بول دزياتكويك ـ يونس زنجيبادي

تمثل الجولة الدولية للجنة الوزارية العربية الإسلامية -وهي المبادرة التي أطلقتها الدول الإسلامية في القمة العربية الإسلامية التي استضافتها المملكة العربية السعودية الشهر الماضي- تحولا محوريا في مشاركة الشرق الأوسط الدبلوماسية العالمية وفي استراتيجياته مع القوى الخارجية الرئيسية.

تهدف هذه الجولة -التي تشمل زيارات إلى دول الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة- إلى الضغط على مجلس الأمن الدولي من أجل التوحد حول تشجيع هدنة إنسانية مستدامة، أي وقف طويل الأمد لإطلاق نار، وإيجاد حل سياسي في غزة. وقد بدأت رحلة اللجنة الدبلوماسية بزيارات إلى الصين ثم روسيا، وتضمنت محادثات رفيعة المستوى مع وزيري خارجية البلدين. وأعقب ذلك اجتماع وزاري آخر في لندن مع وزير الخارجية البريطاني المعين حديثا، ديفيد كاميرون، لحشد دعم الحلفاء الأساسيين في أوروبا.

تخطط اللجنة بعد ذلك لزيارة فرنسا، وهي عضو آخر في مجلس الأمن الدولي، لكن الهدف النهائي الحقيقي لهذه المشاورات سوف يتمثل في تقريب الولايات المتحدة ـ وهي صانع القرار الأكثر نفوذا في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني ـ من موقف اللجنة الخاص المتمثل في الإيقاف السريع للحرب.

يشير هذا التسلسل في الزيارات، ابتداء ببكين ومرورا بأعضاء آخرين في مجلس الأمن، إلى تحول أوسع في الجغرافيا السياسية والدبلوماسية الإقليمية في الشرق الأوسط. ويبرز النظام الناشئ متعدد الأقطاب الذي تقوم فيه دول الشرق الأوسط بتنويع ارتباطاتها الدبلوماسية لمواجهة التحديات الإقليمية.

ويعكس النهج الذي تتبناه اللجنة، وبخاصة في تركيزها الأوليِّ على بكين، اعترافا جماعيا في المنطقة بالدور المتنامي الذي تلعبه الصين بوصفها وسيطا في الشرق الأوسط، وهو وضع عززه نجاحها أخيرا بالتوسط في الاتفاق الإيراني السعودي. وفي هذا السياق المتطور، تستفيد الصين أيضا من نفوذها المتزايد وتضع نفسها في موضع الوسيط المحايد في المنطقة، وهو ما يرى بعض الخبراء أنه قد يعد تحديا محتملا لدور الولايات المتحدة ونفوذها التقليديين. والحق أن النخب الإقليمية اليوم ـ وخلافا لحالها مع الصين ـ باتت تثق بدرجة أقل إلى حد ما في قدرة واشنطن على لعب دور صانع الملوك والعمل كضامن أمني موثوق به في المنطقة، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى دعمها المطلق لإسرائيل في الصراع الحالي.

ومع ذلك، لا ينبغي النظر إلى هذا بوصفه محض منافسة ثنائية لا تسمح إلا بفائز واحد من الولايات المتحدة والصين بالنفوذ في الشرق الأوسط. بل إنه يمثل فرصة لدبلوماسية تعاونية في منطقة مضطربة تحظى فيها كل من القوتين العظميين بنفوذ كبير على أطراف مختلفة تفتقر إليه القوة الأخرى في حين أنهما تشتركان في المصالح الاستراتيجية المتمثلة في الحفاظ على الأمن والسلام.

ويعد الاتفاق الإيراني السعودي بمثابة دراسة حالة ناجحة للتنسيق الدبلوماسي بين الصين والولايات المتحدة، حيث لعبت التأثيرات المنفصلة والمتكاملة لكلا البلدين دورا حاسما على فاعلين مختلفين في تحقيق صفقة لم تستفد منها القوتان فحسب، بل أيضا المنطقة الأوسع والمجتمع الدولي. وعلى الرغم من عدم وجود إطار رسمي لتنسيق الاستراتيجية الدبلوماسية الأمريكية والصينية تجاه الصفقة، إلا أن التنسيق بينهما من خلال أطراف ثالثة ـ هي على وجه التحديد المملكة العربية السعودية التي تحظى بعلاقات ودية مع كلا البلدين ـ ساعد في التوصل إلى انفراجة دبلوماسية فشلت عدة جولات من المحادثات التي يسرها العراق عن تحقيقها.

وفي ضوء تمايز أدوارهما ـ أي الولايات المتحدة بقدم حضورها وعلاقاتها الأمنية في المنطقة، والصين بنفوذها الاقتصادي فيها ـ فإن كلا البلدين في وضع فريد للعمل ضمن إطار تعاوني، مستوحى من قصة نجاحهما في الاتفاق الإيراني السعودي، لإنهاء الحرب في غزة.

