أثير – ريما الشيخ

هل تعلم عزيزنا القارئ بأن هناك نوعان من التحريض في القانون العماني؟ وهل تعلم بأن المحرض هو شريك الفاعل في الجريمة؟

أوضحت فاطمة بنت هلال بن أحمد الشرجية باحثة ماجستير، تخصص القانون الجزائي بكلية الحقوق بجامعة السلطان قابوس، خلال حديثها مع ”أثير“ أن التحريض يُعرّف على أنه خلق فكرة الجريمة والتصميم عليها في نفس الجاني، بأي وسيلة كانت، فقد أشار إليها المشرع العماني في قانون الجزاء العُماني وتحديداً نص المادة (38 ) فقرة “ج” بقوله ”من حرض على ارتكابها فوقعت بناء على هذا التحريض“ فكما يقال بأن المحرض هو محرك الشر وهو شريك الفاعل في الجريمة، بل ويعد ذلك من أخطر صور الاشتراك ، كون المحرض هو مولد فكرة الجريمة ومسهل سيرها وما للآخر؛ إلا الإقدام عليها من خلال تنفيذ المخطط الاجرامي الذي تم إعداده.

ولكن، قد يحدث أن يحرض شخصًا آخر ليس بهدف تحقيق النتيجة المرجوة من الجريمة ولكن من أجل أغراض مغايرة وهذا ما سيجعلنا نتطرق إلى مفهوم التحريض الصوري.

وذكرت الباحثة خلال حديثها مع ”أثير“ بأنه من أبرز التعريفات التي وضعها الفقه المقارن لهذا النوع من التحريض -بناء على المصلحة التي تدفع المحرَض القيام بهذا النشاط- ، بأنه ”ذلك النوع من التحريض الذي لا يقوم فيه المحرض بنشاطه التحريضي من أجل تحقيق المصلحة التي تحققها الجريمة عادة لمن يرتكبها أو لمن يكلف الغير بارتكابها، ولكن من أجل تحقيق مصلحة أخرى هي إيذاء المحرَض وذلك بدفعه إلى البدء في تنفيذ الجريمة أو الشروع فيها حتى ينال العقاب المقرر لها“. وتم تعريفه أيضًا بأنه ”إيعاز شخص إلى آخر بارتكاب جريمة ما ودفعه إليها، حتى إذا ما شرع هذا الآخر في ارتكابها تدخل الأول للحيلولة دون تحقق نتيجتها الإجرامية وأبلغ السلطات العامة بالجريمة“.

وأضافت: فنجد أن مصلحة المحرض الصوري هي إيذاء المحرض ”مرتكب الجريمة“، وتتعدد البواعث التي تدفع المحرض إلى الإقدام على هذا النوع من التحريض، فقد يكون المحرض من رجال الضبطية القضائية ويهدف من وراء تحريضه إلقاء القبض على الجاني في حالة تلبس حتى يسهل اثبات الجريمة -ويستثنى من ذلك التحريض القانوني الذي يقوم به رجال السلطة العامة بناء على أذن قانوني مسبق أو بالاتفاق مع السلطة المختصة -وقد يكون أحد الأفراد ويهدف من وراء تحريضه الحصول على مكافأة خصصتها الدولة لمن يبلغ عن ذلك النوع من الجرائم أو يكون هدفه التنكيل بغريم له والزج به فالسجن.

وذكرت : ومن هنا نجد أن صورتي التحريض العادي والتحريض الصوري لا يختلفان إلا من جهة واحدة وهي أن الهدف في التحريض الصوري يكون الإيقاع بمرتكب الجريمة وليس ارتكاب الجريمة بحد ذاتها.

أما بالحديث عن مسؤولية المحرض الصوري، فأشارت الباحثة بأنه ظهرت آراء متعددة منها من يستند إلى أسباب الإباحة ليبرر فعل المحرض، ومنها ما يستند إلى الركن المادي فيرى أنه غير مكتمل ومنهم من يلجأ إلى الركن المعنوي لتوضيح مسؤولية المحرض الصوري والاتفاق عند جميع الفقهاء أنه إذا امتدت مساحة المحرض إلى افعال مادية في مرحلة التنفيذ يكون مسؤول كفاعل أصلي مع غيره أو شريك بالمساعدة.

وفي ختام حديثها مع ”أثير“ تأمل الباحثة فاطمة الشرجية بأن يفرد قانون الجزاء العماني نصوصًا خاصة تتعلق بهذا النوع من التحريض وبيان حدوده وشروطه، نظرا لخطورة اللجوء إليه بصورته غير القانونية من قبل الأفراد ورسم ضوابط التحريض الصوري القانوني، كونه يعد أمرا ضروريا لا غنى عنه من قبل السلطات العامة؛ لكشف بعض الجرائم الخطيرة.

