لجريدة عمان:
2025-04-26@03:06:43 GMT

فلسطين.. من التقسيم إلى حل الدولتين

تاريخ النشر: 4th, December 2023 GMT

من المفارقات التي ترتبت على طوفان الأقصى.. العودة إلى حل الدولتين، والذي يعني حال إقراره الاعتراف الرسمي والنهائي بتقسيم فلسطين إلى دولتين: إسرائيلية وفلسطينية. وفكرة التقسيم قديمة تعود إلى اقتراح «لجنة بيل» عام 1937م، ثم أعقبه قرار الأمم المتحدة عام 1947م بـ«رقم181». أما حل الدولتين على أساس «حدود67» والقدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية؛ فقد اقترح أعقاب «نكسة67»، وكان مرجعية السلطة الفلسطينية في مباحثات «اتفاقية أوسلو» عام 1993م.

العالم أمام واقع هو أن فلسطين تحت الاحتلال منذ الانتداب البريطاني عام 1920م، وقد اعترفت الأمم المتحدة بـ«دولة إسرائيل» عام 1948م. وما بين مقترح التقسيم والعودة إلى حل الدولتين 86 عاما؛ تحركت الأحداث خلالها ما بين نيران الحروب وأوهام السلام.

رفض العرب بدايةً الاعتراف بدولة إسرائيل، وخاضوا ضدها حروبا أشهرها:

- حرب 1948م.. وقعت مباشرة بعد الاعتراف بإسرائيل، حيث شنت مصر وسوريا والأردن والعراق الحرب عليها لمنع قيامها على الأرض الفلسطينية، غير أن العرب خسروا المعركة، فعرفت بـ«النكبة»، واعتبرها الإسرائيليون «حرب الاستقلال».

- حرب 1956م.. «حرب العدوان الثلاثي»؛ إذ شنتها إسرائيل وبريطانيا وفرنسا ضد مصر، إثر تأميم الرئيس جمال عبدالناصر(ت:1970م) قناة السويس، وأدت إلى احتلال إسرائيل سيناء، وانسحبت منها عام 1957م.

- حرب 1967م.. نشبت بين إسرائيل وأربع دول عربية: مصر والعراق وسوريا والأردن، انتصرت فيها إسرائيل، وحلت كارثة على العرب، فبالرغم أن مدتها ستة أيام؛ لكن إسرائيل احتلت فيها: سيناء المصرية، والجولان السورية، وقطاع غزة، والضفة الغربية والقدس الشرقية التي كانت تحت السيادة الأردنية، بالإضافة إلى خسائر بشرية ومادية فادحة لدى العرب، ولذلك سميت بـ«النكسة».

- حرب 1973م.. شنتها مصر وسوريا على إسرائيل لتحرير سيناء والجولان. خسرت إسرائيل المعركة، وتمكن المصريون من استرداد سيناء، واسترد السوريون جزءا من الجولان. عرفت هذه الحرب بـ«العاشر من رمضان» و«6 أكتوبر».

أما بالنسبة للفلسطينيين.. فمنذ البداية؛ لم يرضخوا للهجرات الصهيونية إلى بلادهم، فشرعوا في مواجهة العصابات اليهودية المسلحة، والتي بلغت ذروتها في «حرب التطهير» ما بين عامي 1947-1948م، التي شنتها على الفلسطينيين بغية تهجيرهم. لم تتوقف مقاومة الفلسطينيين للاحتلال، وإنما كانت تختلف مرجعياتهم الأيديولوجية، فقد كانت حتى نهاية السبعينات أغلبها مرجعية يسارية وقومية. ومنذ بداية الثمانينات أصبحت غالبا مرجعية إسلامية، وأفرزت أبرز مقاومتين: حركة المقاومة الإسلامية «حماس» وحركة الجهاد الإسلامي.

يقال إن إسرائيل إذا خسرت معركة فلن تنتصر بعدها، والمقولة.. سواءً أكانت استقراءً لتركيبة الاجتماع والجيش الإسرائيلي، أم تحذيرا للإسرائيليين، أم حربا نفسية ضدهم، فيبدو أنها تحكي الواقع. فمنذ خسارة إسرائيل حرب 1973م هي في خسائر مستمرة. وحتى حرب 1982م التي غزت بها لبنان؛ استراتيجيا لا تعد نصرا، بل على العكس، نهض في الساحة «حزب الله» الذي أخرجها من معظم الجنوب اللبناني عام 2000م. لقد فرضت المقاومة الفلسطينية وجودها على الواقع الإسرائيلي، فإسرائيل عسكريا تخسر باستمرار، وإنما تعوّض ذلك باضطهاد الشعب الفلسطيني والتوسع في المستوطنات. وقد تتوج الانتصار الفلسطيني بطوفان الأقصى، وهو أكبر هزيمة عرفتها إسرائيل، ولكن أيضا كلف الفلسطينيين ثمنا باهظا، حيث راح ضحية القصف حتى الآن حوالي 15 ألف مدني؛ معظمهم من الأطفال والنساء، ودمّر نصف قطاع غزة.

