لجريدة عمان:
2025-03-12@06:36:20 GMT

فلسطين.. من التقسيم إلى حل الدولتين

تاريخ النشر: 4th, December 2023 GMT

من المفارقات التي ترتبت على طوفان الأقصى.. العودة إلى حل الدولتين، والذي يعني حال إقراره الاعتراف الرسمي والنهائي بتقسيم فلسطين إلى دولتين: إسرائيلية وفلسطينية. وفكرة التقسيم قديمة تعود إلى اقتراح «لجنة بيل» عام 1937م، ثم أعقبه قرار الأمم المتحدة عام 1947م بـ«رقم181». أما حل الدولتين على أساس «حدود67» والقدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية؛ فقد اقترح أعقاب «نكسة67»، وكان مرجعية السلطة الفلسطينية في مباحثات «اتفاقية أوسلو» عام 1993م.

العالم أمام واقع هو أن فلسطين تحت الاحتلال منذ الانتداب البريطاني عام 1920م، وقد اعترفت الأمم المتحدة بـ«دولة إسرائيل» عام 1948م. وما بين مقترح التقسيم والعودة إلى حل الدولتين 86 عاما؛ تحركت الأحداث خلالها ما بين نيران الحروب وأوهام السلام.

رفض العرب بدايةً الاعتراف بدولة إسرائيل، وخاضوا ضدها حروبا أشهرها:

- حرب 1948م.. وقعت مباشرة بعد الاعتراف بإسرائيل، حيث شنت مصر وسوريا والأردن والعراق الحرب عليها لمنع قيامها على الأرض الفلسطينية، غير أن العرب خسروا المعركة، فعرفت بـ«النكبة»، واعتبرها الإسرائيليون «حرب الاستقلال».

- حرب 1956م.. «حرب العدوان الثلاثي»؛ إذ شنتها إسرائيل وبريطانيا وفرنسا ضد مصر، إثر تأميم الرئيس جمال عبدالناصر(ت:1970م) قناة السويس، وأدت إلى احتلال إسرائيل سيناء، وانسحبت منها عام 1957م.

- حرب 1967م.. نشبت بين إسرائيل وأربع دول عربية: مصر والعراق وسوريا والأردن، انتصرت فيها إسرائيل، وحلت كارثة على العرب، فبالرغم أن مدتها ستة أيام؛ لكن إسرائيل احتلت فيها: سيناء المصرية، والجولان السورية، وقطاع غزة، والضفة الغربية والقدس الشرقية التي كانت تحت السيادة الأردنية، بالإضافة إلى خسائر بشرية ومادية فادحة لدى العرب، ولذلك سميت بـ«النكسة».

- حرب 1973م.. شنتها مصر وسوريا على إسرائيل لتحرير سيناء والجولان. خسرت إسرائيل المعركة، وتمكن المصريون من استرداد سيناء، واسترد السوريون جزءا من الجولان. عرفت هذه الحرب بـ«العاشر من رمضان» و«6 أكتوبر».

أما بالنسبة للفلسطينيين.. فمنذ البداية؛ لم يرضخوا للهجرات الصهيونية إلى بلادهم، فشرعوا في مواجهة العصابات اليهودية المسلحة، والتي بلغت ذروتها في «حرب التطهير» ما بين عامي 1947-1948م، التي شنتها على الفلسطينيين بغية تهجيرهم. لم تتوقف مقاومة الفلسطينيين للاحتلال، وإنما كانت تختلف مرجعياتهم الأيديولوجية، فقد كانت حتى نهاية السبعينات أغلبها مرجعية يسارية وقومية. ومنذ بداية الثمانينات أصبحت غالبا مرجعية إسلامية، وأفرزت أبرز مقاومتين: حركة المقاومة الإسلامية «حماس» وحركة الجهاد الإسلامي.