المصدر: صحيفة أثير

إقرأ أيضاً:

المادة 149: جدلية التحريض وتقييد الحريات في سياق سياسي مضطرب – حالة أيمن صندوقة نموذجًا

#سواليف

المادة 149: جدلية #التحريض و #تقييد_الحريات في سياق سياسي مضطرب – حالة #أيمن_صندوقة نموذجًا

كتبت .. #علياء_الكايد

في قلب كل نظام سياسي يكمن التوتر بين الحرية والنظام، بين الكلمة والمسؤولية، وبين النقد والاستقرار. المادة 149 من قانون العقوبات الأردني تُجسّد هذا التوتر بأوضح صوره، حيث تُجرّم “التحريض ضد النظام السياسي”. لكنها تثير أسئلة أعمق من مجرد نص قانوني: ما الذي يُهدد الدولة فعليًا؟ هل هو الكلمة أم غياب الحوار؟ وهل النظام السياسي الذي يخشى النقد قادر على مواجهة تحديات المستقبل؟

مقالات ذات صلة “العمل الإسلامي”: تصريحات الصفدي الأخيرة حول غزة وفصائل المقاومة لا تنسجم مع موقف الشعب 2025/01/23

وددت ان اتناول هذه المادة من زاوية فلسفية وسياسية، وأضعها تحت المجهر من خلال قضية الناشط أيمن صندوقة، الذي تحول من مواطن يُعبّر عن رأيه إلى متهم بالتحريض.

أولاً: التحريض بين النصوص القانونية والمعايير الدولية

ما هو التحريض؟ بين وضوح النصوص وغموض التطبيق.

في الدول الديمقراطية، يُعرف التحريض بأنه دعوة صريحة ومباشرة إلى العنف أو استخدام القوة لتقويض النظام العام. لكن المادة 149 من قانون العقوبات الأردني لا تقدم تعريفًا واضحًا أو معيارًا دقيقًا لما يُعتبر تحريضًا، مما يترك الباب مفتوحًا لتفسيرات واسعة تُطوّق النقد المشروع.

على سبيل المثال، في الولايات المتحدة، تُعتبر حرية التعبير حقًا أساسيًا، لكن “التحريض” يُعرّف بدقة في إطار ضيق: لا يُعتبر الكلام تحريضًا إلا إذا كان “موجهًا لإحداث عمل غير قانوني ووشيك”، كما جاء في قضية براندنبورغ ضد أوهايو (1969). أما في ألمانيا، حيث تُعتبر حماية النظام الديمقراطي أولوية قصوى، فإن التحريض يتطلب أدلة واضحة على نية إثارة الفتنة أو التهديد المباشر للنظام.

التطبيق في الأردن: إشكالية الغموض في الأردن، غياب التحديد الدقيق لمفهوم التحريض يجعل من المادة 149 سلاحًا ذا حدّين. فهي، من جهة، تهدف إلى حماية النظام السياسي، لكنها، من جهة أخرى، تُستخدم أحيانًا لتقييد النقد السلمي، وهو ما يجعل المواطن يعيش تحت رقابة دائمة، حيث تتحول كل كلمة إلى احتمال خطر اعتقال .

ثانيًا: قضية أيمن صندوقة – ملخص القضية

في منتصف عام 2024، نشر الناشط أيمن صندوقة، المعروف بآرائه الجريئة، منشورًا عبر وسائل التواصل الاجتماعي انتقد فيه السياسات الحكومية . لم يتضمن المنشور أي دعوة إلى العنف أو استخدام القوة، لكنه فُسّر على أنه تحريض ضد النظام السياسي.

التساؤلات المحورية التي تتبادر لذهني

1. هل يشكل النقد السلمي تهديدًا للنظام السياسي؟

النظام الذي يتعامل مع النقد باعتباره تهديدًا قد يُظهر ضعفًا في تقبّل الآراء المعارضة، وهو أمر يناقض طبيعة الدول القوية التي تعتبر المعارضة جزءًا من الشرعية السياسية.

2. هل هناك أدلة قاطعة على التحريض؟

في قضية صندوقة، لم تكن هناك أي أدلة على نية إثارة الفتنة أو التحريض على العنف، مما يثير تساؤلات حول استخدام المادة 149 لتفسير النقد كتهديد.

وهنا ستطفو التداعيات الاجتماعيه ب حرية التعبير: إذا كان التعبير السلمي يُجرّم، فإن ذلك يُضعف ثقة المواطن في العدالة، ويُنتج ثقافة الصمت والخوف.

