أوليفييه دوزون يكتب: الخيانة الثانية.. كيف طعنت واشنطن فرنسا فى النيجر؟.. الاتفاق السرى الأمريكى مع نيامى يفسر سبب انتظار باريس قبل الانسحاب
تاريخ النشر: 4th, December 2023 GMT
طعنت الولايات المتحدة فرنسا فعليًا في الظهر في النيجر بعد إبرامها اتفاقًا سريًا مع نيامي، بعد عامين تقريبًا من اليوم الذى تمت فيه خيانتها لفرنسا أيضًا في منطقة آسيا والمحيط الهادئ خلال اتفاق سري أبرم مع أستراليا والمملكة المتحدة وهو اتفاق أكواس AUKUS، الذى جاء بعد أن فسخت أستراليا عقدها مع فرنسا لتوريد غواصات حربية.
وتوجهت نحو واشنطن ولندن فى إطار هذا الاتفاق لمساعدة كانبرا في تطوير ونشر غواصات تعمل بالطاقة النووية، إضافة إلى تعزيز الوجود العسكري الغربي في منطقة المحيط الهادئ.
الخيانة الثانية
وفي الواقع، أعلنت فرنسا أنها لن تسمح للمجلس العسكري النيجري "بطردها من البلاد" وذلك قبل أقل من أربعة أشهر بقليل، في بداية أغسطس ٢٠٢٣، لتعلن أخيرًا في سبتمبر أن جنودها البالغ عددهم ١٥٠٠ جندي المتمركزين في النيجر سيغادرون بحلول نهاية عام ٢٠٢٣.
لكن باريس ظلت حتى الآن متمسكة بالمطالب المتعلقة بشرعية الرئيس المخلوع محمد بازوم، ورفضت المغادرة إلا إذا طلب منها الأخير ذلك.
وأصرت القوة الاستعمارية السابقة آنذاك على أنها ستدعم عملية المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا التي تهدف إلى إعادته إلى السلطة، إذا وافقت السياسة الأفريقية على ذلك.
من المؤكد أن هذا التحول الفرنسي يمثل هزيمة استراتيجية وأكثر إذلالًا لفرنسا. وهو يميل إلى تسليط الضوء على الفشل الهائل للسياسة الأفريقية للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
ولو كانت فرنسا قد انسحبت في وقت سابق، وبشروطها الخاصة، متذرعة بأي ذريعة بعد الانقلاب العسكري «الوطني» صيف ٢٠٢٣، (طبعا قبل أن تطلب سلطات المجلس العسكري المغادرة)، لكانت فرنسا قادرة على إنقاذ نفسها ولكانت أيضًا قادرة على جعل هذا الانسحاب يبدو إيجابيًا.
وبدلًا من ذلك، اختارت باريس البقاء في النيجر، وذلك ببساطة لأن فرنسا اعتقدت أن المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا سوف تتحرك.
ومن خلال القيام بذلك، أرسل الفرنسيون إشارة إلى وجود خطة قائمة، تدعو إلى انسحاب المجلس العسكري أو حتى استبداله، ولو جزئيًا بفصيل عسكري موالٍ لفرنسا، لصالح انقلاب آخر. والذي سيكون أكثر ملاءمة له. ولكن لم يتحقق أي من هذا، كما لم يحدث أي تحرك عسكري من جانب المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، مما يشير إلى حدوث خطأ ما.
في هذا السياق، نحاول أن نسلط الضوء على تزامن زيارة الجنرال مايكل لانجلي، قائد الجيش الأمريكي في أفريقيا إلى النيجر، مع رحلة نائبة وزير الخارجية الأمريكية فيكتوريا نولاند إلى نيامي في أوائل أغسطس ٢٠٢٣، أي بعد أن طلبت السلطات العسكرية انسحاب القوات الفرنسية.
