الثورة/إبراهيم الاشموري
كل الأرقام القياسية السوداء والسلبية فيما يتعلق بالجرائم والانتهاكات وسفك الدماء حطمها الكيان الصهيوني خلال عدوانه الوحشي المتواصل على قطاع غزة بدعم أمريكي غربي مفضوح.
وتخطى عدد قتلى الصحفيين جراء الهجمات “الإسرائيلية” على قطاع غزة في أقل من شهرين، حصيلة قتلاهم خلال الحرب العالمية الثانية (1939-1945) التي راح ضحيتها عشرات الملايين وتوصف بالحرب الأكثر دموية في التاريخ الحديث.


ويواصل جيش الاحتلال الإسرائيلي، استهداف المدنيين والصحفيين وعائلاتهم في قطاع غزة منذ 7 أكتوبر رغم اعتبار الاستهداف المتعمد للصحفيين والمدنيين جريمة حرب بموجب القانون الإنساني الدولي.
منظمة مراسلون بلا حدود أعلنت، في مطلع نوفمبر المنصرم، تقدمها بطلب لدى المحكمة الجنائية الدولية للتحقيق في جرائم الحرب المرتكبة ضد الصحفيين خلال ما أسمته العنف الإسرائيلي في فلسطين.
قوات الاحتلال الصهيوني كانت قد أكدت في بيان تناقلته وكالات الأنباء العالمية خلال الأيام الأولى لحربها على غزة، أنها “لا تستطيع ضمان سلامة الصحفيين العاملين في قطاع غزة”، علاوة على فرض الجيش “الإسرائيلي” رقابة على الأخبار المتعلقة بغزة في رسالة بعثها إلى وسائل الإعلام في 26 أكتوبر/تشرين الأول.
وبحسب المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة، فقد ارتفع عدد الصحفيين القتلى جراء الحرب العدوانية الإسرائيلية على القطاع إلى 73، حتى مساء يوم الجمعة الماضي، حيث أن صحفيا واحدا على الأقل قتل على أيدي القوات الاحتلال كل يوم في فلسطين ولبنان منذ بداية العدوان.
وجاء استهداف الجيش الصهيوني للصحفيين، رغم أنهم يتمتعون بالحصانة بموجب القوانين الدولية، ويسعون إلى إيصال جرائم الحرب وهجمات الإبادة الجماعية في غزة إلى العالم.
ويفوق عدد الصحفيين الذين قتلتهم القوات الصهيونية في قطاع غزة خلال شهرين تقريبا، عدد الإعلاميين الذين قتلوا في الحرب العالمية الثانية (1939-1945) وحرب فيتنام (1955-1975) والحرب الكورية (1950-1953).
ووفقا لمؤسسة “منتدى الحرية”، مقرها واشنطن وتدافع عن حرية الصحافة، فقد 69 صحفيا حياتهم خلال 6 سنوات خلال الحرب العالمية الثانية، التي أودت بحياة عشرات الملايين من البشر، والمعروفة بأنها الحرب “الأكثر دموية” التي يشهدها العالم الحديث.
كما فقد 63 صحفيا حياتهم في الحرب خلال الاحتلال الأمريكي لفيتنام، الذي استمر قرابة 20 عاما، كما فقد 17 صحفياً حياتهم في الحرب الكورية التي استمرت 3 سنوات، وفق “منتدى الحرية”.
وبحسب لجنة حماية الصحفيين، ومقرها نيويورك، فقد 17 صحفيا حياتهم خلال الحرب الروسية الأوكرانية منذ فبراير 2022م.
واتجهت دولة الاحتلال إلى تعمد استهداف الصحفيين منذ بدء عدوانها على قطاع غزة ولبنان في 7 أكتوبر الماضي.
كما تعرض الصحفيون لحالات كالاعتقال والرقابة وقتل أفراد عائلاتهم على يد الاحتلال خلال الفترة نفسها.
ففي 13 أكتوبر الماضي، استهدف الجيش الإسرائيلي منزل المصور الصحفي بوكالة “الأناضول” علي جادالله في غزة، فقد فيها جادالله ما لا يقل عن 8 أفراد من أسرته بمن فيهم والده وإخوته.
وفي التاريخ نفسه، فقد مصور وكالة “رويترز” عصام عبدالله في لبنان حياته، وأصيب 6 إعلاميين جراء استهدافهم من قبل القوات الصهيونية جنوبي لبنان.
إلى ذلك أكدت منظمة “مراسلون بلا حدود”، في تحقيقاتها بالحادثة، تعمد القوات “الإسرائيلية” استهداف الصحفيين رغم وضعهم إشارة “صحافة” على ملابسهم.
كما قتل عدد من أفراد أسرة مراسل قناة “الجزيرة” وائل الدحدوح جراء هجوم نفذه الجيش “الإسرائيلي” على قطاع غزة في 23 أكتوبر، فراح ضحيته زوجته وابنه وابنته وحفيده البالغ من العمر 18 شهرا.
وفي القصف الذي استهدف مدينة خان يونس في الأول من نوفمبر المنصرم قُتل مراسل التلفزيون الفلسطيني محمد أبوحطب و11 فردا من عائلته.
وفي قصف إسرائيلي يوم 5 نوفمبر فقد مصور “الأناضول” محمد العالول أبناءه الأربعة، وثلاثة من إخوته.
وفي 21 من الشهر ذاته، قُتلت مراسلة قناة “الميادين” فرح عمر، والمصور ربيع المعماري، جراء غارة جوية صهيونية في بلدة طيرحرفا خلال متابعتها التطورات على الحدود اللبنانية الإسرائيلية.
كما قتلت الصحفيتان آلاء طاهر الحسنات، وآيات خضورة جراء قصف “إسرائيلي” على غزة، فيما حفرت في الأذهان اللحظات الأخيرة للصحفية آيات خضورة مراسلة قناة “الغد”، حينما ظهرت في آخر ظهور لها وقالت: “قد يكون هذا الفيديو الأخير”.
وقُتل مدير رابطة بيت الصحافة الفلسطيني بلال جادالله، من بين أكثر الصحفيين المرموقين في غزة، جراء قصف إسرائيلي بالدبابات في حي الزيتون خلال توجهه نحو جنوب غزة.
وبعد انتهاء “الهدنة الإنسانية” واستئناف الجيش الصهيوني عدوانه على قطاع غزة في الأول من ديسمبر قتل 3 صحفيين في يوم واحد، بينهم مصور وكالة “الأناضول” منتصر الصواف، الذي كان قد فقد والدته وأباه والعديد من أقاربه في هجوم “إسرائيلي” يوم 18 نوفمبر الماضي وأصيب هو حينها بجروح.
وفي معرض استهداف قوات الاحتلال الإسرائيلي الصحفيين والمؤسسات الإعلامية، تدمرت مكاتب صحيفة “الأيام” و”إذاعة غزة” ووكالة “شهاب” للأنباء، ووكالة “معا” الفلسطينية، وكتب قناة “برس تي في”، وقناة “العالم” الإيرانيتين، ومكتب الوكالة الفرنسية كليا أو جزئيا.
وعلى صعيد متصل، أعلن اتحاد الصحفيين الفلسطينيين، في بيان يوم 28 نوفمبر المنصرم عن اعتقال 41 صحفيا منذ 7 أكتوبر/ ولم يطلق سراح سوى 12 منهم لاحقا بعد فترات اعتقال مختلفة.
وحسب الاتحاد، فإن 44 صحافيا فلسطينيا ما زالوا يقبعون في السجون الصهيونية.

