فوزي حساينية عرفت الساحة الثقافية والأدبية الجزائرية في المدة الأخيرة العديد من الأحداث الثقافية والأدبية التي تعد جزء من حركية الإبداع والنشاط الفكري والثقافي الذي يضطلع به مثقفون ومبدعون في شتى مجالات القول والفعل الثقافي والأدبي، مبدعون ومثقفون يصنعون جماليات المشهد الثقافي مغربا ومشرقا، ويؤكدون عمق وحيوية المبدع شاعرا أو أديبا أو روائيا، ودوره ليس فقط في تقديم منجز جديد يتفاعل مع ما سبق ، بل والمساهمة النوعية في إعادة بناء التصورات، وصياغة كبرى المشاهد التاريخية والثقافية ماضيا وحاضرا صياغة جديدة تستلهم تحولات الأمكنة وجديد الأزمنة .

. وفي هذا الصدد ، تأتي ألفية الجزائر للكاتب والشاعر الجزائري إبراهيم قارعلي كمنجز أدبي ثقافي يكشف بوضوح عن طول النفس الإبداعي ، ومقدرة الانتصار للفعل الثقافي والأدبي انتصارا إبداعيا لامجال فيه للعجلة والتلهف على الشهرة وطلب الصيت ، ولا للميوعة ولا للعقد النفسية والأيديولوجية ، وهي العوامل التي خنقت قدرات بعض الأدباء والشعراء في المهد ، وأطاحت بآخرين بالضربة القاضية، فالشاعر إبراهيم قار علي في ألفيته الملهمة التي يستحق عليها التكريم والتقدير قد جدد العهد بعظماء الشعراء في التاريخ الثقافي والأدبي العربي، كما سأوضح في دراسة خاصة ومعمقة حول الإلياذات الثلاثة ، بعنوان : رؤية في المُشترك، وتفكيك لخصوصيات الإبداع. غير أنني في هذا المقال الموجز، أريد فقط أن أشير إلى حقيقة تتعلق بالتاريخ الثقافي والأدبي للجزائر مند استردادها لسيادتها سنة 1962، فالمعروف لدى الجميع أن إلياذة شاعر الثورة الجزائرية مفدي زكرياء هي أول إلياذة توشحت بها الجزائر المستقلة سنة 1972، وبهذه المثابة تكون ألفية الشاعر إبراهيم قار علي التي نحتفل بها هذه الأيام هي ثاني إلياذة ، هذا ما كتبته الكثير من الصحف العربية والجزائرية، وتحدثت عنه فضائيات جزائرية عديدة ، والكل معذور في اعتقادهم هذا، لكن الواقع ليس كذلك ، فإلياذة مفدي زكرياء في الواقع هي ثاني إلياذة شهدتها الجزائر المستقلة، وبذلك تكون ألفية الشاعر إبراهيم قار علي الرائعة هي الثالثة في هذا المجال، وهنا لابد وأن يتساءل القارئ عن أول إلياذة شهدتها الجزائر بعد استرداد استقلالها الوطني ؟ وهو سؤال مشروع، والإجابة عليه ضرورية من أجل إنصاف الحقيقة التاريخية التي تهم التاريخ الثقافي والأدبي الجزائري المعاصر، وأنا أعرف أن الإجابة قد تكون مصدر دهشة أو على الأقل عامل مفاجئة للكثيرين ممن درسوا وتعلموا أن إلياذة شاعر الثورة الجزائرية مفدي زكرياء هي أول إلياذة في تاريخ الجزائر المستقلة ، في حين أن الحقيقة التاريخية تقول : أن أول إلياذة كُتبت- لكن لم تُنشر في وقتها- بعد استرداد السيادة الوطنية هي للشاعر والمجاهد عضو جيش التحرير الوطني عيسى دهان الذي انتهى من كتابة إلياذته في آواخر شهر رمضان سنة 1967 ببلدية تاملوكة التي هي إحدى بلديات جنوب غرب ولاية قالمة شرقي الجزائر، لكن لماذا لم تعرف الساحة الثقافية والأدبية الجزائرية إلياذة الشاعر عيسى دهان لغاية اليوم ؟ وقبل أن أجيب على هذا السؤال ، أود أن يعرف القارئ من هو عيسى دهان ، وماهي إلياذته ؟ ولد رجل الرصاص والكلمة الشاعر والمجاهد عيسى دهان يوم 01 أفريل 1930 ببلدية تاملوكة المشار إليها أعلاه، حفظ القرآن الكريم في عمر الأربع عشرة سنة، وفي سنة 1948 التحق بمدرسة الكتانية بقسنطينة مختصرا بجده واجتهاده سنوات الدراسة الأربع في سنتين لينتقل سنة 1949 إلى جامع الزيتونة بتونس أين تحصل على شهادة   الأهلية ثم شهادة  التطويع سنة1955  ليعود في أواخر نفس السنة إلى مسقط رأسه ببلدية تاملوكة وشرع كعادته في تقديم دروس تعليمية لأبناء قريته، لكن مع مطلع سنة 1956 اقتحمت وحدة عسكرية فرنسية منزلهم العائلي وقامت بقتل والده ، ولم يتمكن الشاب عيسى دهان من النجاة من مصير والده إلا بفضل عدم اكتشاف قوات العدو لمخبأه، وعلى إثر ذلك مباشرة التحق بالثوار في الأوراس خلال الثلاثي الأول من سنة 1956، وقد كان على سابق اتصال بهم ، مما سهل له مهمة الالتحاق بصفوف المجاهدين، وشارك في معركة آرقو الشهيرة في 17جوان 1956 بالجبل الأبيض أين أُصيب بجروح بليغة في عضده الأيسر فنقل إلى تونس للعلاج ، وبعد تعافيه عاد إلى صفوف جيش التحرير الوطني بالولاية الثانية أين طلب منه القائد خليفة ختلة كتابة نشيد للمجاهدين بالمنطقة ، فكتب وهو بجبل بوعربيد غرب قالمة، قصيدة بعنوان: أغنية المجاهدين التي صارت أغنية محبوبة ترددها كتائب ووحدات جيش التحرير بجبال ومناطق الولاية الثانية التاريخية، ليلتحق مرة أخرى بتونس سنة 1958أين كُلف بدائرة الاتصال مع الولايات الداخلية في غار دماو مقر قيادة جيش التحرير الوطني، وفي شهر مارس 1959 تم تكليفه بقيادة قافلة من المجاهدين إلى الولاية الثانية ، فأدى مهمته بنجاح وعاد إلى تونس ضمن فريق مكلف بالتسليح ، وقد تولى سنة 1961 مهمة المحافظ السياسي وهو برتبة  ملازم أول، بعد سنة 1962 غادر صفوف الجيش ممارسا العديد من المسؤوليات الانتخابية المحلية والإدارية إلى غاية وفاته المفاجئة يوم 23 جانفي 1977 ولما يصل بعد إلى الخمسين من العمر. والآن ، ماذا عن إلياذته ؟ تتكون إلياذة الشاعر عيسى دهان من 630 بيت موزعة على ثلاث وستين مقطعا بحيث يضم كل مقطع عشرة أبيات لذلك أطلق عليها الشاعر اسم الملحمة العشرية التي اختار لها بحر الرمل وجاء في مطلعها: – أيها الراوي سجى الليل وجن… وربات الشعر صداح مرن. – فأرونا وأحك كلاما شيقا….كحديث النفس فالدنيا أذن.   وهي تشترك مع إلياذة مفدي زكرياء وألفية إبراهيم قارعلي في العديد من النقاط مثل: التناول الشامل لتاريخ الجزائر دون إقصاء أي جزء منه ، والإشادة بعظماء الرجال في هذا التاريخ ، من قرطاجة إلى ماسينيسا ويوغرطة وصولا إلى الأمير عبر القادر وأبطال ثورة أول نوفمبر، وتشترك الإلياذات الثلاث أيضا في إيمان عميق ورائع بوحدة المغرب العربي كتراث مضى و كمستقبل آت،كما تضمنت الإلياذات الثلاث العمق العربي للجزائر كل على طريقتها ، وبالمختصر المفيد فالإلياذات جميعها عكست تفاؤل التاريخ ، وقوة الاعتقاد بعظمة الإسلام ووحدة المصير العربي، ورفض التجزئة ، وإدانة الكيان الصهيوني والاعتزاز بصمود وبطولة الشعب الفلسطيني، كما تعد