بيان حد الوجه الواجب غسله في الوضوء
تاريخ النشر: 5th, December 2023 GMT
يسأل الكثير من الناس عن بيان حد الوجه الواجب غسله في الوضوء اجابت دار الافتاء المصرية وقالت مِن المقرر شرعًا أن الوضوءَ شرطٌ مِن شروط صحة الصلاة، وأن غسل الوجه ركن مِن أركانه لا يصح إلا به؛ وقد ثبت ذلك بالكتاب والسُّنَّة والإجماع.
فمن الكتاب قوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ﴾ [المائدة: 6].
ومن السُّنَّة ما أخرجه الشيخان عن عثمان ابن عفان رضي الله عنه، أنَّه دعا بوَضُوء، فأفرغ على يديه من إنائه، فغسلهما ثلاثَ مراتٍ، ثم أدخل يمينه في الوضوء، ثم تمضمض واستنشق واستنثر، ثُمَّ غسل وجهه ثلاثًا، ويديه إلى المرفقين ثلاثًا، ثم مسح برأسه، ثم غسل كلَّ رِجلٍ ثلاثًا، ثم قال: رأيتُ النبي صلى الله عليه وآله وسلم يتوضأ نحو وُضُوئي هذا، وقال: «مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لاَ يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ».
وقد نُقل الإجماع على أن غسل الوجه فرضٌ من فرائض الوضوء؛ قال الإمام ابن عبد البر المالكي في "التمهيد" (4/ 31، ط. أوقاف المغرب): [العلماء أجمعوا على أن غسل الوجه واليدين إلى المِرْفقين والرِّجْلين إلى الكعبين ومسح الرأس فرض ذلك كله.. لا خلاف علمته في شيء من ذلك] اهـ.
حَدُّ الوجه الواجب استيعابه بإسالة الماء عليه في الطهارة: إنما يكون من منبت الشَّعَر إلى الذقن طولًا، وما بين شَحْمَتي الأذنين عرضًا.
قال العلامة شيخي زاده الحنفي في "مجمع الأنهر" (1/ 10، ط. دار إحياء التراث العربي): [(والوجه ما بين قُصَاص الشعر) هذا باعتبار الغالب؛ لأن حَدَّ الوجه في الطول من مبدأ سطح الجبهة إلى الذَّقن سواء كان عليه شَعْر أو لا.. (وأسفل الذَّقَن) هذا حده طولًا، والذَّقن -بالتحريك- مجتمع اللَّحْيَيْن جمعه أذقان. (وشَحْمَتي الأذنين) هذا حَدُّه عرضًا، الشَّحْمة مُعلَّق القُرط، وإنما زاد لفظ الشَّحْمة إدخالًا لما بين العِذار وشَحْمة الأذن في حَدِّ الوجه مطلقًا] اهـ.
وقال العلامة الحطَّاب المالكي في "مواهب الجليل" (1/ 185، ط. دار الفكر): [قال الفاكهاني: والجبهة ما أصاب الأرض في حال السجود، والجَبِينَان ما أحاط بها من يمين وشمال، والعارضان والعَنْفَقَة وأهداب العين والشارب، كلُّ ذلك من الوجه] اهـ.
ويفهم من ذلك أن ظاهر العين من أهداب وجفون داخل قطعًا في حدود الوجه التي يجب أن يستوعبها الماء في الطهارة من الحدث، وعلى هذا اتفق الفقهاء، وأهداب العين جمع هُدْب وهو: الشعر النابت على حرف الجفن. كما في "طِلبة الطلبة" للعلامة النسفي (ص: 165، ط. المطبعة العامرة).
والأجفان: غِطَاء العين وما يظهر عند إغماضها، كما في "لسان العرب" (13/ 89، ط. دار صادر). وممَّا سبق يُعلَم الجواب عما جاء بالسؤال.
المصدر: بوابة الوفد
إقرأ أيضاً:
الوجه الآخر للمأساة
واصل الإسرائيليون حربهم على غزة طوال خمسة عشر شهرًا، وهي الحرب التي استشهد فيها ما يزيد على خمسين ألفًا، ومائة ألف من الجرحى وتدمير ما زاد عن ثمانين في المائة من المباني، سقط معظمها على ساكنيها، لم يتورع الإسرائيليون عن استهداف المستشفيات التي دُمر معظمها واستشهد مئات من المرضى، كما استهدفوا المدارس والجامعات التي تعطل معظمها، وقد انهارت كل وسائل الحياة في غزة بما فيها قطع الكهرباء، وتوقف الإمداد والتموين، وتجريف الطرق، وقد وصفت المنظمات الدولية الحياة في غزة بأنها أصبحت مستحيلة بعد أن راح الناس يهيمون على وجوههم في الشوارع والطرقات، وقد شاهدنا بأعيننا ما خلفته تلك الحرب من دمار، كل ذلك يحدث تحت أعين وبصر العالم، بعد أن اكتفت الكثير من الدول بمجرد الاستنكار، بينما راحت الولايات المتحدة الأمريكية وتابعوها من بعض الدول الأوروبية بإعلانهم عن دعم إسرائيل ماليًا وعسكريًا.
