تراجعت أسعار النفط، بعدما فشلت في الاحتفاظ بالمكاسب المبكرة، وسط شكوك مستمرة في أن تخفيض المعروض الأخير من قبل تحالف "أوبك+" سيغير مجرى السوق.

تراجع أسعار النفط

وانخفض سعر خام برنت نحو 78 دولاراً للبرميل بعد خسارة استمرت ستة أسابيع، في حين كان خام غرب تكساس الوسيط أقل من 74 دولاراً.

وجاء هذا الانخفاض على الرغم من التكهنات بأن الاحتياطي الفيدرالي قد انتهى من رفع أسعار الفائدة واحتمال تشديد العقوبات الأميركية على الإمدادات الفنزويلية مرة أخرى.

وتوقع المستثمرون بأن الخطوة التالية للاحتياطي الفيدرالي ستكون تخفيض سعر الفائدة، اكتسبت المزيد من الزخم، مما يضر بالدولار الأمريكي، ويجعل السلع أكثر جاذبية، وكان التركيز أيضاً على الإمدادات الفنزويلية بعد أن قال البيت الأبيض إنه يقوم بتقييم العواقب المحتملة بعد عدم قيام الرئيس نيكولاس مادورو بالإفراج عن الأميركيين المحتجزين قبل الموعد النهائي في نهاية نوفمبر، وعقدت الولايات المتحدة اتفاقاً مع فنزويلا في أكتوبر لرفع بعض العقوبات، بما في ذلك العقوبات المفروضة على النفط، وهناك مخاوف من عدم تجديد الاتفاق لمدة ستة أشهر.

وكانت فرضت وزارة الخزانة الأمريكية يوم الجمعة عقوبات على ثلاث شركات وسفن أخرى لانتهاكها الحد الأقصى لسعر 60 دولاراً للبرميل المفروض على النفط الروسي، ليصل إجمالي عدد الشركات التي طالتها العقوبات إلى ثمانية. 

وقال نائب وزير الخزانة الأميركية والي أدييمو إن فرض القيود هو "أولوية قصوى"، وسجل النفط في نوفمبر انخفاضاً للشهر الثاني مع زيادة الإمدادات من الدول غير الأعضاء في أوبك بما في ذلك الولايات المتحدة، في حين تراجعت توقعات نمو الطلب. 

وجاء التراجع على الرغم من تحرك منظمة البلدان المصدرة للبترول وحلفائها الأسبوع الماضي لتعميق تخفيضات الإنتاج بعد اجتماع صعب شهد خلافات داخلية وتأخيراً.

من جانبه قال المهندس مدحت يوسف نائب رئيس هيئة البترول الأسبق، إن أسعار النفط عالميا تحيط بها العديد من علامات الاستفهام فالعديد من التوترات السياسية والعسكرية وحروب دائرة سواء في منطقة البلطيق في أوكرانيا وهناك حرب غزة، وهذا مدعاة للجوء إلى تخزين النفط تحسبا للمزيد من التوترات مما يدعو إلى زيادة الطلب وبالتالي ارتفاع الأسعار العالمية.

وأضاف "يوسف" في تصريحات لـ “صدى البلد”، أن السوق العالمي شهد تراجعا طفيفا في أسعار النفط عالميا ليصل إلى ٧٩ دولارا للبرميل من نوعية خام برنت القياسي بعد أن بلغ ذروته منذ فترة ليست بالبعيدة مقتربا من حاجز المائة دولارا.

مفاجآت سارة بالقارة السمراء.. طفرة غير مسبوقة بإيرادات الغاز بقيادة مصر تموين البحيرة.. ضبط مخالفات خاصة بتجميع أسطوانات الغاز البترول توضح سبب انتشار رائحة الغاز في فيصل الساعات الأخيرة.. البترول تحذر من مضاعفة فاتورة الغاز المنزلي لشهر نوفمبر.. تفاصيل

وأشار إلى أن ما يزيد الأمر تعقيد تصريحات المسئولين بمنظمة أوبك وحلفاؤها من توقعات بلجوء دول أوبك بلس إلى المزيد من تخفيض حصص الإنتاج لينحصر حجم المعروض من النفط في المستقبل القريب إلا أن الأسعار المتداولة حاليا لا تعبر عن ذلك.

وتراجع إنتاج منظمة البلدان المصدرة للبترول أوبك من النفط الشهر الماضي، نتيجة تخفيضات متواضعة في إيران والعراق ونيجيريا، وذلك قبل دخول التخفيضات الجديدة التي تم إقرارها يوم الخميس بنحو 2.1 مليون برميل حيز التنفيذ.

