كشف اللواء بحري أركان حرب محفوظ مرزوق، مدير الكلية البحرية السابق، أهمية الفرقاطة المصرية «الجبار»، التي دشنها الرئيس السيسي، عبر تقنية «الفيديو كونفرانس»، على هامش افتتاح معرض «إيديكس 2023».

وقال «محفوظ» مداخلة هاتفية ببرنامج «صالة التحرير»، المذاع على قناة صدى البلد، تقديم الإعلامية عزة مصطفى، إن الفرقاطة المصرية «الجبار»، تعد الأحدث عسكريا على الصعيد العالمي، موضحًا أن الدولة تولي اهتماما كبيرا لتوطين وتصنيع الأسلحة والذخيرة، حيث يوجد لدينا ترسانة بحرية على أعلى مستوى.

وتابع: المركب الحربي يختلف تماما عن المركب التجاري، وتتميز بمجموعة مختلفة من المواصفات، التي تجعلها تصمت أمام أي تقلبات أو صعاب، مشيرًا إلى أنه تُرْفَع كفاءة كل أدوات المركبة الحربية لتتصدى لأي عمليات.

اهتمام كبير من القيادة السياسية بالصناعات البحرية

وأكمل: منذ 2019 هناك اهتمام كبير من القيادة السياسية بالصناعات البحرية، وتمتاز الفرقاطة المصرية «الألمانية، الفرنسية»، بعدم قدرة أي رادار لكشفها، كما أنها مزودة بتوربين تحت الماء، وأجهزة إلكترونية، وقاعدة حربية.

وأشار إلى أن أهمية الفرقاطة المصرية الجبار تشمل، «تأمين قناة السويس عن بعد، توجيه ضربات من مسافة 1000 كم، حماية المقدرات البترولية المصرية، ردع وتصدي لأي عدو، حماية الموانئ المصرية».

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: فرقاطة القوات البحرية الأسلحة الفرقاطة المصریة

إقرأ أيضاً:

نجيب محفوظ.. وأيام اللهو في رمضان

عاش نجيب محفوظ جزءًا من طفولته في الجمالية، حيث الحارات الشعبية العتيقة، بطقوسها وتقاليدها وعراقتها، وفي رمضان انبرى مثل غيره من الأطفال لتعليق الزينة، بين الشبابيك والبلكونات. كان ينتظر المغرب، ويحمل مثل غيره من الرفاق مدفعه الصغير البدائي، المحشو بالكبريت، وبمجرد أن يستمع إلى أصوات المؤذنين الجميلة المتداخلة تهوي يده وأيدي رفاقه بالمدافع الصغيرة على حجر أو صبَّة خرسانية، فتصنع أصوات القنابل الصغيرة دويًّا محببًا للصغار في الشارع والكبار في البيوت، ويهرول محفوظ الصغير إلى البيت ليستمتع بالسوبيا والتمر هندي وقمر الدين والزبيب والخشاف والقراصيا والكنافة.

كان شهرًا مثاليًا بالنسبة له، يُمنَح فيه حريته الكاملة، فأمه تقتنع بأن الله يحرس الأطفال في هذا الشهر من عصابات الخطف، وقد شاع كما حكى لرجاء النقاش أن تجد من يهرول في حارتهم والحارات القريبة ليسأل عن طفل اختفى فجأة، وكانت معظم تلك المشاهد تنتهي بعدم عودة الأطفال المخطوفين غالبًا، وربما تفكر الأم في أن الناس جميعًا يسهرون في الشارع؛ الرجال يجلسون في المقاهي والنساء يخرجن إلى المساجد القريبة، أو يقضين الوقت في مراقبة أطفالهن من الأسطح أو الشبابيك أو المشربيات، وبالتالي من الصعب أن يظهر غريب في الحارة دون أن تنتبه إليه عشرات الأعين، وهكذا أحبَّ محفوظ رمضان واعتبره شهر المرح واللعب والانطلاق والمغامرة والتحرر من سلطة البيت.