من خلال تبني نهج تعاوني، يمكن للولايات المتحدة والصين، بالتنسيق ولكن من خلال قنوات منفصلة، الانخراط وتعزيز نفوذهما مع اللاعبين الإقليميين الرئيسيين، بما فيهم إسرائيل وتركيا وقطر والمملكة العربية السعودية وإيران، إلى جانب وكلائهم في المنطقة. وهذا الجهد المتضافر ضروري لتهدئة التوترات وتهيئة بيئة مواتية للتوصل إلى حل سياسي مستدام في غزة.

ومن المهم التأكيد على أن كلا من الولايات المتحدة والصين، اللتين تواجهان تحديات ملحة في الداخل والخارج، تميلان إلى تجنب المزيد من الصراع في الشرق الأوسط. وبالنسبة لكلا البلدين، فإن الأولوية إنما هي تحسين الظروف الاقتصادية المحلية وتناول ملفات في السياسة الخارجية الأخرى من قبيل الحرب المستمرة في أوكرانيا، وتغير المناخ، وإدارة العلاقات الثنائية المعقدة بينهما. والاتفاق الأخير بين الرئيس جو بايدن والرئيس شي جين بينج على إعادة إنشاء قنوات الاتصال العسكرية، والذي تم الإعلان عنه في قمة التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ الأخيرة، يشير إلى أن البلدين كليهما يفضلان التعاون على التصعيد حتى في علاقاتهما الثنائية، ناهيكم عنه في مناطق أخرى.

وفي ضوء هذا التطور الإيجابي في علاقاتهما الثنائية، فإن إطار تعاون بين الولايات المتحدة والصين لإنهاء الحرب في غزة بالتعاون الوثيق مع دول المنطقة وأعضاء مجلس الأمن الآخرين يمكن أن يقدم لكل من واشنطن وبكين سيناريو «مربحا للجانبين»، وللمنطقة والمجتمع العالمي على النطاق الأوسع. ومثل هذا التعاون لن يحل الصراع القائم فحسب، بل سيسهم أيضا في جعل الشرق الأوسط أكثر سلاما. وربما على القدر نفسه من الأهمية، يمكن أن يساعد في إعادة بناء الثقة بين هاتين القوتين الرئيسيتين بينما تديران منافستهما الاستراتيجية في مشهد عالمي يزداد نزوعا إلى تعدد الأقطاب.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الولایات المتحدة فی الشرق الأوسط المتحدة والصین فی المنطقة فی غزة

إقرأ أيضاً:

2024.. العام الذي أعاد تشكيل خريطة الشرق الأوسط

رأى إميل حكيم، مدير الأمن الإقليمي في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، أنه إذا كان المزيج الضخم من الحلقات المأساوية والمذهلة والاستراتيجية التي بدأت في أكتوبر (تشرين الأول) 2023 سيستغرق وقتاً ليستقر، فإن ما حصل سيترك بلا شك آثاراً بعيدة المدى.

أظهرت الإدارة الجديدة في دمشق ضبط نفس وبعض الحكمة

وفي مقال له بصحيفة فايننشال تايمز، أشار حكيم إلى أن المجتمعات المشرقية المتنوعة والهشة تمر بتحولات تاريخية جذرية. لكنه يرى أن هذه المجتمعات، في ظل هذا المسار، من المستبعد أن تجد دعماً خارجياً كبيراً بالنظر إلى التردد المحلي والإرهاق العالمي. ويصاحب إعادة ترتيب المنطقة عنف كبير ومنافسة متجددة.

معاناة الفلسطينيين

يختبر الفلسطينيون في غزة من معاناة غير مسبوقة على أيدي الجيش الإسرائيلي، ويرى حكيم أن الرهان الدموي الفاشل لحماس، مع عجز شركائها عن إنقاذ الوضع، يشكل تذكيراً واضحاً بأن المسار الوحيد لتحقيق الدولة الفلسطينية هو تدويل القضية والتوصل إلى حل متفاوض عليه.

وبرز التحالف الذي نظمته السعودية ودول عربية وأوروبية أخرى لدعم حل الدولتين كأكثر الوسائل ترجيحاً لتحقيق هذا الهدف. 

How 2024 reordered the Middle East https://t.co/KV3fyeIVVu pic.twitter.com/NDwyn9yaS7

— Mtro. Sergio J. González Muñoz (@ElConsultor2) December 22, 2024

ويتعين على الفلسطينيين أن يقتنعوا بأن هذا الحل أكثر من مجرد رقصة دبلوماسية رمزية، بل يتعين عليهم أيضاً أن يظهروا ملكيتهم للمسار  من خلال إصلاح طال انتظاره للسلطة الفلسطينية، ومع ذلك، تظل مثل هذه التطلعات عُرضة للتعنت الإسرائيلي والغضب المحتمل من جانب دونالد ترامب.

العقلية الخطيرة لإسرائيل

وأتاح الدعم غير المشروط الذي تحصل عليه إسرائيل من الولايات المتحدة والدول الأوروبية، لها تجاهل الحاجة إلى تحقيق سلام عادل يضمن الأمن للجميع.