ونشرح فى هذا التحليل أيضًا كيف وضع هذا التطور فرنسا في موقف دفاعي استراتيجي، مما يوضح أن أمريكا استفادت من النكسات الإقليمية لشريكتها في الناتو.
ومن خلال التكيف بمرونة مع الاتجاهات المتعددة الأقطاب التي اجتاحت منطقة الساحل، تمكنت واشنطن من استبدال الدور الأمني التقليدي لباريس في النيجر. وكان لذلك أثره في دمج قاعدتين أمريكيتين في تحالف الساحل الذي تأسس بعد أيام قليلة فى بوركينا فاسو ومالي.
وكما سنفهم، فقد أحبطت واشنطن العملية العسكرية للمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا التي خططت لها فرنسا والتي كانت ستسمح لباريس بالاحتفاظ بهذه المنشآت العسكرية.
وهكذا، فإن الاتفاق السري الأمريكي النيجيري وحده هو الذي يفسر بشكل متماسك سبب انتظار فرنسا كل هذا الوقت للانسحاب.
واعتقدت باريس أن عليها أن تأمل في أن تأمر واشنطن المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا بغزو النيجر؛ والتي كانت ستنقذ قاعدتيها العسكريتين ذلك. ومع ذلك، بدا هذا الموقف واضحًا، حيث كانت الولايات المتحدة تخشى النفوذ الروسي وزيادة الهجمات الإرهابية في المنطقة بعد الانقلاب.
من وجهة نظر الولايات المتحدة؛ فإن هذا هو السيناريو المثالي نظرًا للظروف التي وجد صناع القرار أنفسهم فيها بعد الاستحواذ، غير قابل للتنفيذ.
وكان من شأن عملية عسكرية تابعة للمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا أن تخاطر بإشعال حرب أوسع ومن الممكن أن توفر المزيد من الفرص لتوسيع النفوذ الروسي.
ولذلك توصلت واشنطن إلى أنه من الأفضل استبدال فرنسا في النيجر وبالتالي احتواء النزعة الفرنسية المتعددة الأقطاب. وجاء هذا الموقف بمثابة صدمة لفرنسا.
ومع ذلك، قدرت الولايات المتحدة أن الأضرار الجانبية لن تؤثر على علاقاتها، حيث أظهرت فضيحة AUKUS أن فرنسا ستعود إليها دائمًا، مثلما حدث بالفعل.
بالإضافة إلى ذلك، فإن استبدال فرنسا في "أراضيها الأفريقية" يسمح للولايات المتحدة بإدارة عواقب المغادرة القسرية لـ"شريكتها" في النيجر، مع زيادة اعتماد باريس على واشنطن.
من الناحية العملية، بالنسبة للولايات المتحدة، فإن الأمر يتعلق أيضًا بملء جزء من الفراغ الذي خلفه الانسحاب الذي اعتبرته فرنسا، رغمًا عنها، حتميًا من منطقة الساحل الأفريقي، بدلًا من التنازل عن كل شيء للوفاق الصيني الروسي.
وفي هذه الحالة فإن التنازلات الوحيدة التي تستطيع الولايات المتحدة تقديمها تتلخص في قبول بعض التوسع في النفوذ الصيني الروسي (نظرًا لعدم قدرتها على منعه بالكامل) وقبول الجوانب القاتمة المفترضة للشراكة مع المجلس العسكري.
و"إذا غادرت الولايات المتحدة النيجر، فإن الإرهابيين والروس سينتصرون"، ومن الأفضل البقاء هناك رغم المجلس العسكري بدلًا من الانسحاب احتجاجًا دفاعًا عن "الديمقراطية"، حسبما يقول أندرياس كلوث الكاتب فى بلومبرج مباشرة لجمهوره الغربي المستهدف وأوصح أن هذا من المفترض أنه أهون الشرين بالنظر إلى البدائل الموضحة فى هذا المقال.
نعود إلى تغير موقف فرنسا فيما يتعلق بقرارها الانسحاب نهائيا من النيجر. لقد أيدت باريس بقوة في يوليو ٢٠٢٣ بقاء فرنسا هناك من أجل تحدي المجلس العسكري.
