علي ابوحبله: ما يمدح السوق إلا من ربح فيه؟
تاريخ النشر: 12th, July 2023 GMT
المحامي علي ابوحبله
تستوقفنا العديد من المواقف والتصريحات لمسئولين وغيرهم ممن يتصفون بصفة ” المادحين ” يسارعون إلى مدح من يرون أنه سبب في تحقيق مصالحهم وتحقيق مغانم ومكاسب استحوذوا عليها بوجه غير محق ! ولهذا وضعت عنوان المقال كما يقول مثلنا الشعبي «ما يمدح السوق إلا من ربح فيه»، لأننا نعيش زمن المدح والمداحين، وأقل ما يقال أنه زمن الرويبضه زمن يكذب فيه الصدق ويصدق الكاذب ويؤتمن فيه الخائن ويخون فيه.
وفي هذا جاء حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: «اذا رأيتم المداحين فاحثوا في وجوههم التراب» رواه مسلم، وهو حديث صحيح وتطبيقه صعب هذه الأيام بعد أن أصبح النفاق سمة بارزه وكثر المداحون، فأصبح الغالب السكوت عن المادح، فلا توبيخ على الأقل ولا حتى رد أو تفنيد لما يقوله هذا أو ذاك.
المقصود من هذا عدم المبالغة والكذب في المدح، وليس كل مادح يحثى في وجهه التراب، انما يحثى في وجوه المداحين! ومداح صيغة مبالغة أي من يكثر منه.
سلف هذه الأمة، رضي الله عنهم، كان اذا بلغ أحدهم المدح قال: «اللهم اغفر لي ما لا يعلمون ولا تؤاخذني بما يقولون، واجعلني خيرا مما يظنون».. الله أكبر، اقرءوا وتمعنوا في الألفاظ والجمل ومعانيها، وبعضهم كان يبكي مما قاله المداحون عنه,
وتذكر إذا سمعت الرجل يقول فيك من الخير ما ليس فيك، فلا تأمن ان يقول فيك من الشر ما ليس فيك ، في هذه الحياة أناس هم حقا عظماء يعملون ويعملون لأجل الصالح العام ولا يضيرهم في هذا من يمدحهم ولا يعيرون المدح التفاتة ويواصلون رسالتهم كما هم دون تأثر بهذا الإطراء,
المداحون “المنافقون” موجودون قدم التاريخ، وهؤلاء المداحون يسارعون الى مدح من يرون انه سبب في تحقيق مصالحهم، فلا يضيعون الفرصة ولو على حساب دينهم، فيمدحون الناس بما ليس فيهم بألفاظ منمقة وبعبارات «غلو» مرفقة، وكأن الدنيا بين أيديهم معلقة!
وقفت أمام قصائد المتنبي في مدح سيف الدولة الحمداني:
وقفت وما في الموت شك لواقف
كأنك في جفن الردى وهو نائم
تمر بك الأبطال كلمى هزيمة
ووجهك وضاح وثغرك باسم
تجاوزت مقدار الشجاعة والنهى
إلى قول قوم أنت بالغيب عالم
ويبقى السؤال هل من يجرؤ ليقول الحقيقة ويقف في وجه المادح المنافق والمراوغ يعترض على ما يقول من كذب وافتراء ويقارعه بالحجة والبيان ليدحض أقوال المديح وهي في غير موقعها الصحيح ، هذا الحال من التردي الذي بتنا نعيشه هو بكثرة المداحين من أصحاب المصالح والمكاسب والمغانم وقد أصبح وجودهم مطلبا وقربهم من أصحاب النفوذ بلسما ولو على حساب الحقيقة التي تصب في قناة الصالح العام.
كاتب فلسطينيالمصدر: رأي اليوم
إقرأ أيضاً:
هل يفقد الفن الساخر رسالته عندما يصبح تجاريًا؟
الفن الساخر هو أحد أشكال التعبير الفني التي تتسم بقدرتها على نقد المجتمع والسياسة والثقافة بشكل هزلي ومرير في آن واحد. لطالما كان الفن الساخر وسيلة فعّالة للتساؤل عن الواقع، وتوجيه نقد لاذع للحكومات، الممارسات الاجتماعية، القيم السائدة، والأنماط الفكرية التقليدية. ومع مرور الوقت، أصبح هذا الفن يشكل أداة قوية لفتح النقاشات الحادة والجدلية. لكن، ومع تحول الساحة الفنية في العصر الحالي إلى صناعة متسارعة ومتطلبات السوق التي لا تنتهي، ويبرز الفجر الفني في هذا المقال عن هل يفقد الفن الساخر رسالته الأصلية عندما يصبح جزءًا من المنظومة التجارية؟ وهل يمكن للفنان الساخر أن يحافظ على صدقه الفني في ظل ضغوط الربح والجمهور؟
الفن الساخر: أداة نقدية ضد الاستبداد والفسادمنذ العصور القديمة، كان الفن الساخر وسيلة لتوجيه النقد الاجتماعي والسياسي، سواء عبر المسرحيات الهزلية في اليونان القديمة أو الكاريكاتير الصحفي في العصر الحديث. الفنان الساخر لا يعبر فقط عن ذاته أو أفكاره، بل يهدف إلى تحفيز المتلقي على التفكير النقدي وفتح النقاشات حول القضايا الراهنة. ففي المجتمع العربي، على سبيل المثال، لعب الفن الساخر دورًا مهمًا في مواجهة الاستبداد السياسي وفضح الممارسات الفاسدة في العديد من الدول.