لكن هذه العقلية التي ترتكز على الأمن فقط لها عواقب عكسية؛ فهي مكلفة، وتعزز الاعتماد على الولايات المتحدة، وتنفر الشركاء الحاليين والمحتملين في المنطقة الذين يخشون توسع الصراع ليشمل إيران أو منشآتها النووية. 

لكن لهذه العقلية القائمة على الأمن وحسب عواقب عكسية. فهي مكلفة وتزيد من الاعتماد على الولايات المتحدة وتنفّر الشركاء الحاليين والمحتملين في الجوار والذين يخشون أن توسع إسرائيل الصراع من خلال ضرب القيادة الإيرانية والمنشآت النووية. كما أن خسائر السمعة بنتيجة حرب غزة هائلة، وتلوح في الأفق مسؤوليات قانونية.

ويبدو أن سلطة رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتانياهو وأتباعه المتطرفين أصبحت مضمونة في وقت تتزايد الانقسامات الداخلية حول طبيعة الدولة الإسرائيلية.

قوتان متعارضتان

أما اللبنانيون، فيواجهون دينامية معاكسة. إذ يتعين على حزب الله الاعتراف بانهيار استراتيجيته العسكرية وروايته الأيديولوجية، إلى جانب تراجع صدقيته. في ظل هذه الظروف، يبدو إحياء روح القتال التي يتبناها حزب الله مهمة صعبة، خاصة في ضوء الجراح العميقة التي أصيب بها، وخسارته المفاجئة لسوريا، وأوضاع أنصاره المتدهورة.
والعديد من اللبنانيين يرون فرصة لإصلاح دولتهم، لكنهم يدركون أيضاً خطر استفزاز حزب الله الجريح، ما قد يؤدي إلى صراع داخلي. 

How 2024 reordered the Middle East https://t.co/OwLrFZSzBJ

— FT World News (@ftworldnews) December 22, 2024 المفارقة السورية وفي سوريا، تذوق السوريون طعم الحرية لأول مرة بعد عقود من القمع. ويرى حكيم أن انهيار نظام الأسد حدث دون مشاهد عنف طائفي جماعي مخيفة، بينما أظهرت الإدارة الجديدة في دمشق ضبط نفس وحكمة نسبية.
ويتطلب تأمين السلام في سوريا جهوداً ضخمة من الكرم والتفاني في إدارة الحكم الشامل، في ظل وجود مفسدين داخليين وخارجيين. ويبدو أن السوريين كشفوا عيوب السياسة الواقعية، رغم أنهم الآن بحاجة إلى حسن نية أجنبية.
ولتحقيق مصالحة عربية كردية، يتطلب الأمر اعتدالاً تركياً ودبلوماسية أمريكية، مع احتمال أن تسهم الوساطة الروسية في طمأنة المجتمع العلوي.
حذار الرضا عن النفس

ختاماً، أكد حكيم أن إيران خسرت الكثير نتيجة الأحداث الأخيرة. فبينما كانت تسعى لتعزيز نفوذها في دول منهارة ومجتمعات منقسمة، وجدت نفسها منخرطة في حروب أضعفتها.

في المقابل، استغلت تركيا هذا الوضع لتتفوق على إيران في الساحة الجيوسياسية المركزية للمنطقة، وهي سوريا.

ورغم هذه التحولات التاريخية، لم يشهد العالم أزمة هجرة ضخمة، أو حرباً مطولة بين دول، أو هجوماً إرهابياً كبيراً خارج المنطقة، أو تأثيراً مستداماً على أسعار النفط والتجارة العالمية. لكن حكيم يحذر من أن هذا الشعور بالرضا عن النفس قد يكون مقدمة لمفاجآت غير مرغوب فيها.

مقالات مشابهة

  • خبير: إسرائيل تحولت إلى مصدر خطر كبير على دول الشرق الأوسط
  • عودة مشروع الشرق الأوسط الجديد من البوابة السورية
  • أستاذ علوم سياسية: توسيع الصراع بالشرق الأوسط يؤدي لانتشار الفوضى وعدم الاستقرار وتقويض الأنظمة السياسية
  • دبلوماسيون: مطلوب حلول سلمية تؤمِّن وحدة واستقرار الدول
  • وزير الخارجية الأسبق: سياسة مصر الحكيمة تعزز الاستقرار الإقليمي.. و2025 سيكون صعبا على المنطقة
  • تحديات وعقبات.. أطراف إقليمية ودولية تؤجج الصراعات لإطالة أمدها بالشرق الأوسط
  • تحديات النمو الاقتصادي في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.. المشكلات الهيكلية
  • 2024.. العام الذي أعاد تشكيل خريطة الشرق الأوسط
  • ترامب: سأوقف الفوضى في الشرق الأوسط والحرب بأوكرانيا
  • نظام إسرائيلي في الشرق الأوسط