على يوتيوب وجدت مقطعًا من برنامج «سهرة رمضان»، تستضيف فيه الكاتبة الصحفية سكينة فؤاد نجيب محفوظ في مقهى بالحسين، المكان الأثير لصاحب نوبل، وخلال اللقاء القصير تحدث محفوظ عن ذكرياته مع رمضان سواء في الجمالية أو العباسية. بدأت سكينة فؤاد لقاءها معه بسؤاله عن رأيه في الأغنية الشهيرة «وحوي يا وحوي» التي تدور في الخلفية. فقال: «والله هذه الأغنية اشتهرت وخلقت مغنيًا كبيرًا وقتها هو أحمد عبد القادر»، فسألته: سنة كم تقريبًا؟ فقال: «قبل عام ثلاثين. الأغنية فيها حيوية ونشاط وفرحة، وكان أحمد عبد القادر صغير السن جدًا وجميل الصوت، وقد اختفى بعد ذلك، فحين تقدَّم في العمر تغيرت نبرة صوته المميزة».

سألته سكينة: «لماذا القديم لا يزال أحلى وأقوى؟»، فرد عليها: «هذه الغنوة جميلة في حد ذاتها، وقد كُتِبت في وقتٍ كانت العبقرية المصرية في أفضل تجلياتها، ورغم الأغاني الجميلة التي قيلت في حب رمضان، إلا أن هذه الأغنية حازت الإعجاب الأكبر، وهي الأحب إلى قلبي».

تحدث محفوظ، بعد ذلك، عن التلفزيون وكيف أصبح شريكًا أساسيًا في كل شيء. قال: «رمضان مرتبط بالسهرات طوال التاريخ، سواء في البيوت أو خارجها، أغلب الناس يسهرون حتى السحور، والتلفزيون يضمن جمهورًا لا يتاح له في أي وقت آخر من السنة، الناس يتخلون عن كل المشاغل بعد الإفطار وحتى السحور، والتلفزيون بما أنه الزائر الأول للناس فإنه يعتني بهذا الشهر عناية خاصة من حيث الترفيه والتوجيه والوعظ والإرشاد».

تعلِّق سكينة فؤاد: «من الجيد أن حضرتك قد ذكرت الوعي والإرشاد حتى لا يظن الناس أن التلفزيون لا يقدم سوى التسالي فقط!»، فيقول: «طبعًا!»، وتسأله: «قبل الراديو والتلفزيون كيف كانت سهرات زمان؟!»، فيجيب: «مختلفة، كانت تلك السهرات تقام دائمًا في بيوت الطبقة الوسطى العليا والأعيان، وقد كانوا يتنافسون في رمضان على جلب المقرئين الكبار، للأذان وتلاوة القرآن، من بعد الإفطار وحتى السحور، كانوا يفتحون بيوتهم لأي شخص عابر، أذكر حارة قرمز المجاورة لحارتنا كانوا كأنهم (بيزاولوا) بعض (يقصد يتناقرون أو يتنافسون)، حيث يؤذن حوالي 12 مؤذنًا في وقت واحد للمغرب من داخل تلك البيوت، وكان منهم كبار مثل الشيخ ندا والشيخ علي محمود، والبيوت تمتلئ بأهل الحي، يهلون لسماع القرآن حتى الفجر. والشعب كان يسهر بشكل عام في المقاهي، ونُمنَح نحن الأطفال خلاله من الحرية ما لا نُمنَحه في الشهور الأخرى». يضحك محفوظ وهو يقول إن «التلفزيون يجمع الأسرة في بيت واحد لكن كل شخص يكون منعزلًا في عالمه، يعني لو أن واحدًا من الأسرة تطفَّل على آخر بسؤالٍ فهو يزعجه. وبالتالي يصبح أفراد الأسرة أجسادًا متراصة بجوار بعضها، وأرواحًا منفصلة، إنما هذا طابع عام».