المصدر: الثورة نت

إقرأ أيضاً:

من يقتل الحقيقة لا يحق له أن يكتب التاريخ

أول ما تفكر الحروب في استهدافه هو الحقيقة، ومنذ زمن بعيد أدرك صناع الحروب أن إسكات الكلمة وقتل الصحفيين هو السبيل الأنجح لطمس الجرائم ومحو آثارها من الذاكرة الجماعية. فالصحفي في مثل هذه الحالة، هو العدو الأخطر لمن يريد أن يروي الحرب كما يشتهي، لا كما حدثت.

ولم يعد قتل الصحفيين في الحرب الظالمة التي تشنها دولة الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة حادثا عرضيا أو خطأ غير متعمد ولكن، دون أدنى شك، سياسة ممنهجة لطمس الأدلة وإخضاع الوعي العالمي لسرديات المحتل الزائفة.

لكنّ الطموح الإسرائيلي المبني على الإيمان المطلق بالسردية الذاتية، يبدو أنه يتلاشى تمامًا بعد أكثر من 19 شهرا على بدء مجازر الاحتلال في قطاع غزة والذي راح ضحيته أكثر بكثير من 52 ألف فلسطيني بينهم عشرات الآلاف من الأطفال والنساء، ولكل منهم قصته وحلمه وطموحه ومساره في هذا العالم.. فما زال صوت الحقيقة، ولو عبر ثقوب صغيرة جدا، يتسرب إلى العالم ويملك قوة تهشيم السردية الإسرائيلية، وصناعة الدهشة، وتحريك الضمائر الحرة في كل أنحاء العالم.