يقال إن إسرائيل إذا خسرت معركة فلن تنتصر بعدها، والمقولة.. سواءً أكانت استقراءً لتركيبة الاجتماع والجيش الإسرائيلي، أم تحذيرا للإسرائيليين، أم حربا نفسية ضدهم، فيبدو أنها تحكي الواقع. فمنذ خسارة إسرائيل حرب 1973م هي في خسائر مستمرة. وحتى حرب 1982م التي غزت بها لبنان؛ استراتيجيا لا تعد نصرا، بل على العكس، نهض في الساحة «حزب الله» الذي أخرجها من معظم الجنوب اللبناني عام 2000م. لقد فرضت المقاومة الفلسطينية وجودها على الواقع الإسرائيلي، فإسرائيل عسكريا تخسر باستمرار، وإنما تعوّض ذلك باضطهاد الشعب الفلسطيني والتوسع في المستوطنات. وقد تتوج الانتصار الفلسطيني بطوفان الأقصى، وهو أكبر هزيمة عرفتها إسرائيل، ولكن أيضا كلف الفلسطينيين ثمنا باهظا، حيث راح ضحية القصف حتى الآن حوالي 15 ألف مدني؛ معظمهم من الأطفال والنساء، ودمّر نصف قطاع غزة.

حرب 1973م.. شكلت منعطفا نوعيا لعلاقة العرب بإسرائيل، حيث بدأ مسار السلام يشق طريقه بين العرب وإسرائيل بزيارة الرئيس المصري محمد أنور السادات (ت:1981م) تل أبيب، تلاها توقيع «اتفاقية كامب ديفيد» عام 1979م، بموجبها سحبت إسرائيل قواتها المسلحة ومدنييها من سيناء، وضمنت عبور سفنها في قناة السويس. وقد خاصم معظم العرب مصر على هذه الخطوة. بيد أنه مع بداية التسعينات بدأت مرحلة جديدة من عملية السلام، وهذه المرة بين الإسرائيليين والفلسطينيين أنفسهم برعاية أمريكية، حيث أبرمت في واشنطن عام 1993م «اتفاقية أوسلو»، وأهم بنودها: اعتراف الفلسطينيين بدولة إسرائيل، وامتناع منظمة التحرير الفلسطينية عن المقاومة المسلحة. واعتراف إسرائيل بالمنظمة ممثلة للشعب الفلسطيني، وانسحابها من أراضٍ في الضفة الغربية وقطاع غزة.

«اتفاقية أوسلو».. إحدى ثمرات النظام العالمي الجديد الذي استفردت به النيوليبرالية الأمريكية، التي عمقت وصايتها على المنطقة بعد سقوط الاتحاد السوفييتي. ومنها.. بدأ الترويج للتطبيع، وأخذت أمريكا تضغط على الدول العربية لكي تغيّر في مناهجها التعليمية وخطابها الإعلامي، فتحذف كل ما يتعلق بالصراع مع إسرائيل، إلا أن هذا الترويج كان يتعثر مع موجات العنف التي تمارسها إسرائيل ضد الفلسطينيين. حتى حدثت هجمات 11 سبتمبر 2001م على واشنطن ونيويورك، فأخذ المسار طريقا آخر؛ وهو السعي إلى تغيير أنظمة الحكم نفسها في المنطقة، وبدأت أمريكا عمليا تسوّق للديمقراطية، وتأخذ الشباب العربي في ورش وبرامج للديمقراطية وحقوق الإنسان، وقد أثمر ذلك عن انفجار الربيع العربي نهاية عام 2010م. وللمفارقة؛ فإن الربيع لم ينضبط وفق البوصلة الأمريكية، فقد بقيت الأنظمة كما هي، وما تغيّر منها لم يكن إلا شكلا، أو اتجها نحو الإسلام السياسي، مما دفع بأمريكا إلى أن تعود مرة أخرى إلى تحريك التطبيع، وفعلا.. قطعت فيه شوطا خلال العقد الأخير، وإذا بطوفان الأقصى يفور على حين غرة، مفاجئا العالم وصادما إسرائيل.

طوفان الأقصى.. فار بعد فشل مسار السلام، وارتفاع وتيرة انتهاكات إسرائيل لحقوق الفلسطينيين، وبعدما أثبتت الأيام خسارتها أمام عمليات المقاومة، كما أن الطوفان جاء ليقطع الطريق على التطبيع، مما يفسر الغضب الأمريكي والإسرائيلي، وتدميرهم الوحشي لغزة، واجتثاث أهلها. لكن الطوفان أعاد إلى الواجهة السياسية حل الدولتين الذي كاد أن يُنسى في خضم مفوضات التطبيع الذي بُني على تبادل المصالح بين إسرائيل والدولة المطبعة، وليس على أساس إحلال السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين كما هو مقرر في حل الدولتين.