وتشير سكينة إلى الحي الشعبي وناسه حولها، وتسأله هل رمضان أقوى في الأحياء الشعبية؟ فيقول محفوظ: «فعلًا الأحياء الشعبية هي الأكثر محافظة على القديم والذكريات وأشد تعلقًا بالعبادات والتقاليد الدينية»، وتقول سكينة: إن الإنسان وهو يؤدي الطقوس الحياتية لا ينفصل عن الطقوس الدينية، فيعلق: «ألم الصيام وصبره والفرحة بالإفطار والتسالي والسمر والصلاة والسحور كلها جزء لا يتجزأ، من مجاهدة النفس إلى الترفيه. كلها شيء واحد».

وتقول له: «أعتقد أن القعدة على القهوة ربما تذكرك بالمقهى الذي كنت تجلس فيه تحت الأرض بخان الخليلي وكذلك بمقهى الفيشاوي!»، فيرد: «تقصدين قهوة أحمد عبده! نعم كانت في خان الخليلي القديم قبل تجديده، وكانت تحت الأرض، وكنا ننزل إليها بسلالم. كانت تقع أسفل مقهى الفيشاوي تقريبًا، كما كانت مستديرة وكلها غرف، ووسطها فسقية حولها كراسي، وكانت مشهورة بالشيشة وتقدم أفخم أنواع الشاي»، وتسأله: «هل تتغير عاداتك خلال رمضان في الكتابة؟»، فيقول: «حينما يأتي الشهر الفضيل في الشتاء أكتب فيه، أكتب قبل الإفطار أحيانًا، حتى لا تضيع عليَّ السهرات الرمضانية، وأغلبها أقضيه في الحسين، كنا ننزل من العباسية يوميًّا لنسهر في مقهى الفيشاوي، أنا والشلة، ونتسحَّر فيها ثم نعود إلى العباسية مشيًا على الأقدام، لكن إذا جاء رمضان في الصيف صعب جدًا أن أكتب خلاله».

وفي مقطع آخر على يوتيوب يعرض الإعلامي محمود سعد ببرنامج «باب الخلق» حوارًا أجرته الكاتبة الصحفية سهام ذهني مع محفوظ، تسأله عن الفارق بين رمضان الطفولة ورمضان الآن فيقول: «زمان كان شهر الفرحة والحرية، كانوا يسمحون لنا باللعب والسهر وحمل الفوانيس»، وتسأله: «هل تذكر متى صمت في الطفولة؟!»، فيقول: «نعم في سن السابعة تقريبًا. كنت أخرج من البيت صباحًا وأنظر إلى مسجد سيدنا الحسين، رمضان هو شهر القرآن، وصوت الشيخ علي محمود هو المفضل عندي»، وتسأله عن سورته المفضلة في القرآن؟ فيقول: «سورة الرحمن فيها متعة خاصة، هي سورة جميلة وصافية، عن جزاء الإحسان»، ثم يقرأ محفوظ بعض الآيات: «الرَّحمن، علَّم القرآن، خلق الإنسان، علَّمه البيان»، ويكمل: «أنا قرأت القرآن مرات كثيرة، وبمجرد أن أختمه أبدأ في قراءته من أول وجديد»، وتسأله: «ما أكثر ما أثَّر فيك من رسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم؟»، فيقول: «السيرة كلها مؤثرة، كان سيدنا محمد مثالًا للأمانة، بلَّغ الرسالة، وعانى حتى يفعل ذلك. كان متواجدًا بين الدين وواجبات الدنيا».