الفن الساخر لا يُختزل في مجرد الهزل أو السخرية من المواقف والأشخاص، بل هو أداة تحريضية تسعى لإحداث تغيير اجتماعي. وغالبًا ما يكون هذا الفن موجهًا إلى طبقات اجتماعية معينة أو إلى الحكومة، مستهدفًا مساحات تتسم بالظلم الاجتماعي أو الاقتصادي.
التجارة والفن الساخر: هل يظل نقديًا؟مع تحول السوق الفنية إلى نشاط تجاري يعتمد على البيع والشراء والمبيعات الضخمة، يواجه الفن الساخر تحديًا كبيرًا في الحفاظ على رسالته النقدية. في العالم اليوم، أصبح الفنان الساخر بحاجة إلى تحقيق مبيعات كبيرة ونجاح جماهيري ليتمكن من الاستمرار في حياته المهنية. لذلك، قد يتأثر الفن الساخر عند اندماجه في السوق التجارية التي تضع في اعتبارها عادة رغبات الجمهور وميله للترفيه أكثر من النقد الجاد.
العديد من الفنانين الذين كانوا في السابق يعبرون عن آراء جريئة في أعمالهم، باتوا الآن يُطالبون بتقديم فن "آمن" وأكثر توافقًا مع التوجهات الشعبية لجذب أكبر عدد ممكن من المتابعين والمشترين. هذا التحول يثير تساؤلات حقيقية حول ما إذا كان الفن الساخر لا يزال يؤدي دوره كأداة للانتقاد والوعي المجتمعي أم أنه أصبح مجرد سلعة تجارية لا تخرج عن نطاق الرغبات الاستهلاكية.
الفن الساخر بين "الشعبية" و"الرسالة"
في ظل المنافسة الشرسة على مشاهدات السوشيال ميديا والمبيعات التجارية، أصبح الفن الساخر يواجه ضغطًا متزايدًا ليُقدم أعمالًا تواكب الذائقة الشعبية بدلًا من أن تحافظ على مستوى عالٍ من الجدية في النقد. العديد من الفنانين الساخرين الذين بدأوا مشاريعهم الفنية بهدف نقد الواقع والمجتمع، انتهوا إلى تقديم محتوى بسيط يتماشى مع تفضيلات الجمهور الواسع.
المشكلة تكمن في أن هذا النوع من الفن الساخر قد يتعرض لتغييرات في محتواه عند تدخله في آليات السوق. فالفنان الساخر الذي يركز على جذب الانتباه بأعمال سهلة الفهم أو خفيفة لا يُمكنها دائمًا تقديم رسائل جادة. هذا الاتجاه قد يؤثر بشكل مباشر على جودة العمل ويقلل من فعاليته كأداة مؤثرة للتغيير.
وفي هذا السياق، ظهرت ظاهرة "الفن الساخر التجاري"، التي تمزج بين الترفيه والنقد في محاولة لجذب جمهور عريض. على سبيل المثال، بعض الأعمال الكوميدية الساخر التي تُعرض في البرامج التلفزيونية أو على منصات الإنترنت قد تفتقر إلى الجرأة أو العمق في النقد، في حين تركز أكثر على تقديم مادة ترفيهية قد تُلقى قبولًا واسعًا، لكنها قد تفتقر إلى التأثير الاجتماعي أو السياسي المطلوب من الفن الساخر.
هل التوفيق بين التجارة والفن الساخر ممكن؟بعيدًا عن الصورة السلبية للفن الساخر التجاري، يمكن للعديد من الفنانين التوفيق بين الحفاظ على رسالتهم النقدية مع تلبية متطلبات السوق. هناك العديد من الأمثلة على فنانين استطاعوا الجمع بين التسلية والنقد الاجتماعي في أعمالهم، بحيث تبقى الجدية النقدية حاضرة دون التفريط في جذب الانتباه. هؤلاء الفنانون غالبًا ما يختارون طرقًا مبتكرة لطرح قضايا المجتمع والسياسة بشكل يسهل وصوله إلى أكبر عدد من المتابعين دون المساس بجوهر الرسالة.
من جهة أخرى، يعكس نجاح الفن الساخر في هذا الإطار نجاح الفنان في استخدام الأدوات التجارية الحديثة (مثل منصات السوشيال ميديا) بطريقة ذكية. بدلًا من الانجراف نحو الفن الهادف إلى الربح السريع، هؤلاء الفنانون يسعون لدمج الفن مع الترفيه بشكل يساهم في تحفيز الفكر النقدي، ويطرح قضايا هامة للجمهور بشكل سلس وساخر.