والسؤال: ماذا لو لم ترضَ إسرائيل بحل الدولتين؟

أولاً؛ عليّ أن أبين أن رضا حماس بحل الدولتين قد يجرها إلى أن تتحول إلى حزب سياسي، والحزب السياسي لن يكون مقاوما بالأساس، وإن كان له ذراع عسكري، وقد تجد حماس نفسها يوما مثل حركة فتح، وإذا أصرت أن تبقى حراكا مقاوما -وهذا هو تركيبتها وهدفها الذي ليس سهلا أن تغيّره- فلن تتمكن من العمل السياسي في إدارة الدولة الفلسطينية. ومع ذلك؛ فإن حل الدولتين لن يلغي المقاومة الفلسطينية، سواءً بمواصلة الحركات الموجودة نضالها، أو بولادة حركات جديدة، فقد قرر التأريخ أن الشعب لا يستكين حتى يحرر أرضه، طال الزمن أم قصر.

أما إن لم تقبل إسرائيل بحل الدولتين؛ فسيلزم المجتمع الدولي أن يفرضه عليها، وهذا يقتضي سياسات حاسمة تجاهها، كقرار دولي من الأمم المتحدة يلزمها بالانسحاب من كل الأراضي المتفق عليها بـ«حدود67»، وقطع العلاقات كاملة معها، وتخلي الغرب وأمريكا عنها، وفرض حصار دولي عليها. يبدو أن قَبول إسرائيل بحل الدولتين بعيد، لأنها تعرف أن قيام دولة مجاورة لخصمها الفلسطيني هو عين زوالها، وإن حصل القَبول فسيكون شكليا، وستظل تمارس عدوانها على الفلسطينيين.

إن حل الدولتين ليس مثاليا كما قد يُتَصَور، ولكنه يمكن أن يكون حلا مرحليا؛ لا تعرف مدة بقائه. أما على المدى البعيد مع تعاظم المقاومة وصلابتها، وتحولات المصالح الدولية، قد يفضي الوضع إلى تفكيك النظام الإسرائيلي القائم برمته ليحل محله نظام ديمقراطي بدولة واحدة، يجمع الفلسطينيين واليهود، على غرار ما حدث في جنوب إفريقيا، وهذا الحل مطروح ومحتمل؛ خاصة مع صعود روسيا والصين وإسهامهما في إعادة رسم الخارطة الدولية، وبقاء علاقتهما مع إيران، وإيجابية سياستهما تجاه القضية الفلسطينية.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: بحل الدولتین حل الدولتین

إقرأ أيضاً:

لماذا لا يمكن للسلطة الفلسطينية وقف التنسيق الأمني مع إسرائيل واختيار المقاومة؟

قالت مجموعة الأزمات الدولية إن الأزمة الوجودية الحادة التي تعاني منها السلطة الفلسطينية تفاقمت، ويلومها الفلسطينيون إما لضعفها في مواجهة عدوان الاحتلال أو بسبب تنسيقها الأمني معه. في حين تتهمها إسرائيل بعدم الفعالية في قمع المسلحين الفلسطينيين، وفرض الأمن على عناصر المقاومة بالضفة الغربية.

جاء ذلك في تقرير نُشر الأسبوع الماضي لكبير محللي فلسطين في مجموعة الأزمات الباحثة تهاني مصطفى بعنوان "توغلات إسرائيل في الضفة الغربية تسلط الضوء على معضلات السياسة الفلسطينية".

وقد بدأت إسرائيل عملية "الجدار الحديدي" في 21 يناير/كانون الثاني الماضي، بعد يومين فقط من دخول اتفاق وقف إطلاق النار في غزة حيّز التنفيذ، مما أدى إلى تصعيد عسكري واسع النطاق لقمع المقاومة المسلحة الفلسطينية في الضفة.