وفي كتاب «صفحات من مذكرات نجيب محفوظ» يحكي أديب نوبل لرجاء النقاش ذكرياته مع رمضان. يقول: «بعد ثورة 1919 وتحديدًا 1920 انتقلنا من حي الحسين إلى حي العباسية وسكنا في البيت رقم 9 ش رضوان شكري والحقيقة أن انتقالنا إلى العباسية له سبب وهو أن العائلات الكبيرة في درب قرمز مثل المهيلمي والسيسي والخربوطلي بدأت في النزوح من المنطقة عائلة وراء أخرى وبعد انتقال الأعيان فقدت الحارة بهجتها وروحها وانطفأت الأنوار وانتهت السهرات وشعرنا بعدهم بوحشة شديدة».

ويضيف: «أنا لا أنسى أبدًا مظاهر الاحتفال بشهر رمضان وأيام العيد في بيت القاضي. كنت أشعر بالتجلي في أقصى درجاته. ولا يزال هذا التجلي موجودًا حتى الآن في الحارات الشعبية القديمة، وإن لم يكن بنفس المستوى. وإذا قلنا إن الاحتفال تراجع بشهر رمضان درجتين مثلًا، فإن هاتين الدرجتين تظهران في منطقة مثل الزمالك وكأنهما عشرون درجة أما في حي مثل الحسين فإن الاحتفال بالشهر الفضيل لم يختلف كثيرًا عن الأيام الخوالي. في نهار رمضان كنت تجد كل شيء هادئًا، المقاهي والمحلات مغلقة احترامًا للصائمين، ثم يختلف الأمر بالليل، السهر حتى الفجر، والأطفال في الشارع بالفوانيس، والأنوار والإضاءة في كل مكان، وكأن هناك مهرجانًا لا ينقطع».

وقد كتب محفوظ مقالًا في جريدة «الجمهورية» خلال رمضان، في أبريل عام 1957، بعنوان «الصيام طاعة ومحبة لله»، بدأه على هذا النحو: «قالوا في حكمة الصيام إنه فرض على المؤمنين ليخبروا في أنفسهم آلام الجوع فتنعطف قلوبهم نحو الفقراء، وإنه وسيلة تربوية لشحذ الإرادة واعتياد الصبر، وإنه سبيل إلى تهذيب نوازع النفس وتطهير الروح، كل هذا حق. غير أن المؤمن لا يقبل على الصيام لداعٍ من هذه الدواعي بقدر ما يقبل عليه من طاعة الله ومحبة فيه، وهو يجد في ذلك السعادة دون تعليل أو تأويل، وطاعة الله ومحبته تقتضيان واجبات روحية لعلها أخطر من الصيام نفسه».

ويضيف: «لكن الصيام تذكرة لمن شاء أن يوجِّه ضميره نحو هذه الواجبات لتأملها، والعمل على تحقيقها، فليكن لنا في شهر الصوم فرصة طيبة لمراجعة النفس في سلوكها حيال الحياة والناس، على ضوء مبادئ الدين الخالدة، وأول هذه المبادئ التوحيد وتحرير هذه الروح من عبادة أي شيء أو أي شخص، فلا نعبد إلا الله، وأيضا روح التضامن في المجتمع الإنساني التي جعلت للفقير حقًا في مال الغني ومن هذه المبادئ أيضا التسامح الإنساني، والدعوة الحقة إلى الأخوة الإنسانية والاجتهاد للمؤمن المفكر في إيجاد حلول جديدة في ظروف اجتماعية جديدة».

لكن كيف ظهر رمضان في أعمال محفوظ؟ لقد صورت الثلاثية بعض المشاهد العابرة، ففي رواية «بين القصرين»، تسخر خديجة من نحافة عائشة، وتتهمها بأنها تفطر في رمضان ولذلك لا يبارك لها الله، تقول لها بالنص: «كلنا نصوم رمضان إلا أنت، تتظاهرين بالصوم، وتندسين في حجرة الخزين كالفأرة وتملئين بطنك بالجوز واللوز والبندق، ثم تفطرين معنا بنهم يحسدك عليه الصائمون ولكن الله لا يبارك لك»!

