هنري كيسنجر.. عَرّاب الدبلوماسية الأمريكية
تاريخ النشر: 4th, December 2023 GMT
تجاوز الدبلوماسي الأمريكي "هنري ألرفد كبسنجر" قرنا وبضعة شهور (27 أيار/ مايو 1923- 29 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023)، قضاها عرضا وطولا في السياسة وعوالمها المتشعبة في بلده، وأساسا في أكثر مناطق العالم توترا واضطرابا، محللا جيواستراتيجيا رفيعا، وصانعا لأبرز الخطط وأعقد السياسات وأعظمها تأثيرا على تطور الأحداث والوقائع الدولية، ولأنه ثاقب الذكاء، وقارئ جيد لفكر "ماكيافللي" ونصائحه في فن القيادة والريادة والحكم، فقد حظيت آراؤه بنصيب وافر من التطبيق، والانتشار والديمومة، وكثيرا ما صدقت توقعاته واستشرافاته للمستقبل.
لم يكن "هنري كيسنجر" منتج أفكار وحسب، بل ظل على امتداد عقود من مساره الدبلوماسي صانع نظريات عملية لأعقد المشاكل في العالم، في الشرق الأوسط والعالم العربي، وفي آسيا، وأوروبا، كما استمر فاعلا مؤثرا وموجها لسياسة بلاده، سواء كوزير للخارجية، أو مستشار للأمن القومي، أو كناصح ومصاحب لعدد من الرؤساء الأمريكيين، أو كعضو في الحزب الجمهوري. فعلى امتداد مساره الطويل تعرض حضورُه للنقد والاعتراض تارة، والتقدير والتثمين طورا، لكن ميزة الرجل استمراره منتجا للأفكار، ومؤثرا في الأحداث الدولية، بل إن العديد من الرؤساء والفاعلين في النظام الدولي توسلوا إليه، والتمسوا آراءه ونصائحه، والكثير منهم طبقوا وعملوا بتوجيهاته.
لم يكن "هنري كيسنجر" منتج أفكار وحسب، بل ظل على امتداد عقود من مساره الدبلوماسي صانع نظريات عملية لأعقد المشاكل في العالم، في الشرق الأوسط والعالم العربي، وفي آسيا، وأوروبا، كما استمر فاعلا مؤثرا وموجها لسياسة بلاده، سواء كوزير للخارجية، أو مستشار للأمن القومي، أو كناصح ومصاحب لعدد من الرؤساء الأمريكيين، أو كعضو في الحزب الجمهوري
فهكذا، أهّلته خلفيته الأكاديمية العالية (من خريجي جامعة هارفارد) وإجادته لغتين بالغتي الأهمية (الألمانية والإنجليزية) أن يُنتج أعمالا فكرية وعلمية عميقة، شكلت مصادر لا مندوحة عنها في فهم تعقيدات النظام الولي، وآليات اشتغاله، ومنها: "الدبلوماسية من الحرب الباردة إلى يومنا هذا" (1995)، "مذكرات هنري كيسنجر في البيت الأبيض/ 1968-1973"، "النظام الدولي/ تأملات في طبائع الأمم ومسار التاريخ، و"جرب السلام الصعب"، والقائمة طويلة.
ثم إن قيمة "هنري كيسنجر" تكمن في انخراطه الواسع في قضايا النظام الدولي وتعقيداته، وهو ما جلب له أحيانا سيلا من النقد والاعتراض، كما حصل في حرب فيتنام إبان ولاية الرئيس "نيكسون"، حين تقلد منصب وزير الخارجية ومستشار الأمن القومي ما بين 1969 و1977، ومن أدواره البارزة خلال هذه الحقبة المساهمة في التسوية التي أعقبت حرب تشرين الأول/ أكتوبر 1973 بين مصر وإسرائيل وباقي الدول العربية، من خلال ما سمي وقتئذ "الدبلوماسية المكوكية"، التي اختبر خلالها "كيسنجر" نظريته الشهيرة "السمكة الكبيرة"، في تأكيد على أن اصطياد "السمكة الكبيرة"، ويقصد دولة مصر، تفتح الطريق أمام اصطياد الأسماك، أي باقي الدول العربية، وهو ما حصل فعلا حين فتح التطبيع المصري الإسرائيلي في عهد الرئيس السادات السبيل أمام مفاوضات لاحقا مع الفلسطينيين وبعض الأقطار العربية المعنية مباشرة بالصراع مع إسرائيل.