وهبط إنتاج أوبك 140 ألف برميل يوميًا ليصل إلى ما يفوق بقليل 28 مليون برميل يوميًا في نوفمبر المنقضي بحسب استطلاع بلومبرج، وشهدت نيجيريا والعراق أكبر تخفيضات، إذ قلص كل منهما الإنتاج بنحو 50 ألف برميل يوميًا.

وتأجل اجتماع أوبك+ لمدة 4 أيام، حيث واجه التحالف صعوبة تسوية الخلاف إزاء تقليص حصص إنتاج 2024 للبلدين العضوين الأفريقيين أنجولا ونيجيريا.

إنتاج النفط

كما كشف الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، أن بلاده ستنضم إلى أوبك+ بهدف إقناع الدول الرئيسية المنتجة للنفط بالاستعداد للتحول في مجال الطاقة دون الوقود الأحفوري.

وكانت قالت شبكة سي إن بي سي، إنه من المتوقع أن ترتفع أسعار البترول في العام الجديد بعد أن تعهد بعض منتجي النفط في "أوبك+" طوعا بخفض الإنتاج.

وأصدر تحالف النفط يوم الخميس الماضي، بيانًا لم يؤيد رسميًا تخفيضات الإنتاج، لكن الدول الفردية أعلنت عن تخفيضات طوعية يبلغ إجماليها 2.2 مليون برميل يوميًا للربع الأول من عام 2024.

وتقود التخفيضات المملكة العربية السعودية، أكبر أعضاء أوبك+ وأكبر عضو فيها. ووافقت الرياض على تمديد خفض الإنتاج الطوعي بمقدار مليون برميل يوميا - والذي تم تطبيقه منذ يوليو - حتى نهاية الربع الأول من عام 2024.

وقال البنك الاستثماري في مذكرة: "نقدر دفعة ميكانيكية متواضعة من التخفيض الإضافي لأسعار خام برنت في 24 ديسمبر بنحو 4 دولارات للبرميل مقارنة بافتراضاتنا السابقة لأوبك+".

وأضاف أنه يتوقع أن تتمكن المجموعة من الحفاظ على أسعار خام برنت عند نطاق بين 80 دولارًا - 100 دولار في عام 2024.

وانخفضت العقود الآجلة لخام برنت القياسي العالمي بنسبة 0.25٪ إلى 80.66 دولار  للبرميل يوم الجمعة، في حين تراجعت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأمريكي بنسبة 0.04% إلى 75.93 دولارًا للبرميل.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: النفط تراجع أسعار النفط اوبك اسعار النفط اوبك بلس برمیل یومی ا أسعار النفط ملیون برمیل خام برنت

إقرأ أيضاً:

مرجعية تاريخية.. «رأس المال» لـ كارل ماركس وتأثيره العالمي

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق - كتاب يبحث عن العدالة الاجتماعية وإنصاف العمال منذ قرن ونصف
 

يُعد كتاب «رأس المال: نقد الاقتصاد السياسي» (Das Kapital) أحد أهم الأعمال الفكرية في تاريخ الفلسفة والاقتصاد، ألفه الفيلسوف والاقتصادي الألماني كارل ماركس. 

يتناول الكتاب تحليل النظام الرأسمالي بعمق، موضحًا آليات الاستغلال، تراكم رأس المال، والآثار الاجتماعية والاقتصادية للرأسمالية.

تم نشر المجلد الأول عام 1867، بينما نُشِرَ المجلدان الثاني والثالث بعد وفاة ماركس بواسطة صديقه فريدريك إنجلز. اعتمد ماركس في تحليله على نظريات الاقتصاد الكلاسيكي لآدم سميث وديفيد ريكاردو، لكنه تجاوزهما بتقديم منهج تحليلي جديد قائم على المادية الجدلية والتاريخية.

تناقضات 

يهدف كارل ماركس في «رأس المال: نقد الاقتصاد السياسي»، إلى كشف التناقضات الجوهرية في الرأسمالية، وهو نظام يقوم على استغلال الطبقة العاملة لصالح رأس المال. يرفض ماركس التصورات السطحية للاقتصاديين الكلاسيكيين، مثل آدم سميث وديفيد ريكاردو، الذين تعاملوا مع السوق باعتباره نظامًا طبيعيًا وعادلًا، دون النظر إلى علاقات الإنتاج والصراع الطبقي الذي يولّد فائض القيمة لصالح الرأسماليين.