واغتالت يد الغدر الإسرائيلية منذ بدء الحرب أكثر من211 صحفيا، بعضهم تم استهدافه على الهواء مباشرة، وبعضهم رآه العالم وهو يحترق في خيمة الصحفيين حتى الموت، وهو عدد ضخم جدا في حرب واحدة لم تكمل بعد العامين. ولكل صحفي من هؤلاء حكايته التي لا نعرفها، وهو منشغل بنقل حكايات الآخرين من ضحايا الحرب، وله حلمه الذي ينتظر لحظة أن تضع الحرب أوزارها ليذهب نحو تحقيقه.. وكل جرائم هؤلاء أنهم اختاروا أن يكونوا شهودًا على الحقيقة، لا صامتين على الجريمة.

لم تكن الرواية يومًا كما يدعي الإسرائيليون، لكن الأمر كان، منذ الصحفي الأول الذي سقط ضحية للحقيقة، ممنهجا في سبيل احتكار الاحتلال للرواية، ليكتب الحرب وحده دون صور تُوثق أو أقلام تسائل ما يحدث أمام سطوة التاريخ التي لن ترحم في يوم من الأيام.. ويريد أن يحرق الحقيقة كما حرق أجساد الصحفيين، وأن يُطفئ العدسات كما يُُطفئ الحياة في عيون الأطفال.. تماما كما يستهدف المسعفين، ويدمر المستشفيات، ويقصف المدارس والجامعات.. إنه يستهدف، وفي كل مرة، شهود الجريمة أنفسهم.

وهذا ليس صادما لمن يفهم الاحتلال الإسرائيلي؛ فهو ينطلق دائمًا من مبدأ نزع الإنسانية عن الفلسطينيين، وعقدة الاستثناء التاريخي من القوانين والأخلاقيات والمبادئ، وفصل جرائمه ضد الفلسطينيين، عن التقييم الأخلاقي والقانوني. ولذلك لا غرابة أن يعمد الاحتلال الصهيوني إلى اغتيال الحقيقة وإطفاء الأضواء في زمن الظلام؛ فالعمل الصحفي في نظره فعل مقاومة لأنه يعمل على كشف حقيقة ما يقوم به وفضح سردياته الملطخة بدماء الأبرياء.

رغم ذلك ورغم كل المحاولات الإسرائيلية لإسكات الحقيقة عبر اغتيال أبطالها وحرقهم بالنار تبقى «الحقيقة» آخر جدار للصمود، ويبقى الصحفيون في غزة هم حراس هذا الجدار، يكتبون بالدم ويصورون بالألم وصراخهم صدى لآلاف الضحايا الذين قضوا دون أن نسمع لهم صوتا أو أنينا. ولن تستطيع إسرائيل أن تصدّر سردياتها للعالم فقد كشف أمرها تماما، ومن يقتل الحقيقة لا يحق له أن يكتب التاريخ.

مقالات مشابهة

  • يوم دام جديد خلف شهداء وجرحى جراء القصف الإسرائيلي على غزة
  • 180 شهيداً وجريحاً بمجازر نازية جديدة ارتكبها كيان الاحتلال الإسرائيلي في غزة خلال الساعات الـ24 الماضية
  • ارتفاع عدد الصحفيين المعتقلين إلى 49 منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة
  • ما هو صاروخ “بار” الذي استخدمه الاحتلال لأول مرة في غزة؟
  • حماس : جلسة “العدل الدولية” خطوة لمحاسبة الاحتلال الإسرائيلي على جرائمه المتواصلة في غزة
  • من يقتل الحقيقة لا يحق له أن يكتب التاريخ
  • محكمة العدل الدولية تبدأ غدا الإثنين النظر في قرار حظر الاحتلال الإسرائيلي أنشطة “الأونروا”
  • غدا.. محكمة العدل الدولية تبدأ النظر في قرار حظر الاحتلال الإسرائيلي أنشطة “الأونروا”
  • “القسام” تستهدف دبابة وقوة للاحتلال شرق غزة
  • غرفة تجارة غزة: إغلاق “إسرائيل” للمعابر رفع أسعار السلع الغذائية 500%