كما كان له دور بارز في التقارب الأمريكي الصيني مع بداية عقد سبعينيات القرن الماضي (1971)، إضافة إلى مساهمته في تأجيج التنافس الأمريكي السوفياتي، والسعي الدؤوب إلى إضعاف المنظومة الاشتراكية. أما أبرز الانتقادات الموجهة إليه فتخص ملف حقوق الإنسان، حيث كان يساند بكل السبل النظم الموالية للغرب، المنتهكة لحقوق الإنسان، كما حصل مع نظام "بينوشي" في الشيلي، وحرب الإبادة في كمبوديا، وسياسات القمع في باكستان، واليونان وإندونيسيا وقتئذ.
تجد شخصية عَراب الدبلوماسية الأمريكية "هنري كيسنجر" المتأرجحة بين النقد والاعتراض من جهة، والثناء والتقدير من جهة أخرى، مصادر تفسيرها في طبيعة الفلسفة التي اعتمدها لفهم النظام الدولي، والسعي إلى صياغة مداخل ونظريات لتفسير قضاياه وآليات اشتغاله. فقد تبنى الفلسفة الواقعية منهجا وسلوكا، وظل على امتداد كل مساره متمسكا به، بغض النظر عن حجم الانتقادات التي وُجهت إليه، والتي أفضت في بعض اللحظات إلى إحداث تأثير عميق على مركزه، كما حصل حين اضطر، تحت وقع إضرابات الطلاب، لمغادرة موقعه الأكاديمي في جامعة كولومبيا عام 1977، وقبلها في موجه الاحتجاجات على الرئيس نيكسون في حرب فيتنام، أو لاحقا حين تم تعيينه من قبل الرئيس "بوش الابن" على رأس لجنة التحقيق في هجمات11 أيلول/ سبتمبر 2001، فتنحّى من منصبه في عضون أسابيع بسبب رفضه الكشف عن قائمة عملاء شركته الاستشارية والإجابة عن أسئلة بشأن تضارب المصالح.
عقيدته الواقعية دفعت به من خلال كتاباته الغزيرة التي تجاوز 21 مؤلفا، ناهيك عن محاضراته ولقاءاته الإعلامية، ومذكراته من أربعة أجزاء، أن يجهر بما يفكر فيه دون تردد، وأن يدافع عن آرائه بدون كلل. وبغض النظر عن طبيعة الاعتراضات الموجهة إليه، فقد دافع، باسم الواقعية وبسبب أصوله اليهودية، عن دولة إسرائيل، وحقها في الوجود والديمومة والاستمرار، وباسم الواقعية نفسها عمل بشكل مباشر وغير مباشر على إدخال فكرة التطبيع في الفضاء السياسي العربي
فعقيدته الواقعية دفعت به من خلال كتاباته الغزيرة التي تجاوز 21 مؤلفا، ناهيك عن محاضراته ولقاءاته الإعلامية، ومذكراته من أربعة أجزاء، أن يجهر بما يفكر فيه دون تردد، وأن يدافع عن آرائه بدون كلل. وبغض النظر عن طبيعة الاعتراضات الموجهة إليه، فقد دافع، باسم الواقعية وبسبب أصوله اليهودية، عن دولة إسرائيل، وحقها في الوجود والديمومة والاستمرار، وباسم الواقعية نفسها عمل بشكل مباشر وغير مباشر على إدخال فكرة التطبيع في الفضاء السياسي العربي، وقد ظل أحد مهندسي السلام في الشرق الأوسط من هذا المنظور بالذات.
وقد استمر، من زاوية أخرى، محرضا شرسا على إضعاف إيران والحيلولة بينها وبين امتلاك الأسلحة النووية، كما لم يتردد في التنبيه إلى الخطورة التي تمثلها روسيا بالنسبة لأوروبا العالم، وحين نشبت الحرب بينها وبين أوكرانيا قدم نصائح، وهو في آخر مراحل حياته، إلى الرئيس الأمريكي "جون بايدن" في هذا الشأن.
