كيف يستعيد ماكرون مكانة فرنسا عربياً؟
تاريخ النشر: 5th, December 2023 GMT
تحدثنا في مقالنا الأخير عن المواقف المتأرجحة لسياسة ماكرون في أزمة حرب غزة - إسرائيل وتساءلنا في نهاية المقال عن دوافع هذا التأرجح في السياسة الماكرونية إزاء تلك الأزمة وأشرنا إلى موقف رئيسي وزراء إسبانيا وبلجيكا الداعم لاعتراف الاتحاد الأوروبي بقيام الدولة الفلسطينية والسعي لقبول كامل عضويتها ضمن أعضاء الأمم المتحدة.
في سياق تناولنا أسباب التذبذب في سياسة ماكرون، تساءلنا إذا ما كانت تعود لمراعاة حجم الجالية الفرنسية ذات الديانة اليهودية التي تحتل عددياً المرتبة الثانية بعد المجموعة العربية والإسلامية؟ ما الذي جعله أكثر تواطؤاً مع الجالية اليهودية الفرنسية على الرغم من أن الرئيس ماكرون في نهاية ولايته الرئاسية ولا يستطيع الترشح مجدداً.
والسؤال المطروح هنا هل هناك فعلاً سياسة عربية أم سياسة شرق أوسطية يشكل العالم العربي جزءاً منها؟ وهل لهذا السبب جاء عنوان المقال حتى يستعيد ماكرون مكانة فرنسا عربياً ولم يتم عنونة المقال حتى يستعيد زخم سياسة فرنسا العربية؟ ما زلت أتذكر فترة الدراسة في باريس لمادة العلاقات الدولية حين طرح البعض في عهد الجنرال ديغول توصيف سياسته بأنها سياسة موالية للعرب، وعقبت حينها على ذلك بأنها سياسة تحقيق مصالح فرنسا في العالم العربي وليست سياسة موالية للعالم العربي! التي تتفاوت درجاتها واهتماماتها من بلد عربي إلى آخر، ومن زعيم فرنسي إلى زعيم آخر.
وبخصوص حرب غزة وموقف فرنسا منها وتداعياتها في علاقتها بإسرائيل، تذكرت الاختلاف الجوهري بين موقف فرنسا في عهد الجنرال ديغول وبين موقفها حالياً في عهد الرئيس ماكرون. بالطبع المقارنة والمقاربة هنا بين الشخصيتين من زاوية منصبهما لرئاسة فرنسا وليس على مستوى مكانتهما في تاريخ فرنسا والعالم. في حرب يونيو (حزيران) 1967 أدان ديغول إسرائيل لمبادرتها بالهجوم. وقد كلفه هذا الموقف انتقادات حادة من قبل بقية السياسيين الفرنسيين، وشنت وسائل الإعلام والرأي العام انتقادات عديدة، من بينها اتهامات بمعاداة السامية، وفي المؤتمر الصحافي الذي عقده أثارت بعض أجزاء من خطابه ردود فعل عنيفة عند حديثه عن نشوء إسرائيل وخشية البعض، حسب ما ذكره الجنرال، «من أن اليهود الذين كانوا حتى ذلك الحين مُشتّتين والذين بقوا، مثلما كانوا في كل الأزمنة، شعباً نخبوياً، واثقاً من نفسه ميالاً للسيطرة، وسيحاولون تحقيق أمانيهم... مع طموح جامح ونزعة للغزو حالما يتجمعون في مواقع مجدهم الغابر». وقد استنكر كثيرون من أبرز المفكرين والكتاب تلك العبارات، وتذكرت عند إعداد المقال أنني اشتريت حينها كتاب الكاتب الكبير ريمون أرون المعنون «ديغول - إسرائيل - واليهود» (طبعة 1968)، إذ عبّر في البداية عن أنه لم يكن يرغب في إصدار الكتاب لو قام بالرد على ما قاله الجنرال ديغول كل من أدباء فرنسا الكبار أمثال فرنسوا مورياك، وأندريه مالرو، ولأنهم لم يفعلوا قام هو بالرد على تلك الكلمات المسيئة لليهودية والسامية التي لا تليق برئيس دولة أن يقولها، ولم يسبق أن قال مثله أي زعيم غربي، خصوصاً اختصاره في تعريفه الشعب اليهودي بوصفه «شعباً نخبوياً، واثقاً من نفسه ميالاً للسيطرة». وتميز عهد الرئيس ماكرون عن حكم وشخصية الجنرال ديغول، فقد تبنى النواب الفرنسيون في الجمعية العامة (مجلس النواب) في الأسبوع الأول من ديسمبر (كانون الأول) 2019 نصاً يوسع تعريف معاداة السامية ليشمل معاداة الصهيونية أيضاً وفق ما تعهد به سابقاً الرئيس ماكرون أمام المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية في فرنسا في فبراير (شباط) في العام نفسه. والآن مع أحداث غزة، أكد ماكرون مواقفه «المتأرجحة» بالامتناع عن المشاركة في مظاهرة كبرى في باريس المنددة بمظاهر معادة السامية التي انتشرت مؤخراً. وخلافاً لرفض ديغول التراجع عما صرح به حول اليهودية وإسرائيل، فإن ماكرون بعد إدانته ما قامت به إسرائيل في غزة في تصريحاته لـ«بي بي سي» البريطانية تراجع عن حدتها وسعى إلى تخفيف وقعها في اتصال هاتفي مع نظيره الإسرائيلي، موضحاً أنه لم تكن لديه نية اتهام إسرائيل بتعمد إيذاء المدنيين عمداً في غزة.