ويكشف الكتاب عن أن الرأسمالية ليست مجرد نظام اقتصادي، بل هي علاقة اجتماعية مبنية على الاستغلال المنهجي. العمال يُجبرون على بيع قوة عملهم لأنهم لا يمتلكون وسائل الإنتاج، مما يجعلهم عرضة لسرقة جزء من جهدهم من قبل الرأسماليين، وهو ما يسميه ماركس "فائض القيمة". من خلال هذه الآلية، يتحول العمل الحي إلى وسيلة لزيادة تراكم رأس المال، مما يعمّق عدم المساواة.

ويركّز ماركس على قانون التراكم الرأسمالي، حيث يُعاد استثمار الأرباح في توسيع الإنتاج، مما يؤدي إلى تمركز رأس المال في أيدي قلة، وتزايد البؤس بين العمال. هذا التراكم لا يؤدي إلى الاستقرار، بل يُنتج أزمات دورية متكررة ناتجة عن فائض الإنتاج، حيث تعجز السوق عن استيعاب البضائع، مما يؤدي إلى تسريح العمال وإفلاس الشركات الصغيرة، وهو ما يعكس التناقض الداخلي في الرأسمالية.

وعلى عكس الاقتصاديين البرجوازيين الذين يرون الاقتصاد باعتباره مجموعة قوانين ثابتة، يطبّق ماركس المنهج المادي الجدلي لفهم تطور المجتمع. وفقًا لهذا المنهج، فإن التغيرات الاقتصادية تُشكّل البناء الفوقي للمجتمع، بما في ذلك السياسة، القانون، والثقافة. ولذلك، فإن الرأسمالية ليست نظامًا أبديًا، بل مرحلة تاريخية ستُستبدل بنظام أكثر عدالة، حيث يمتلك المنتجون وسائل الإنتاج، مما ينهي الاستغلال الطبقي.

الأفكار الرئيسية 

يتناول الكتاب عدة محاور أساسية، منها: نظرية فائض القيمة.

يرى ماركس أن جوهر الرأسمالية يكمن في الاستغلال، حيث يُجبر العمال على بيع قوة عملهم مقابل أجر لا يعكس القيمة الحقيقية لعملهم. الرأسمالي لا يدفع للعمال إلا ما يكفي لإعالتهم واستمرارهم في العمل، بينما القيمة التي ينتجونها تفوق ما يحصلون عليه من أجور.

ويتمثل فائض القيمة في الفرق بين قيمة السلع التي ينتجها العمال وما يُدفع لهم كأجور. هذا الفائض لا يعود إلى العمال، بل يتم الاستيلاء عليه من قبل الرأسماليين. كلما زاد استغلال العمال، زاد فائض القيمة، مما يؤدي إلى تراكم الثروة في يد الطبقة البرجوازية وتفاقم الفقر بين العمال.

ولا يكتفي الرأسماليون بجني الأرباح، بل يسعون إلى تعظيمها عبر زيادة فائض القيمة، إما بإطالة يوم العمل، أو بتكثيف الإنتاج من خلال التكنولوجيا التي تزيد من إنتاجية العمال دون زيادة أجورهم. هذه الممارسات تكرّس الاستغلال وتزيد من التفاوت الطبقي.

ويرى ماركس أن فائض القيمة هو المحرك الأساسي للرأسمالية، لكنه أيضًا تناقضها الأكبر، إذ يؤدي تراكم الثروة في يد قلة إلى إفقار الطبقة العاملة وتقويض قدرة السوق على الاستهلاك. هذا التناقض سيؤدي في النهاية إلى انهيار الرأسمالية وبروز نظام اجتماعي أكثر عدالة.

تراكم رأس المال

يشرح ماركس أن الرأسمالية ليست نظامًا ثابتًا، بل ديناميكيا يقوم على التوسع المستمر. يسعى الرأسمالي إلى إعادة استثمار الأرباح في الإنتاج، ليس فقط من أجل الربح، ولكن أيضًا للبقاء في المنافسة. هذه العملية تؤدي إلى تراكم رأس المال في أيدي عدد متزايد من القلة.

ومع تزايد التنافس، يُجبر الرأسماليون الصغار إما على التوسع أو الإفلاس، مما يؤدي إلى تركيز الثروة في أيدي قلة من الاحتكاريين. يخلق هذا التراكم احتكارات تسيطر على السوق وتحدّ من المنافسة، وهو تناقض داخلي في النظام الرأسمالي.