ويدور الحوار في «قصر الشوق» حول رمضان بين كمال عبد الجواد وصديقه حسين شداد وأخته عايدة. يقول كمال لحسين:

«إن احتفالكم بشهر رمضان يفوق كل وصف، أنوار تضاء، قرآن يتلى في بهو الاستقبال، المؤذنون يؤذنون في السلاملك»، فيرد حسين: «إن أبي يحيي ليالي رمضان حبًا وكرامة واستمساكًا بالتقاليد التي اتبعهـا جـدي، وإلى هذا فهو وماما يواظبان على الصوم..‏».

لكن في رواية «خان الخليلي» يبدو رمضان جزءًا من الأحداث. كتب نجيب محفوظ تلك الرواية ليخلِّد ذكرى صديق يدعى شكري عاكف. كبرا معًا وارتبطا بعلاقة قوية، وأصبح كل منهما بمثابة خازن الأسرار للآخر، لكن رشدي يمرض فجأة بالسل، في وقت كان علاجه لا يزال بدائيًّا، ويموت، مخلفًا الصدمة الكبرى لصديقه.

يحكي محفوظ عن عائلة رشدي وكيف اضطرت للنزوح من السكاكيني هربًا من قنابل الألمان الفسفورية إلى خان الخليلي. وكيف يقع الأخوان أحمد ورشدي عاكف دون أن يدريا في هوى الجارة «نوال»، وكيف فضَّلت هي رشدي الأصغر والأكثر وسامة، على أحمد الكهل المتردد الذي زحف الصلع على رأسه وجعله يبدو كموظف عتيق الطراز.

في هذه الرواية ينسج محفوظ كل تفصيلة رآها في هذا الحي خلال طفولته، خاصة في رمضان، وقد اقترب الشهر الفضيل فلم يعد يفصل بين هلاله وبين الطلوع سوى أيام قلائل، وكعادة أي أسرة كان لا بد من الاستعداد له بشراء النُقْل والزبيب والقطائف، لكن أحمد عاكف الحريص جدًا، يستبسل في مواجهة أبيه وأمه، وقد كان هو من ينفق على البيت من جيبه، وكره أن يضع زيادة في ميزانية رمضان، غير أنه يرضخ أمام مهابة أبيه القديمة، خاصة بعد أن قال له الأب بالصوت العالي: «ولا تغلُلْ يدك إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط»، وكذلك: «حَسْبُنا قليلًا من الصنوبر والزبيب لضرورتهما في الحشو، ونصف لفة قمر الدين لتغيير الريق، ولنقنع من الكنافة بمرة واحدة، ومن القطائف -وهذه لا تُقلى في السمن- بمرتين، وليس هذا عليك بكثير».

يعطينا محفوظ لمحة عن الحياة في ذلك الوقت، حيث كانت الحكومة تحرّم بيع اللحم إلا في أيام محددة، لكنها في رمضان أتاحت الذبح والبيع يوميًّا، وهو ما أصبح عبئًا مضاعفًا على أحمد أيضًا، فحاول عبثًا إفهام والديه أن شراء رطل من اللحم يوميًّا يرهق ميزانيته، لكن الأب يقول له بدهاء: «صدقت والأفضل أن نمتنع عن اللحوم مرة كل ثلاثة أيام»!