والسؤال كيف يمكن للرئيس ماكرون استعادة مكانة فرنسا في العالم العربي؟ الإجابة عن هذا التساؤل طرحتها عدد من الشخصيات الفرنسية البارزة في مقال نشرته مؤخراً صحيفة «اللوموند» بأن «تطلب فرنسا دعم دخول مفتشين من محكمة الجنايات الدولية إلى غزة للتحقيق في الجرائم المرتكبة فيها»، التي يجب عدم السماح لمرتكبيها بالإفلات من العقوبة. فمثلما دعم الرئيس ماكرون طلب محاكمة الرئيس بوتين في حربه ضد أوكرانيا عليه الآن ألا يكتفي في أزمة غزة ببيانات تنديد من دون مساءلة قانونية، والعمل لرفع الحصار بشكل كامل عن غزة.
والمطلب الثاني أطرحه هنا بأن يقوم الرئيس ماكرون بالتنسيق مع رئيسي وزراء إسبانيا وبلجيكا باقتراح تبني الاتحاد الأوروبي مطلب السلطة الفلسطينية بقبول عضويتها كاملة في الأمم المتحدة من جهة، ومن جهة أخرى ترجمة عملية لمطلب القوى الكبرى بحل الدولتين، وأيضاً على الأقل أن يتم تفعيل القرار 181 للأمم المتحدة لعام 1947، الذي للأسف تم رفضه حينها من الدول العربية. ولأن فرنسا هي من بين الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، ومن المعتقد أن روسيا والصين لن تعترضا على هكذا مشروع، وربما الولايات المتحدة وبريطانيا قد توافقان على الفكرة ذاتها، فهل يفعلها الرئيس ماكرون ليخلد تاريخياً؟
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: التغير المناخي أحداث السودان سلطان النيادي غزة وإسرائيل الحرب الأوكرانية عام الاستدامة غزة وإسرائيل ماكرون الرئیس ماکرون فرنسا فی
إقرأ أيضاً:
مكالمة جمال عبد الناصر والقذافي المسربة تثير جدلا عربيا وعالميا / شاهد
#سواليف
اشتعلت وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإخبارية في الساعات الماضية، بـ”مكالمة جمال عبد الناصر والقذافي” المسربة، التي أثارت جدلًا عربيًا وعالميًا غير مسبوق، خصوصًا وأنها تناولت في طياتها #القضية_الفلسطينية، التي عُرف الرئيس المصري الراحل #جمال_عبدالناصر في الأوساط المصرية والعربية، بأنه “الزعيم العربي الأول” في الدفاع عنها.
مكالمة جمال عبد الناصر والقذافي
وفي تفاصيل #مكالمة جمال عبد الناصر و #القذافي، نشرت قناة “Nasser TV” على موقع “يوتيوب” الشهير، مكالمة جرت بين الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر والرئيس الليبي الراحل معمر القذافي، تناولت تفاصيل عن القضية الفلسطينية و #الصراع مع #إسرائيل.
وبحسب المعلومات المتداولة، يعود تاريخ مكالمة عبد الناصر والقذافي إلى 3 أغسطس من العام 1970، أي قبل نحو 5 أسابيع فقط على وفاة الزعيم المصري في تاريخ 28 سبتمبر من العام 1970. وجاء في تصريحات عبد الناصر في هذه المكالمة التي حصدت حتى هذه اللحظة 160 ألف مشاهدة:
الدخول مع إسرائيل في صراع عسكري جديد، يعني حدوث “نكبة جديدة” تشبه ما حدث في العام 1948 عند قيام إسرائيل، إذا نظرنا إلى تفوق تل أبيب العسكري الضخم، جويًا وبريًا.
