رأي اليوم:
2024-11-08@10:06:16 GMT

امذيب صالح احمد: علم اللغة وليس‏ علم اللسانيات

تاريخ النشر: 12th, July 2023 GMT

امذيب صالح احمد: علم اللغة وليس‏ علم اللسانيات

امذيب صالح احمد قبل أن نعقد مقارنة بين دلالات المفاهيم للمصطلحات التي يتداولها الناس حتى نتأكد من مناسبتها للاستعمال ‏دقة وصحة علينا أن نحدد مجالات المعنى الذي يقصده المصطلح المتداول في علم اللغة أو علم اللسانيات كما يروق للبعض ‏يختص بدراسة المجالات التالية في اللغة وهي أ) علم الأصوات و ووظائفها ب)علم الصرف ج) علم النحو (التراكيب) د) علم المعنى ه) المعجم (الثروة اللفظية- مشكلاتها و تحليلاتها) و) علم الأسلوب.

‏وهذا التعريف الحالي ورد في كتاب الدكتور كمال بشر بعنوان “علم الأصوات” الصادر عن دار غريب عام 2000 ميلادي وهو اخر ما بلغه تطور تعريفات اللغة حتى اليوم. ويعتبر العرب روادا في مجال علم اللغة بالنسبة للأوروبيين. فقد ظهر في القرن الثاني الهجري عالم فذ هو الخليل بن احمد الفراهيدي الذي خاض في معظم مجالات علم اللغه وخاصه في علم الاصوات واستطاع ان يستخرج الاوزان الموسيقيه للشعر العربي في خمسة عشر نغما سماها بحور الشعر العربي مؤسسا بذلك علم العروض الحالي واستكمل البحر الاخير عالم اخر بعده، كما الف اول قاموس في اللغه العربيه رتبت كلماته حسب المدارج الصوتيه للحروف العربيه في جهاز النطق بادئا بحرف العين من الحنجره ومنتهيا بالحروف الشفويه والهوائيه. كما اشتغل بمواضيع علم اللغه الاخرى من نحو وصرف ومعنى ومفردات لغويه لكنه لم يطلق وصف “علم” معين على هذه المجالات اللغويه. وفي القرن الرابع الهجري حينما كثر علماء العربيه استخدم ابن جني مصطلح “الخصائص” في وصف كتابه عن علم اللغه، اما ابن فارس فقد سمى كتابه (الصحابي في فقه اللغه العربيه) وكلمه فقه تدل على العلم بالشيء وفهمه وهي مرادفه لكلمه العلم ورغم استخدامها عند البعض حتى منتصف القرن العشرين الا ان دلالاتها قد انصرفت مع الزمن الى  مفهوم التشريع الاسلامي” بدلا من الفقه.ولذلك استخدم مصطلح العلم بعد ان عاد كثير من الدارسين العرب للغه في اوروبا في النصف الثاني من القرن العشرين حاملين مصطلحات علم اللسانيات احيانا وعلم اللغه في احيان اخرى. ان معظم الذين يفضلون استخدام مصطلح “علم اللسانيات” ينطلقون من تاثرهم بالدراسات الاوروبيه وخاصه الفرنسيه لان كلمه اللغه في معظم اللغات الاوروبيه الرئيسيه مشتقه من كلمة اللسان كما ان العالم الشهير في هذا العلم هو السويسري فرديناد سوسيير الذي توسع في ميادين هذا العلم بالاضافه الى ان الحضاره الاوروبيه تؤكد دائما على مركزيتها بالنسبه لحضارات العالم الاخرى التي تتجاهلها دائما وخاصه الحضاره الاسلاميه. اما السبب الثاني لاستخدام مصطلح اللسانيات عند بعض علماء اللغه العرب وخاصه اولئك الذين لهم خلفيه ثقافيه عميقه بالحضاره الاسلاميه كرئيس مجمع اللغه العربيه الراحل في الجزائر الدكتور عبد الرحمن حاج صالح فانه يستند الى التراث الاسلامي والى تاثره بالمدرسه الفرنسيه، فهو قد تخصص في اللغه العربيه من جامعه الازهر الشريف واكمل علومه اللغويه في جامعه السوربون الفرنسيه. فكلمه لسان بمعنى لغه قد وردت في ايات كثيره في القران الكريم نقتبس بعضا منها للدلاله على ذلك: – وَهَٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيّٞ مُّبِينٌ (النحل16/103) – فَإِنَّمَا يَسَّرۡنَٰهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمۡ يَتَذَكَّرُونَ (الدخان44/58) – وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦ خَلۡقُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱخۡتِلَٰفُ أَلۡسِنَتِكُمۡ وَأَلۡوَٰنِكُمۡۚ (الروم30/22) –  وَمَآ أَرۡسَلۡنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوۡمِهِۦ لِيُبَيِّنَ لَهُم(ابراهيم14/4) – وَإِنَّ مِنۡهُمۡ لَفَرِيقٗا يَلۡوُۥنَ أَلۡسِنَتَهُم بِٱلۡكِتَٰبِ لِتَحۡسَبُوهُ مِنَ ٱلۡكِتَٰبِ وَمَا هُوَ مِنَ ٱلۡكِتَٰبِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنۡ عِندِ ٱللَّهِ وَمَا هُوَ مِنۡ عِندِ ٱللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلۡكَذِبَ وَهُمۡ يَعۡلَمُونَ(ال عمران 3/78) اما معاجم اللغه