إنه "هنري ألفريد كيسنجر" الذي أجبرت النازية عائلته على الهجرية القسرية إلى أمريكا عام 1938، وهو طفل يافع لم يتجاوز الخمسة عشر عاما، ليصبح على رأس عظماء مهندسي الدبلوماسية الأمريكية، وصناع السياسات الدولية، والمتوقعين باقتدار لتطور أحداثها ومآلات وقائعها.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه السياسة كيسنجر امريكا السياسة كيسنجر مقالات مقالات مقالات سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة صحافة رياضة سياسة سياسة مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة النظام الدولی هنری کیسنجر على امتداد ما حصل
إقرأ أيضاً:
ما هي الولايات السبع المتأرجحة التي ستحدد الفائز في الانتخابات الرئاسية الأمريكية؟
#سواليف
ستحسم سبع ولايات تُسمى “متأرجحة” نتيجة #الانتخابات_الرئاسية_الأمريكية ، إذ إنها لا تصوّت بشكلٍ واضحٍ لأحد الحزبين، بخلاف الولايات المؤيدة لنائبة الرئيس الديمقراطي #كامالا_هاريس؛ مثل كاليفورنيا ونيويورك، أو للرئيس الجمهوري السابق #دونالد_ترامب؛ مثل كنتاكي أو أوكلاهوما.
مَن يتخطى 270 من أصوات المجمع الانتخابي؟
تقوم الانتخابات الرئاسية الأمريكية على نظام اقتراعٍ غير مباشرٍ فريدٍ، يعتمد على أصوات كِبار الناخبين في المجمع الانتخابي، وتفتح أبواب البيت الأبيض للمرشح الذي يتخطى عتبة 270 من أصوات كِبار الناخبين.
مقالات ذات صلة سرايا القدس تبث مشاهد لمعارك ضارية وتفجير جيب إسرائيلي بالضفة الغربية / فيديو 2024/11/05ويتعين على المرشح الرئاسي أن يحصل على الأغلبية المطلقة من أصوات الهيئة؛ أي 270 من 538 صوتاً؛ للفوز.
وقدّمت وكالة “فرانس برس” قراءة في هذه الولايات السبع التي ستسحم الاقتراع:
بنسلفانيا (19 صوتاً في المجمع الانتخابي)
لطالما كانت هذه الولاية التي تشهد المنافسة الأكبر تميل للديمقراطيين، لكن فاز دونالد ترامب في بنسلفانيا بفارق ضئيل في عام 2016، وكذلك الرئيس الحالي جو بايدن في عام 2020.
تشتهر الولاية بمدن “حزام الصدأ”، مثل فيلادلفيا وبيتسبرغ، وقد عانت على مدى عقود من الانحدار المستمر لقاعدتها الصناعية.
خاض ترامب وهاريس حملات انتخابية متكرّرة في الولاية الشرقية، حيث عقد الثنائي مناظرتهما الرئاسية الوحيدة.
ويحاول ترامب؛ الذي نجا من محاولة اغتيال أثناء تجمُّع حاشد في يوليو في بنسلفانيا، استمالة السكان البيض الريفيين ويحذّرهم من أن المهاجرين يسيطرون على البلدات الصغيرة.
تسعى هاريس؛ بدورها إلى الاستفادة من مشاريع كبرى للبنى التحتية أطلقها جو بايدن. وفي بيتسبرغ، حدّدت خططاً لاستثمار 100 مليار دولار في التصنيع، وهي قضية رئيسة لسكان الولاية.
جورجيا (16 صوتاً)
تسلّطت الأضواء على الولاية الواقعة في جنوب شرق البلاد في الانتخابات في نهاية ولاية ترامب الأولى، وما زالت تثير الجدل.
وجّه المدعون العامون في جورجيا الاتهام إلى ترامب في قضية تدخل في الانتخابات بعد أن اتصل بمسؤولي الولاية وحثّهم على “إيجاد” عددٍ كافٍ من الأصوات لإلغاء فوز بايدن في 2020. وتمّ تعليق القضية لما بعد الانتخابات، ما يمثل دفعة لترامب.