وتسببت عمليات الاحتلال في دمار واسع للمخيمات والمناطق الحضرية المجاورة لها بالضفة، حيث وصف السكان أحياءهم بأنها "غزة مصغرة". وأدى هذا الدمار إلى تشريد ما لا يقل عن 40 ألف شخص، في وقت يؤكد فيه الإسرائيليون أنهم لن يسمحوا بعودة هؤلاء إلى مخيماتهم، حسب ما جاء في التقرير.

الاحتلال دمر عشرات المنازل والشوارع بشكل جزئي وكامل في مخيم طولكرم (الجزيرة)

الجزيرة نت حاورت محللين وباحثين مختصين في الشؤون الفلسطينية لتسليط مزيد من الضوء على هذه القضية، وخلاصة ما وصلوا إليه يمكن إجمالها في النقاط التالية:

إعلان السلطة الفلسطينية تتحمل الجزء الأكبر مما يحدث في الضفة الغربية. السلطة لم تقدم البدائل الحقيقية لتحقيق تطلعات الشعب الفلسطيني، وخلقت حالة من الترهل داخل المنظومة السياسية الفلسطينية. السلطة مسؤولة عن انسداد الأفق السياسي واستمرار الانقسام الداخلي بوصفها السلطة الحاكمة والمسؤولة عن إدارة البيت الفلسطيني. تخلي السلطة عن مسؤوليتها الوطنية في قيادة الشعب نحو التحرير وإقامة الدولة يدفع الشعب نحو قوى وطنية أخرى أقدر وأجدر على حمل تطلعاته الوطنية. السلطة لا تعتمد على الشعب الفلسطيني في البقاء، فهي لا تحتاج إليه ماليا أو سياسيا، بل تحتاج إلى دعم كل من الولايات المتحدة وإسرائيل. لا يوجد في الواقع أي بديل حاليا للسلطة الفلسطينية، ورغم الاستياء الشعبي من أدائها الذي تعكسه استطلاعات الرأي فليس هناك دافع للإصلاح. السلطة واقعيا أشبه بإدارة مدنية تُعنى بشؤون الفلسطينيين تحت الاحتلال حيث توفر الخدمات البلدية والصحية والتعليمية والاقتصادية. السلطة لا تملك أي رؤية سياسية بديلة عن اتفاق أوسلو، بعد أن فقدت أوراق المفاوضات، في وقت يعمل فيه الاحتلال الإسرائيلي منهجيا على نزع الصفة السياسية عنها وتقليص دورها. السلطة ما زالت تعوّل على اتفاق أوسلو رغم أنه انتهى سياسيا وواقعيا، وهناك قرارات من الكنيست تمنع تطبيق بنوده. السلطة تتحمل مسؤولية انهيار المنظومة الأمنية أمام توحش الاحتلال وتنكيله بالفلسطينيين، وعدم الاعتراض على ذلك. السلطة تخشى مواجهة الاحتلال أو غض الطرف عن نشاط المقاومين في الضفة خوفا من فقدانها الامتيازات المادية والسلطة المكتسبة عبر ديمومة التنسيق الأمني. الوجود العسكري الإسرائيلي المتكرر في الضفة حوّل السلطة إلى شبه بلدية تتحمل الأعباء الصحية والتعليمية الثقيلة، وباقي الملفات المصيرية ذهبت لإدارة الاحتلال العسكرية. إسرائيل تنوي تحويل المخيمات في الضفة الغربية إلى "غزة مصغرة"، أي تدميرها بالكامل. ليس من الصحيح أن السلطة الفلسطينية كانت تحتكر السيطرة في الضفة، فمنذ نشأتها وهي تواجه صعوبة في فرض إرادتها على كامل الضفة، فهي كيان نشأ في الخارج أولا ثم فُرض على الفلسطينيين. يجب على السلطة أن تأخذ قرارا حاسما بوقف التنسيق الأمني مع الاحتلال وأن تتحول إلى مربع النضال والثورة ضد الاحتلال. يجب فصل السلطة الفلسطينية التي تقدم الخدمات للمواطنين عن منظمة التحرير الفلسطينية المعنية بتحقيق تقرير المصير.