يسرد محفوظ حالة رمضان في واحدة من أهم الحارات المصرية: «انشغلت الأم في الأيام الباقية بتهيئة المطبخ، وتبييض الأواني وتخزين ما تيسَّر من النُقْل والسكر والبصل والتوابل، وكان لمقدم رمضان في نفسها فرحة وسرور، ولو أنها لم تؤدِّ فريضة الصيام إلا منذ سنوات قلائل، إذ إنه شهر المطبخ كما أنه شهر الصيام، أو لأنه شهر الصيام، وأجمل من هذا أنه شهر الليالي الساهرة، والزيارات الممتعة، حيث تدار الأحاديث على قزقزة اللب والجوز والفستق. ومن حسن الحظ أن رمضان وافق ذاك العام شهر أكتوبر، وهو شهر معتدل، وغالبًا ما يصفو جوه ويطيب فيلذ فيه السهر حتى يتبين الخيط الأسود من الخيط الأبيض من الفجر. وجاء مساء الرؤية، وانتظر الناس بعد الغروب يتساءلون، وعند العشاء أضاءت مئذنة الحسين إيذانًا بشهود الرؤية -وقد اجتزأوا بالإضاءة عن إطلاق المدافع لظروف الطوارئ- وازينت المئذنة بعقود المصابيح مرسلة على العالمين ضياء لألاء، فطاف بالحي وما حوله جماعات مطبلة هاتفة «صيام صيام كما أمر قاضي الإسلام» فقابلها الغلمان بالهتاف والبنات بالزغاريد، وشاع السرور في الحي كأنما حمله الهواء الساري».

ويقول الأب لابنه: «وماذا رأيت مما رأيت يا غلام؟.. أشهدت رمضان في حينا الجديد هذا قبل اندلاع الحرب؟.. إنه النور والسرور، إنه الليل المنير اليقظان، إنه الليل العامر بالسمار والمنشدين واللهو البريء. وفي أيام الفتوة والصحة كنت أسري قبيل السحور بساعة في جمع من الإخوان من السكاكيني إلى حينا هذا نتسحر كوارع ولحم الرأس وندخن البوري في مقهى الحسين ونستمع إلى أذان الشيخ علي محمود ثم نعود مع الصباح الباكر»..

ويواصل محفوظ سرده الممتع عن رمضان مقتربًا من مشاعر بطله: «شاهد أحمد عاكف شعاع الشمس الأخير يتقلص عن أسوار العمارات التي تواجهه من وراء مربع الحوانيت العظيم، والنوافذ المفتوحة تعلن عن السُفَر الحافلة وعلى الشرفات انتصبت القلل لتبرد وانتثرت أطباق الخشاف المكللة بغلالات بيض، وأتى الهواء بروائح التقلية ونشيش المقليات فتاه في دنيا الطعام الساحرة.. ثم تحول عن هذه النافدة إلى النافذة الأخرى المطلة من جنب على خان الخليلي القديم ففتحها وارتفق حافتها، ورمى بطرفه إلى الحي القديم فوجده صامتًا ساكنًا تلوح قبابه المعزية كأنها تسجد تحية للشمس المولية».

يرى أحمد عاكف حب حياته في الشرفة لأول مرة، نوال. لكن قصة الحب تتحول بمرور الوقت إلى كارثة، أولًا حين اكتشف أن شقيقه الغافل رشدي يشاركه حبها، وانتهاء بمرضه بالسل ورحيله الفاجع.

حسن عبدالموجود صحفي وقاص مصري

مقالات مشابهة

  • نجيب محفوظ.. وأيام اللهو في رمضان
  • البناء والأخشاب تجدد دعمها القيادة السياسية في الحفاظ على أمن مصر القومي
  • وفاة مدير الدفاع المدني السابق ومستشار وزير الداخلية الفريق كاظم بوهان
  • وفاة مدير الدفاع المدني السابق الفريق كاظم بوهان إثر جلطة قلبية
  • محافظ قنا يهنئ القيادة السياسية والدينية بمناسبة ليلة القدر
  • برلمانية: رفض القيادة السياسية للعنف ضد المرأة يؤكد دعمها لحقوقها
  • المرأة المصرية| القانون يحيمها من العنف والتمييز.. والقيادة السياسية تعزز مكانتها كشريك أساسي في بناء الدولة
  • وصول حافلة الزمالك إلى استاد الكلية الحربية لخوض لقاء بتروجت
  • "العمل" تطلع على تدريب طلبة "الكلية المهنية" بالخابورة
  • طفلة مصرية في مجلس القيادة العالمي لمبادرة الأمم المتحدة "أجيال بلا حدود"