ثورة أول نوفمبر ومبادئها ورسالة شهدائها، محورا مركزيا فيها جميعا ، وفي الدراسة التي أعكف عليها حاليا سأوضح بإذن الله مضمون وأبعاد كل إلياذة ، ونقاط الالتقاء وطرق التناول والتصور، وجوانب الفن والإبداع لدى الشعراء الثلاثة ، ومن أين يبدأ مكان وزمان كل إلياذة وأين ينتهي. في الانتظار من الواجب أن أوضح أن إلياذة الشاعر عيسى دهان ومنذ أن انتهى من كتابتها سنة 1967 ظلت على شكل مخطوطة في البيت العائلي رفقة عشرات القصائد التي كتبها الشاعر خلال مسيرته الثورية والإبداعية في شكل ديوان يحمل عنوان نبراس الأوراس إلى أن قام الشاعر والأديب واللغوي المعروف الأستاذ محمد بن رقطان بتحقيق هذا الديوان تحقيقا دقيقا ووضع له العديد من الهوامش التوضيحية، مع مقدمة تعريفية بمضمون الديوان، وخلاصة وافية عن حياة هذا الشاعر الثائر الذي لا يزال مجهولا جزائريا وعربيا.  وقد صدر هذا الديوان في طبعته الأولى سنة 2018 عن دار المعارف للطباعة والنشر بولاية عنابة في 156 صفحة من الحجم المتوسط، متضمنا  عشرين قصيدة ، فضلا عن الملحمة العشرية ، وعليه فإن تاريخ صدور هذا الديوان يفسر  لماذا لاتعرف الساحة الثقافية والأدبية في الجزائر حقيقة أن الشاعر والثوري عيسى دهان هو صاحب أول إلياذة وُضعت في تاريخ الجزائر بعد استرداد استقلالها. وقد بدأ عيسى دهان نظم الشعر منذ صغره ، وواصل نظمه وهو طالب في تونس ، وقد تناول في قصائده مختلف الأغراض التي عرفها الشعراء العرب عبر التاريخ ، كوصف الطبيعة والفخر بشعبه والحب والغزل، كما كان لشعر التأمل والحكمة نصيب من اهتماماته الشعرية، أما فيما يخص الكفاح الوطني والنضال والتضامن القومي والانتماء الحضاري فقد ترك فرائد من الدرر، كما جادت قريحته بالعديد من القصائد الثورية الرائعة التي نظمها وهو يخوض الكفاح المسلح ضمن وحدات جيش التحرير، كقصيدة رسالة من الأوراس التي خلد فيها معركة آرقو الشهيرة بالجبل الأبيض، وقصيدة نشيد الشمال التي تناول فيها هجومات الشمال القسنطيني 20أوت 1955 ، والأحداث الدامية التي كانت تهز تونس والمغرب آنذاك ، كما أشاد بالتضامن المغاربي والعربي مع الثورة الجزائرية، وخلد استشهاد زملائه ومنهم شقيقه الصادق دهان، ومثل قصيدة عروبتي-52بيتا- التي تناولت الحرب العربية الإسرائيلية ونجاح الجيش المصري في تحطيم خط بارليف، وبطولة الجيش العربي السوري في مواجهة الجيش الصهيوني الغاصب المعتدي.. والخلاصة أن عيسى دهان توفرت له جملة من المعطيات التي ساعدته على أن يكون الشاعر الذي كتب أول إلياذة في تاريخ الجزائر، ومن هذه المعطيات أنه نشأ نشأة وطنية فقد كان والده مناضلا في صفوف حركة الانتصار للحريات الديمقراطية، كما أن عيسى دهان تمتع بإرادة وإصرار كبير على الدراسة والتعلم وخاصة في التاريخ واللغة والأدب، لذلك حفظ القرآن صغيرا ودرس في قسنطينة وتونس، وتعلم اللغة الفرنسية حتى أجادها، وجاء استشهاد والده ، ثم استشهاد شقيقه ، وإلتحاقة بالثورة في الجبال ومشاركته في مختلف المهام الثورية داخل وخارج الوطن ليجعل منه شاهدا ممتازا على زمنه شاعرا ومجاهدا وإنسانا. كاتب من الجزائر