العربيه فكلها تجمع على ان اللسان يعني اللغه والمِقول (اداة القول) واحيانا يعني به مجازا الرساله او الخبر او الثناء. اما ابن منظور فقد اسمى قاموسه الكبير” لسان العرب”. ان كل هذه الشواهد بالاضافه الى ما سبق جعلت بعض علماء العربيه يفضلون استخدام مصطلح “علم اللسانيات” بدلا من “علم اللغه”. فالمعروف ان القران الكريم والشعر العربي من اوثق مصادر اللغه العربيه. ان اللغات الحيه تكون دائما على صورتين منطوقه ومكتوبه. وقد قضت البشريه الاف السنين وهي تستخدم اللغه المنطوقه وتطورها تدريجيا بالكلام حتى استطاعت بعد مده طويله ان تحول اللغه المنطوقه الى رموز كتابيه، غير ان اللغات لم تستقر كثيرا الا بعد ان تطورت كتابه اللغات على الورق ثم طباعتها اليا حين اصبح ممكنا تدوين العلوم الانسانيه. فمصطلح العلم لم يستخدم بدقه الا بعد ان تطورت اللغه المكتوبه على الورق فالكتابه على الالواح والاحجار كانت محدوده التعبير والاستعمال. ولهذا فان الانسان كان يستعمل كلمه اللسان كدليل على اللغه المنطوقه التي ظل الاف السنين يتكلم بها وحين نزل القران الكريم لم يكن التدوين الورقي موجودا وكل الايات التي ذكرت فيها كلمه اللسان انما كانت تدل على اللغه المنطوقه فالرسول الكريم(صلعم) تلقى القران سماعا من جبريل، كما هو الحال بالنسبه لتلقي الشعر الجاهلي و الاسلامي سماعا قبل بدء التدوين الورقي. وعليه فانه يمكن ان يطلق مصطلح “علم اللسانيات” على دراسه اللغات التي لم تكتب بعد عند بعض الشعوب او على دراسه اللهجات الشفويه وتركيباتها واصواتها لان كلمه “اللغه” قد انصرف مدلولها كليه الى معنى اللغه المكتوبه والمنطوقه في ان واحد. فاللغه مشتقه من لغه ويلغو ولغو وهي لغلغه الاصوات الصادره عن جهاز النطق كاملا الذي يتكون من الشفاه والاسنان والحنك واللهاه واللسان والحلق ولسان المزمار والاوتار الصوتيه والحنجره والقصبه الهوائيه. ورغم ان مشاركه كل من هذه الاعضاء لجهاز النطق في اصوات بعض حروف الابجديه الا ان اللسان يعتبر “المايسترو” بالنسبه لاعضاء جهاز النطق فبدونه لا يمكن لاي عضو ان ينطق حرفا واحدا دون ان يشاركه اللسان بحركه معينه لاداء صوت الحرف ولو حتى بالسكون. ان علم اللغه يشمل حاليا علم الاصوات وعلم الصرف وعلم النحو وعلم المعنى وعلم المفردات وعلم الاسلوب. وبما ان العلم تراكمي فان البشريه لم تستطع حفظ ما اكتسبته في تاريخها الطويل من معارف وخبرات حينما كانت اللغه شفويه (لسانيه) غير قابله للتدوين و قبل اختراع الكتابه. فمصطلح “العلم” لم يثبت استخدامه الا بعد الكتابه التي منحته البقاء والحياه. وعليه فان اللغه المكتوبه وليس اللسان المنطوق هو الذي يتصف بالعلم. فاذا كان علم الاصوات يمكن ان يدرس بلغه منطوقه ولغه مكتوبه الا ان علوم الصرف والنحو والمعنى والمفردات والاسلوب تحتاج الى لغه مكتوبه حتى يستطيع الانسان استيعابها والتوسع فيها ايجابا وسلبا. ان مجالات علوم اللغه في الوقت الحاضر قد اتسعت رقعتها بحيث اصبحت تشمل علم اللغه التطبيقي وعلم اللغه التاريخي وعلم اللغه الرياضي وعلم اللغه التراكيبي وعلم اللغه النظيمي(systemic) وعلم اللغه النصي (المتني) وعلم اللغه النظري ثم هناك علم النفس اللغوي وعلم الجغرافيا اللغوي وعلم الاجتماع اللغوي وعلم الاعراق اللغوي وغيرها من الابواب التي تفتح كل يوم وهو ما لا تستطيع اللغه المنطوقه لسانيا ان تراكمه وتحفظه كاللغه المكتوبه فاذا كان جهاز النطق في الانسان للغته الشفويه هو اكثر من اللسان فان لغه الانسان المكتوبه والشفويه ليست لسانا بل هي فكر وذاكره ووعيا وهوية وخبرة وتاريخ بل بها تتحدد انسانيته وتميزه عن الحيوانات الاخرى. فالغة لم تعد اصوات يعبر بها كل قوم عن اغراضهم بل هي الوريث الشرعي للتجارب البشريه وخليفه الانسان على الارض حينما تنقرض اجيال وتخلفها اجيال اخرى. لقد ادرك علماء العربيه الاقدمون والمحدثون ان علم اللغه هو المصطلح المناسب وليس علم اللسان. فالدكتور علي عبد الواحد وافي والدكتور ابراهيم انيس اسميا كتابيهما “بعلم اللغه” في القرن العشرين بينما سمى الأستاذ محمد المبارك كتابه “فقه اللغة وخصائص العربيه” اما الاقدمون فانهم استخدموا مصطلحات مختلفة مشابهه غير انهم لم يذكروا مصطلحا له علاقه بكلمة اللسان.