ومع تصاعد التراكم، يسعى الرأسماليون إلى تخفيض التكاليف، مما يؤدي إلى زيادة استغلال العمال عبر تخفيض الأجور، وإطالة ساعات العمل، وتسريح العمال غير الضروريين. هكذا، يؤدي تراكم رأس المال إلى تعميق التفاوت الطبقي وإفقار الطبقة العاملة.

ويرى ماركس أن هذه العملية لا يمكن أن تستمر إلى الأبد، إذ سيصل النظام إلى نقطة يصبح فيها الاستغلال غير محتمل، مما يؤدي إلى انتفاض العمال وسقوط النظام الرأسمالي، ليحل محله نظام اشتراكي يُدار لصالح المنتجين لا الرأسماليين.

الاغتراب 

في ظل الرأسمالية، لا يمتلك العامل السيطرة على المنتج الذي يصنعه، إذ يصبح العمل مجرد وسيلة للبقاء وليس تحقيق الذات. العامل ينتج سلعًا لا يملكها، بل يستولي عليها الرأسمالي ويبيعها لتحقيق الربح، مما يؤدي إلى شعور العامل بالاغتراب عن عمله.

ولا يُنظر إلى العمل في الرأسمالية كوسيلة للإبداع وتحقيق الذات، بل كعبء مفروض على العامل، يؤدي إلى إنهاكه واستنزاف طاقته دون أي إشباع حقيقي. هذا الوضع يحوّل الإنسان إلى مجرد أداة للإنتاج بدلًا من أن يكون فاعلًا في عملية الإنتاج نفسها.

ولا يقتصر الاغتراب على العمل فقط، بل يمتد إلى علاقات العمال بعضهم ببعض. في بيئة تنافسية حيث يسعى الجميع للبقاء، يصبح التضامن بين العمال هشًا، مما يمنعهم من توحيد صفوفهم ضد الرأسماليين، ويؤدي إلى مزيد من الفردانية والانقسام.

ويرى ماركس أن إنهاء الاغتراب لا يكون إلا بالقضاء على الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج، بحيث يصبح العمل وسيلة لتحرير الإنسان بدلًا من استعباده. في النظام الاشتراكي، يكون العمال هم الملاك الفعليون للإنتاج، مما يعيد إليهم السيطرة على عملهم وحياتهم.

أزمات الرأسمالية

على عكس ما يدّعيه الاقتصاديون البرجوازيون، يرى ماركس أن الأزمات ليست حوادث عرضية في الرأسمالية، بل هي جزء جوهري من بنيتها. تنشأ الأزمات بسبب التناقضات الداخلية للنظام، خاصة بين الإنتاج والاستهلاك.

وفي سعيهم لتحقيق أرباح أكبر، يقوم الرأسماليون بإنتاج كميات ضخمة من السلع، لكن بسبب انخفاض الأجور وتفاوت الدخل، لا يستطيع العمال شراء هذه السلع. يؤدي ذلك إلى تكدّس البضائع غير المباعة، مما يدفع المصانع إلى الإغلاق وتسريح العمال، فتتفاقم الأزمة.

ومع تكرار الأزمات، يصبح الأغنياء أكثر ثراءً بينما تزداد الطبقة العاملة فقرًا وبؤسًا. يؤدي ذلك إلى تأجيج الصراع الطبقي، حيث يبدأ العمال في إدراك أن النظام الرأسمالي لا يخدم مصالحهم، مما يمهد الطريق للتحول الثوري.

ويرى ماركس أن هذه الأزمات ستتكرر بشكل متزايد حتى تصل الرأسمالية إلى نقطة الانهيار الذاتي، حيث يصبح الاستغلال غير محتمل وتصبح الثورة العمالية حتمية. مع سقوط الرأسمالية، سيتم استبدالها بنظام اشتراكي أكثر عدالة، حيث يتم الإنتاج بناءً على الحاجات الفعلية للناس وليس لتحقيق الأرباح.

تأثير الكتاب عالميًا

تجاوز تأثير كتاب ماركس نقد الاقتصاد السياسي المستوى الأكاديمي إلى عدة مجالات أخرى من أهمها:

الثورات والحركات الاشتراكية

ألهم كتاب «رأس المال» الحركات الاشتراكية والثورية لأنه قدم تفسيرًا علميًا للتناقضات الداخلية في النظام الرأسمالي، ما كشف الطبيعة الاستغلالية التي تُميز العلاقة بين الطبقات الاجتماعية. رأى ماركس أن التاريخ يتقدم من خلال الصراع الطبقي، حيث تسعى الطبقة العاملة لتحطيم قيود الاستغلال المفروضة عليها من قبل البرجوازية. هذه الأفكار شكلت الأساس الفكري للثورة الروسية عام ١٩١٧، حيث طبق البلاشفة المفهوم الماركسي في بناء دولة اشتراكية تسعى لإلغاء الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج.