حرب 1973م.. شكلت منعطفا نوعيا لعلاقة العرب بإسرائيل، حيث بدأ مسار السلام يشق طريقه بين العرب وإسرائيل بزيارة الرئيس المصري محمد أنور السادات (ت:1981م) تل أبيب، تلاها توقيع «اتفاقية كامب ديفيد» عام 1979م، بموجبها سحبت إسرائيل قواتها المسلحة ومدنييها من سيناء، وضمنت عبور سفنها في قناة السويس. وقد خاصم معظم العرب مصر على هذه الخطوة. بيد أنه مع بداية التسعينات بدأت مرحلة جديدة من عملية السلام، وهذه المرة بين الإسرائيليين والفلسطينيين أنفسهم برعاية أمريكية، حيث أبرمت في واشنطن عام 1993م «اتفاقية أوسلو»، وأهم بنودها: اعتراف الفلسطينيين بدولة إسرائيل، وامتناع منظمة التحرير الفلسطينية عن المقاومة المسلحة. واعتراف إسرائيل بالمنظمة ممثلة للشعب الفلسطيني، وانسحابها من أراضٍ في الضفة الغربية وقطاع غزة.

«اتفاقية أوسلو».. إحدى ثمرات النظام العالمي الجديد الذي استفردت به النيوليبرالية الأمريكية، التي عمقت وصايتها على المنطقة بعد سقوط الاتحاد السوفييتي. ومنها.. بدأ الترويج للتطبيع، وأخذت أمريكا تضغط على الدول العربية لكي تغيّر في مناهجها التعليمية وخطابها الإعلامي، فتحذف كل ما يتعلق بالصراع مع إسرائيل، إلا أن هذا الترويج كان يتعثر مع موجات العنف التي تمارسها إسرائيل ضد الفلسطينيين. حتى حدثت هجمات 11 سبتمبر 2001م على واشنطن ونيويورك، فأخذ المسار طريقا آخر؛ وهو السعي إلى تغيير أنظمة الحكم نفسها في المنطقة، وبدأت أمريكا عمليا تسوّق للديمقراطية، وتأخذ الشباب العربي في ورش وبرامج للديمقراطية وحقوق الإنسان، وقد أثمر ذلك عن انفجار الربيع العربي نهاية عام 2010م. وللمفارقة؛ فإن الربيع لم ينضبط وفق البوصلة الأمريكية، فقد بقيت الأنظمة كما هي، وما تغيّر منها لم يكن إلا شكلا، أو اتجها نحو الإسلام السياسي، مما دفع بأمريكا إلى أن تعود مرة أخرى إلى تحريك التطبيع، وفعلا.. قطعت فيه شوطا خلال العقد الأخير، وإذا بطوفان الأقصى يفور على حين غرة، مفاجئا العالم وصادما إسرائيل.

طوفان الأقصى.. فار بعد فشل مسار السلام، وارتفاع وتيرة انتهاكات إسرائيل لحقوق الفلسطينيين، وبعدما أثبتت الأيام خسارتها أمام عمليات المقاومة، كما أن الطوفان جاء ليقطع الطريق على التطبيع، مما يفسر الغضب الأمريكي والإسرائيلي، وتدميرهم الوحشي لغزة، واجتثاث أهلها. لكن الطوفان أعاد إلى الواجهة السياسية حل الدولتين الذي كاد أن يُنسى في خضم مفوضات التطبيع الذي بُني على تبادل المصالح بين إسرائيل والدولة المطبعة، وليس على أساس إحلال السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين كما هو مقرر في حل الدولتين.