المصدر: رأي اليوم

كلمات دلالية: العدید من فی هذا

إقرأ أيضاً:

"جمعية الذكاء الاصطناعي العُمانية".. بوابة للإبداع والابتكار

عارف بن خميس الفزاري

persware@gmail.com

 

في ظلّ التغيرات المتسارعة التي يشهدها العالم في مجالات التقنية والذّكاء الاصطناعيّ، تبرز الحاجةُ المُلحّة إلى تأطير هذه الطفرات التقنية ضمن مؤسسات وطنية تُعنى بتطويرها وتسخيرها لخدمة المجتمع ومؤسسات القطاعين العام والخاص.

والذّكاء الاصطناعيّ، كما يصفه كلاوس شواب مؤسس المنتدى الاقتصادي العالمي "لن يُغيّر ما نفعله فقط، بل سيُغيّر من نكون" (شواب، 2016)، وهو ما يُعزّز الشعور بالحاجة إلى تبنّي هذا التحول بشكل مؤسسي منظم. ومن هذا المنطلق، تتجلّى أهميةُ إنشاء جمعية وطنية تُعنى بالذّكاء الاصطناعيّ في سلطنة عُمان، بوصفها خطوةً استراتيجية نحو بناء مجتمعٍ معرفيٍّ مستدام، يواكب تطلعات رؤية عُمان 2040، ويُعزّز مكانة سلطنة عُمان إقليميًّا ودوليًّا في مجالات الابتكار والتقنية. ويُشير تقريرٌ صادر عن مؤسسة برايس ووترهاوس كوبرز (PwC) في عام 2017م إلى أنّ الذّكاء الاصطناعيّ سيُسهم في تعزيز الاقتصاد العالمي بنسبة تصل إلى 14% بحلول عام 2030، وهو ما يعادل زيادة تُقدّر بـ15.7 تريليون دولار أمريكي، وذلك نتيجةً للتطور المتسارع واعتماد تقنيات الذّكاء الاصطناعيّ في شتى المجالات. ويُعزى هذا التأثير الاقتصادي إلى عدة عوامل، من أبرزها: مكاسب في الإنتاجية من خلال قيام الشركات بأتمتة العمليات (بما في ذلك استخدام الروبوتات والمركبات ذاتية القيادة)، ومكاسب أخرى في الإنتاجية من خلال تعزيز القوى العاملة الحالية في الشركات عبر تقنيات الذكاء الاصطناعي (الذكاء المعزز)، إضافة إلى زيادة في الطلب الاستهلاكي نتيجة توافر منتجات وخدمات مُحسّنة وذات جودة أعلى مدعومة بتقنيات الذّكاء الاصطناعيّ، سواءً من حيث التخصيص أو الكفاءة.

