الامتنان لحماس ليس عقدة ستوكهولم
تاريخ النشر: 5th, December 2023 GMT
لقد اعتصرنا الألم، وأدمت قلوبَنا مشاهدُ الفقد، والثُّكْل، فهناك أطفال رضّع يموتون بالآلاف، ترقّ لمنظرهم قلوب الوحوش، لكن لا تلين لهم قلوب بعض البشر.
كلّنا منهكون من الحرب الضروس على غزة، كنا مستعدين نفسيًا أن نشاهد جرعة صغيرة من الرحمة، في هذا الليل الداجي، والسماء الملبّدة بالعتمة والتخريب والدماء والدمار، حتى جاءت المفاجأة، التي تشبه النسمات الدافئة في زمهرير الشتاء.
تفاجأنا جميعًا بتلك المشاهد التي أعادت لنا الإيمان بالإنسانية، من خلال تسليم حركة حماس الأسرى الإسرائيليين.
تحليل نفسيهذه المشاهد التي انشغل بها الجميع، البعض وجد فيها رحمة، وفخرًا بشباب ينفذون وصايا رسول الله، صلى الله عليه وسلَّم. ورآها البعض مشاهد رومانسية، وابتسامات طيبة وحانية للأسرى، وهم يلوّحون ويصافحون بحرارة آسريهم.
وهو الأمر الذي أزعج قيادات الكيان أنفسهم، ودفعهم إلى أن يعزلوا الأسرى، ويمنعوهم من التحدّث إلى الإعلام.
وذهب البعض- خاصة المندهشين وغير المصدقين- إلى تحليل نفسي قديم يدل على أن تلك التصرفات هي مثال على "متلازمة ستوكهولم".
متلازمة ستوكهولمهو مصطلح أطلقه عالِمُ الجرائم والأمراض النفسية، الدكتور نيلز بيجيروت كتفسير لردود الأفعال النفسية التي يعاني منها الرهائن والمخطوفون.
اسم متلازمة ستوكهولم مبنيّ على إحدى عمليات السطو على بنك في مدينة ستوكهولم بالسويد.
كان مرتكب عملية السطو- الذي يدعى جان إريك أولسون- قد احتجز في بداية العملية أربعةً من موظفي البنك رهائنَ لمدة ستة أيام من 23 إلى 28 أغسطس 1973.
خلال فترة الستة أيام هذه، حاولت شرطة مدينة ستوكهولم التفاوض مع أولسون، الذي طلب في سبيل إطلاق سراح الرهائن الحصول على ثلاثة ملايين كرون سويدي، "حوالي 700 ألف دولار حينها"، وإطلاق سراح زميل له في السجن، وهو كلارك أولوفسون، وإحضاره إلى المصرف للانضمام إليه، وسيارة للهروب بها لاحقًا.
وافقت شرطة المدينة على شروط أولسون، بما فيها إطلاق سراح أولوفسون، والسماح له بالانضمام إلى زميله.
خلال الستة أيام من الاحتجاز والمفاوضات بين أولسون والشرطة، بدا أن الرهائن الأربعة قد أظهروا سلوكًا غريبًا. لقد أيدوا في الواقع دوافع أولسون وطلبوا منه عدم الاستسلام للشرطة.
كانت الشرطة في ذلك الوقت تواصل التفكير في وسيلة لتحرير الرهائن الأربعة، حتى تمكنت أخيرًا من اقتحام الخزنة الرئيسية حيث كان أولسون يحتجز الرهائن.
بمجرد إجلاء الرهائن من البنك رفضوا الإدلاء بشهاداتهم أو توجيه اتهامات ضد الجاني.
وقالت إحدى الرهائن: إن الخاطف لم يفعل شيئًا، بل كان لطيفًا وودودًا للغاية.
واعتبر الطبيب نيلز بيجيروت- الذي ساعد الشرطة في هذه القضية- ما فعله موظفو البنك الأربعة بأنَّه أحد ردود أفعالهم النفسية خلال أيام الاحتجاز الستّة.
بحسب تلك النظرية، في أيام الاحتجاز هذه، يتكون لدى الضحية فيها اعتقاد فعلي بأن مرتكب الجريمة غير ضارّ.
أسئلة صعبةبعد انتهائي من تصفح المقالات والدراسات المرتبطة بعقدة ستوكهولم، بدأت أعقد مقارنة بين أسرى حركة حماس وإسرائيل.
وثار في داخلي تساؤلات جديدة، لماذا لا تعامل إسرائيل الأسرى الفلسطينيين جيدًا حتى يصابوا بتلك العقدة؟ أم أن عقيدتها الصهيونية وعداءها المجنون للفلسطينيين حدَّا من قدراتها وذكائها.
