المقاومة الشعبية والمقاومة الفردية
تاريخ النشر: 12th, July 2023 GMT
موسى العدوان
المقاومة الشعبية أو حرب العصابات، تلجأ إليها الأمم الضعيفة أو منظمات التحرير الوطنية، ضد عدو محتل أو مستعمر أقوى منها، بغرض طرده واستعادة سيادتها الوطنية وكرامتها. والمقاومة الشعبية هي نشاط عسكري طويل الأمد شرّعته القوانين والأنظمة الدولية، ويجري خفية بين السكان المدنيين. والمقاومة الشعبية هي نقيض للإرهاب الذي ينتهك حقوق الإنسان، ويقوض الأمن والاستقرار في المجتمعات المدنية وتحرّمه الشرائع الدولية.
لقد أثبتت أحداث التاريخ أن الأوطان، التي تُنتهك سيادتها، وتُستباح أراضيها من قبل قوات أجنبية، لا يمكن لها أن تتحرر وتستعيد سيادتها وكرامتها، إلا من خلال مقاومة وطنية جريئة وفعّالة، يمارسها الشعب على أرضه، ضد العدو المحتل أو المستعمر. وهناك الكثير من الأمثلة لعمليات المقاومة الشعبية في العالم التي قاومت المحتلين، واستطاعت بتصميمها وشجاعتها أن تحرر أوطانها، وتحقق استقلالها وسيادتها.
أما بالنسبة للاحتلال الإسرائيلي في فلسطين، فبعد ما يقارب 30 عاما من عقد اتفاقية أوسلو المشؤومة، بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، والتي وعدت بإقامة دولة فلسطينية خلال بضع سنوات، وما تلاها من مفاوضات سلمية عبثية، فقد وصلت جميعها إلى طريق مسدود، لم يحقق أي مكسب للفلسطينيين. وهكذا لم يعد أمام الفلسطينيين من خيار، سوى اللجوء إلى خيارهم الاستراتيجي الوحيد، وهو الاعتماد على النفس وإشعال فتيل المقاومة الشعبية داخل الأرض المحتلة، كي تأخذ دورها في المقاومة المسلحة ( غير المخترقة ) ضد العدو المحتل.
ومن المُلاحظ أن عمليات المقاومة التي تجري على الأرض الفلسطينية حاليا، والتي يقوم بها شباب صغار السن، لا تمثل المقاومة الشعبية الشاملة، التي يشارك بها أكبر عدد من المقاومين في مختلف المدن والقرى الفلسطينية. صحيح أن هناك مقاومة في قطاع غزة بما يسمى عرين الأسود وكتائب القسّام وسرايا القدس والعديد من الكتائب الأخرى، وفي مدينة جنين ما يسمى بكتائب جنين، وقامت بعمليات مقاومة جريئة ضد العدو لكنها غير كافية. فما يجري على الأرض، يمكن وصفه بِ ( المقاومة الفردية ) حتى وإن جرى بتوجيه من تلك المنظمات.
صحيح أن المقاومة الفردية تزعج العدو وتوقع به بعض الخسائر، ولكنها غير قادرة على تحرير الأرض لأنها فردية العمل. فتحرير الأرض يتطلب استراتيجية شاملة تحدد الخطط والأهداف، وتنفذ عملياتها مهما صغر أو كبر حجمها، بما يتفق والخطة الاستراتيجية الشاملة. إن عمليات المقاومة الفردية التي يضحي خلالها الشباب بأرواحهم – مع التقدير والرحمة لمن استشهد منهم – تشبه لسعات البعوض في جسد فيل ضخم، لكونها تحقق أهدافا محدودة غير مخطط لها.
تلك العمليات الفردية التي ينفذها الشباب صغار السن، بمبادرة منهم أو بتوجيه من منظمات معينة، لا تحقق إلا مكاسب محدودة، في حين يكون رد فعل العدو الإسرائيلي، أكثر ضررا من المكاسب التي تحققت في العمليات الفردية بعدة أضعاف، لاسيما وأن الأجهزة الأمنية للسلطة الفلسطينية، تتعاون مع العدو في محاولة إخماد المقاومة، وإلقاء القبض على المقاومين. فتكون النتيجة استشهاد المقاومين ومعهم عددا من المدنيين، وهدم منازل أهاليهم، وتدمير البنية التحتية في المنطقة.
