فى عام 2015 كنت فى مهمة عمل لنيويورك لتغطية أعمال الدورة السبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، وفي هذه الزيارة خرج هنرى كيسنجر من إحدى القاعات المغلقة لنتسابق حوله، نحن الصحفيين والمراسلين، لنقتنص منه أى تصريح مهما كان مقتضباً.. فهى فرصة نادراً ما تتكرر أن نقابل كيسنجر وجهاً لوجه. هذا الرجل الذى كان واحداً من أهم صانعى السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية ومستشاراً للإدارات الأمريكية المتعاقبة حتى وإن لم يكن فى السلطة.
تأملت الرجل الذى بدا هادئاً ومتواضعاً وهو يتحدث مع صحفيين لا يعرفهم، تواضعٌ يليق بسياسى حصل على جائزة نوبل للسلام ودبلوماسى له دور أساسى فى اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية، كيف يكون للرجل وجه آخر؟!
مات كيسنجر الأسبوع الماضى بعد أشهر من احتفاله بعيد ميلاده المائة ليتصدر هذا الخبر العناوين الرئيسية، الصحافة تتحدث عن إنجاز الرجل العلمى والسياسى وكيف أنه ظل حتى اللحظة الأخيرة يعمل ويصرّح ويحلل، ولكن بجانب الحديث عن منجزه كانت الصحافة تذكّر قراءها بأنه مجرم حرب. حتى إن مجلة رولينج ستون ذكرته فى عنوانها «مجرم الحرب المحبوب من الطبقة الحاكمة مات أخيراً».
ولعل هذا الوصف هو الأدق للرجل، فالرجل تسبّبت سياساته فى قتل أكثر من أربعة ملايين شخص فى ڤيتنام وكمبوديا وبنجلادش والأرجنتين وتشيلى فقط لتحقيق المصالح الأمريكية.
حتى فى حرب أكتوبر كان هذا الرجل هو من ساند إسرائيل منذ اللحظة الأولى، وليس الرئيس الأمريكى، بأن مد جسراً جوياً لها بالرغم من أنه نفسه كان جزءاً من معادلة السلام. حتى فى الاعتداءات الأخيرة على غزة ظل مصراً على إظهار وجهه الكاره للعرب.
ففى مقابلة مع قناة فيلت الألمانية منذ شهر واحد فقط، استنكر تظاهرات التضامن مع الفلسطينيين، وقال إنه كان خطأ فادحاً السماح للعرب بالهجرة والاستقرار فى أوروبا! وكأن العرب وحدهم هم الذين احتجوا على الاعتداءات الإسرائيلية.
لعل كل هذا التأثير والدور الفعال هو السبب الذى فتح مجالاً واسعاً للنقاش على وسائل التواصل الاجتماعى، ولكنى ما زلت لا أفهم الأصوات المدافعة عن كيسنجر.
قد أفهم أن الرجل كان استثنائياً صنع نفسه بنفسه ليتحول إلى مؤسسة بذاتها تسير على قدمين، ولكن وأنت مدرك لباقى جوانبه الإجرامية، لأنك إن أغفلتها فإما تفعل ذلك عن جهل أو تعمُّد له أهداف خفية.
فى مقابلة عام ١٩٩٩ لكيسنجر مع برنامج «٦٠ دقيقة» سُئل عما إذا كان سيغير أى شىء قام به لو عاد به الزمن، فكانت إجابته أنه كان يتمنى أن يجاوب بإجابات من نوعية لو كنت فعلت هذا الأمر بطريقة مختلفة لكان الأمر تغير، حتى يبدو منفتحاً، ولكن فى الحقيقة وبالنظر إلى الخط الرئيسى لسياستنا لم أكن لأغير أى شىء.
نعم، هذا الرجل مجرم حرب بدون شك، ولكن المؤكد أنه يستحق الدراسة والتأمل لأننا - شئنا أم أبينا - نعيش الآن فى عالم كان واحداً من أهم صانعيه هنرى كيسنجر.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: هنرى كيسنجر الأمم المتحدة نيويورك
إقرأ أيضاً:
عائشة الماجدي تكتب: (جودات)
يقيني القاطع أن حواء الجيش أنجبت إبنها البار جودات بمواصفات خاصة وإن شعاع خيوط الصباح لأحت حينما زغردت أم جودات يوم تخريجه أن إبنها ضوء وسارية في جبال الحق والرجالة والفراسة ..
مساحات المعارف تُدرك مرات ومرات أن تقرأ وجه أحدهم لتتحسس من أي طينة وأي ديار يكون هذا الفتى لكن عند جودات تحتاج لزوايا شوف مختلفة وعدسات ملونة لتعرف أنه من رجال الكلية الحربية ( قوقو أخضر ) بس..
كلما تمعنت جودات في فيديو أو صورة وجدته ود بلد تربطه بكل السودانيين أمشاج دم وخليط محبة وعيون تشبه حرارة قلب الرجال الرجال..
وتغني ليهو حنان بلوبلو ود الغرب البسُر القلب ويرد هو بوجه وضاح مُحيا بإبتسامة مريحة بتلويحة ( أبشري ) هذا المشهد يمثل عندي جغرافية المكان ولطف المقام والمقال..
جودات الذي ظل صامداً في نيالاً شهور طوال كالأسد حارس عرينه لم تهزه شتائم ووعيد الجنجويد ولم تزحزحه إغراءات المجرم عبدالرحيم دقلو ظل يدافع عن الغربية بكل جسارة والشعب السوداني يشهد بل صنع عندهم أن جودات بطل وفوق الكل وفي مقام محترم …
عندما إلتقطت له صورة وهو في محطة العلاج تداولها الشعب السوداني بحب عجيب وحفاوه ودعوات صادقات ولطف خفي من الله رغم أمجاد الشهادة التي يبحث عنها ..
فإن كان للكلية الحربية أوسمة مبذولة يعطوها من محل الإحترام والفراسة لكان أقترحنا وسام يليق بعظمة الجنرال ( جودات ) ..
هذا الجنرال وهب نفسه ودمه رخيص من ضمن مزادات السودان العامة تضحية وبسالة وفدائية لتراب يعشق كتاحته وقت الكوع يحمي واللسان يبقى دقيق في وضع أقل ما يقال عنه أنه خطر ويتطلب مطلوبات التأمين الشخصي وإنقطاع لإمداد وأخيراً إصابات عميقة ولكنه في كل الثواني وهو مقبل يتوقع طِيب البشارات أو ثمة تفاصيل تحدث شئ ما غير متوقع ولكن بعد ذلك كعادة الضبط والربط فرسان الكلية الحربية
( لا الملايش ) إنتظر تعليمات قيادته وأصبح ضراعهم اليمين وسر قيادة المتحركات والمعارك في كل المعارك الحربية …
يبقي عندي ( جودات ) هو من الرجال الذين سطروا وخلدوا إسمهم في ذاكرة التاريخ بالدم والكسور والجبور والعرق فيظل عندنا الأمير ( جودات ) كالصيب النافع لم يخن ولن يبيع …
أبقي طيب أنت …
وكفي !!
( هذا المقال نشرته قبل تسعة أشهر والآن أُعيد نشره إعجاباً
بالبطل جودات ) ..
عائشة الماجدي
إنضم لقناة النيلين على واتساب