والسؤال: ماذا لو لم ترضَ إسرائيل بحل الدولتين؟

أولاً؛ عليّ أن أبين أن رضا حماس بحل الدولتين قد يجرها إلى أن تتحول إلى حزب سياسي، والحزب السياسي لن يكون مقاوما بالأساس، وإن كان له ذراع عسكري، وقد تجد حماس نفسها يوما مثل حركة فتح، وإذا أصرت أن تبقى حراكا مقاوما -وهذا هو تركيبتها وهدفها الذي ليس سهلا أن تغيّره- فلن تتمكن من العمل السياسي في إدارة الدولة الفلسطينية. ومع ذلك؛ فإن حل الدولتين لن يلغي المقاومة الفلسطينية، سواءً بمواصلة الحركات الموجودة نضالها، أو بولادة حركات جديدة، فقد قرر التأريخ أن الشعب لا يستكين حتى يحرر أرضه، طال الزمن أم قصر.

أما إن لم تقبل إسرائيل بحل الدولتين؛ فسيلزم المجتمع الدولي أن يفرضه عليها، وهذا يقتضي سياسات حاسمة تجاهها، كقرار دولي من الأمم المتحدة يلزمها بالانسحاب من كل الأراضي المتفق عليها بـ«حدود67»، وقطع العلاقات كاملة معها، وتخلي الغرب وأمريكا عنها، وفرض حصار دولي عليها. يبدو أن قَبول إسرائيل بحل الدولتين بعيد، لأنها تعرف أن قيام دولة مجاورة لخصمها الفلسطيني هو عين زوالها، وإن حصل القَبول فسيكون شكليا، وستظل تمارس عدوانها على الفلسطينيين.

إن حل الدولتين ليس مثاليا كما قد يُتَصَور، ولكنه يمكن أن يكون حلا مرحليا؛ لا تعرف مدة بقائه. أما على المدى البعيد مع تعاظم المقاومة وصلابتها، وتحولات المصالح الدولية، قد يفضي الوضع إلى تفكيك النظام الإسرائيلي القائم برمته ليحل محله نظام ديمقراطي بدولة واحدة، يجمع الفلسطينيين واليهود، على غرار ما حدث في جنوب إفريقيا، وهذا الحل مطروح ومحتمل؛ خاصة مع صعود روسيا والصين وإسهامهما في إعادة رسم الخارطة الدولية، وبقاء علاقتهما مع إيران، وإيجابية سياستهما تجاه القضية الفلسطينية.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: بحل الدولتین حل الدولتین

إقرأ أيضاً:

(صدق أو لا تصدق)…!

