مناهض للحرب، ولخطاب الكراهية والتمييز، ويدعو للسلام والحرية والعدالة، ويعمل لوقف الحرب، من موقعه المستقل، ويلتزم بوضوح تام، بمبدأ المساءلة لطرفي الحرب، وكل الجهات المشاركة معها، فى انتهاكات حقوق الإنسان فى السودان، مع التأكيد على عدم إفلاتهم من العقاب، لارتكابهم جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الإبادة، وهي جرائم لا تسقط بالتقادم، ولا يجوز نسيانها أو إخضاعها لمساومات أو تسويات سياسية، تتغاضي عن تحقيق العدالة، والانصاف، وجبر الضرر، لضحايا النزاع المسلّح فى السودان.
- أوقفوا الحرب القائمة على اجساد النساء
- أوقفوا استهداف الصحفيات والصحفيين
- لا ... للإفلات من العقاب فى الجرائم المرتكبة بحق الصحفيات والصحفيين
صحفيون لحقوق الإنسان – جهر – السودان
8 مارس 2025