لم يلتفت الكثيرون إلى الوجه الآخر من المأساة، حينما يلوذُ الأطفال والنساء إلى البيوت المهدمة أو الخيام التي غمرتها المياه في ظل الطقس البارد والأطفال يبكون من البرد والجوع، وقد راحت الأم تستنجد بجارتها أو من يغيثها ولو بقدر قليل من الغذاء، هناك نساء كن ينتظرن الولادة وقد تعطلت كل المرافق الطبية ولا وسيلة لمساعدتهن سواء في عملية الولادة أو إنقاذهن من انهيار منازلهن أو خيامهن، أصوات استغاثة النساء والأطفال وقد غطت عليها أصوات المدافع والطائرات التي تواصل القذف، لم يلتفت أحد إلى عويل المرأة في غزة وهي تبحث عن أولادها وسط ركام المباني، وقد خيم الظلام إلا من ومضات الصواريخ التي تحصد البشر والشجر والحجر، لم يتنبه أحد إلى عويل النساء وهن يشاهدن أطفالهن وقد استهدفتهم طلقات الموت ولم يلتفت أحد إلى الصرخات المدوية التي تطلقها النساء وهن يستغثن بمن ينقذهن بعد أن جرفت المياه تلك الخيام بعد أن عجزت عن حماية من هم بداخلها، وقد لجأ الأطفال إلى صدور أمهاتهن، لم تنقل وسائل الإعلام حياة الناس تحت الخيام أو وسط الأنقاض في ظل البرد القارس، لم نعرف الوجه الآخر من المأساة الناجمة عن الجوع والخوف، لم يلتفت أحد إلى كتب الأطفال وحقائبهم المدرسية وقد جرفتها المياه، أو استهدفتها نيران العدو بعد أن اشتعلت فيها النيران، لم نر الوجه الآخر من المأساة في أمور إنسانية يصعب التعبير عنها كتابة، لكن تبقى الصورة هي العنوان الدال على هول المأساة، نحن في حاجة إلى فريق بحثي يتولى إعداد دراسة وافية من خلال الصور التي خلفها هذا العدوان الإجرامي، والذي كان النساء والأطفال هم ضحيته الأولى.
تابعنا خلال الأسبوع الماضي الإعلان عن اتفاق يرحل الإسرائيليون بموجبه عن قطاع غزة ويعود الأسرى الإسرائيليون إلى ذويهم، ويعود الفلسطينيون في سجون إسرائيل إلى ذويهم أيضًا، ولم يلتفت أحد إلى عشرات الألوف من الشهداء الفلسطينيين والمصابين ولا إلى الخسائر التي خلفها العدوان، بينما هناك تسريبات عن تفاهمات أمريكية وأوروبية لكي تتحمل دول الخليج نفقات إعمار غزة، وهنا تكمن القضية، حيث ينجو المعتدي من دفع ثمن عدوانه وبشهادة محكمة العدل الدولية، ورغم ذلك فقد رأى الأمريكان أن هذا هو الحل اليسير، وهو بهذا ينقذ المعتدي من دفع ثمن عدوانه، والسؤال: ألم يكن من المناسب وفقًا لما قالت به محكمة العدل الدولية والتي أقرت بأن ما يتعرض له الفلسطينيون يُعد بمثابة إبادة، لذا كان من الواجب أن يتحمل الإسرائيليون ثمن عدوانهم.