سمعتُ عنه كثيراً في أرجاء ولاية الجزيرة، وتحديداً في مدينة ود مدني.
لم أُصدّق أغلب ما قيل؛ فقد علمتنا الصحافة أن نرتاب في الروايات الشفاهية، مهما تشابهت.
كثير من القصص الواقعية الصغيرة تُضاف إليها مادة “بروميد البوتاسيوم”، فتكبر وتنتفخ في الخيال، أضعاف وزنها الحقيقي.
وفي علم مصطلح الحديث، يُعرَّف “المتواتر” بأنه: “ما رواه جمعٌ يستحيل في العادة تواطؤهم على الكذب.”
سمعتُ، واتصلت، وتحققت… فلم أجد إلا تطابقاً شبه تام في الروايات، مع اختلاف طفيف في التفاصيل.
قصةٌ أقرب للخيال، وربما تصلح لأن تُدرج في فصول روايات غابرييل غارسيا ماركيز، أو في عمل يشبه رائعة باتريك زوسكند “العطر”.
عرفتُ اسمه منذ الصغر؛ إذ سُمّي أحد أشهر عنابر مستشفى ود مدني باسمه: عنبر شيخ العرب، وهو عنبر للفقراء والمساكين ومرضى السبيل.
كان “شيخ العرب” من تجّار المحاصيل؛ طويل القامة، قوي الشكيمة.
في زمنٍ كان فيه “القمح، أقمح”، و”السمح، أسمح”، وكان للقرش طعمٌ ومذاق ورائحة.
زمنٌ كانت فيه الجزيرة خضراء تُسرّ الناظرين، وود مدني فتاة حسناء مشاغبة؛ تُغري ولا تُنال، قادرة -دون تحريض- على صناعة الابتسامة، يوم كانت الابتسامة طبيعية، بلا إضافات كيميائية.
وقتها، لم تكن المدينة بحاجة إلى لافتة تقول: (ابتسم، أنت في ود مدني).
ترك شيخ العرب الدنيا وما فيها، ليتفرغ لأعمال لا يقوم بها سواه.
تحرّك داخل مستشفى ود مدني بطاقة جمعية خيرية، وبإمكاناتها.
كان يقضي ليله في حفر القبور لموتى افتراضيين لم تخرج أرواحهم بعد، وعندما يُنهكه التعب، ينام في أحد القبور الجاهزة، حتى يوقظه مُوقظ.
تفرغ تماماً لرعاية الفقراء والمساكين، فاقدي السند والاهتمام الأسري؛يطعمهم، ويكسوهم، ويشتري لهم الدواء، بل كان يعينهم بنفسه على قضاء حوائجهم الطبيعية.
كثيراً ما غسل ملابسهم، وحتى أجسادهم بعد الوفاة!
كانت أكفانه جاهزة، وعطوره معدّة، يفعل كل ذلك دون منٍّ أو رياء، ولا انتظاراً لفلاشات المصورين أو احتفاء صفحات المنوعات.
بل كانت مصحة الأمراض النفسية والعقلية في المدينة تستعين به أحياناً لغسل المرضى وتنظيفهم.
ما كان يفعله شيخ العرب، من أفعال استثنائية، تقترب من الكرامات، لا تقوم به اليوم منظمات وُضعت لها ميزانيات، وسُلمت عربات دفع رباعي!
ويا للمفارقة المؤلمة…قبيل الذكرى العشرين لرحيل “شيخ العرب” عن الدنيا ، رحل بهدوءٍ مأساوي مريضٌ بسيط يُدعى علي آدم ، من أحد العنابر المهملة في مستشفى ود مدني!
روى قصته مراسل هذه الصحيفة الهمام “عمران الجميعابي”:
المريض نُقل للمستشفى بعد تعرضه لحادث سير، وأجريت له عملية جراحية لكسر في الفخذ.
تلقى العلاج، لكن غياب مرافق يشاطره آلامه، جعل حالته تتدهور شيئاً فشيئاً… حتى صار هيكلاً عظمياً، ثم تلاشى!
قال مصدر طبي لعمران: (عدم وجود مرافق للمريض لتقديم المساعدة في الاستحمام وغسل الملابس وغيرها، أدى لانبعاث روائح كريهة من العنبر، ما اضطر إدارة المستشفى لإفراغه وترك المريض وحيداً فيه!).
رحل “محمد” عن الدنيا بكسرٍ في الفخذ، وطعنةٍ في الخاطر، وجرحٍ في الوجدان!
رحل في زمنٍ غاب فيه شيخ العرب، ولم تحضر فيه منظمات الرعاية ولا صناديق الضمان.
يحدّثنا زميلنا الأستاذ/ محمد شيخ العرب عن والده، وكيف أن روائح عطور الموتى لم تكن تفارق ملابسه، وكيف أنه كان فاقداً لحاسة الشم.
شيخ العرب كان الوجه الآخر لغرنوي، بطل رواية “العطر”!
وإن كانت عظمة “جان باتيست غرونوي” أنه امتلك أنفاً خارقاً لتمييز الروائح، فإن شيخ العرب حُرم من حاسة الشم… ليقوم بمهام لا يقدر عليها سواه.
ما حُرِم منه جسده، فتح له بابًا للعطاء الخالص؛ لم يكن أنفه يشم، لكن إنسانيته كانت تفوح، تملأ المكان، وتخفف الآلام.
وتلك، لعمري، هي الكرامة الكبرى!

ضياء الدين بلال

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • مباحثات سعودية فرنسية بالرياض حول الوضع في غزة وجهود تنفيذ حل الدولتين
  • رئيسة منظمة أورو فلسطين الفرنسية: إسرائيل ترتكب جرائم إبادة جماعية في غزة
  • العرب يدعون واشنطن لإنهاء انحيازها لإسرائيل ويرفضون تهجير الفلسطينيين
  • مصر: حل الدولتين الضمان الوحيد للسلام الدائم
  • بالصور.. مؤتمر موسع لبحث تداعيات تهجير الفلسطينيين وآليات التصدي لمحاولات تصفية القضية الفلسطينية
  • مؤتمر موسع لبحث تداعيات تهجير الفلسطينيين وآليات التصدي لمحاولات تصفية القضية الفلسطينية
  • (صدق أو لا تصدق)…!
  • فرنسا تؤكد دعم الخطة العربية لإعمار غزة وخيار حل الدولتين
  • سفير مصر في جيبوتي: هناك توافق تام بين الدولتين بجميع المجالات
  • إسرائيل تلغي تأشيرات وفد فرنسي كان يعتزم زيارة الأراضي الفلسطينية