امتدت تأثيرات كتاب «رأس المال» إلى الحركات الاشتراكية في أوروبا وآسيا وأمريكا اللاتينية، التي سعت إلى تحقيق العدالة الاجتماعية من خلال القضاء على الفوارق الطبقية. في الصين، قاد ماو تسي تونغ ثورة مستوحاة من الماركسية، معدلًا نظريات ماركس لتتناسب مع الظروف الزراعية الصينية. وفي أمريكا اللاتينية، تجسدت أفكار ماركس في الكفاح ضد الإمبريالية واستغلال الشركات متعددة الجنسيات.

بالنسبة لماركس، هذه الثورات والحركات ليست سوى تعبير عن حتمية تاريخية. إذ كان يعتقد أن النظام الرأسمالي سينهار بفعل تناقضاته الداخلية، ليحل محله نظام اشتراكي يعبر عن مصالح الطبقة العاملة. هذه الحتمية لم تكن تنبؤًا فحسب، بل دعوة للعمل من أجل بناء عالم جديد خالٍ من القهر والاستغلال.

النقابات العمالية

كان «رأس المال» مصدر إلهام لتطوير الوعي الطبقي بين العمال، حيث أوضح ماركس كيف يستغل النظام الرأسمالي العمل البشري لتحقيق الربح. هذا الوعي دفع العمال إلى الاتحاد في نقابات عمالية لمقاومة الاستغلال، والمطالبة بحقوقهم. بالنسبة لماركس، النقابات تمثل المرحلة الأولى في تنظيم الطبقة العاملة، وهي أداة لتحدي سلطة رأس المال والسعي لتحسين ظروف العمل.

النقابات العمالية، التي ناضلت من أجل الأجور العادلة وساعات العمل المحدودة، جسدت رغبة العمال في تقليل هيمنة الرأسمالية على حياتهم اليومية. هذه الحركات، رغم كونها إصلاحية، مهدت الطريق لتطوير وعي ثوري أعمق يدرك الحاجة لتغيير النظام بأكمله. رأى ماركس أن هذه الإصلاحات قد تخفف من معاناة العمال، لكنها لا تقضي على السبب الجذري للاستغلال.

من وجهة نظر ماركسية، النقابات ليست هدفًا بحد ذاتها، بل وسيلة لتنظيم الطبقة العاملة تمهيدًا للثورة الاشتراكية. فالعمال يجب أن يتجاوزوا المطالب الإصلاحية ويعملوا من أجل الإطاحة بالنظام الرأسمالي، وتحقيق السيطرة الجماعية على وسائل الإنتاج.

التأثير الأكاديمي

يبقى «رأس المال» مرجعًا أساسيًا في الدراسات الأكاديمية لأنه قدم تحليلًا علميًا للنظام الرأسمالي، يركز على كيفية توليد القيمة والاستغلال في عملية الإنتاج. كتاب ماركس لم يكن مجرد نقد أخلاقي، بل دراسة منهجية كشفت التناقضات البنيوية التي تجعل النظام الرأسمالي غير مستدام على المدى البعيد. لذلك، يُدرس في الجامعات ضمن مجالات الاقتصاد الماركسي، والعلوم السياسية، والفلسفة، بوصفه عملًا كلاسيكيًا لفهم الاقتصاد والمجتمع.

من وجهة نظر ماركسية، التعليم الأكاديمي الذي يتناول "رأس المال" يجب أن يساهم في بناء وعي نقدي يفضح أيديولوجيا البرجوازية، التي تسعى لتبرير النظام القائم. دراسة كتاب "رأس المال" لا تهدف فقط لفهم الرأسمالية، بل لتغييرها. لذلك، تشكل الماركسية جزءًا أساسيًا من الفكر الثوري الذي يربط النظرية بالممارسة.

رغم هيمنة النظريات الاقتصادية الليبرالية، لا تزال الماركسية تُعتبر أداة حية لفهم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي يواجهها العالم. بالنسبة لماركس، البحث الأكاديمي ليس محايدًا؛ إنه جزء من الصراع الطبقي، ويجب أن يساهم في تعزيز نضال العمال ضد النظام الاستغلالي.