المصدر: رأي اليوم

إقرأ أيضاً:

مصابيح الدجى

#مصابيح_الدجى

#زيد_الطهراوي

العلمُ نورٌ و فينا الصبرُ يرفعنا 

إلى المعالي فيزداد المدى ألَقا

مقالات ذات صلة اعيدوه . لتعود الفكرة 2024/11/05

هذا سباقٌ لجناتٍ لها درجٌ

و يقرأ العبدُ كي يستأهلَ العبقا

اقرأ و رتل تَحُز في الفضل منزلةً

قد كنت تقرأُ في دنياك مُنطَلِقا

و من يَسِرْ في دروب الخير يلقَ بها

مشقةً و صموداً يملأ الأفقا

و إن تعبتَ و لم تسبِقْ إلى هدفٍ 

فابدأ و سابقْ و كن بالركب ملتحِقا

و لو أتاك مماتٌ قبل ختمتِه

فسوف تُبْعثُ للقرآن معتَنِقا 

ما دمتَ تسعى ففضلُ الله منسكبٌ

و نوره في فؤاد الحافظِ التصقا

فاحرصْ على القلبِ بالإخلاصِ تملأُهُ

فيرتقي القلبُ في الفردوسِ أنْ صدقا

معلمُ الخيرِ في الاعماقِ مسكنُهُ

كشمعةٍ قد أضاءَ الدربَ و احترقا

هذي الحياةُ صعوباتٌ تُنَوِّلُنا

مجدَ الخلودِ فيأتي السهلُ مُندَفِقا

و ينشرُ العلمَ بالحسنى معلِّمُنا

فيرتقي قارئٌ يستأهلُ الحَبَقا

و لن أكافئَ مهما قلتُ من رُطَب 

معلماً قد حباني العلم و الخُلُقا

إن قَصَّرتْ كلماتٌ دون منقبةٍ

 فالقلبُ بالشكرِ و التقديرِ قد خَفقا

و ليس لي غيرُ دعواتٍ أُلِحُّ بها

أن يُبعدَ اللهُ عنه الهم و الرَّهقا

و والدايَ هما نعمَ الرفيقُ على

دربٍ أُكابدُ فيه الجُهد و الأرقا

سبحانَ من وهبَ المخلوقَ مرحمةً

يلقى بها من عذابِ النَّارِ مُنعَتَقا

مقالات مشابهة

  • عماد السالمي يستعرض الفروقات التي تُميزّ صالح الشهري عن بنزيما في الملعب..فيديو
  • مصابيح الدجى
  • شهاب الأزهري: التصوف الحقيقي سلوك مفعم بالإيمان وليس طقوسًا تعبيرية
  • اليونيفيل: حل الأزمة يكون على طاولة المفاوضات وليس من خلال العنف
  • ختام مسابقات الفرق والثلاثي في البطوله العربيه للبولنج بالقاهره
  • شرطة دبي تستشرف مستقبل الأدلة الجنائية
  • كاريكاتير احمد رحمة
  • مانع: “سنلعب من أجل التأهل وليس أمامنا أي عذر للاخفاق”
  • اجتماع بصعدة يستعرض الصعوبات التي تواجه عمل المؤسسة المحلية للمياه
  • مدير إدارة الثروة الحيوانية بالجبل الأخضر: سجلنا حوالي 5870 إصابة بمرض اللسان الأزرق ونفوق 230 من الأغنام