المقاومة الحقيقية التي يجب اتباعها، تتمثل في مقاومة شعبية شاملة ومنظمة، يشارك بها كافة أبناء الشعب الفلسطيني عمليا من الداخل وماديا من الخارج. فيجري تنظيمهم تحت قيادة وطنية سرّية موحدة، بعيدا عن قيادة السلطة الفلسطينية، لتضع الاستراتيجية المطلوبة بهدف تحرير الأرض المحتلة، وليس الجلوس على الكراسي والاستعراض على البساط الأحمر، أو امتلاك الأموال والعقارات في مختلف دول العالم.
وهنا أودّ أن أذكّر بما قاله الثائر الكوبي تشي جيفارا : ” إنني أؤمن بأن النضال هو الطريق الوحيد أمام الشعوب الساعية إلى التحرر، ويعتبرني الكثيرون مغامرا. فعلا أنا مغامر لكن من طراز مختلف عن المغامرين، الساعين وراء نزوات فردية عابرة، إذ أنني أضحي بكل شيء من أجل الثورة والنضال “.
كما أذكّر بالوفد الفيتنامي، الرباعي الذي ذهب إلى باريس في أواخر الستينات، للتفاوض مع الأمريكان في إنهاء عمليات المقاومة الناجحة في الحرب الفيتنامية، لكنه رفض ركوب السيارات والفنادق التي أعدتها لهم المخابرات الأمريكية، واستأجروا سيارات على نفقتهم، ثم أقاموا عند طالب فيتنامي في إحدى ضواحي باريس، وحضروا الاجتماعات في الوقت المحدد.
وهنا أرغب أن أتحدث بفكر عسكري، بعيد عن العواطف والمزايدات، التي قد لا تعجب البعض، فأقول لمن يهمهم الأمر من القادة الفلسطينيين : ” اتقوا الله بالشباب الفلسطيني الذين يضحون بأرواحهم تحت شعار المقاومة، فنشاهد جنازاتهم محمولة على الأكتاف بين يوم وآخر، بلا نتيجة فعلية تستحق تلك التضحيات.
المطلوب . . هو أن تتوقف عمليات المقاومة الفردية، واستبدالها بمقاومة شعبية فعّالة، تعمل تحت قيادة وطنية موحدة، تضع استراتيجية شاملة لعمليات المقاومة والتحرير، على المديين القريب والبعيد، لتجري جميع العمليات صغيرة وكبيرة على ضوئها، لتصبّ في النهاية في الهدف الاستراتيجي الكبير، وهو تحري الوطن واستعادة الكرامة. وبعكس ذلك سيتواصل تقديم قوافل الشهداء، وتحمّل الخسائر في مختلف المجالات، دون تحقيق أي نتيجة إيجابية تذكر، مع ضياع الهدف الرئيسي للقضية الفلسطينية . . !
فريق ركن اردني متقاعد
المصدر: رأي اليوم
إقرأ أيضاً:
بأس “الحوانين” يواصل كسر “السيف” الصهيوني.. ملاحم انتصار أجــدّ في غزة
يمانيون../
رغمَ شراسةِ العدوانِ الصهيوني واستمرارِ الإبادةِ لليوم الـ 568 من الطوفان، استطاع أبطالُ الجِهادِ والمقاومة، أن يسطِّروا ملاحمَ بطوليةً غيرَ مسبوقةٍ، مؤكّـدين أن إرادتَهم لا يمكن كسرُها مهما كانت التحديات.
وفي الوقت الذي كانت آلةُ الحرب الصهيونية تستعرُ فوقَ سماء غزة وتحاولُ بائسةً أن تفرِضَ معادلاتِها بالحديد والنار، كانت المقاومةُ الفلسطينية، وفي طليعتها كتائبُ القسام؛ تكتُبُ ملحمةً جديدةً من الصمود والإبداع القتالي.
في هذا التقرير، نسلِّطُ الضوءَ على أبرز إنجازات المقاومة في قِطاع غزة؛ عسكريًّا وسياسيًّا ونفسيًّا، خلال الساعات الـ 48 الماضية، مستعرضين ملامحَ هذه الملحمة الخالدة.