 

تقول تهاني مصطفى -في مقابلة مع الجزيرة نت- إن السلطة الفلسطينية تتحمل جزءًا من المسؤولية عما حدث، إما من خلال تقديم بدائل محدودة جدًا لمعظم الفلسطينيين في الضفة الغربية، مثل فرص اقتصادية ضعيفة، وتدهور مستويات المعيشة، وعدم القيام بأي شيء لمحاولة التخفيف من حدة العنف في الضفة الغربية من قبل المستوطنين والجنود الإسرائيليين، وعدم الدفاع عن الفلسطينيين بشكل صحيح سياسيًا على الساحة الدولية.

إعلان

لا أعتقد أن السلطة الفلسطينية تعتمد على الفلسطينيين للبقاء، فهي لا تحتاجهم ماليًا أو سياسيًا، إنها تحتاج دعم الولايات المتحدة وإسرائيل، فهما الكيانان القويان اللذان يحددان بقاء السلطة، وهي تعرف ذلك، ورغم الاستياء الشعبي الكبير الذي عبرت عنه استطلاعات الرأي مرارًا وتكرارًا فليس لديها أي دافع للإصلاح.

ما دامت الولايات المتحدة مستمرة في توفير البقاء للسلطة، وتستمر أوروبا في تقديم الدعم، وإسرائيل تسمح لها بالبقاء، فإنها ستبقى. وهذا شيء كان واضحًا جدًا خلال 16 شهرا الماضية، فالسلطة الفلسطينية لا تريد التعامل إلا مع الأميركيين والأوروبيين.

لم يحاول قادة السلطة حتى القيام بالكثير فيما يتعلق بما يحدث في قطاع غزة أو حتى في الضفة الغربية، حتى أن الوسطاء الإقليميين مثل قطر كانوا يقولون إن المشكلة ليست أن السلطة الفلسطينية لم تُدعَ إلى طاولة المفاوضات لوقف إطلاق النار، بل لأنها ترفض الحضور.

طبيعة الاحتلال قد تغيرت، فإسرائيل لن تتحمل أي مسؤولية تجاه 5 ملايين فلسطيني يعيشون في الضفة الغربية من حيث توفير الخدمات، والمجتمع الدولي لن يتمكن من القيام بذلك مباشرة، وليس هناك بديل حقيقي للسلطة الفلسطينية.

حتى الفلسطينيين لا يستطيعون تصور بديل الآن، وهو ما يعد أكبر إنقاذ للسلطة الفلسطينية، فبقاؤها بالكامل يعتمد على التنسيق الأمني، وحتى (حركة المقاومة الإسلامية) حماس تدرك أنه يجب أن يكون هناك هذا التنسيق.

السلطة الفلسطينية بشكل عام بدأت تفقد قبضتها منذ فترة طويلة، وهذا ليس لأن الفلسطينيين لا يريدونها أو لأنهم يرون بدائل، ولكن لأنها من الناحية المالية مقيدة جدًا نتيجة ممارسات الاحتلال، بالإضافة إلى الفساد الداخلي للسلطة الفلسطينية الذي يسهم في أن تفقد السلطة قبضتها.

السلطة الفلسطينية لم تكن تحتكر السيطرة على الضفة الغربية طوال الوقت، فعملها كان شاقا للغاية منذ نشأتها، فهي لم تكن كيانًا طبيعيًا نشأ في الضفة الغربية، لقد كانت شيئًا مفروضًا على الفلسطينيين من الخارج.

 

السلطة الفلسطينية تتحمّل مسؤولية كبيرة عن انهيار المنظومة الأمنية الحامية للفلسطينيين أمام توحّش الاحتلال وتنكيله بالفلسطينيين في عموم الضفة الغربية، ويعود ذلك لعدة أسباب منها:

إعلان التزامات اتفاقية أوسلو التي جعلت الأجهزة الأمنية والأمن الوطني أداة لحماية المستوطنين، وملاحقة النشطاء والمقاومين للاحتلال، بذريعة محاربة الأعمال "الإرهابية" الضارّة بالسلام ومسار المفاوضات المتوقّف منذ عام 2014. مع أن اتفاقية أوسلو انتهت سياسيا وواقعيا، فإن السلطة الفلسطينية تخشى مواجهة الاحتلال وانتهاكاته أو غض النظر عن النشطاء والمقاومين، وذلك خوفا من فقدانها الامتيازات المادية والسلطوية المكتسبة عبر ديمومة التنسيق الأمني الذي يشكّل حاجة إسرائيلية مدعومة من الولايات المتحدّة. استخدام الولاء المطلق لمنتسبي الأجهزة الأمنية في تصفية الحسابات مع المعارضين السياسيين عبر الاعتقال أو الحرمان الوظيفي أو التحييد كما حصل مع المعارض نزار بنات ابن مدينة الخليل الذي توفي بعد ساعات من اعتقاله لدى أجهزة أمن السلطة في يونيو/حزيران 2021.