النظام السياسي: دولة تخشى النقد السلمي تفقد فرصة الإصلاح الداخلي، مما يُضعف شرعيتها على المدى الطويل.

ثالثًا: مقارنة دولية – حرية التعبير وحدود التحريض :

التجربة البريطانية

في بريطانيا، يُسمح بالنقد السياسي الحاد طالما أنه لا يدعو إلى العنف أو الكراهية. تُعتبر حرية التعبير جزءًا أساسيًا من النظام الديمقراطي، لكن قانون التحريض على الكراهية لعام 2006 يضع حدودًا واضحة تتعلق بالتحريض على العنف أو إثارة النعرات العنصرية.

التجربة التونسية – بعد الربيع العربي

بعد الثورة التونسية، سعت تونس إلى تحقيق توازن بين حماية النظام السياسي وحرية التعبير. ورغم وجود قوانين تُجرّم التحريض، فإن المحاكم غالبًا ما تميّز بين النقد السياسي والدعوات الحقيقية للعنف، مما أسهم في تقليل الانتهاكات ضد حرية التعبير.

مااطالب به اليوم لا ينحصر فقط بالمطالبه بالحرية للمعلم أيمن صندوقه بل تحديث قانوني للماده 149

بحيث يكون ما يلي :

تعريف واضح للتحريض: الدول التي تمتلك قوانين دقيقة تقلل من احتمالية إساءة استخدامها ضد المعارضة.

ضمانات قضائية مستقلة: وجود قضاء مستقل يُسهم في حماية الأفراد من التفسيرات المتعسفة للنصوص القانونية.

إعادة صياغة المادة 149 ستقدم قانونا اكثر توازنا ولضمان التوازن بين حماية النظام وحرية التعبير، نقترح:

1. تعريف دقيق للتحريض: يقتصر على الدعوة المباشرة إلى العنف أو استخدام القوة.

2. حماية النقد السلمي: التأكيد قانونيًا أن النقد السياسي السلمي لا يُعتبر تحريضًا.

3. رقابة قضائية صارمة: ضمان ألا تُستخدم المادة كأداة لقمع المعارضين، بل لحماية الدولة من التهديدات الحقيقية فقط.

وأذكر بأن حرية التعبير ليست تهديدًا، بل هي عنصر أساسي في بناء مجتمعات مستقرة. ويجب أن تكون الدولة الأردنية قادرة على احتواء الأصوات المعارضة كجزء من عملية التنمية، وليس كتهديد يجب إسكاتُه.

أن الحرية والاستقرار وجهان لعملة واحدة ،إن قضية أيمن صندوقة ليست مجرد ملف قضائي عابر، بل هي اختبار لمدى قدرة الدولة على التوفيق بين حماية النظام وضمان الحقوق الفردية.

الدول القوية هي التي تتعامل مع النقد كفرصة للإصلاح، وليست تلك التي تعتبر كل كلمة تهديدًا لوجودها. إعادة النظر في المادة 149 ليست مجرد مطلب حقوقي، بل ضرورة استراتيجية لضمان استقرار طويل الأمد قائم على الثقة بين الدولة والمجتمع.

وكما قال المفكر محمد حسنين هيكل: “الحقيقة هي السلاح الأقوى لأي نظام… وإخفاؤها ليس حلاً، بل تأجيلٌ لأزمة ستكبر مع الزمن”.

مقالات مشابهة

  • كل ما تريد معرفته عن ضوابط تشغيل النساء وفقا لقانون العمل الجديد
  • المادة 149: جدلية التحريض وتقييد الحريات في سياق سياسي مضطرب – حالة أيمن صندوقة نموذجًا
  • الدعم السريع يحرق مصفاة الخرطوم بالجيلي
  • سويسرا تدرس شكاوى ضد رئيس إسرائيل في التحريض على الإبادة الجماعية
  • الرقابة المالية تعدل النظام الأساسي لصناديق التأمين الخاصة وفقاً لقانون التأمين الموحد
  • وزير الداخلية الفرنسي يعلن اعتقال “تيكتوكر جزائري” جديد بتهمة التحريض على العنف
  • النوع: انثى ولا ذكر….. حيكتبو انثى ولا نرجسي ????
  • جريمة بشعة بالأقصر.. شاب ينهي حياة خمسيني وشهود عيان: الفاعل مهتز نفسيًا
  • "CIT" تسجل شركاتها بقوائم "اللجنة العليا للتعويضات" بوزارة الإسكان وفقا لقانون 84 لعام 2017
  • هل صحيح أن حساء الملفوف يخفض سكر الدم لدى مرضى السكري؟