اتفق المفاوضون على وقف إطلاق النار من جانب الطرفين بينما كان من الواجب النص على وقف العدوان الإسرائيلي باعتباره المسؤول عن كل هذه الجرائم، أما النص على وقف إطلاق النار من جانب الطرفين فهو خلط يساوي بين القاتل والمقتول. وهناك الكثير من الملحوظات على ما أُعلن من بنود هذه الاتفاقية التي لا تشير إلى مستقبل غزة والضفة الغربية في اليوم التالي للهدنة وعدم النص على إقامة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من يونيو 1967م، ولم يتضمن الاتفاق أية إشارة إلى مستقبل القضية الفلسطينية وهو ما يُنذر ببقاء الأزمة ما بقي الفلسطينيون متمسكين بأرضهم، وستتجدد المشاحنات والصراعات بعد أن افتقد العالم بمنظماته الدولية القدرة على محاسبة المعتدي وعقابه بعد أن ارتكبت إسرائيل كل هذه الجرائم وقد أفلتت من العقاب، وراحت كل وسائل الإعلام العربية والغربية تُشيد بما توصل إليه المفاوضون، لكن لم يتطرق الاتفاق إلى محاسبة إسرائيل وفق ما توصل إليه حكم محكمة العدل الدولية الذي نص على أن ما قامت به إسرائيل في غزة يُعد بمثابة حرب إبادة كما ذكرنا سابقًا وهو ما يستوجب العقاب، إلا أن إسرائيل قد خرجت من تلك الحرب دون أن تدفع ثمن إبادتها للفلسطينيين.
لعل المتابع لتلك المأساة يلحظ أن معظم الساسة في إسرائيل غاضبون مما توصل إليه المفاوضون وخصوصًا وأن إسرائيل لم تحقق أهدافها المعلنة بالقضاء على المقاومين، وعودة الأسرى، فلم تحقق إسرائيل الهدفين الكبيرين، وإن كانت قد دمرت البنية العمرانية، والاجتماعية، والاقتصادية بما تجاوز ثمانين في المائة من المباني والطرق والمدارس والمستشفيات وكل وسائل الحياة، ورغم ذلك فلم يضعف الفلسطينيون، ولم تهن عزيمتهم، بل شاهدنا المجتمع الفلسطيني في غزة والضفة وهو يحتفي بعودة أبنائهم من السجون الإسرائيلية، ويُلاحظ أن المجتمع الإسرائيلي لم يقنع بتلك الجولة من الحرب، بل راح يعبر بوسائل مختلفة عن إصراره على المزيد من القتل وربما الإبادة بهدف تفريغ الضفة والقطاع من سكانهما، وهو ما ينم عن تعطش المجتمع الإسرائيلي إلى مزيد من القتل وهو ما يُنذر باستمرار الصراع بين جيش نظامي يملك كل وسائل الحرب الحديثة وبين سكان آمنين لا ذنب لهم إلا أنهم متمسكون بأرضهم وبتاريخهم، وهو ما يُنذر ببقاء هذه المأساة معلقة ما لم يجد العالم لها حلا.
الحقيقة المؤكدة أن الصراع لم يتوقف إلا بموقف دولي صارم يحد من سطوة إسرائيل وعدوانها وهو ما يستوجب البحث عن حل للقضية من خلال إقامة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من يونيو عام 1967م وفق القواعد المنظمة لإقامة الدول الواقعة تحت الاحتلال، أما أن يظل الباب موصدًا أمام الفلسطينيين وأن تبقى القضية معلقة في ظل الشعور باليأس وفقدان الأمل فهو السبب الحقيقي لكي يبقى الصراع قائمًا مهما كان حجم التباين بين قوة إسرائيل والإمكانيات المتواضعة للمقاومة، ولعل قراءة التاريخ والتعرف على الدول التي تخلصت من الاستعمار كل ذلك يؤكد أن تباين الإمكانيات لم يكن عائقًا دون حصول هذه الدول على حريتها، رغم أن الثمن كان باهظًا، ففي سبيل حصول الأوطان على حريتها فإن الثمن لا يُحسب بمنطق المكسب والخسارة.
أعتقد أن القضية الفلسطينية تملك كل وسائل الدفاع عنها تاريخيًا وسياسيًا، إلا أن محاميها قد عجزوا عن الدفاع عنها، وأن الفلسطينيين قد أضاعوا الكثير من الجهد والوقت في صراعات داخلية ضاعف منها دخول الأيديولوجيا الفكرية في الصراع.
لعل من المناسب طرح عدة أسئلة: هل تكتفي الدول العربية التي تسعى إلى التطبيع مع إسرائيل بهذا الاتفاق الجديد الذي لا يزيد عن كونه مجرد فض اشتباك في حرب لم تحسم بعد؟، هل سيظل الخلاف الفلسطيني الفلسطيني عقبة في سبيل وحدة الفلسطينيين دون الوصول إلى اتفاق؟، هل سينجح هذا الاتفاق بمراحله الثلاث رغم التفاصيل الكثيرة التي تضمنها، حيث يكمن الشيطان في هذه التفاصيل؟، وماذا عن إدارة غزة في ظل هذا الاتفاق؟، ويبقى السؤال الأهم: هل حققت إسرائيل أهدافها بعد هذا العدوان الذي استمر طوال خمسة عشر شهرًا؟.
د. محمد صابر عرب أكاديمي وكاتب مصري