ومن المؤكد أن هذه النكسة تجد تفسيرها في ضوء الاتفاق الذي أبرمته السلطات العسكرية المؤقتة مع الولايات المتحدة، وبالتالي إجبار فرنسا عمليا على المغادرة.
ولو كانت فرنسا تتخيل ولو للحظة واحدة أن هذه الخيانة يمكن أن تتحقق، لكان من الممكن أن تختار المغادرة بشروطها في وقت سابق من صيف عام ٢٠٢٣.
وسنفهم أن هذه التصرفات تستحق الاهتمام باعتبارها الخيانة الأمريكية الثانية لفرنسا بعد خيانة AUKUS.
أوليفييه دوزون: مستشار قانونى للأمم المتحدة والاتحاد الأوروبى والبنك الدولى. من أهم مؤلفاته: «القرصنة البحرية اليوم»، و«ماذا لو كانت أوراسيا تمثل الحدود الجديدة؟» و«الهند تواجه مصيرها».. يتناول فى مقاله، ما أقدمت عليه واشنطن فى إطار سعيها للإحلال محل فرنسا فى النيجر، وهو ما يعتبره طعنة فى الظهر.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: المجموعة الاقتصادیة لدول غرب أفریقیا الولایات المتحدة المجلس العسکری فی النیجر فرنسا فی
إقرأ أيضاً:
حماس: 962 خرقاً إسرائيلياً للاتفاق ومحاولة للتنصل من المرحلة الثانية
اتهمت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) إسرائيل بارتكاب مئات الخروقات لاتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة خلال المرحلة الأولى، وحذرت من أن إسرائيل تسعى "للاختباء وراء الموقف الأميركي" للعودة إلى العدوان بعد انتهاء المرحلة الأولى من الاتفاق.
وقال القيادي في حماس أسامة حمدان في مؤتمر صحفي، إن "سلوك الاحتلال وخروقاته للاتفاق في المرحلة الأولى تثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن حكومة الاحتلال كانت معنية بانهيار الاتفاق وعملت جاهدة لتحقيق ذلك".
واعتبر حمدان قرارات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الأخيرة باعتماد المقترحات الأميركية لتمديد المرحلة الأولى من الاتفاق "محاولة مفضوحة للتنصل من الاتفاق والتهرب من الدخول في مفاوضات المرحلة الثانية".
ولفت القيادي إلى أن أبرز الخروقات المتعلقة بالإغاثة والإيواء تمثلت في عدم السماح بإدخال 50 شاحنة وقود يومياً كما ينص الاتفاق، حيث دخل خلال 42 يوماً فقط 978 شاحنة بمعدل 23 شاحنة يومياً، كما منع القطاع التجاري من استيراد الوقود بأنواعه رغم وجود نص صريح في الاتفاق يسمح بذلك.
وأضاف، أن إسرائيل لم تسمح سوى بإدخال 15 بيتاً متنقلاً فقط من أصل 60 ألفا متفق عليها، إضافة إلى عدد محدود من الخيام، ومنعت إدخال المعدات الثقيلة اللازمة لرفع الركام واستخراج الجثث من تحت الأنقاض، إذ سمحت فقط بدخول 9 آليات، في حين أن القطاع بحاجة إلى 500 آلية على الأقل.
إعلانكما أشار حمدان إلى منع إدخال مواد البناء والتشطيب لإعادة تأهيل البنية التحتية والمستشفيات والمعدات الطبية اللازمة، والسماح بإدخال 5 سيارات إسعاف فقط، ورفض السماح بإدخال معدات الدفاع المدني، ومنع تشغيل محطة الكهرباء، ومنع إدخال السيولة النقدية للبنوك.
خروقات ميدانية
وأوضح حمدان، أن إجمالي الخروقات الميدانية بلغ 962 خرقاً، أسفرت عن مقتل 116 شهيداً وإصابة 490.