التحدي للرأسمالية

رغم مرور أكثر من قرن ونصف على صدور «رأس المال»، تبقى أفكار ماركس حية في نقد النظام الرأسمالي، خاصة في ظل الأزمات الاقتصادية العالمية. رأى ماركس أن الرأسمالية تقوم على التراكم غير العادل للثروة، حيث يتم استغلال العمال لإثراء أصحاب رأس المال. هذه الأفكار أصبحت أكثر وضوحًا خلال أزمات مثل أزمة ٢٠٠٨، التي كشفت هشاشة النظام المالي وعدم المساواة المتزايدة في توزيع الثروة.

من منظور ماركسي، هذه الأزمات ليست انحرافات عن النظام الرأسمالي، بل نتيجة حتمية لتناقضاته الداخلية. التركيز على الربح، التنافسية المفرطة، وعدم قدرة السوق على تنظيم نفسه بشكل عادل كلها تؤدي إلى دورات من الازدهار والانهيار. لذلك، النقد الماركسي لا يقتصر على الإصلاح، بل يدعو إلى تجاوز النظام برمته.

في عالم اليوم، حيث تتفاقم الفجوات الطبقية ويزداد الاستغلال، تمثل أفكار ماركس دعوة للعمال للتحرك من أجل بناء نظام جديد. بالنسبة له، الحل الوحيد هو إنهاء الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج، واستبدالها بنظام اشتراكي يُدار بشكل جماعي لصالح المجتمع بأسره، وليس لتحقيق أرباح قلة من البرجوازيين

الخاتمة

ترك «رأس المال» بصمة هائلة في مجالات متعددة، بما في ذلك الاقتصاد، علم الاجتماع، العلوم السياسية، والفلسفة. الجامعات والمؤسسات الأكاديمية حول العالم استمرت في تدريس أفكار ماركس باعتبارها أداة لفهم تطور الأنظمة الاقتصادية وتحليل تأثيرها على المجتمعات.

على سبيل المثال، أثر «رأس المال» على النظريات النقدية الحديثة التي تسعى لفهم العلاقة بين رأس المال والعمل في ظل العولمة. كما شكل الكتاب أساسًا للعديد من المدارس الفكرية مثل مدرسة فرانكفورت، التي استخدمت أفكار ماركس لتحليل الثقافة والإعلام كأدوات للهيمنة الرأسمالية.

في علم الاجتماع، ساعدت أفكار ماركس حول الصراع الطبقي والاغتراب في تطوير نظريات تهتم بدراسة عدم المساواة الاجتماعية والصراعات الاجتماعية. في الاقتصاد، ساهم الكتاب في فهم كيفية توزيع الموارد والثروة، وقدم أدوات لتحليل الأزمات الاقتصادية.

كتاب «رأس المال» لكارل ماركس ليس مجرد تحليل اقتصادي، بل رؤية شاملة للنظام الرأسمالي وتناقضاته الداخلية وتأثيره على المجتمعات. ألهم الكتاب حركات اجتماعية وثورات حول العالم، وساهم في بناء نقاشات أكاديمية مستمرة حول العدالة الاجتماعية والاستغلال. يظل الكتاب أحد أعمدة الفكر الحديث، ومرجعًا لفهم الأزمات الاقتصادية والتغيرات الاجتماعية التي يشهدها العالم حتى اليوم.
 

 

مقالات مشابهة

  • 308 ملايين برميل صادرات عُمان من النفط الخام بنهاية ديسمبر
  • هل تغيّر أوبك+ سياستها لإنتاج النفط خلال الاجتماع المقبل؟
  • عمان تصدر 308 مليون برميل نفط بنهاية ديسمبر 2024
  • مرجعية تاريخية.. «رأس المال» لـ كارل ماركس وتأثيره العالمي
  • ارتفاع أسعار النفط.. وخام برنت يسجل 77.25 دولارا للبرميل
  • ارتفاع إنتاج النفط الليبي اليومي إلى مليون و413 ألف برميل
  • استقرار أسعار النفط مع ترقب لقرار أوبك بلس وزيادة المخزونات الأمريكية
  • بالأرقام.. معدلات الإنتاج في الحقول النفطية تبلغ 1.651.498 برميل يومياً
  • النفط العراقي يستقر عند 78 دولار للبرميل لليوم الثاني تواليا
  • النفط العراقي يستقر عند الـ78 دولار للبرميل لليوم الثاني تواليا