خطورة ذلك أن السلطة الفلسطينية ستفقد شرعيتها في عين المواطن الفلسطيني الذي ينتظر منها الحماية أمام انتهاكات الاحتلال وعبث المستوطنين الذين وصلت بهم الجرأة إلى سرقة الأغنام وقطع أشجار الزيتون وحرق المركبات والبيوت، كما حصل في قرية حوّارة جنوب نابلس في فبراير/شباط 2023، دون أي حراك من السلطة أو دفاع من أجهزتها الأمنية.

التخلي عن المسؤولية الوطنية يُفقد السلطة أهليتها السياسية في قيادة الشعب الفلسطيني نحو التحرير وإقامة الدولة الفلسطينية، مما يدفع الشعب الفلسطيني إلى الاتجاه نحو قوى وطنية أخرى أقدر وأجدر على حمل تطلعاته الوطنية.

فكرة التنسيق الأمني مع الاحتلال تعد خطيئة من حيث البدء، وكان من المفترض ألا تكون، فمن غير المنطقي أن تعمل سلطة فلسطينية وأجهزتها الأمنية لصالح الاحتلال أو تمنحه معلومات عن النشطاء والسياسيين والعاملين في الحقل الوطني.

الاحتلال تنصّل سياسيا من التزامات اتفاقيات أوسلو، وتبنّى الكنيست الإسرائيلي تشريعا في يوليو/تموز 2024 يرفض فيه قيام دولة فلسطينية بوصفها خطرا وجوديا على دولة إسرائيل ومواطنيها.

إعلان

أصبح من الضرورات السياسية والوطنية أن تأخذ السلطة الفلسطينية قرارا حاسما بوقف التنسيق الأمني مع الاحتلال الإسرائيلي، وأن تتحوّل إلى مربع النضال والثورة ضد الاحتلال بكافة الوسائل وأشكال المقاومة.

واقعيا، السلطة الآن أشبه بإدارة مدنية تُعنى بشؤون الفلسطينيين تحت الاحتلال عبر توفير الخدمات البلدية والصحية والتعليمية والاقتصادية، وبجودة منخفضة، بسبب الفساد الإداري والعجز المالي وغياب معايير الشفافية.

السلطة لا تملك أي رؤية سياسية بديلة عن اتفاق أوسلو بعد أن فقدت ورقة المفاوضات، في وقت يعمل فيه الاحتلال الإسرائيلي منهجيا على نزع الصفة السياسية عنها، وتقليص دورها حتى الإداري بسحب العديد من صلاحياتها التي من المفترض أن تطلع بها، لا سيّما في المناطق المصنّفة "إي" حسب تقسيمات اتفاقيات أوسلو لأراضي الضفة الغربية.

الرئيس محمود عباس يفقد بالتدريج قدرته على السيطرة، ولو على أجزاء من الضفة الغربية، وسيحوّله الاحتلال واقعيا وفي وقت قريب إلى رئيس لسلطة مدنية محلية تحت السيادة الإسرائيلية، إن بقيت السلطة على هذه الشاكلة من دون استدراك عاجل على دورها السياسي والوطني.