تساؤل آخر: ما الفرق بين مختطفين بسبب سرقة أو عمل عدائي، وبين ما يمكن أن نصفهم مجازًا بـ "أسرى في قضية فلسطين العادلة"؟ لذا نحتاج إلى مصطلحات دقيقة جديدة.
إنَّ حالة الأسر وما يصاحبها من سوء المعاملة المتوقعة، هي من الأسباب التي جعلت الأسرى لدى حماس يشعرون بالتعاطف والتسامح مع آسريهم، إذ وجدوا عكس ما كانوا يتوقعون، فعدم إلحاق الأذى بهم كان سبب شعورهم بالامتنان والنظر بعين الحقيقة إلى آسريهم على أنّهم إنسانيّون.
على العكس في الجانب الآخر، نرى الفلسطينيين الذين تعرضوا للتعذيب الجسدي والنفسي والمعنوي، حسب شهادات الأسرى المحرّرين الذين أدلوا بها أمام وسائل الإعلام. ولا سيما الأطفال الذين لم تمنع أعمارهم الاحتلال من التنكيل بهم والمعاملة غير الإنسانية.
وهو ما يخالف اتفاقية حقوق الطفل الصادرة عن الأمم المتحدة والتي جاء فيها: "ألا يعرض أي طفل للتعذيب أو لغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة.
ولا تفرض عقوبة الإعدام أو السجن مدى الحياة بسبب جرائم يرتكبها أشخاص تقل أعمارهم عن ثماني عشرة سنة دون وجود إمكانية للإفراج عنهم"، وأيضًا " ألا يحرم أي طفل من حريته بصورة غير قانونية أو تعسفية. ويجب أن يجرَى اعتقال الطفل أو احتجازه أو سجنه وَفقًا للقانون".
في مثل هذه المواقف الصعبة والمهددة للحياة، سيبدو فعلًا صغيرًا مشمولًا باللطف أو عدم القيام بأي أعمال عنف بمثابة علامة على الصداقة.
ذلك ما أشعر الكيان البغيض وإعلامه بالغضب من تلك الإشارات والابتسامات على وجوه الأسرى بالامتنان والشكر لآسريهم، ما دفعهم للتشكيك في ذلك، وقولهم: إن الأسرى فعلوا ذلك خوفًا من قتلهم، من قبل الآسرين من حركة حماس.
لكن لا شيءَ يجبر الأسير أو المخطوف على الابتسام لخاطفه، وهو في سيارة الصليب الأحمر، إلا الإنسانية التي عُومل بها هؤلاء أثناء احتجازهم، لا ككيانهم البغيض الذي سلّم جنودُه أسرانا وهم محطّمون نفسيًا، ومحمّلون بالألم.
لطالما خطط الإسرائيليون لتشويه العرب، ودفعوا أموالًا طائلة، وجاءت تلك المشاهد العفوية لتدحض كذبَهم وافتراءَهم، "ويمكرون ويمكر الله، والله خير الماكرين".
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssالمصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
الجزيرة .. أكثر من نقطة نظام ..!!
(1)
:: بالجزيرة، تُعلن حكومتها عن بداية ترحيل لاجئ دولة جنوب السودان إلى معبر جودة الحدودي، و عددهم (٣.٠٠٠ )..مع الإلتزام بترحيل جميع اللاجئين غير الشرعيين…!!
:: قرار صائب، ونأمل أن تقتدي كل ولايات السودان بحكومة الجزيرة الراشدة و الواعية، والتي تعلمت دروس الحرب بعد أن تألمت منها .. ومن لم يتعلم من تجاربه لايستحق الحياة..!!
:: فاللاجئ لاجئ، و الزائر زائر، والمقيم مقيم، ولكل – فئة من الثلاث فئات- قوانين ولوائح تُنظمها ومعمول بها دولياً.. وهذه الحرب يجب أن تكون الحد الفاصل بين الفوضى و النظام، والدولة و اللادولة.. !!
:: ولقد ظلمنا أنفسنا و بلادنا بسذاجتنا المسماة بالطيبة..فإن كانت المواثيق الدولية تُلزمنا باستقبال لاجئ الجنوب وإثيوبيا و تشاد على سبيل المثال، فانها لاتُلزمنا بتحويلهم إلى مواطنين، أو كما فعلنا بغباء و ندفع الثمن فادحاً..!!