إنّ فكرة تأسيس جمعية وطنية في سلطنة عُمان تُعنى بالذّكاء الاصطناعيّ لا تقتصر على كونها إطارًا تنظيميًا، بل تُعد جسرًا نحو المستقبل، يجمع العقول المبدعة ويحتضن الابتكارات ويهيئ بيئة خصبة للإبداع التقني والمعرفي. ومن خلال هذه الجمعية، يمكن للأفراد لا سيما فئة الشباب، تحويل أفكارهم ومبادراتهم إلى مشاريع واقعية قابلة للتطبيق، تُسهم في حل مشكلات المجتمع وتحسين جودة الخدمات وزيادة الإنتاجية في القطاعين العام والخاص. ويمكن للجمعية أن تؤدي دور الحاضنة المجتمعية، من خلال تعزيز الوعي بتقنيات الذّكاء الاصطناعيّ وتقديم الدعم الفني والاستشاري للمؤسسات والأفراد، إلى جانب إرساء مسارات تعليمية وتدريبية متقدمة بالتعاون مع المؤسسات التعليمية والأكاديمية والبحثية. كما يُمكن أن تُسهم في تنمية رأس المال البشري عبر تنظيم الورش والدورات التدريبية والمسابقات والمشاركة في الفعاليات المحلية والإقليمية والدولية. ولا يمكن الحديث عن جمعية الذّكاء الاصطناعيّ دون الإشارة إلى أهمية التكامل بينها وبين الجمعية العُمانية لتقنية المعلومات، إذ يُمكن أن تتعاون الجمعيتان في مجالات عديدة، من أبرزها تطوير الاستراتيجيات الرقمية وتنظيم الفعاليات الوطنية وبناء القدرات وتبادل الخبرات الفنية بما يُسهم في تعزيز البنية الرقمية لسلطنة عُمان وتوحيد الجهود الوطنية في مجال التكنولوجيا والتحول الرقمي. إنّ تكامل الأدوار بين الجمعيتين يُعد ركيزة أساسية لخلق بيئة أكثر انسجامًا وكفاءة وضمانًا لتفادي الازدواجية في المبادرات وتسريع وتيرة التقدم نحو اقتصاد معرفي مستدام.

على المستوى المجتمعي، يُمكن أن تُسهم الجمعية في ترسيخ الثقافة الرقمية لدى المواطنين، ودمج الذكاء الاصطناعي في تفاصيل الحياة اليومية، بدءًا من التعليم والرعاية الصحية وصولًا إلى النقل والخدمات العامة. كما يمكن أن تُوفر للمواطنين فرصة التفاعل المباشر مع التقنية، ليس كمستهلكين فحسب؛ بل كمطورين ومبتكرين وصنّاع للتغيير. أما على الصعيد المؤسسي، فيمكن أن تُتيح الجمعية منصة متخصصة لتقديم الاستشارات للقطاعين العام والخاص في مجالات توظيف الذّكاء الاصطناعيّ، وتساعد المؤسسات على تصميم حلول ذكية تتناسب مع طبيعة أعمالها، بما يُسهم في رفع الكفاءة التشغيلية وتقليل التكاليف وتحسين جودة الخدمات.

تُشير تجارب عدد من الدول إلى أهمية إنشاء جمعيات وطنية تُعنى بالذّكاء الاصطناعيّ، لما لها من دور فاعل في دعم الابتكار وصناعة المستقبل. ففي الكويت، تأسست جمعية الذّكاء الاصطناعيّ للأشياء عام 2021، بهدف نشر ثقافة الذّكاء الاصطناعيّ وتعزيز التمكين الرقمي بما يتماشى مع رؤية الكويت 2035، وذلك من خلال برامج تدريبية وجهود توعوية ومشاريع بحثية. وتركز الجمعية على تطبيقات الذّكاء الاصطناعيّ وإنترنت الأشياء والأمن السيبراني. أما في الولايات المتحدة الأمريكية، فتُعد جمعية النهوض بالذّكاء الاصطناعيّ (AAAI)، التي تأسست عام 1979 من أبرز الجهات العالمية في هذا المجال. وقد أسهمت في تطوير الأبحاث وبلورة السياسات وتنظيم المؤتمرات والتعامل مع القضايا الأخلاقية والاجتماعية للذّكاء الاصطناعيّ، من خلال مُبادرات متخصصة تجمع الباحثين والممارسين وتقدم دراسات أصبحت مرجعًا لصنّاع القرار. وفي الصين، تم تأسيس الجمعية الصينية للذّكاء الاصطناعيّ (CAAI) عام 1981، كأول جمعية وطنية من نوعها تحت إشراف وزارة العلوم والتكنولوجيا.