 

لا يختلف اثنان من الفلسطينيين حتى ممن ينتمون لحركة فتح التي انبثقت منها السلطة الفلسطينية على أنها تتحمل الجزء الأكبر من المسؤولية عما حل في الضفة الغربية، نظرا لعدد  من الأسباب:

السلطة تتحمل الجزء الأكبر فيما يتعلق باستمرار الانقسام الفلسطيني لأنها في النهاية السلطة الحاكمة والمسؤولة. عدم قدرتها على تجديد الوجوه مما خلق حالة من الترهل داخل أجسام السلطة في كافة المستويات، وهذا الأمر انعكس على رؤية السلطة السياسية نتيجة الاتكاء على فرضية أن الولايات المتحدة معنية بحل الدولتين، وبالتالي لا حاجة لاستحداث وسائل أخرى. السلطة لم تخلق أي رؤية إستراتيجية واكتفت بخط سياسي غير موجود عمليا، مع وجود حالة من البحث عن المصالح الشخصية الضيقة، وبالتالي وصلنا إلى هذا الوضع المتردي أمنيا وسياسيا واقتصاديا، وبالتالي السلطة الفلسطينية تتحمل الجانب الأهم في ذلك. إعلان

جزء من الفلسطينيين يرى أن السلطة عقبة أمام القدرة على مواجهة الاحتلال، وكذلك هناك من يرى أن وجودها بات عبئا على الفلسطينيين كون سلاحها مستخدما ضد الفلسطينيين بشكل أو بآخر.

هذه الحالة من التخلي عن البعد السياسي وقبول البعد الإداري فقط يترتب عليها ما يلي:

السلطة الفلسطينية ستتحول إلى جهاز إداري فقط يتحمل جزءا من أعباء الفلسطينيين لكنه في الوقت نفسه سيستميت من أجل الدفاع عن نفسه. سنكون أمام حالة من السلطة التي وافقت على تحديد صلاحياتها وتقزيم نفسها، لكنها لن تقبل التخلي عن أي دور. سيولد ذلك حالة من اصطدام داخلي إن لم يكن هناك حراك داخلي فلسطيني باتجاه ترسيخ حلول داخلية ووحدة فلسطينية وإنتاج مظلة جديدة تجمع الكل الفلسطيني.

السلطة الفلسطينية يجب أن تتخلى عن التنسيق الأمني منذ سنوات طويلة، وكانت هناك قرارات من المجلس المركزي الفلسطيني نفسه طالب السلطة بضرورة التخلي عن التنسيق الأمني.

في الفترة الأخيرة، لم تعد إسرائيل تكترث بالتنسيق الأمني كثيرا مع السلطة، لأن إسرائيل عمليا باتت تسيطر أمنيا على الضفة الغربية بشكل كبير.

السلطة الفلسطينية فقدت أوراق السيطرة على ما تبقى من الضفة الغربية، فهي اليوم ترمى في زاوية تحمل أعباء الفلسطينيين الصحية والتعليمية وغيرها، وباقي الملفات تسحب منها شيئا فشيئا وتذهب لإدارة الاحتلال العسكرية.

السلطة بذلك تحولت إلى شبه بلدية في الضفة الغربية، وهذا لا يرجع فقط للاجتياح المتكرر لمناطق الضفة، بل لأنها قبلت على نفسها مع مرور الوقت الانحناء كثيرا تحت عنوان "الصبر الإستراتيجي" و"الحكمة في التعاطي"، وتحت عناوين مختلفة ومتنوعة ومتعددة.

مقالات مشابهة

  • السعودية تؤكد رفض تهجير الفلسطينيين وتجدد دعمها لحل الدولتين
  • المملكة تدين ممارسة إسرائيل أساليب العقاب الجماعي على الفلسطينيين
  • موقف موحد.. العرب يرفضون أي محاولة لتهجير الفلسطينيين
  • في موقف موحد.. العرب يرفضون أي محاولة لتهجير الفلسطينيين
  • الخارجية الفلسطينية: قطع إسرائيل الكهرباء عن غزة “تعميق لحرب الإبادة”
  • الخارجية الفلسطينية تدين قطع إسرائيل الكهرباء عن غزة
  • «الصحة الفلسطينية» تدين اقتحام إسرائيل للمستشفى الأهلي بالخليل
  • الصحة الفلسطينية تدين اقتحام إسرائيل ساحات المستشفى الأهلي في الخليل
  • لماذا لا يمكن للسلطة الفلسطينية وقف التنسيق الأمني مع إسرائيل واختيار المقاومة؟
  • مقررة أممية: إسرائيل تريد تصفية “الأونروا” باعتبارها رمزا للوجود الدولي في فلسطين