صاعقةُ الغول وبأسُ الرجال:
من بيت حانون إلى حي الشجاعية، ومن أنفاق الغموض إلى ساحات الاشتباك المكشوفة، خطّت سواعدُ المجاهدين أروعَ صور الفداء والمواجهة المباشرة، موقعةً في صفوف العدوّ صرعى وجرحى بالعشرات، ومثبتة أن غزة -برغم الجراح والحصار- ما زالت تصنَعُ التاريخَ المقاوِمَ بقلبٍ من نارٍ وعقلٍ من نور.
في مشهدٍ بطولي يعكسُ خِبرةً ميدانيةً متراكمةً، نفَّذَ مجاهدو القسام عمليةً نوعيةً شرق بلدة بيت حانون ضمن كمين “كسر السيف”، حَيثُ جرى قنصُ عددٍ من جنود وضباط العدوّ ببندقية “الغول” القسامية، وهي بندقيةٌ فلسطينية الصُّنع ذات دقة نارية عالية.
وقد أسفرت العملية عن سقوط عدة إصابات مباشرة بين صفوف الاحتلال؛ ما أَدَّى إلى إعادة تموضع قواتِ العدوّ قرب الحدود نتيجةَ فشلهم الذريع في تثبيت وجودهم هناك.
في الأثناء، لم تكن الشجاعية حَيًّا سكنيًّا هادئًا بل تحوَّلت إلى كمينٍ جهنمي للعدو، حَيثُ تمكّن مجاهدو القسام من استهداف قوة صهيونية خَاصَّة تحصَّنت داخلَ منزل بعدة قذائفَ من طراز “آر بي جي” و”الياسين 105″، ثم انقضُّوا عليهم بالأسلحة الرشاشة، موقعين قتلى وجرحى، من بينهم عناصرُ من وحدات النخبة الصهيونية.
تأخَّرت عمليةُ إخلاء المصابين لساعتين وشهدت خمسَ اشتباكات عنيفة، في مشهدٍ يؤكّـد أن غزة صارت مقبرةً لطموحات الاحتلال.
واليوم، استهدفت كتائبُ القسام دبابة “ميركفا4” بقذيفة “الياسين 105” شرقي “حي التفاح” بمدينة غزة، كما تمكّن مجاهدو القسام من تفجير عبوة مضادة للأفراد في عددٍ من جنود الاحتلال وأوقعوهم بين قتيل وجريح في الموقع ذاته.
https://www.masirahtv.net/static/uploads/files/%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B3%D8%A7%D9%85_%D8%B9%D9%85%D9%84%D9%8A%D8%A9_%D8%A7%D9%86%D9%82%D8%A7%D8%B0_%D8%A3%D8%B3%D9%8A%D8%B1_%D8%B5%D9%87%D9%8A%D9%88%D9%86%D9%8A_%D9%84%D8%AF%D9%8A%D9%87%D8%A7_%D8%A8%D8%B9%D8%AF_%D9%82%D8%B5%D9%81%D9%87.mp4صفعة الأسرى.. المقاومة تُفشِلُ أهداف الحرب
وفي تطورٍ دراماتيكي، أعلنت كتائبُ القسام عن عمليةِ إنقاذ أسرى صهاينة من أحد مواقع المقاومة في غزة بعد أن قصفه الاحتلال؛ ما ضاعف من ارتباكِ القيادةِ العسكرية الصهيونية، وأكّـد فشلَ أهدافها للحرب.
وفي مقطع مصوَّر نشرت القسامُ بعضَ المشاهد مرجِئةً “التفاصيل لاحقًا”، لما أسمته: “عملية إنقاذ أسرى إسرائيليين من نفقٍ قصفه جيشُ الاحتلال قبلَ عدة أيام”.
عقبَ ذلكَ، أكّـد الوزير وعضو “الكابينت” الصهيوني “زئيف إلكين”، أن حكومتَه “مستعدةٌ لوقف القتال فورًا مقابلَ إطلاق سراح الأسرى، بشرط أن يكونَ بالإمْكَان استئنافُ القتال لاحقًا أَو التوصل إلى اتّفاق تتنحَّى فيه حماس من الحكم ويتم نزعُ سلاحها، لكن حماس غيرُ مستعدة لذلك”.
في الأثناء، أكّـد جنرالان صهيونيان متقاعدان، اليوم الأحد، أن جيشَ الاحتلال ليسَ قادرًا على تنفيذ سياسَة حكومة مجرم الحرب نتنياهو في قطاع غزة، وأن رئيسَ أركانه “إيال زامير”، نصب لنفسه مصيدةً عندما أعلن في بداية ولايته في المنصب أنه سيهزِمُ حماس ويقيمُ حُكمًا عسكريًّا، ويقود إلى استبدال حكم حماس.