وتضطلع الجمعية بدور محوري في دعم البحث العلمي والتعليم وتعزيز الشراكة بين القطاعين الأكاديمي والصناعي. ومن أبرز أنشطتها: تنظيم المؤتمرات، وإصدار المجلات العلمية وتقديم الاستشارات الفنية للقطاع العام، بالإضافة إلى تنظيم المؤتمر السنوي الصيني للذّكاء الاصطناعيّ (CCAI)، الذي يُعد منصةً عالمية تجمع الباحثين والخبراء والمبتكرين من مختلف أنحاء العالم. يهدف المؤتمر إلى عرض أحدث ما توصلت إليه الأبحاث والتقنيات وتشجيع التعاون بين المؤسسات الأكاديمية والصناعية والحكومية، إلى جانب مناقشة تحديات التقنيات الذكية مثل التعلم العميق والروبوتات وغيرها. ويأتي تنظيم هذا المؤتمر انسجامًا مع استراتيجية الصين الطموحة لتصبح رائدة عالميًا في مجال الذّكاء الاصطناعيّ بحلول عام 2030.

وتُشكل هذه التجارب الدولية نماذج مُلهمة يُمكن الاستفادة منها، حيث إنّ وجود جمعية متخصصة في الذّكاء الاصطناعيّ من شأنه أن يُعزز مكانة سلطنة عُمان في التقارير العالمية المعنية بالجاهزية الرقمية والابتكار والذّكاء الاصطناعيّ، كما يفتح آفاقًا واسعة للتعاون الدولي وتبادل الخبرات، بما يرسّخ حضور سلطنة عُمان كمركز معرفي واعد في المنطقة.

وعليه، فإن إنشاء جمعية تُعنى بالذّكاء الاصطناعيّ يُعد استثمارًا استراتيجيًا لمستقبل سلطنة عُمان، وركيزة أساسية لبناء مجتمع معرفي مبدع ومبتكر ومتفاعل، يستند إلى العلم والمعرفة والتقنيات الحديثة. ومن شأن هذه الجمعية أن تكون جسرًا نحو المستقبل، يربط بين الحاضر وتطلعات الغد، ويوحّد جهود الأفراد والمؤسسات نحو تنمية شاملة ومستدامة، تُسهم في رفع جودة الحياة وتعزيز الاقتصاد الوطني وتمكين الأجيال القادمة من أدوات المستقبل.

مقالات مشابهة

  • كبرتوا الموضوع.. إسلام فوزي يطمئن جمهوره عن حالته الصحية
  • "حد يخبر سهيل"
  • «الرئاسة» تتوشح بـ«رموز اللقايا» في مهرجان المرموم التراثي
  • اليوتيوبر إسلام فوزي يتعرض لأزمة صحية وزوجته تطلب الدعاء له
  • الإمارات مهد الابتكار والإبداع.. ووصفة العالم لطالبيهما
  • زوجه إسلام فوزي تطلب الدعاء له بعد تعرضة لوعكة صحيه مفاجئة
  • فوزي لقجع يقيم حفل تكريم للأشبال أبطال أفريقيا ويطلعهم على رسالة التهنئة الملكية
  • المولودية تُدين الاعتداءات التي تعرض لها الأنصار في طريق العودة من بسكرة
  • "جمعية الذكاء الاصطناعي العُمانية".. بوابة للإبداع والابتكار
  • قلق أممي من الضربات الأمريكية التي دمرت ميناء رأس عيسى النفطي باليمن