ليس من المنطقي الحديث عن استعادة “أراضي 48” كافة، أو عدم الانفتاح على حلول “جزئية”، بهدف استعادة ما قامت إسرائيل باحتلاله في العام 1967.
أنا مستعد لتقديم الدعم المالي إذا اتفقت العراق والجزائر وليبيا واليمن الجنوبي وسوريا على حشد القوات والدخول في الحرب ضد تل أبيب.
جدل واسع
وفي السياق، أشعلت مكالمة جمال عبد الناصر والقذافي جدلًا سياسيًا واسعًا على مواقع التواصل الاجتماعي وخصوصًا في صفوف مناصريه، الذين قالوا إنّ “الرئيس المصري لطالما كان معروفًا ومشهورًا بمواقفه الداعمة للقضية الفلسطينية والداعية إلى الوحدة العربية لمواجهة إسرائيل”.
وعلى المقلب الآخر، تعالت بعض الأصوات على وسائل التواصل الاجتماعي، التي علقت بالقول: “إنّ هذه المكالمة تغيّر من الموقف التاريخي للرئيس الراحل جمال عبد الناصر من الصراع العربي-الإسرائيلي”، الأمر الذي أثار غضب مناصريه الذين أشعلوا وسائل التواصل الاجتماعي بمنشورات استذكروا فيها مواقفه التاريخية في دعم القضية الفلسطينية.
بدورهم، اعتبر بعض رواد مواقع التواصل أنّ التصريحات التي جاءت في المكالمة ليست بجديدة، وأنّ الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، كان متمسكًا برفض إنشاء ما يُسمى بـ”منطقة منزوعة السلاح في صحراء سيناء”، أو ورفض التوقف عن الدفاع عن القضية الفلسطينية، فيما تساءل العديد عن المغزى من نشر هذا التسجيل المسرب في هذا الوقت الحساس التي تشهده المنطقة من صراعات، وعن الجهة التي تقف وراء هذه الخطوة.
بيان مكتبة الإسكندرية
وبعد نشر التسريب بساعات أصدرت مكتبة الإسكندرية بيانا أعلنت فيه أنها غير مسؤولة عن أي مواد متداولة عبر وسائل الإعلام، ووسائل التواصل الاجتماعي، تخص الرئيس الراحل جمال عبدالناصر بخلاف الموقع الرسمي له، والذي كان نتاج تعاون منذ العام 2004 بين المكتبة و”مؤسسة جمال عبد الناصر”، برئاسة ابنته هدى عبدالناصر.
وقالت إنه تم إهداء المواد الرقمية الموجودة بالموقع من المؤسسة إلي مكتبة الإسكندرية، مضيفة أنها قامت بتنفيذ الجانب التقني بهدف الحفاظ على الإرث الثقافي والسياسي للرئيس الراحل، وإتاحته للأجيال القادمة.
ونفت المكتبة مسؤوليتها عن أي محتوى تم نشره عبر قنوات التواصل الاجتماعي، كما نفت أي مزاعم تشير إلى ملكية المكتبة لهذه الصفحات.
وأكدت المكتبة أنها لا تتبنى أو تروج لأي محتوى لا يتماشى مع مهمتها الأكاديمية والبحثية، معلنة التزامها بأعلى معايير المهنية في التعامل مع التاريخ السياسي.
في السياق ذاته، تحدث عبد الحكيم عبدالناصر نجل الرئيس الراحل لـصحيفة “الشروق” المصرية، وقال إن المحادثات ليست تسريبا وتسجيلها ومحاضرها متاحان في مكتبة الإسكندرية، مضيفا أن محضر اللقاء موجود في مكتبة الإسكندرية منذ أن قامت أسرة عبدالناصر بإهدائها العديد من أوراق عبد الناصر الخاصة والعامة.
وكشف عبدالحكيم عبدالناصر أن المحادثة كشفت أن عبدالناصر كان رجل دولة وليس زعيما حنجوريا كما يعتقد البعض، مشيرا إلى أن التسجيل لا يقلل من قيمة عبدالناصر، كما يكشف أن الرئيس الراحل لم يكن مستعدا للتضحية بشعبه وشباب القوات المسلحة مقابل زعامة وهمية.