وبينما حكومة الاحتلال تزعُمُ أن الضغطَ العسكري سيعيد جنودَها الأسرى، بدا واضحًا أنها تريد التخلُّصَ منهم، والمقاومة هي مَن تحافظ على حياتهم، وتدير الميدان بثقةٍ كبيرة، وتُجهِضُ روايةَ العدوّ أمام أهالي الأسرى الذين خرجوا في مظاهراتٍ غاضبةٍ تطالب بصفقةٍ شاملة لإعادتهم، محمِّلين نتنياهو مسؤوليةَ قتل أبنائهم بالتعنّت والمقامرة السياسية.
الارتباكُ الداخلي الصهيوني: صِراعٌ وخديعة..
لم تقتصرْ خسائرُ الاحتلال على الميدان فحسب، بل انتقلت عدواها إلى داخل الكيان، مطالبات شعبيّة واسعة بإسقاط نتنياهو.
إلى جانبِ ذلك برز الغضبُ بين الضباط الصهاينة الكبار الذين دعوا صراحةً إلى: إما “تدمير غزة أَو الانسحاب منها فورًا”، واتّهامات متبادلة بين الجيش والسياسيين بأنهم يخدعون الجمهورَ بقصص انتصاراتٍ وهمية.
حَـاليًّا الاحتجاجاتُ الصهيونية تعكسُ صراعاتٍ داخليةً عنيفة، غير أنها لا ترفُضُ العدوانَ على غزةَ؛ لأَنَّ القوةَ أصبحت جُزءًا أَسَاسيًّا من الهُوية الصهيونية، إلا أن الاحتجاجاتِ تتركَّزُ ضد نتنياهو وحكومته لا ضد الاحتلال وتاريخه الدموي.
ورغم أن مراكزَ أبحاث صهيونية تحاول بين الفينة والأُخرى، إنزالَ بيانات وتعاميم استطلاعات للرأي العام الداخلي، تشيرُ إلى تراجُعِ الصِّبغة الانتقامية من الفلسطينيين، إلا أن غيابَ مِلف الأسرى الصهاينة من الممكن أن يؤديَ إلى غيابِ أي احتجاج؛ ما يكشف تمسك المجتمع الصهيوني بالعنف كأدَاة للصراع.
وفي الوقت الذي يُقتَلُ فيه جنودٌ صهاينةٌ بلا أهداف واضحة، ينكشَّفُ زيفُ أساطير وادِّعاءات حكومة الكيان، “مترو حماس” و”الضغط العسكري”، وباتت صورةُ “الجيش الذي لا يُقهَر” تتبدَّدُ أمامَ صلابة وعنفوان رجال الجهاد والمقاومة.
الروايةُ الفلسطينية تنتصر.. بين الميدان والسياسة:
وعلى الجانبِ السياسي، غادر وفدُ قيادة حماس القاهرة، أمس السبت، بعدَ مشاوراتٍ مكثّـفةٍ مع المسؤولين المصريين، حاملًا رؤيةَ المقاومة لشروط وقف النار: “وقف العدوان.. صفقة تبادل أسرى مشرِّفة.. فتح المعابر وبَدء إعادة الإعمار”.
وهو ما يعكسُ قوةَ موقع المقاومة التفاوضي مقارنةً بوضع العدوّ المنهَك سياسيًّا وعسكريًّا وشعبيًّا؛ فما يجري في غزة اليوم، هو إعلانٌ صريحٌ بأن معادلاتِ الصراع قد تغيَّرت، ولم يعد كيانُ الاحتلال يفرِضُ شروطَه بالقوة، وغزة لم تعد تُستباح بلا ثمن.
ولأن المقاومة وعدت وأوفت؛ فَــإنَّ المعركةَ القادمةَ ستكونُ أشدَّ وأمضى، والكيانُ اليومَ أوهى من بيت العنكبوت، وصار كُـلُّ جندي صهيوني يعرِفُ أن خطواته فوقَ أرض غزة محفوفةٌ بالموت، وأنَّ خلفَ كُـلّ جدارٍ، وفي كُـلّ زقاقٍ، غولًا فلسطينيًّا قادمًا من رحم الأرض.
عبدالقوي السباعي| المسيرة