وكان بايدن أول ديمقراطي يفوز بالولاية منذ 1992. ومن المرجح أن تصب التغييرات الديموغرافية في مصلحة هاريس؛ التي سعت لاستقطاب الناخبين من الأقليات في جميع أنحاء جورجيا.
كارولينا الشمالية (16 صوتاً)
كارولينا الشمالية هي الولاية الوحيدة من بين “الولايات المتأرجحة” السبع التي صوّتت للحزب الجمهوري في 2020.
ولم تصوت الولاية للديمقراطيين منذ عام 2008 لكنها انتخبت حاكماً ديمقراطياً منذ 2017.
وبعد مرور إعصار هيلين المدمّر الذي خلف 96 قتيلاً على الأقل في الولاية، نشر ترامب اتهامات لا أساس لها حول تعامل الحكومة مع الكارثة، لكن من الصعب تحديد تأثيرها على الناخبين المحليين.
وكما هي الحال في جورجيا، تعتمد كامالا هاريس على دعم الأمريكيين من أصل إفريقي والشباب.
ميشيغان (15 صوتاً)
تعد ولاية ميشيغان معقلاً آخر للديمقراطيين شهد تراجعاً صناعياً، ومنح دعمه لدونالد ترامب في عام 2016، في خطوة غير متوقعة. لكن عادت الولاية وصوتت لمصلحة جو بايدن في 2020.
وسيكون توجه عديد من الناخبين المسلمين أو ذوي الأصول العربية في هذه الولاية حاسماً بالنسبة لهاريس، في حين يعارض هؤلاء منذ عام الدعم الأمريكي لإسرائيل في حربها في غزة.
وفي الولاية المعروفة بصناعة السيارات، حصلت المرشحة الديمقراطية على دعم اتحاد “يو آي دبليو” الرئيس في القطاع.
ويركز دونالد ترامب على تكاليف المعيشة لجذب الطبقة الوسطى، ويصوّر منافسته على أنها مسؤولة مشارِكة في عهد ديمقراطي شابه التضخم.
أريزونا (11 صوتاً)
أحدثت ولاية أريزونا الواقعة في جنوب غرب البلاد مفاجأة في عام 2020 بتصويتها لبايدن؛ ومنحه 10457 صوتاً إضافياً، في حين أنها غالباً ما أيّدت الجمهوريين.
لكن طرح المرشح الجمهوري موضوع الهجرة غير الشرعية بعبارات قاسية قد يصب في مصلحته انتخابياً في هذه الولاية المتاخمة للمكسيك، على الرغم من كونها تضم عدداً كبيراً من المواطنين من أصول لاتينية.
وزارت هاريس حدود ولاية أريزونا في سبتمبر، وتعهدت باتخاذ إجراءات صارمة ضد الهجرة والعمل على إحياء مشروع قانون الحدود الحزبي الذي صدر العام الماضي، وقالت إن ترامب “أفشله” لأغراض سياسية.
ويسكنسن (10 أصوات)
وفي ولاية ويسكنسن أيضا، خسر الديمقراطيون في عام 2016، لكنهم فازوا في 2020.
ونظّم الجمهوريون الذين أسس حزبهم في هذه الولاية، مؤتمرهم الرئيس فيها في يوليو.
ويأمل الديمقراطيون في جذب الجمهوريين المعتدلين الذين يعارضون خطاب دونالد ترامب، من خلال الإشارة إلى أنه يمثل “تهديداً وجودياً للديمقراطية”.
نيفادا (6 أصوات)
تضم ولاية نيفادا أقل عدد من السكان مقارنة بالولايات المتأرجحة الأخرى وتُعرف بكازينوهاتها في لاس فيغاس، وهي لم تصوت لمرشح جمهوري منذ جورج بوش في 2004.
لكن يعتقد المحافظون أنهم قادرون على تغيير الوضع السائد بالاعتماد خصوصاً على المواطنين من أصول لاتينية الذين يبتعدون بشكل متزايد عن الحزب الديمقراطي، وخصوصا الرجال منهم.
وكان ترامب يتقدّم فيها على بايدن. لكن في غضون أسابيع من ترشحها، قلبت كامالا هاريس، ذلك عبر الترويج لخططها الاقتصادية لمساعدة الأعمال الصغيرة ومكافحة التضخم.