:: ومع القانون، على المجتمع حماية نفسه بالتعامل الجاد مع الأجانب.. مُستأجراً منزلك كان أو عاملاً عندك، فان هذا الأجنبي يجب أن يكون مستوفياً لشروط الاقامة والعمل، حتى لا تتفاجأ به غداراً و شريكاً في تخريب بلدك وإبادة شعبك واغتصاب حرائرك ونهب ثرواتك، او كما فعل مرتزقة إثيوبيا والجنوب و تشاد ..!!
:: يجب ضبط الوجود الأجنبي، مع حق الدولة في إستثناء جاليات من قيود المواثيق والقوانين الدولية والوطنية، وذلك باتفاقيات ثنائية تراعي مصالح السودان وحُسن الجوار ، مثل تفعيل اتفاق الحريات الأربع مع مصر ، وإبرام مثله مع إريتريا، على سبيل المثال..!!
:: و أحسنت حكومة الجزيرة عملاً.. وعاجلاً بالولايات الآمنة، و لاحقاً بعد تطهير الاخريات من الجنجويد، فان معسكرات الأمم المتحدة بالحدود هي ما يجب أن تكون مساكن لاجئ الجنوب و تشاد و إثيوبيا، على سبيل المثال..!!
(٢)
:: وبالجزيرة أيضاً كادت أن تتوغل شركة زبيدة في مشروعها الزراعي بذات توغلها في صفقات سماد البنك الزراعي الفاسدة في عهد حكومةً لصوص الثورة و عُملاء تلك المرحلة المشؤومة من تاريخ السودان..!!
:: كتبنا كثيراً عن ( زبيدة غيت)،وبارشيف هذه الصحيفة كتابات بحجم المراجع، للعزيزين عادل الباز و مزمل أبو القاسم، توثيق لعملية فساد هي الكُبرى في عهد رُسل الديمقراطية و حُماة الشفافية، أو كما كانوا زعموا وخدعوا قطيعاً ..!!
:: مارسوا ضدنا كل صنوف الابتزاز والترهيب والترغيب، و جنّدوا ضدنا سُفهاء مواقع التواصل بالأكاذيب، و لم يفلحوا في كسر أو ترويض أقلامنا.. وامتثلنا أمام النيابات والمحاكم (٦ بلاغات)، ولكنهم تهربوا من الجلسات خوفاً من أن تأخذ العدالة مجراها و تكشف وجوه اللصوص للناس ..!!
:: المهم .. لن تدخل زبيدة الجزيرة بأبوابها الخلفية كما دخلت في البنك الزراعي ..ولدينا من المعلومات ما تُطمئننا بان ما اسمتها زبيدة بمذكرة تفاهم مع مشروع الجزيرة لم تعد تصلح غير أن تكون ( بخرات و حجبات).. !!
::: و إذا أرادت زُبيدة أو خديجة أن تعمل في السودان، فهذا من حقوقها المشروعة و حقوق غيرها، ولكن يجب العمل تحت سمع وبصر القوانين التي تساوي الجميع وتكافح الفساد و تحارب محسوبية التعاقد المباشر بلا عطاء أو يحزنون ..!!
:: وبما أطلعت عليه و استمعت إليه، تأكدت بأن ادارة مشروع الجزيرة ليست على إلتزام مع شركة زبيدة في أي شيء، ولن تلتزم .. وعقودات البيع والشراء يجب أن تستوفي إجراءاتها القانونية.. عطاء مُعلن ثم منافسة شريفة – بالجودة والسعر – حتى يفوز به المستحق وليس النافذ في مراكز الفساد ..!!
(٣)
:: وبالجزيرة أيضاً سجال بين بعض أهلها وحركة العدل والمساواة حول لجنة إعمار .. وبغض النظر عما فيه يتساجلون، فإن تسييس الخدمة المدنية ولجان الخدمات – بالمحاصصة الحزبية – أمر مرفوض تماماً ..!!
:: أهل الجزيرة هم الأحق و الأجدر بإعمار ولايتهم ومشروعهم، وليس هناك ما يمنع التمثيل الحكومي في لجان الاعمار.. التمثيل الحكومي وليس الحزبي ..ولن يرفض أهل الجزيرة ومشروعها لجنة إعمار برئاسة وزير المالية أوالزراعة، لأنهما هنا يمثلان أجهزة الدولة وليس الحركة ..!!
:: ولكن المُعيب حقاً هو تمثيل كوادر في لجنة الاعمار بصفتها السياسية.. والشاهد أن حجم الاحزاب والحركات في بلادنا يكاد يقترب من حجم إنتاج مشروع الجزيرة،فلماذا العدل و المساواة فقط هي التي تٌمثّل في اللجنة؟..هذا نوع من استغلال الجهاز التنفيذي للتكسب السياسي الرخيص..!!
الطاهر ساتي
إنضم لقناة النيلين على واتساب