وتضمنت هذه الخروقات 210 خروقات للطيران الاستطلاعي والمسيّر، و77 عملية إطلاق نار، و45 عملية توغل لآليات الاحتلال، و37 عملية قصف واستهداف، فضلاً عن 5 حالات احتجاز لسائقين وصيادين.
كما استمرت آليات الاحتلال في "التقدم والتوغل على خطوط الانسحاب بشكل شبه يومي، وخصوصاً في محور فيلادلفيا، متجاوزة المسافات المتفق عليها بمقدار يتراوح بين 300 إلى 500 متر"، مع استمرار تحليق الطيران الإسرائيلي يوميا فترات تتراوح بين 10 إلى 12 ساعة يومياً.
وبشأن ملف الأسرى، قال حمدان، إن إسرائيل تأخرت في الإفراج عن الأسرى في جميع المراحل رغم أن الاتفاق ينص على الإفراج عنهم بعد ساعة من تسليم أسرى الاحتلال، كما منعت الإفراج عن الدفعة الأخيرة من المرحلة الأولى البالغ عددها 600 أسير لمدة 5 أيام "بحجج وذرائع واهية".
وأضاف، أن الاحتلال أجبر المعتقلين المفرج عنهم يومي 15 و20 فبراير/شباط على "ارتداء ملابس تحمل دلالات نازية وعنصرية"، وامتنع عن الإفصاح عن أسماء مئات الأسرى الفلسطينيين من غزة، حيث أفصح فقط عن أسماء 2400 أسير.
وبخصوص معبر رفح، قال القيادي في حركة حماس، إن إسرائيل استمرت في إغلاق المعبر أمام المدنيين في الاتجاهين، ومنعت استئناف حركة البضائع والتجارة عبر المعبر، وأعادت عشرات المسافرين من المرضى والجرحى بعد الاتفاق على سفرهم.
خروقات سياسية
وبخصوص ما وصفه بـ"الخروقات السياسية"، اتهم حمدان إسرائيل بـ"التأخير المتعمد في بدء مفاوضات المرحلة الثانية"، مشيرا إلى أن الاتفاق ينص على أنْ تبدأ المفاوضات في اليوم 16 بعد التوقيع وتستمر بضمانة الوسطاء بشروط المرحلة الأولى حتى يتفق الطرفان.
إعلانوقال إن إسرائيل "تطالب الآن بالدخول في اتفاق جديد مخالف لكل ما تم الاتفاق عليه قبل ذلك"، وتدفع "لإعادة الأمور إلى نقطة الصفر والالتفاف على الاتفاق من خلال ما تطرحه من بدائل مثل تمديد المرحلة الأولى أو عمل مرحلة وسيطة وغيرها من المقترحات التي لا تتوافق مع ما جاء في الاتفاق الموقع بين الأطراف".
وأكد حمدان، أن حماس "التزمت بتنفيذ كافة بنود الاتفاق المتعلقة بها بدقة وفي المواعيد المحددة"، وأنها "ملتزمة بالمضي قدماً في الاتفاق والعبور للمرحلة الثانية منه"، محمّلة الاحتلال وداعميه "المسؤولية الكاملة عن تداعيات" عدم الالتزام بالاتفاق.
واستنكر ما وصفه بـ"الابتزاز الرخيص" الذي يمارسه نتنياهو وحكومته "باستخدام المساعدات الإنسانية ورقة ضغط في المفاوضات"، ودعا المجتمع الدولي إلى "إجبار الاحتلال على فتح المعابر والسماح بإدخال المساعدات الإنسانية المنقذة للحياة".
كما دعا المجتمع الدولي والأمم المتحدة للعمل على "إلزام الاحتلال بالعودة للاتفاق والدخول في المرحلة الثانية منه وصولاً إلى وقف إطلاق النار الدائم وانسحاب كافة القوات الإسرائيلية من قطاع غزة".